مكي المغربي: الديموقراطية الاسلامية
تاريخ النشر: 20th, February 2024 GMT
لا يميل الفقه الاسلامي الى ترجيح رأي الجمهور وإن كانت الأكثرية محترمة ومعتبرة ولكنه يأخذ بالاجماع، ويجوز أن ينعقد الاجماع مع وجود مخالفين إذا كانوا قلة مقارنة بالأصل. ولذلك في حالة شذوذ أو خروج البعض عن الاجماع يظل الأمر إجماعا منعقدا ولا تنزل مكانته الى الوصف بأنه رأي الجمهور والذي يسمى حاليا بالأغلبية المطلقة أو الثلثين فأكثر 67%.
الأغلبية البسيطة (ذات النصف زائد واحد) 51% تسمى إنقساما وإنشقاقا حسب الحالة، وقد يرى البعض -في مجال السياسة- أن التعويل عليها يعزز مبدأ التداول السلمي للسلطة وهذا صحيح في ظاهر الأمر وأوله ولكن من أكبر أضرارها تكريس حالة الانقسام وإجبار (ما يقارب النصف) على رأي (ما يجاوز النصف) وهذا مثل إجبار الزوجة على رأي ضرتها لزيادتها في الأولاد بعدد واحد فقط.
إن التعويل على الأغلبية البسيطة باعتبارها رأي الشعب خطأ لأن الفارق قليل للغاية، والضرر الذي يظهر في انقسام المجتمع على مستوى التقنين واتخاذ القرار سيتنزل إلى مستوى تطبيق القانون وتنفيذ القرار، فينشغل المجتمع بمعركة أخرى، أو بالأحرى هو ترحيل للانقسام من الجهاز التشريعي إلى المستوى التنفيذي وأفرع الدولة كلها، ومنها إلى عامة الناس مجددا، فالنخبة أو السلطة المنتخبة بدلا من التوفيق والتصالح والإبداع في إيجاد الحلول،
تشرعن إنقسامها، كيف إذن تكافأ بتمريره؟ وبالشهادة لها بسلامة الممارسة؟ هذا غير صحيح، فالقول بأن الأغلبية البسيطة تعزز التداول السلمي للسلطة أمر يكذبه الواقع في كبريات الديموقراطيات، ومثال ذلك مؤخرا في أمريكا، عندما يجتاح المتظاهرون الكونغرس بالعنف لايقاف إحصاء الاصوات، وعندما تتمرد قوات ولاية تكساس وتناصرها ولايات يحكمها الحزب الجمهوري، وعندما تنشأ حركات إرهاب ليبرالي مثل (أنتيفا) التي تجرد المحافظين من الحق في حرية التعبير، والحبل على الجرار.
أجتهدت في التفكير للتوصل إلى النسبة التي لو خرجت من الاجماع لا يعتد بها ولا تؤثر فيه، وذلك بغرض التوصل إلى الاجابة متى تكون الشورى ملزمة لأنها حازت وصف الإجماع؟ أو بالأحرى متى ينقص من الإجماع ما لا ينقض وصفه إجماعا؟
سبق أن قلنا أن ما يصطلح عليه بالديموقراطية هو الاحتكام لرأي الخاصة أو العامة، هو موجود في حالة الشورى الملزمة في الفقه الاسلامي وفق شروط محددة، وعليه فإن تحرير مستند الإجماع، وتحديد وزنه هو الأهم إذ لا مشاحة في مصطلح الديموقراطية في ذاته.
هذا الاجتهاد ضروري للغاية، ليس فقط لأننا نتلمس مقاصد الشريعة الاسلامية في حياتنا ونرفض من يستكبر على الدين ويقضي بحبسه في دور العبادة.
ولكن لأن الديموقراطية الحادثة ذاتها ثبت أنها تحتاج الى الإسلام فهو دين المعرفة العلمية والمنطق السديد والفطرة السليمة والحجة البالغة، وهو نعمة على التجارب الإنسانية يتمم مكارمها ويقيل عثراتها.
أقول وبالله التوفيق:
يقول الرسول الكريم في حديث الوصية (الثلث والثلث كثير) إذن المفاضلة هنا بين الثلثين والثلث هي بين (أكثر) و (كثير) والأكثرية لا تسمى إجماعا، ولا بد من البناء على هذا الدليل حتى نتوصل إلى القسمة الصحيحة.
يجب أن يزول عن الثلث المتبقى الكثير منه لصالح الأكثرية فيفقد بذلك صفة (الكثير) وهذا يتم بأن يذهب (ثلث الثلث) لصالح (الثلثين).
بالشرح الأوفى، لو قسمنا الأمر إلى تسعة أقسام، صار الثلثان ستة أقسام، وصار الثلث ثلاثة أقسام فإذا ذهب قسم منه إلى الستة فقد ذهب كثير منه حسب الحديث، وبذلك يفقد الثلث وصف الكثير الذي حازه أولا، وجاز وصف القسمين منه بالقليل.
هذا يقودنا إلى الى أن الشورى إذا بلغت درجة سبعة من تسعة فهي ملزمة ولا يجوز مخالفتها. إذن نسبة 9:7 أو ما يقارب 78% هي النسبة الديموقراطية الملزمة شرعا.
السؤال هو ماذا يحدث في حالة عدم الوصول إلى هذه النسبة؟!
الجواب لو تم الاتفاق بهذه النسبة على التصرف بنسبة الثلثين بشروط محددة وفي قضايا محددة جاز العمل بها، والا فأن الأصل بقاء الأمر على ما هو عليه، أو يرفع الخلاف قرار السلطة المؤسسة على نسبة السبعة أتساع أو 78% تقريبا.
بناء القرار على ما دون الثلثين هو تأسيس على إنقسام ولو تم اجازته بنسبة النصف زائد واحد أو كل ما أقل من الثلثين تكون الشورى قد اتفقت على نقض الشورى، هو أمر لا يجوز البتة، ويجوز للسلطة التي المؤسسة على الشورى الملزمة مخالفته لانها بنيت على إجماع وهذا إنقسام.
ختاما، أعتقد أن تأسيس الكيان أو تجمع أو حزب على هذا المعيار والمرجعية مفيد، لأنه يثمر عن ممارسة ديموقراطية إسلامية داخل الكيان، وهي ممارسة عن قناعة وفقه حقيقي وغير مستعار، وليست بغرض التزين بالحداثة في حين أن القرار الحقيقي يطبخ في مجموعات ضيقة ليتم تمريره بالشكل الديموقراطي والذي لا يؤمنون به من الأساس.
خلاصة القول: ديموقراطية بهذا القيد الفقهي الإسلامي ذي النسبة العالية 78% أفضل من ديموقراطية قليلة القيود لكنها مجرد نفاق وإدعاء.
مكي المغربي
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
شهداء الحركة الرياضية .. الحلقة 60 (معين المغربي)
غزة - صفا
تستعرض وكالة الصحافة الفلسطينية "صفا" بشكل يومي وعبر سلسلة من الحلقات المتتالية سيرة أحد شهداء الحركة الرياضية في الوطن، حيث استشهد المئات منهم منذ السابع من شهر أكتوبر 2023م "طوفان الأقصى"، وفي الحلقة 60 من هذه السلسلة نتناول سيرة الشهيد معين أحمد عبد الله المغربي "الغزال الأسمر".
ولد في مدينة جرش بالمملكة الأردنية الهاشمية بتاريخ 15 ديسمبر 1971م. حاصل على دبلوم غزل ونسيج من جامعة جرش. لعب كرة القدم في فرق غزة هاشم، والحسين إربد في الأردن، وعاد لقطاع غزة ليلعب لنادي خدمات رفح ليحصد معه العديد من البطولات تحت قيادة المدرب جمال حرب. شارك مع فريق خدمات رفح في بطولة أريحا الشتوية عام 1998، وحقق مركز الوصيف بعد خسارته من الوحدات الأردني بركلات الترجيح، وتلقى عرضًا للعب مع نادي شباب الخليل بالضفة الغربية المحتلة. انضم لصفوف المنتخب الوطني الفلسطيني الأول في عهد المدرب عزمي نصار، ولعب في مركز الظهير الأيمن. حقق مع المنتخب برونزية الدورة العربية التاسعة عام 1999م بعد التعادل مع ليبيا بهدفين لمثليهما.استشهد يوم الخميس 23 يناير 2024م، بعد استهدافه بثلاثة رصاصات من قناص إسرائيلي في جامعة الأقصى غربي مدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة.