20 فبراير، 2024
بغداد/المسلة الحدث:
سالم مشكور
كلمة رئيس حكومة إقليم كردستان العراق مسرور برزاني في قمة الحكومات المنعقدة في دبي مؤخراً، تشير بوضوح إلى أنّ الاخوة في الإقليم مصرّون على التصرف كدولة مستقلة، ومع ذلك فقد عجت الكلمة باستغاثات وطلب عون خارجي لتحقيق «حلم الاستقلال»، للكرد الذي قال إنهم «شعب له سيادة»، وهو مفهوم جديد في العلوم السياسيّة لم يطرحه أحد من قبل.
فالسيادة للدول، والشعوب هي عناصر أساسية في تكوين الدول..
أساس مشاركة وفد الإقليم في مؤتمر يخص حكومات الدول، يعد انتهاكاً للمادة 110 من الدستور التي تحصر الاتصال الدولي بالحكومة الإتحادية. هذا الانتهاك مستمر منذ نيسان 2003 مارست أغلب الحكومات الإتحادية الصمت حياله مما حوله إلى حق مكتسب. في قمة ميونخ للأمن يشارك وفد الإقليم كل عام أسوة بباقي الدول، وبعض رؤساء الحكومات الإتحادية العراقية كان يلتقي وفد الإقليم على هامش ذلك المؤتمر أسوة بلقائه باقي رؤساء الدول المشاركة.
وعندما «يزور» رئيس الإقليم بغداد يفرش له السجاد الأحمر كأي رئيس دولة أخرى صديقة أو شقيقة، وترتيب جلوس الوفد في اللقاءات يتم وكأنه ضيف مكافئ في المستوى ويوضع على طاولة المفاوضات علم كل طرف أمامه. يجري كل هذا ثم تتعالى الأصوات تنديداً بعدم التزام الإقليم بضوابط كونه جزءاً من العراق.
في سفارات العراق في عواصم العالم كان الاتفاق أن يكون هناك مكتب تجاري يمثل الإقليم لكن هذه المكاتب تحولت إلى سفارات مستقلة في أبنية أخرى، ولا يعلم بنشاطها السفير العراقي، بل أن مسؤول ممثلية الإقليم في إحدى الدول رفض أن يلتقي السفير العراقي الجديد هناك قائلا: ليأتي هو إلى هنا.
ليس المقصود من هذه الشواهد إثارة ضغينة أو تحريض ضد أحد إنما لتشخيص خلل ساهمت الحكومات الإتحادية بعد 2003 في ترسيخه وبالتالي بات الحل أكثر صعوبة في ظل ما يعتبره الأخوة في الإقليم حقوقا مكتسبة لا يمكن التراجع عنها.
في المقابل كان على سياسيي الإقليم أن يدركوا أن الخلل لن يدوم واذا كانت الظروف تدفع هذا السياسي أو ذلك في بغداد إلى التهاون مع الخروقات الدستورية كسباً لأصواتهم في البرلمان، فإن هذا الأمر لابد أن يتغيّر يوما وأن تصحيح الخلل سيكون موجعاً لكن لابد منه.
ما يعانيه سكان الإقليم اليوم من مصاعب اقتصادية يعود إلى سلوك سياسييه منذ عشرين عاما مقابل سكوت بغداد عنهم. كنا نرى الكثير من الضجيج والهجمات الكلامية المتبادلة بين الجانبين لكن ساسة الإقليم يحصلون في النهاية على ما يريدون، سواء بضغط خارجي، أو بإجادة لعبة القوة مع بغداد وما يتضمنه ذلك من توفير مصالح لسياسيين أو أحزاب سياسية في العاصمة.
ولا أدري ما هي الرفاهية والتنمية التي تحدث مسرور برزاني عنها في دبي، وموظفو الإقليم لم يستلموا رواتبهم منذ أيلول من العام الماضي رغم تسليم بغداد عدة دفعات مالية للإقليم.
خلال عشرين عاماً اعتاد الأخوة في الإقليم، أن يأخذوا ما يريدون ولا يعطوا حقوق الحكومة الاتحادية، فإلى جانب النفط الذي تعاقدوا بشأنه مع شركات أجنبية بعيدا عن بغداد والدستور، هناك عائدات الضرائب والرسوم والجمارك كلها تبقى في الإقليم ومع ذلك يطالبون المركز بدفع نسبة من مبلغ الموازنة الإتحادية. حتى المؤسسات الإتحادية كالبنك المركزي وديوان الرقابة المالية وهيئة الإعلام والاتصالات ومؤسسات إتحادية أخرى، ممنوعة من العمل في الإقليم.
الحدود مع الدول الأخرى لا وجود للسلطة الإتحادية فيها. معارضات دول مجاورة تسرح وتمرح وتنطلق من الإقليم لتنفيذ عمليات عسكرية ضد تركيا وإيران. كل هذا وغيره يتم دون علم او موافقة الحكومة الإتحادية، التي عليها فقط أن تبدي موقفا إذا ما ردت هذه الدول على مصادر الخطر عليها.. كلمة مسرور برزاني في قمة الحكومات في دبي ومشاركته في هذه القمة تدل على أن ساسة الإقليم مصرّون على التصرف كدولة مستقلة تنتظر من «الأصدقاء» الدعم لإعلان ذلك رسميّاً.. اذن على ماذا يتفاوض المبعوثون في بغداد؟
ولماذا يطالبون بغداد بالأموال؟
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
المصدر: المسلة
كلمات دلالية: فی الإقلیم
إقرأ أيضاً:
من الجعفري إلى الكاظمي: توافقات سياسية تحدد مصير الحكومات
29 أبريل، 2025
بغداد/المسلة: يعتمد الوصول إلى رئاسة الوزراء في العراق على معادلة معقدة تجمع بين الوزن الانتخابي والتوازنات السياسية.
ويمنح الفوز بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية السياسي أدوات قوة في المفاوضات، لكنه لا يكفي وحده اذ تتطلب العملية تشكيل كتلة سياسية متماسكة قادرة على ترشيح رئيس الحكومة، وهو ما يستلزم توافقات دقيقة بين الأطراف السياسية.
وتبرز هنا ثقافة المحاصصة كعامل حاسم، إذ غالبًا ما تتجاوز أهميتها الأداء الفردي لرئيس الوزراء أو شعبيته.
وتشكل العلاقات بين الفرقاء السياسيين العامل الأقوى في حسم المنصب فيما تظهر التجارب السابقة أن التحالفات الداخلية، وليس فقط النتائج الانتخابية، هي التي تحدد من يتولى المنصب.
يضاف إلى ذلك العلاقات الإقليمية والدولية التي تمنح شرعية إضافية للمرشح فيما يسعى المرشحون إلى كسب تأييد القوى الخارجية، لكن هذا التأييد يثير حساسيات داخلية، مما يعقد المشهد أكثر.
وتشير التجارب إلى أن إبراهيم الجعفري (2005-2006) وصل إلى رئاسة الوزراء بعد مفاوضات مكثفة بين الكتل الشيعية ضمن التحالف العراقي الموحد، رغم أن الانتخابات لم تمنحه تفويضًا مباشرًا.
واختير الجعفري نتيجة توافقات داخلية، حيث لعبت عوامل داخلية وتدخلات إقليمية دورًا في حسم الترشيح، مما قلل من وزن النتائج الانتخابية.
ويتجلى نموذج آخر في اختيار نوري المالكي (2006-2014) لرئاسة الوزراء. ورغم فوز التحالف العراقي الموحد في انتخابات 2005، لم يكن المالكي المرشح الأول، لكنه برز كمرشح توافقي بين الأطراف الشيعية بعد رفض خيارات أخرى مثل الجعفري اذ دعمته قوى إقليمية، خصوصًا إيران، مما عزز شرعيته السياسية على حساب الاستحقاق الانتخابي.
ويبرز عادل عبد المهدي (2018-2019) كمثال لاحق، حيث اختير رئيسًا للوزراء بناءً على اتفاق بين تحالفي “سائرون” و”الفتح” بعد انتخابات 2018.
ولم يكن عبد المهدي زعيم كتلة فائزة، بل مرشحًا توافقيًا لتجاوز الخلافات.
ويكشف اختيار مصطفى الكاظمي (2020-2022) عن استمرار هذا النمط. بعد فشل مرشحين آخرين مثل محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي في كسب تأييد الكتل,
وتعكس هذه الأمثلة إشكالية بنيوية في النظام السياسي العراقي. تتسبب المحاصصة في إضعاف الثقة بالعملية الديمقراطية، حيث يشعر الناخبون بأن أصواتهم لا تترجم إلى قرارات حاسمة.
و ينطيق هذا النسق على رئيس الحكومة الحالي محمد السوداني.
وتكشف هذه الديناميكية عن هشاشة النظام السياسي الذي يعتمد على توافقات مؤقتة بدلاً من مؤسسات راسخة.
كما تتحكم ثقافة المحاصصة في مصير الولاية الثانية لرئيس الوزراء.
ويمكن لرئيس الوزراء أن يحقق نجاحات ملموسة في تقديم الخدمات وكسب تأييد شعبي واسع، لكن ذلك لا يضمن استمراريته.
وتعتمد التجديدات على توافق الكتل السياسية التي غالبًا ما تعطي الأولوية لمصالحها الخاصة على الأداء الحكومي.
ويعكس هذا الواقع تحديًا بنيويًا في العملية السياسية العراقية، حيث تتفوق التحالفات السياسية على إرادة الشارع.
وتبرز إشكالية أعمق تتعلق بغياب إصلاحات سياسية جذرية اذ يعاني النظام من ضعف المؤسسات وسيطرة التوافقات السياسية، مما يحد من قدرة الحكومات على تحقيق استقرار طويل الأمد
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post AuthorSee author's posts