لجريدة عمان:
2025-03-15@04:00:31 GMT

سودانيات... يا «رَكْشَة» خذني إلى المركزي «1-2»

تاريخ النشر: 20th, February 2024 GMT

يقول الشاعر السوداني الراحل إدريس محمد جمّاع:

إنّ حظّي كدقيق ٍ فوقَ شوكٍ نثروهُ

ثمّ قالوا لحُفاةٍ يومَ ريح ٍ اجمعوهُ

صعُبَ الأمرُ عليهمْ قلتُ يا قوم ِ اتركوهُ

إنّ من أشقاهُ ربِّي كيفَ أنتم تسعدوهُ؟

(1)

هذا عصر اشتباك المصائر بامتياز. يختلط في عصرنا هذا تجارب الأفراد مع الجماعات. وتختلف تجربة الفرد بما يتداخل فيها من قصص وحكايات، أو يمتزج الفرح مع الألم، أو الهناء مع الشقاء مع تجارب الآخرين، فتبدو الصورة الظاهرة أمامنا أقرب إلى المصير الواحد المشترك، حيث يخبو الأمل لدى الجميع، أو تجري استعادته بمجرد الكتابة عنه، فهل نشهد النهايات القصوى للتجربة؟

وإذ يتنوع مفهوم التجربة في ثقافة وقواميس عالمنا العربي من فرد إلى آخر، ونحن هنا نستخدمه بمعناه الإمبريقي فحسب، بالابتعاد عن معاني التجربة التي تتنزّل في قضايا الرؤيا والإدراك الروحاني لعلم التصوّف، يُمكن أن نسرد الكثير من القصص المتشابهة الناتجة عن أثر الحرب والهجرة لنساء سودانيات، تشابكت مصائرهن الفردية مع الأحداث المأساوية الحاصلة الآن في السودان.

كل امرأة تمتنع عن حكي قصتها فهي تسجّل وثيقة لانسحابها من الحياة. وكل صوت يحكي عن نفسه أو عن الآخرين الذين يُشبهونه في التجربة، فهو يضع التاريخ غير الرسمي في إطار منفتح على تجارب الآخرين. أترككم مع الصوت الأول، الذي سأتصرف فيه بالتعديل حسب حاجة السياق.

«بدأت قصتي في صباح يوم السبت تاريخ 15 أبريل 2023م عند التاسعة صباحًا. كانت إجازة رسمية عن العمل... عندما كنت جالسة مع أطفال أختي في تلك الفترة؛ بحكم أنّها في رحلة عمل... فجأة سمعنا أصوات رصاص متقطع، قد راودني شعور في تلك اللحظة لم أشعر به من قبل... في العادة ومن الطبيعي جدًا أن أسمع صوت إطلاق نار! لكن في هذه المرة، لم يكن كالمعتاد سَماعه، ولم أفهم في حينها ما الذي يحدث؟ في الحال أخذتُ أتصفح في السوشيال ميديا، وكانت الفاجعة أن هناك اشتباكًا يحدث ما بين الجيش وقوات الدعم السريع... وقتها لم أطمئن بتاتا، وشعرت أن هناك شيئًا غير طبيعي يجري... فجأة عَمّ الهدوء في أرجاء المنطقة مع استمرار إطلاق النار بكثافة، وأنا ما زلت رهينة ذلك الشعور. بدأت دموعي بالانهيار وأفكار حول بداية الكارثة. أطفال أختي كانوا حينذاك في المدرسة، فذهبت لإعادتهم إلى المنزل. وفي طريقي صَدقت أفكاري التي داهمت عقلي فور رؤيتي الجيش منتشرًا بصورة ليست كالمعتاد، والشوارع كأن لم تطأها قدم من قبل، تحول لون السماء من سماء زرقاء إلى سواد لم أره يوما قط، وهزة أرضية مرعبة.

أخذت أبناء أختي من المدرسة، وعدنا إلى المنزل. اتصلت بأهلي وطلبت منهم العفو والسموحة؛ لأننا لم نكن على ما يرام. في تلك اللحظة كان المبنى يهتز بنا، وما إن هدأ الأمر، جلسنا نُطمئِن أنفسنا بأن الحرب لن تلبث سوى أسبوع واحد أو خمسة أيام على حد تفكيري بها، وأن الجيش سينتصر، لكن مرت الخمسة أيام بلياليها، وليس لدينا لا ماء، ولا كهرباء، ونحن صيام، بل لم نجد حتى ماءً للشرب. كان المعنى الكبير للحياة قد بدأ يتلاشى.

في صبيحة اليوم السادس ازداد إطلاق النار أكثر فأكثر، وصوت الطيران فوق رؤوسنا وأنا أنظر إلى خوف أبناء أختي في أعينهم. صاروا يأخذون الوسائد، ويضعونها على رؤوسهم، ويختبئون تحتها على أمل أن يحميهم ذلك من الرصاص. إن أكثر شيء كان يخيفني في تلك اللحظات المرعبة فكرة الاغتصابات التي قد تحدث في مثل هذه الأحداث، كنتُ أفضّل عليها الموت، فحدثتُ نفسي قائلة: يجب أن أتصرف بسرعة. كنت أقطن في مدينة تَبعدُ عن مدينة أهلي مسافة ساعة ونصف الساعة. فكرت أن نذهب إليهم بحكم أن منطقتهم كانت هادئة حينذاك. أخذنا نبحث عن طريقة خروج آمنة من تلك المدينة (وسط العاصمة الخرطوم) والذهاب إلى مدينة حيث يقيمون أهلي (أم درمان)، فخرجنا للبحث عن وسيلة نذهب بها، وما زالت الشوارع يعمها الجيش في كل أرجاء المنطقة، كما كان تفتيش المواطنين عند كل نقطة يرتكز فيها الجيش لم تكن طبيعية، لمجرد أدنى شّك كان يُقْبَض على أي إنسان، وأخذه دون معرفة مصيره.

مع الأسف الشديد لم تكن هنالك سيارات لتقلنا إلى حيث نريد، فعدنا أدراجنا إلى المنزل.

في المجمع السكني الذي كنّا فيه كانت هناك بعض المنازل التي بها مولدات كهرباء، فكنا نذهب لشحن هواتفنا لنظل على اتصال مع أهلي. أبناء أختي كان لديهم صديقتهم تقيم في الطابق الأول من المبنى نفسه الذي نقطنه.

قالت: تعالوا إلى منزلي؛ لأنّه في الطابق الأول وأكثر أمنًا، ولا تخافوا.

جلسنا عندها قليلا، ثم خرجنا للمرة الثانية للبحث عن استئجار سيارة تأخذنا إلى (أم درمان) فوجدنا وسيلة مواصلات صغيرة تدعى (رَكْشَة) - بالعامية السودانية-

قلتُ له: إننا ذاهبون إلى المركزي.

قال: سأذهب وآتي لأخذكم.

كان معنا زوج أختي الذي نحاول إقناعه أنَّه يجب علينا الخروج من هذه المنطقة في أسرع وقت ممكن، لكنه اعترض فلم يَكن يريد لا دعمنا ماديًا، ولا أن يأخذنا بسيارته! ظل في تلك اللحظة الحاسمة من الزمن يرفض الكثير من قراراتنا فاتصلتُ بأختي:

قلت: «إن لم يكن والدهم يريد إخراج أطفاله، فأنا سأذهب. هو والدهم في الأول والأخير ولا سلطة لي عليهم من بعده».

استطعنا إقناعه في آخر لحظة، فصعدنا إلى السيارة -كبارنا وصغارنا- ونحن نبتهل إلى الله العلي القدير أن يحفظنا من شرّ الطريق ويَحمينا. كان المنظر أمام أعيننا بشعا جدا؛ كانت جثث المواطنين والجيش ملقاة في أطراف الشوارع منتفخة، وكل مراكز الجيش في الخرطوم دمرتها قوات الدعم السريع، وكنا في كل منطقة نذهب إليها نرى الجيش وعَلَم السودان مرفوعا نزداد اطمئنانا أكثر فأكثر إلى أن وصلنا إلى «الكُبري» الذي يفصل ما بين المدينة التي نسكن فيها ومدينة أهلي.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی تلک

إقرأ أيضاً:

فيلادلفيا.. محور الموت الذي يمنع أهالي رفح من العودة

غزة- منذ نزوحها قسرا قبل 10 شهور، لم تتمكن الفلسطينية هدية أبو عبيد من العودة لمدينتها رفح، حيث لا تزال إسرائيل تسيطر على محور صلاح الدين (فيلادلفيا) الممتد بين قطاع غزة ومصر.

ويفرض جيش الاحتلال بقوة النيران وعمليات التوغل المستمرة حدودا غير ثابتة لما توصف بـ"المناطق الحمراء" في رفح، صغرى مدن القطاع، ويستهدف كل من يحاول الاقتراب منها بعمق يصل لنحو كيلومترين اثنين.

وخلال المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية في غزة وإسرائيل، قتل الاحتلال نحو 50 فلسطينيا أثناء محاولتهم العودة لمنازلهم في رفح.

هدية تعيش حياة بائسة في خيمة النزوح بمدينة خان يونس (الجزيرة) أمل العودة

هذه المخاطر تمنع أبو عبيد (55 عاما)، والغالبية من حوالي 300 ألف نسمة من سكان رفح، من العودة إليها، ولا يزال أكثرهم يقيمون في خيام بمنطقة المواصي غرب مدينة خان يونس.

وتقول أبو عبيد، التي تقيم بخيمة مع أسرتها المكونة من 5 أفراد، للجزيرة نت "كل النازحين رجعوا إلى غزة والشمال ولكل المناطق، إلا نحن سكان رفح"، وتتساءل "فهمونا يا ناس، هل رفح خارج الاتفاق؟".

وتنتشر على حسابات سكان المدينة على منصات التواصل الاجتماعي تساؤلات كثيرة حول واقع رفح، وسط غضب كبير لعدم قدرتهم على العودة إليها.

إعلان

وتعلم هدية أن منزلها في "مخيم يبنا" للاجئين الملاصق للحدود مع مصر قد دُمر كليا، وتقول "الاحتلال مسح المنطقة عن الوجود، ولكني أريد العودة لبيتي والعيش فوق أنقاضه، ليس هناك أجمل من رفح ولا أطيب من أهلها".

واحتضنت رفح، بعد الحرب، أكثر من مليون نازح لجؤوا إليها من مدينة خان يونس ومناطق شمال القطاع، ونزحوا عنها جميعا مع أهلها عشية اجتياح المدينة في 6 مايو/أيار الماضي.

وردا على سؤال حول توقعها بالعودة لرفح؟ قالت أبو عبيد "لا عودة دون انسحاب الاحتلال من الحدود، من حاول العودة قتلوه".

كارثة وقتل

بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، ينطلق الانسحاب التدريجي من محور "فيلادلفيا" بداية من اليوم الـ42 للمرحلة الأولى منه، وتستكمل إسرائيل انسحابها، على طول المحور الممتد 14 كيلومترا بين الحدود المصرية والفلسطينية، بحلول اليوم الـ50 من الاتفاق.

وكانت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قد نددت بخرق الاحتلال للاتفاق، وبعدم التزامه بالجدول الزمني للانسحاب من المحور.

وقالت، في بيان لها الاثنين الماضي، "لم يلتزم الاحتلال بالخفض التدريجي لقواته خلال المرحلة الأولى، وبالانسحاب بالموعد المحدد، وكان المفترض اكتمال الانسحاب في اليوم الـ50 للاتفاق، الذي يصادف التاسع من مارس/آذار الجاري".

وتعاني رفح، حسب وصف المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، من "كارثة إنسانية متجددة، إذ حولت الحرب الإسرائيلية معظم أحيائها إلى ركام، ورغم وقف إطلاق النار لا يزال الاحتلال يواصل هجماته العسكرية، ويسيطر على نحو 60% من المدينة، سواء عبر تمركز الآليات أو السيطرة النارية، ويستهدف المدنيين العزل بالقصف وإطلاق النار، ما يوقع يوميا مزيدا من الشهداء والجرحى".

ومنذ سريان الاتفاق، قتلت إسرائيل -وفق توثيق هيئات محلية ودولية- 150 فلسطينيا، وجرحت زهاء 605 آخرين، على مستوى القطاع، بمعدل 3 شهداء يوميا، ثلثهم من سكان رفح.

فادي يقيم وزوجته الحامل بخيمة في خان يونس ويخشى العودة إلى رفح (الجزيرة)

من جانبه، يقول المواطن فادي داوود للجزيرة نت إن أقارب وأصدقاء له استشهدوا وأصيبوا أثناء محاولتهم الوصول لـ"حي البرازيل" المتاخم للحدود مع مصر جنوب شرقي رفح، لتفقد ما تبقى من منازلهم في الحي المدمر كليا.

إعلان

ورغم قساوة النزوح، يفضل داوود (31 عاما) المتزوج حديثا، والذي يقيم مع زوجته الحامل بخيمة في خان يونس، البقاء مع أسرته على "المغامرة بالعودة إلى رفح".

ومنذ اندلاع الحرب، نزح داوود 5 مرات، ويقول "الحياة قاسية في الخيمة، خاصة وأن زوجتي حامل بابننا الأول، ونفتقد للخصوصية والاحتياجات الأساسية".

رئيس بلدية رفح أحمد الصوفي أعلن أنها مدينة منكوبة (الجزيرة) مدينة منكوبة

وأعلنت بلدية رفح، أمس الخميس، عن التوقف التام لخدمات فتح الشوارع وترحيل الركام، فيما أصبحت مولدات آبار المياه مهددة بالتوقف الكلي بسبب نفاد الوقود واستمرار إغلاق الاحتلال للمعابر منذ الثاني من مارس/آذار الجاري، وهو ما ينذر بكارثة إنسانية وشيكة تهدد حياة السكان.

وحذر أحمد الصوفي رئيس بلدية رفح من أن المدينة تعيش أوضاعا مأساوية غير مسبوقة، حيث يواجه عشرات الآلاف من السكان خطر العطش وانتشار الأوبئة مع تصاعد أزمة المياه، مع شلل تام للخدمات البلدية الأساسية وتدمير البنية التحتية.

وأكد أن البلدية بذلت كل الجهود الممكنة للحفاظ على الحد الأدنى من الخدمات رغم الدمار الكبير، إلا أن نفاد السولار يهدد بتوقف تشغيل آبار المياه بالكامل، مما يفاقم معاناة السكان المحاصرين الذين يعتمدون على هذه "المصادر المحدودة" في ظل الحصار الخانق.

وتحولت رفح لمدينة "منكوبة" حسب صافي، بسبب الحرب والتشريد، وتواجه الآن خطرا مضاعفا بحرمانها من أبسط مقومات الحياة، وأكد أن عدم إيجاد حلول عاجلة قد يؤدي إلى كارثة لا يمكن تداركها.

الاحتلال حوّل رفح إلى مدينة منكوبة مدمرة كليا (الجزيرة)

ويتمركز وجود أعداد محدودة من سكان المدينة حاليا بمناطق وأحياء تقع في الجهة الشمالية منها، بعيدة نسبيا عن الحدود الفلسطينية المصرية، غير أنهم يواجهون مخاطر ويكابدون معاناة يومية شديدة لتحصيل المياه وشؤون الحياة الأساسية.

إعلان

ويقول حذيفة عبد الله، الذي عاد مع أسرته قبل نحو شهر للإقامة بمنزله المدمر جزئيا في حي الجنينة شمال رفح، "للأسف يوميا يصلنا الرصاص، اليوم قذيفة مباشرة أصابت المنزل، ولا أحد يتحدث عن وضع رفح وما تتعرض له".

مقالات مشابهة

  • عاجل . البنك المركزي اليمني يكشف عن نقل مراكز البنوك التي كانت بصنعاء الى إلى عدن. ضربة موجعة للمليشيا الحوثية
  • مصطفى طلاس.. قصة وزير دفاع الأسد الذي أرعب السوريين
  • فيلادلفيا.. محور الموت الذي يمنع أهالي رفح من العودة
  • السوداني يعلن قتل الإرهابي عبد الله مكي الذي يشغل منصب والي العراق وسوريا
  • سليمان من قصر بعبدا: المعادلة التي تُفيد البلد هي معادلة الجيش والشعب
  • «المركزي» ينظّم أمسية رمضانية.. ترسيخ روح الانتماء المؤسسي
  • الشيخ كمال الخطيب يكتب .. أنا السجّان الذي عذّبك
  • الجيش: تسلمنا العسكري الذي اختطفته إسرائيل
  • العاشر من رمضان.. النصر الذي هزم المستحيل
  • الإمارات تدين الهجوم الإرهابي الذي استهدف قطارا جنوب غرب باكستان