في كل مرة يقترب فيها معرض مسقط الدولي للكتاب، أتذكر علاقتي به، التي تحققت منذ طفولتي المبكرة، إذ بدأت بالضياع عام ٢٠٠٠ وانتهت إلى ضياع من نوع آخر مع عملي كمذيعة في البرامج التي قدمتها خلال الدورات الماضية عبر إذاعة وتلفزيون سلطنة عمان.
أتذكر أبي يجر عربة صغيرة وأمي تمسك بأختي، أنا بدوري أتأمل في الكتب وألمسها بأطراف أصابعي إن لم نتوقف عندها، هكذا حتى لم أعد أرى أبي، لم يتملكني الخوف، على العكس من ذلك، قررت المضي للبحث عنهم، حتى وصلتُ لركن الاستعلامات، وتلك الطفلة الانطوائية أخبرتهم بصعوبة عن اسمها لكي يعلنوا عن وجودها معهم.
انتظرت دورات معرض مسقط الدولي للكتاب عاما تلو الآخر، فمنذ زيارتي الأولى له مع عائلتي، حتى درجتُ على معاودة الزيارة مع برامج زيارة المعرض المدرسية، أتذكر أننا في بعض السنوات تنافسنا على مقاعد الرحلة للمعرض في المدرسة، لكنني كنتُ محظوظة دوما بالفوز في تلك المنافسة. يدفعني لكتابة هذا كله الآن، هاجس أن يقرأ مقالي هذا أب، أو معلم، أن يعرفوا بأن فرصة أن يزوروا المعرض برفقة أبنائهم أو طلبتهم لا تفوت، وأنها يمكنُ أن تفتح العالم على رحابته لهم. لا أستطيع أن أتخيل حياتي دون القراءة، إنها وبطريقة ما يصعب شرحها هويتي!، أعرف كم يبدو هذا غريبا بعض الشيء، فنحن في العادة نقرأ لكي نعرف هويتنا ولكي نشكلها بل وأن نخترعها، أما أن تصبح القراءة هوية في حد ذاتها فهذا استثنائي. مثلت لي القراءة الأرض الراسخة في عالم سائب، وفي الوقت نفسه، رفعت القراءة قدمي عن الأرض، فأنا لا أمشي عليها، وإنما أحلم بها.
عرفتني القراءة على كل أصدقائي وأحبائي، قربتني منهم، وعافتني في بعض الأحيان من الجروح التي تسببوا بها، لم أتخيل على الإطلاق أن الأمر سينتهي بي ككاتبة أولا وكمذيعة برامج ثقافية ثانيا، صحيح أنني حصلتُ وأنا في الصف السادس على لقب أميز مذيع إذاعي في مدرستي، وأنني أحببتُ الإذاعة وعرفتني زميلاتي ومعلماتي عبرها، إلا أنني لم أتخيل أنني كنتُ أسير على الطريق المرسوم، الذي حدده لي ضياعي في معرض الكتاب ذلك العام. عندما تلتقي أمي بمعلماتي صدفة، يقلن لها: إن أمل حققت ما كانت تحلم به، وإنني في المكان الذي يناسبني وإنني اجتهدت ووصلت! يضحكني هذا الحديث في كل مرة، ويريني كيف أن الحياة في بعض الأحيان تعرفك أكثر مما تعرفها أنت. في الإنجليزية ثمة كلمة تعبر عن هذا وأحبها وهي path لا أعرف معادلا موضوعيا لها في العربية، ليس لأنها لا تتوفر عليه، بل لأنني أُحمل الكلمة كل هذه المعاني التي تختزن تجربتي مع عملي اليوم وما آلت إليه حياتي، أتخيل بأن الدرب مرسوم على الصفحة البيضاء، وأنني أوقعُ عليه فحسب، أن السيف قطع الوجود، وأن حياتي هذه ما هي إلا الدماء التي تسيل.
في إحدى سفراتي، كنتُ وكالعادة أقرأ كتابي في الطائرة، كتاب «لا أحد ينام في المنامة» للدكتور نادر كاظم الذي يؤرخ ويحلل فيه واقع مدينة المنامة البحرينية والتحولات التي شهدتها، والتي تعكس وبطبيعة الحال تغييرات إقليمية ودولية لم يسلم منها أحد. قال لي المسافر بجانبي: كيف لا ينام الناس في المنامة؟ ظننتُ أول الأمر أنه يسخر من المفارقة في العنوان، إذ إن اسم المنامة قادم من «النوم» لكنه كان يسأل حقا عن سبب عدم نوم الناس في المنامة! لقد علمتني القراءة إذن لغة أخرى، لغة قد تصبح مقفلة أمام آخرين لم يحظوا بمثل فرصتي التي أدين بالفضل بها لعائلتي.
ولذلك المسافر أقول: ينام الناس في المنامة كثيرا، لكنهم وفي كثير من الأوقات انشغلوا بالسهر، وها نحن نبالغ، فما أحلى المبالغات، إذ نقول بأن السهر، حرم الناس من نومهم في منامتهم.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی المنامة
إقرأ أيضاً:
ما الاختلاف الذي لمسه السوريون في أول رمضان بدون الأسد؟
دمشق – "كل شيء قد اختلف، حركة الناس والمحلات والوضع المعيشي، يشعر المرء وكأن الناس في الشام أصبحت تتنفس بشكل أفضل"، بهذه العبارة يشرح خالد السلوم (43 عاما) الاختلاف الذي لمسه بعد مضي 15 يوما على شهر رمضان الأول الذي يشهده السوريون بعد رحيل نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي.
ويضيف السلوم، في حديث للجزيرة نت، "كان هناك الكثير من الشبان المطلوبين للخدمة الإلزامية في الجيش أصبح بإمكانهم اليوم التحرك بحرية، ومن الاختلافات الملحوظة أيضا أن أعداد الناس في رمضان هذا العام وكأنها قد تضاعفت".
ويؤكد الرجل الأربعيني شعوره بالفرحة الغامرة لتمكنه من مواكبة أجواء رمضان هذا العام في سوريا بعد سقوط النظام السابق، وهو الشعور المشترك الذي رصدته الجزيرة نت لدى كثير من السوريين في دمشق.
أجمع بعض السوريون في دمشق ممن تواصلت معهم الجزيرة نت على أن الحرية الدينية ربما تكون أبرز ما لمسوه من اختلاف بين شهور رمضان في ظل حكم النظام السابق ورمضان هذا العام.
وحول ذلك تقول لينا العجلوني (26 عاما) للجزيرة نت "نتمتع في رمضان هذا العام بالحرية، أن يستمع الإنسان للقرآن الكريم أينما كان وأن يصلي أمام جميع الناس من دون أن يمنعه أحد"، وتضيف "هذه الحرية لم تكن موجودة في السابق، وأعتقد أن ذلك يمثل فرحة لنا ولكل المسلمين حول العالم".
ومن جهته، يشير الطالب الجامعي أحمد الحلبي إلى جانب آخر يتمثل في زيادة إقبال الناس على زيارة الجوامع بدمشق في رمضان هذا العام، وزيادة إقبالهم على صلوات التراويح والقيام.
إعلانبالإضافة إلى ذلك تخلص السوريون من ظواهر عديدة كـ"بسطات الدخان أمام الجوامع" والتي كانت تعود بالغالب إلى "مخابرات النظام"، وظاهرة المجاهرة بالإفطار في الشوارع التي كانت تستفز مشاعر الصائمين و"تقلل من هيبة الإسلام"، على حد تعبير الحلبي.
ضبط كثير من السوريين المغتربين توقيت زيارتهم إلى بلدهم هذا العام مع حلول الشهر الفضيل، ليتسنى لهم معايشة أجواء رمضانية استثنائية في سوريا الوليدة، ومن بينهم سمير صابونجي، وهو مغترب سوري في الولايات المتحدة الأميركية، قدم إلى سوريا لمعانقة هذه الأجواء.
وعن ذلك يقول صابونجي للجزيرة نت "إنه أول رمضان لي في سوريا بعد غياب 15 عاما، وأشعر بسعادة لا توصف، ويبدو لي أن الناس قد استعادت بلدها وأرضها، وهي تجربة مختلفة جدا عن كل تجاربي التي عشتها في الشام سابقا".
ويضيف صابونجي "رغم أن الأجواء أخفّ من المعتاد بسبب أزمتي الكهرباء والسيولة، فإن الخوف الذي كان يسيطر على الناس قد اختفى، ولمست أُلفة وطاقة إيجابية تعم الشوارع والجوامع، وأنا ممتن لكل ذلك".
بدوره، عبّر المهندس حذيفة الشهابي، المغترب في ألمانيا، عن مشاعره المختلطة بزيارة بلده في رمضان بالقول "فرحة ونشوة وحب ورغبة بالبقاء في الشارع والحكي مع الناس، والكثير من المشاعر الأخرى التي تنتابني كلما خرجت من المنزل لأتجول في حارات دمشق وشوراعها".
ويتابع الشهابي في حديث للجزيرة نت "رغم ضيق أحوال الناس والفقر الذي خلفه حكم الأسد، فإن إيمانهم الثابت بالله وبهجتهم بالأجواء الرمضانية تعطيني الأمل في هذه البلاد التي شبعت من القسوة والدمار".
وكانت الأنشطة الدينية الإسلامية قد شهدت تضييقا ممنهجا في عهد الرئيسين حافظ وبشار الأسد منذ عام 1970 حتى 2024، وتحكمت الأجهزة الأمنية في مفاصل المؤسسة الدينية الرسمية، ومُنعت الصلوات في الجيش، وفُرض تشديد على الخطب والدروس الدينية في المساجد.
إعلان