دروس من الماضي القريب: الإتفاقيات الوهمية وتأثيرها على الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي
تاريخ النشر: 20th, February 2024 GMT
فبراير 20, 2024آخر تحديث: فبراير 20, 2024
د. أروى محمد الشاعر
منذ السابع من أكتوبر عام ٢٠٢٣، أشارت وسائل الإعلام الغربية بشكل متكرر إلى تردد الفلسطينيين عبر التاريخ في التوقيع على اتفاقيات السلام كأساس لاستمرار الصراع والنزاع بشكل لا مفر منه.
لقد عملت “هسبراه”، الحملة الإعلامية الإسرائيلية التي تكلف 8.
لقد اشتهرت الأنظمة التوسعية والمستعمرين الأوروبيين بالاعتماد على صياغة معاهدات غير صادقة فتحت الباب لاستمرار التهجير والاستيلاء على الأراضي.
لا نحتاج إلى البحث أبعد من استعمار الولايات المتحدة للسكان الأصليين الذين لقبوهم بالهنود الحمر، أو الاستيلاء على الأراضي بشكل متهور وغير قانوني من قبل النظام النازي خلال الحرب العالمية الثانية، واستعمار أفريقيا ودولنا، لنرى ما يحدث عندما يوافق السكان الأصليين على معاهدات سلام يتم خلالها القضاء عليهم واستعمارهم نتيجة ذلك.
لقد كان الميثاق الألماني النازي السوفيتي في عام 1939 اتفاقًا وُقع بين الاتحاد السوفيتي وألمانيا النازية، كنية حسنة من طرف الاتحاد السوفيتي، ولكن في النهاية زرع بذور حرب كارثية. بينما كان يُعتبر في البداية لحظة عظيمة في الطريق إلى السلام، فتح الباب للفوضى الشاملة، فبينما كان الصراع مستعرًا في غرب ألمانيا ، سعى ستالين لتجنب أي من العنف الذي يمكن أن ينتقل إلى الاتحاد السوفيتي. بتوقيعه على هذا الاتفاق، وذلك لمنع هتلر من التوغل شرقًا للإستيلاء على أراضي وموارد الاتحاد السوفيتي. رأى هتلر بخبث الأمور من منظور مختلف تمامًا، حيث سمح له الاتفاق بالتركيز حصريًا على الجبهة الغربية التي تضم معظم الدول الأوروبية بما فيهم انكلترا وفرنسا ، ومواصلة توسيع احتلاله العسكري حيث كان متأكدًا من أن الاتحاد السوفيتي لن يقف في طريقه.ولكن ما هو أسوأ، أن ذلك منحه وقتًا كافيًا لزيادة تسلحه العسكري بحيث يمكنه بدوره التخطيط لغزو الإتحاد السوفيتي بعد عامين من بداية الحرب العالمية الثانية والتي كانت مشتعلة بين هتلر ومعظم دول أوروبا، وهذا ماحدث في هجوم هتلر الوحشي على الاتحاد السوفييتي والذي عرف باسم عملية بربروسا وأدى إلى دخول الاتحاد السوفييتي في الحرب العالمية الثانية والتي استمرّت لعدة سنوات ، هذا كان من الممكن تجنبه لو أن الاتحاد السوفيتي لم يوقع الاتفاق والذي أعطى هتلر فرصة افضل لتجهيز جيشه بشكل أقوى.
نأخذ كمثال اَخر نيفيل تشامبرلين، رئيس وزراء المملكة المتحدة آنذاك، بالرغم من أنه كان دبلوماسياً عرف بدهائه لعدة سنوات الا أنه في النهاية أصبح ضحية لنفس المصير. التزم بسلسلة من الاتفاقيات في ميونيخ مع هتلر خلال سياسته للتهدئة والتي أدت إلى موافقته على خطة هتلر بالاستيلاء على مدينة سوديتنلاند في تشيكوسلوفاكيا والتي كانت تخضع لحماية إنكلترا ، وأكثر من ذلك فقط قام هتلر بعد ذلك بمهاجمة إنكلترا في طريقه إلى الكثير غير ذلك. وهكذا استخدم هتلر الاتفاقيات للحصول على موارد أكثر ولمواصلة مساره في سباقه الجنوني للاستيلاء على أكبر قدر ممكن من أوروبا.
هذا التاريخ يذكرنا ما يحدث من قبل الكيان الصهيوني الإسرائيلي اليوم، بالاستمرار في الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية والتوسع الإقليمي بالتزامن مع عقد اتفاقيات سلام وهمية وتطبيع مع الدول العربية والسلطة الفلسطينية، وذلك لتهدئة المجتمع الدولي. ثم استخدام هذه الاتفاقيات بدهاء لجلب المزيد من المستوطنين واحتلال الأراضي الفلسطينية.
كيف يمكن أن تثق بدولة كهذه عندما تقوم بالاستجلاء على المزيد من الأراضي والموارد ولا تلتزم بتاتاً بالقانون الدولي، إنه من المستحيل ردعها عبر اتفاقيات السلام.
هناك حدث آخر ممثل في ” العالم الجديد” لما يحدث اليوم في فلسطين، حيث استخدم المستوطنون الأوروبيون عند وصولهم إلى أميركا الشمالية اتفاقيات السلام لتسهيل الاستيلاء على المزيد من الأراضي بأسرع وقت، فعندما وصل هؤلاء الأوروبيون في عام 1492 إلى أميركا الشمالية، كان هناك أكثر من 600 قبيلة مختلفة من السكان الأصليين ( الهنود
الحمر بمفهوم الغرب) والذين كانوا يتحدثون أكثر من اثنتي عشرة لغة مختلفة، بالإضافة إلى عقائد وتقاليد مختلفة ومتنوعة،
لقد كانت قبيلة الكومانشي متميزة في قدرتها على القتال على ظهور الخيل وكذلك في قدرتها على صد الجيوش الغازية. ومع ذلك، ما وقع في النهاية على السكان الأصليين نتيجة صعوبة جمع القبائل المختلفة معًا وإقناعهم بالانضمام سوياً، الانقسامات الداخلية بينهم، سمح للمستوطنين بتقسيمهم وغزوهم. وهذا أتاح للغزاة الأوروبيون باستخدام نفس التكتيك القاسي لعرض التسويات السلمية من أجل غزو المزيد من الأراضي ووضع الشعوب الأصلية في حالة فوضى وسهولة إبادتهم.
فابتداءً من عام “1778 إلى 1871، وقعت الولايات المتحدة حوالي 368 معاهدة مع مختلف هذه الشعوب الأصلية في القارة الأمريكية الشمالية. كانت المعاهدات تقوم على الفكرة الأساسية بأن كل مجموعة قبلية كانت أمة مستقلة، لها الحق في تقرير المصير والحكم الذاتي. لكن مع بدء المستوطنين البيض في الانتقال إلى أراضي السكان الأصليين، دخلت هذه الفكرة في تضارب مع وتيرة التوسع المستمرة، مما أدى إلى الإخلال بالوعود المتفق عليها من جانب حكومة الولايات المتحدة.” وهكذا تم انتهاك الأراضي المخصصة للقبائل الهندية من قبل المستوطنين البيض.
لقد رأينا محاولة لتكرار هذا التكتيك غير الأخلاقي على حساب الشعب الفلسطيني. استخدمت إسرائيل اتفاقيات أوسلو كسلاح للاستمرار في توسيع المستوطنات واحتلال الأراضي الفلسطينية. علاوة على ذلك، قاموا بعزل سكان الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية للسيطرة على قوات قتالية أصغر، مما يسهل عليهم تهجير وتطهير السكان في كلا المكانين.
يجب على قيادات الشعب الفلسطيني أن يأخذوا درساً من التاريخ المؤلم للكولونيالية ونفاق الأنظمة السياسية التوسعية بدلاً من الانقسامات الحالية بينهم، والتي إن استمرّت ستضعفهم وتقودهم إلى الموافقة على توقيع المزيد من اتفاقيات السلام الوهمية والانصياع لضغوط وشروط المجتمع الدولي الغير عادلة الذي يتعامل بسياسة إزدواجية المعايير، مما يؤدي إلى زعزعة استقرارهم الذي سيرتد عليهم سلبياً، نعم عليهم أن يتوحدوا وينظروا إلى كل اقتراح بقدر كبير من التحفظ والشك. وأن يظلوا ثابتين، رافضين التوقيع على اتفاقيات سلام ما لم تكن فيها ضمانات أكيدة للتنفيذ باستعادة أراضيهم المسلوبة وإقامة دولتهم الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. لا نحتاج أن يتكرر ما حدث من إبادة جماعية لسكان أميركا الأصليين مع الشعب الفلسطيني، بدلاً من ذلك، يجب أخذ العبر مما حدث خلال “درب الدموع” والاطلاع على الدروس المؤلمة من مقتل 27 مليون روسي خلال الحرب العالمية الثانية نتيجة لتداعيات ميثاق العدوان النازي السوفيتي. نعم يجب على الفلسطينيين السعي للسلام، لكن عليهم أيضًا وضع شعبهم وحقوقهم في المقام الأول وتجنب أي اتفاقيات مع العدو لا تأتي بحسن نية وحلول نهائية.
عندما تتعامل مع خصم يرفض الالتزام بالشروط المحددة في اتفاقية موقعة، فأنت لا تملك خيارًا سوى الابتعاد عن طاولة المفاوضات. حيث يوجد خطر كبير أن يستغلوا اتفاقية السلام للاستيلاء على المزيد من الأراضي. لذلك يجب دراسة صفحات التاريخ من اتفاقيات السلام الخادعة، وعدم توقف الشعب الفلسطيني عن مقاومة الاحتلال الغاشم حتى يتم منحه الاعتراف الكامل بحقوقه المشروعة التي نصت عليها قوانين هيئة الأمم والتي ما زال يضحي غالياً بالأرواح من أجلها منذ ٧٥ عاماً بجدارة.
المصدر: وكالة الصحافة المستقلة
كلمات دلالية: الحرب العالمیة الثانیة المزید من الأراضی الاتحاد السوفیتی الشعب الفلسطینی اتفاقیات السلام السکان الأصلیین
إقرأ أيضاً:
التفرقة والوحدة: دروسٌ من توحد اليهود وصراعات الأُمَّــة
شاهر أحمد عمير
على مر التاريخ، عرف اليهود بخلافاتهم الداخلية التي تشمل صراعات سياسية ودينية واجتماعية، إلا أن المثير للتأمل هو قدرتهم على تجاوز هذه الخلافات عندما يتعلق الأمر بمصالحهم المشتركة أَو التهديدات التي تواجه وجودهم.
في مواجهة الأُمَّــة الإسلامية والعربية، يظهر اليهود كتلة واحدة، يتحدون ضد كُـلّ ما يعتبرونه تهديدًا لمشروعهم، متناسين اختلافاتهم الأيديولوجية والسياسية.
هذا الواقع يحمل درسًا مهمًا للأُمَّـة الإسلامية والعربية، التي تعاني من التفرقة والتشتت في وقت هي بأمسّ الحاجة فيه إلى الوحدة والتماسك؛ فالتحديات التي تواجهنا كأمة، سواء أكانت سياسية أَو اقتصادية أَو عسكرية، تتطلب منا أن نتجاوز خلافاتنا الداخلية، ونتوحد خلف قضايا مصيرية تجمعنا، مثل القضية الفلسطينية والصراعات التي تهدّد وجود الأُمَّــة وهويتها.
من الواضح أن اليهود يدركون جيِّدًا أن قوتهم تكمن في وحدتهم أمام عدوهم المشترك، في المقابل، نجد أن العديد من الدول العربية والإسلامية تغرق في نزاعات داخلية، وتنساق وراء أجندات أجنبية تسعى لتفتيت الصف الإسلامي والعربي، هذه النزاعات لا تخدم إلا أعداء الأُمَّــة، الذين يستغلون انقساماتنا لإضعافنا والسيطرة على مقدراتنا.
إن ما يحدث اليوم في العالم الإسلامي والعربي هو انعكاس لغياب الرؤية المشتركة وافتقاد الأولويات؛ فما الذي يمنع الأُمَّــة من أن تتوحد أمام مشاريع الهيمنة والاحتلال كما يفعل أعداؤها؟ لماذا نظل أسرى لخلافات عابرة وتنافسات ضيقة بينما تهدّدنا قوى كبرى تستهدف كياننا بالكامل؟
لقد أثبتت التجارب أن الوحدة قوة لا يُستهان بها، وأن الأمم التي تدرك أهميّة التكاتف وتعمل على بناء جبهتها الداخلية هي التي تنتصر في النهاية، وَإذَا كنا نريد مستقبلًا أكثر أمانًا وعدالة لأمتنا، فعلينا أن نبدأ بالتعلم من أعدائنا، ونتخذ من وحدتهم عبرة نستلهم منها خطواتنا المقبلة.
إن الدعوة للوحدة ليست مُجَـرّد شعار، بل هي واجب ومسؤولية على عاتق كُـلّ فرد وكلّ دولة في الأُمَّــة الإسلامية؛ فلا يمكن مواجهة التحديات الكبيرة إلا بروح جماعية وإرادَة واحدة، نحن بحاجة إلى إعادة بناء الثقة بين الشعوب والأنظمة، ووضع مصلحة الأُمَّــة فوق كُـلّ اعتبار.
فكما يتجاوز اليهود خلافاتهم في سبيل تحقيق أهدافهم، علينا نحن أَيْـضًا أن ننهض من سباتنا ونرتقي فوق نزاعاتنا الصغيرة، ونعيد للأُمَّـة مجدها وقوتها؛ فالأعداء متربصون، والمستقبل لا ينتظر من يتردّد أَو يتخاذل.
لنجعل من اختلافاتنا مصدرًا للتكامل، ومن وحدتنا طريقًا للنصر، لنتعلم من التاريخ ونصنع مستقبلًا يليق بأمتنا وهويتنا.