لجريدة عمان:
2025-04-10@06:48:57 GMT

التاريخ مخزن الحكايا

تاريخ النشر: 20th, February 2024 GMT

صلة الرواية بالتاريخ هي صلة وجود وهويّة، وهي صلة إشكاليّة مثلت مبحثا لازما لقضايا الرواية النظريّة والاختباريّة. وقد انصرف عدد مهمّ من الدارسين والمفكّرين إلى إثارة هذه الصلة، والخروج بنتائج تضبط الحدود الفاصلة الواصلة بين نظامٍ في ضبْط الوقائع زمنيّا وفعلٍ في التخييل لا ضابط له سوى الإمكان السردي، ولعلّي أشير في هذا المقام إلى الجهود الجليلة التي فتّحت أبوابا في البحث، أهمّها ما دخل فيه بول ريكور في كتابه الذي ما زال يشكّل سبيل الهداية في البحث التاريخي والسردي، «الزمن والقصص»، إضافة إلى مقاربات أخرى لا تقلّ أهميّة عمّا اجتباه ريكور، ويمكن أن أقتصر على مقاربة جورج لوكاتش في كتابه «الرواية التاريخيّة»، الذي يصف الرواية التي تشتغل على التاريخ بأنّها «رواية تثير الحاضر، ويعيشها المعاصرون بوصفها تاريخهم السابق بالذات»، فالمهم بالنسبة إليه في توظيف التاريخ وتحبيكه «ليس إعادة سرد الأحداث التاريخية الكبيرة، بل الإيقاظ الشعري للناس الذين برزوا في تلك الأحداث، وما يهمّ هو أن نعيش مرة أخرى الدوافع الاجتماعية والإنسانيّة التي أدّت بهم إلى أن يفكروا ويشعروا ويتصرّفوا كما فعلوا ذلك تماما في الواقع التاريخي».

ولست في هذه المقالة بصدد رصْد ما كان من توظيف الرواية للتاريخ، وفق معهود الدراسات، بل أنا بصدد فتح أبواب أشكل عليّ إغلاقها أو سوء تخييلها، صلة الرواية بالتاريخي في أدب الخليج هي الصلة الأوهن والأضعف، في حين تعلو الروايات ذات الصلة بتخييل الواقع، ومن حقّي أن أطرح إشكال السؤال عن علّة هذا العقم، في ملاحظة اختلال توازن، بين تاريخ مليء بالحوادث والوقائع والأساطير وسرْدٍ يتركّز أغلبه في معالجة الواقع الراهن، فإن لجأ إلى التاريخ مخاتلة وظلا نأى عن تاريخه الوسيع ولجأ إلى تاريخ أبعد، كما فعل محمد حسن علوان -على سبيل المثال- في رواية «موت صغير».

تاريخ وسيعٌ لمنطقة شبه جزيرة العرب ما زال في حاجة إلى ساردٍ قادرٍ على معرفة التاريخ وإعادة تمثّله وتمثيله، منذ ما قبل الإسلام من تاريخ مكتومٍ مختلف فيه، إلى حدّ التاريخ المعاصر الشائك. ثروةٌ هائلةٌ من الموادّ الحدثيّة التي يمكن لحكّائي المنطقة أن يصوغوها حكايات وروايات متخيّلة، عوالم ثرّة ثريّة غَالَب فيها الأدب الشعبيّ الأدبَ العالمَي فغَلَبه، لم ينتظر القاصّ الشعبيّ نظريّات الرواية والتاريخ، ليحوّل أحداث التاريخ إلى حكايات، أو بلغتنا نحن الأكاديميين، لتحويل المرجع إلى تخييل، بل استدعى «الملكة الزبّاء» و«قصير» و«الأبرش» و«عنترة» و«أبناء ماء السماء»، وما بلغهم من تاريخ العرب قبل الإسلام لامتصاص هذه الموادّ الحكائيّة المكوّنة للثقافة العرقيّة للخليجي، استدعى أيضا خلاصةَ التاريخ الوسيط، وما أنتج التاريخ الحديث من أبطالٍ ورموزٍ، وأعاد صياغتها في قصص شعبيّ توزّعت معانيه بين أفواه الرجال في مجالسهم الخاصّة من حكايات تمنَع على الأطفال، وبين النساء في مجالسهنّ الخاصّة، وبين الجدّات في هدهدة الأحفاد أو في تقديم الوعظ والإرشاد واختصار حكَم الحياة، فلم تَمت «زرقاء اليمامة»، ولم تندثر حكايات «أميّة بن أبي الصلت»، وعاشت مغامرات الصعاليك، وحروب عرب الجاهليّة وعاداتهم، تحوّلت قضيّة وأد البنات ووراثة الإماء وقيَم الجوار ونصرة المظلوم إلى قصص وروايات، وانتقت الذاكرة الشعبيّة من قصص الأنبياء ما رأته جديرا بالتوسيع والتوظيف، فحاكته وحَكَتْه، وتفاعلت مع ما حدث في التاريخ الإسلاميّ من فتوحات ومن نزاعات وخلافات، كلّها تتحوّل بفعل الزمن إلى معانٍ تحْكَى بتحويلٍ أو تبديلٍ للشخصيّات ومحافَظة على النوى الحدثيّة التي تتحوّل وتتوزّع حسب المقام الروائيّ.

ما زال أمام الروائيّ الخليجيّ مَنْجم من الحكايات مخزون في رفوف الكتب ومبثوث في الروايات الشفوية، يحتاج إلى روائيّ قديرٍ يقرأ التاريخ بعمق، ويحسن الإنصات إلى وقْع المجتمع، ويمتلك مخيّلةً وسيعة، لحياكةٍ تمتصّ التاريخ دون إسفافٍ ولا نَقْلٍ. صحيحٌ أنّ أعمالا عديدة تفاعلت مع التاريخ وحبَّكته أو قصَّصَته أو خيّلته، وهي أعمالٌ في قسم نَزْرٍ منها أحسنت هذا «التواشج» و«التنافذ» و«المناورة» و«الاستظلال» و«التحويل» بين الحاضر والتاريخ، بين التخييلي والمرجعي، وأقامت جسرا لروايةٍ قادرة على «تحويل» التاريخ مادّة من موادّ فعلٍ تخييليّ أشمل وأوسع، وأضرب مثالين على ذلك هامّين، ما استطاعتْه جوخة الحارثي في رواية «نارنجة» من تحويلٍ للتاريخ الحديث إلى تفاصيل خادمة لحكايتها الأصل، فهي لا تستظلّ بالتاريخ ولا تناوره، بل تحدث تواشجا معه داخلا في سياقٍ يوميّ، وفي تفْصيلٍ لمسارٍ حَدَثيّ يقتضي استدعاء عناصر موَظّفة من التاريخ، وقد كانت شخصيّة «بنت عامر» هي الشخصيّة التكأة التي استندت عليها جوخة الحارثي عينًا على التاريخ الحديث، وعاملا متفاعلا مع واقعه التاريخيّ في ما تقتنيه، وفي ما تخبّئه، وفي ما تهديه وما تشتريه، في الشوارع التي تمرّ بها والآلات التي تستعملها، تنقل حياةً صارت حكايات، حياة قد تغيب في تأريخها عن التاريخ الرسميّ، ولكنّ الذاكرة الشعبيّة لها القدرة على تسجيلها وإحيائها، وكذا التوظيف الروائيّ القادر على بعْث تلك الحياة المنقضية التي قد تدخل التاريخ وقد تفارقه، فقدرة جوخة الحارثيّ الروائيّة أنّها الأقدر على تكثيف تاريخٍ وسيعٍ في جملةٍ سرديّة أو إشارة حدثيّة أو شخصيّة عارضة لا تأخذ من التبئير ما يتجاوز وجودَها العرضي.

محمّد اليحيائي أيضا في عمليه الروائيين، يختار التفاعل مع التاريخ واتّخاذه إطارا وجبّة وظلاّ، الفارق بينه وما تعْمله جوخة أنّ التاريخ في روايتيه مقصد وأصل، والتخييل مخاتلة، أمّا التاريخ معها فهو جزء أو عنصرٌ من عناصر الرواية، هو تفصيلٌ من تفاصيل متعدّدة، لا يعلو صوته على صوت التخييل الحكائيّ. تجربة محمّد اليحيائي في «حوض الشهوات» و«الحرب» جديرة بالنظر من مدخل صلة التخييل بالمرجعيّ، وقدرة الروائي على امتصاص التاريخ وتغليب التخييل، ذلك أنّ اليحيائي يصدر عن مرجعيّة جامعة بين الوعي بالواقع والدراية بالتاريخ والقدرة على التخييل القصصيّ، ولكن إلى أيّ حدّ وفّق في إحداث فعل تخييلي ناتج عن هذا الجمع بين الماضي والمرجع والحاضر؟ هذا أمرٌ يحتاج إلى حديث وسيع لنا عودة إليه. تفاعلٌ واضحٌ في عدد من الأعمال الروائيّة في شبه الجزيرة العربيّة مع التاريخ الحديث والمعاصر، ومع الواقع اليوميّ، في حين هنالك إعراضٌ جديرٌ بالتساؤل عن التاريخ المشترك أو القطري المليء بممكن السرد، فهل هذا راجعٌ إلى «القداسة» أو إلى «تجنّب المختلف»؟ يذهب شقٌّ من السرديين إلى أنّنا نشهد في زماننا نهاية الرواية بعد أن بلغت ذروتها، وأنا أقول إنّ الرواية قد تنتهي شكلا ولكن فعل الحكاية لا ينتهي، فهو مكوّن إنسانيّ، ومحدّد للوجود البشري، فالإنسان هو مجموع حكايات، وأمام حكّائي شبه الجزيرة العربيّة مادّة من الحكايات مختومة في حاجة إلى عقل سردي يحوّلها أدبا عالما، يبْطل نظريّة موت الرواية ونشْأة السيرة الذاتية بديلا، فهل نشهد وعيا حكائيّا بالتاريخ، يثير الكامن ويبعث الراكد، ويتخيّر أساليب تحْدث فارقا في تاريخ الرواية، محلّيّا وكونيّا؟

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ة التی

إقرأ أيضاً:

سيرك طنطا لن يكون الأخير.. حكايات ومآسي مروضي الحيوانات المفترسة

في مشهد مؤثر أبكى الكثيرين، حمَل الأب ذراع ابنه ليدفنها، بعد أن التهمها النمر في حادث مروع، أثار الذعر بـ «سيرك» مدينة طنطا حيث فوجئ الابن أثناء ربطه للأسد بهجوم النمر عليه والتهامه ذراعه وسط صراخ الحاضرين والعاملين، فيما ظهر الثبات على المدربة أنوسة كوتة، التي أثارت تصريحاتها حول الواقعة جدلا واسعًا في الشارع المصري.

ماذا حدث داخل السيرك؟ وكيف التهم النمر ذراع العامل؟ ولماذا تتكرر هذه الحوادث؟ وكيف يمكن تفاديها وحماية العاملين في السيرك؟

في البداية يقول العامل المصاب محمد إبراهيم عبد الفتاح: إن النمر هجم عليه بسبب عدم قدرة المدربة أنوسة كوتة على السيطرة على الأسود والنمور بالإضافة إلى أنهم كانوا في حالة جوع شديدة خاصة أنها لم توفر لهم الطعام منذ فترة طويلة. مشيرًا إلى أن المدربة كانت السبب فيما حدث له، لأنها لم تقم بضرب النمر بالرصاص لتخليصه لأن ثمن النمر يصل إلى ١٥٠ ألف جنيه لذلك تركته يلتهم ذراعه.

انهمر محمد في البكاء قائلا: إنه في مقتبل حياته وكان سيتزوج بعد أسبوعين لكنه الآن - على حد قوله - أصبح عاجزا لا يتمكن من العمل وهذا ما دفع محافظ الغربية لتوفير عمل جديد لمحمد يكون بمثابة بداية له بعد إزالة السيرك في طنطا عقب هذا الحادث الأليم.

كما اتهم إبراهيم عبد الفتاح - والد محمد - المدربة إيناس كوتة بالإهمال موضحًا أن عمل محمد يتوقف على إشارة من المدربة للنمر، بعد أن يربطه لكن أثناء إدخال محمد يده داخل القفص لربط النمر أعطت المدربة الإشارة له دون أن تتأكد من أن يد محمد داخل القفص أو خارجها.

أما المدربة أنوسة كوتة فكانت تتمتع بثبات إنفعالي شديد حيث صرحت بأن محمد بخير وأن الجميع معه مؤكدة أنها لم تكن تتخيل وقوع الحادث، وقالت في تصريحات صحفية من أمام مستشفى جامعة طنطا: إن الحادث يُعد بمثابة خطأ فني، مؤكدة تحسن حالة المُساعد الذي تعرض للهجوم.

مشيرة إلى أنها كانت تواجه الخطر الأكبر حيث تؤدي عملها من داخل القفص، بينما يقف المُساعد خارجه، والخطأ كان فى دخول يده داخل القفص.

وأبدت المدربة حرصها على سلامة المشاهدين للعرض في مدينة طنطا، مؤكدة أنها ستعود لتقديم عروض السيرك برفقة المساعد الذي تعرض للهجوم فور شفائه.

وأضافت أن النمر بطل الواقعة، سيتم عزله وإرساله للقاهرة ليخضع لتدريب وترويض، ولن يشارك في أي عروض خلال الفترة المقبلة.

الكلام ذاته ردده شقيق المدربة في فيديو عبر حسابه الرسمي على موقع فيسبوك نافيًا الاتهامات الموجهة لشقيقته، خاصة ما تردد حول أن الحيوانات لم تأكل منذ 25 يوما، موضحا أن هذا الكلام غير منطقى قائلا: إن شقيقته كانت تعمل داخل القفص والأولى أن تفترسها الحيوانات إذا كانت جائعة.

وأكد شقيق أنوسة أنها حاولت بجميع الطرق أن تنقذه، ولم تتخل عنه وذهبت به للمستشفى وظلت هناك 8 ساعات حتى اطمأنت عليه مطالبا بتفريغ الكاميرات قبل الواقعة وبعدها.

بالطبع ليست هذه هي الواقعة الأولى فقد لقي عامل بحديقة حيوان الفيوم خلال شهر فبراير الماضي مصرعه بعدما التهم أسد بالحديقة رأسه وتم نقل الجثة لمشرحة مستشفى الفيوم العام.

وفي عام ١٩٩٧ تعرض سيرك الحلو لواقعة مأساوية حين لقي شاب يبلغ من العمر 16 عامًا حتفه إثر هجوم أسد أثناء تقديم الطعام للأسود في السيرك القومي.

كما شهد سيرك الحلو حادثة أخرى في عام 2014، حيث تعرض المدرب مدحت كوتة لهجوم مفاجئ من أسد إفريقي أثناء محاولته فض شجار بين أسدين، مما استدعى تدخلًا سريعًا لانقاذه، لذلك يجب أن نعرف ما الأسباب التي تدفع الحيوانات المفترسة للانقضاض فجأة على مدربيهم وما الطرق الآمنة للتعامل معهم وكيف يمكن حماية مدربيهم؟

الدكتور مجدى حسانين الجعبري أستاذ الأمراض المعدية المتفرغ بكلية طب بيطري جامعة كفر الشيخ أكد فى البداية أن الحيوانات المفترسة وإن تم ترويضها ستظل تمثل خطرا على مروضها والعاملين معها وهذه حقيقة لابد أن نعرفها لافتا إلى أن هذه الظواهر حدثت مرارًا وتكرارًا مؤكدا ضرورة إلمام المروضين والعاملين في السيرك بعلم سلوكيات الحيوان وكيفية التعامل مع مثل هذه الحيوانات مشددا على ضرورة إدراكهم بأبعاد هذا العلم لأن كل حيوان له سلوك خاص به ومن ضمنه الافتراس والعدوانية.

وأضاف أن الشخص الذي يتعامل مع هذه الحيوانات لابد أن يعلم متى وكيف تتعاظم ظاهرة العدوانية والافتراس لدى الحيوان موضحا أن سلوك الحيوان ومزاجه يمكن أن يتغير في لحظة نتيجة دوافع كثيرة منها احتباسه لفترة أو جوعه أو خوفه وعدم احساسه بالأمان فالأسود والنمور في حالة جوعها أو غضبها ستميل للافتراس وسيكون لديها الرغبة في الانتقام ولكنها قبل أن تفترس تظهر عليها علامات لابد أن يكون المدرب والعامل على علم بها فإذا لاحظها لابد أن يكون لديه خطة وملاذ آمن يهرب اليه في هذا الوقت بالإضافة الي ضرورة ارتداء ملابس وقائية تحميه في حال انقض عليه الحيوان المفترس بالإضافة الي عدم تجويعه أو حبسه لفترات طويلة لأن الاستئناس بين الحيوان والمدرب والعامل ضرورة وفي حالة عدم توافر الاستئناس سيمثل ذلك خطرا كبيرا على أي شخص يتعامل معهم، لذلك دراسة سلوك الحيوان مهمة جدًا وضرورية.

اقرأ أيضاًتفاصيل إلغاء تصريح عمل أنوسة كوتة بعد واقعة سيرك طنطا

رئيس جامعة طنطا يتفقد مستشفى الطوارئ ويطمئن على مصاب سيرك طنطا

بعد واقعة سيرك طنطا.. مجدي الهواري: الحيوانات المفترسة مكانها الغابة

مقالات مشابهة

  • صاحب مخزن كيماويات بالروبيكي: الدولة وفرت مساحات كبيرة للعمل بشكل صحيح
  • شواطئ.. الخطاب الروائي في أدب جمال الغيطانى (1)
  • قبل المنع.. أغرب حكايات الصيد على شواطئ طور سيناء
  • حكايات الأسرى
  • محافظ شمال سيناء: ماكرون كان مهتما بتفاصيل حكايات المصابين الفلسطينيين بمستشفى العريش
  • اختراع هندسي هيعالج الأمراض المزمنة والمستعصية| تفاصيل
  • المؤبد لـ «أمين مخزن» بتهمة اختلاس بضائع بـ 17 مليون جنيه بالقليوبية
  • حكايات الحرب و النزوح .. ناجون بأحلام العودة وواقع محفوف بالمعاناة و الضياع
  • سيرك طنطا لن يكون الأخير.. حكايات ومآسي مروضي الحيوانات المفترسة
  • شريفة التّوبية تختتم ملحمتها الروائيّة البيرق بـ هبوب الريح