بدعوى تنمية الهند.. هدم ضريح تاريخي لولي صوفي في دلهي
تاريخ النشر: 20th, February 2024 GMT
على مدى 9 قرون قصد الهنود ضريح بابا حجي روزبيه للصلاة داخل غابة غير كثيفة في العاصمة الهندية نيودلهي، وكان قبر الولي الصوفي أحد أقدم المواقع الإسلامية في العاصمة الهندية حتى حولته هيئة التنمية إلى أنقاض.
في أوائل فبراير/شباط صار الضريح أحدث ضحايا "برنامج الهدم" الذي تنفذه هيئة تنمية نيودلهي لإزالة ما تسميها السلطات "المباني الدينية غير القانونية"، وشمل البرنامج إزالة مسجد ومقابر وأضرحة ومعابد هندوسية.
وقد خلف تدمير الضريح شعورا بالحسرة لدى السكان وتحذيرات قلقة من المؤرخين بشأن فقدان تراث لا يقدر بثمن، وقالت المؤرخة والمؤلفة رنا صفوي "إنها ضربة للتاريخ الذي جعل الهند ما هي عليه اليوم".
هدم مواقع إسلاميةوتأتي عمليات الهدم في وقت حساس مع تزايد جرأة القوميين الهندوس على المطالبة بمواقع أثرية إسلامية قديمة باعتبارها تابعة للديانة الهندوسية التي تمثل الأغلبية في البلاد.
وافتتح رئيس الوزراء ناريندرا مودي في يناير/كانون الثاني معبدا للإله رام في مدينة أيوديا بولاية أوتار براديش، وتم بناؤه على موقع مسجد عمره قرون دمره متعصبون هندوس في عام 1992، وهو ما أدى إلى إثارة مواجهات طائفية في مختلف أنحاء البلاد أسفرت عن مقتل ألفي شخص، معظمهم من المسلمين.
ومن المتوقع أن يفوز في الانتخابات العامة المقررة هذا العام في أبريل/نيسان المقبل حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي القومي الذي يتزعمه مودي.
وتتعلق حملة الهدم التي تنفذ في دلهي رسميا بالتنمية، وقد استهدفت مباني هندوسية بالإضافة إلى مبان إسلامية، لكن هيئة التنمية لم تفصح عما سيحل محل المباني المدمرة التي بني الكثير منها قبل مئات السنين من وضع قواعد التنظيم المدني الحالية.
وقالت صفوي "كان الضريح لولي صوفي، وكان من أوائل -إن لم يكن أول- الذين جاؤوا إلى دلهي، لقد رأيت أشخاصا من جميع الأديان يزورونه ويوقرونه".
"متاهة التنمية الحديثة"يعود تاريخ ضريح بابا حجي روزبيه إلى أواخر القرن الـ12، وكان قد مر عليه 500 عام عندما بني ضريح تاج محل في الهند.
لكن ضريح بابا حجي روزبيه أكثر تواضعا بكثير، فهو عبارة عن مبنى بسيط منخفض الجدران يقع في عمق متنزه غابة سانجاي فان المترامي الأطراف بعيدا عن أي طرق أو مبانٍ، ويصعب على أي كان العثور عليه باستثناء المصلين المترددين عليه، لكن خسارة الضريح جعلت أولئك الذين زاروه يشعرون بالمرارة.
وقال رجل -طلب عدم ذكر اسمه خوفا من ردود الفعل- "لقد أمضيت ليالي هنا في الصلاة، وها قد زال كل شيء، إذا لم نحمِ تاريخنا فمن سيفعل ذلك؟".
هيئة تنمية دلهي هي وكالة اتحادية تتمثل مهمتها في ضمان عدم ضياع "الطابع التاريخي الفريد لدلهي وتقاليدها وروحها في متاهة التنمية الحديثة".
وقالت الهيئة إن عمليات الإزالة تمت الموافقة عليها من قبل لجنة دينية، وإن "برنامج الهدم بأكمله (تم) بنجاح دون أي عائق أو احتجاج".
وأضافت الهيئة في بيان أن المناطق "المستصلحة" أضافت مساحة ملعب كرة قدم (5 آلاف متر مربع)، دون تقديم مزيد من التوضيح.
وذكرت صحيفة "هندوستان تايمز" أنه إلى جانب المسجد والضريح أزالت هيئة التنمية 4 معابد هندوسية و77 قبرا.
التراث مشتركوالشهر الماضي، هدمت الجرافات في غابة مهرولي بدلهي مسجد "أخوند جي" ومدرسة أثرية ملحقة به، وقال القائمون عليهما إن عمرهما نحو 600 عام.
وقال إمام المسجد ذاكر حسين (40 عاما) متحدثا عن وصول العمال قبل الفجر لهدم المبنى "تنظر إلى جدران المبنى وتدرك كم من الوقت مضى عليه، لقد فقدنا ذلك، لا يمكننا إعادة بنائه مهما حاولنا".
سمي المسجد المهدوم باسم "مسجد أخوند جي" أو مسجد "الجن"، ويقال إنه يعود إلى عصر مؤسس سلطنة دلهي الملك التتمش الذي توفي سنة 1236، وتعد المدرسة الدينية الملحقة بالمسجد تاريخية أيضا، أما القبور فعمرها نحو 4 قرون وفيها قبور بعض الأولياء، وتعد هذه المعالم محمية، ليس فقط لأنها أراضي أوقاف، بل أيضا لأنها آثار تاريخية، ولا يجوز هدمها وفق القانون الهندي.
والشهر الماضي، ثارت قضية "سُنَهرِى مسجد" (المسجد الذهبي) في دلهي، وهو الذي يعود إلى حقبة المغول، وقد أبقى عليه الإنجليز حين بنوا مدينة دلهي الجديدة التي تعرف بـ"نيودلهي"، وذلك بسبب أهميته التاريخية، ولأنه كان "مسجدا حيا"، أي كان مستعملا وليس مهجورا.
وزعمت البلدية أن المسجد يعرقل المرور في المنطقة، فسعت إلى هدمه بحجة توسيع الشارع رغم أن لجنة رسمية قد قضت سابقا بأن هذا المسجد لا يشكل عائقا، لكن أمر الهدم توقف بعد أن ثار الناس وذهبوا إلى المحكمة العليا.
كما سبق أن تم هدم مسجد أثري يسمى "مسجد شاهي" (المسجد الملكي) في مدينة الله آباد (براياغ راج) في 9 يناير/كانون الثاني 2023 بحجة توسيع الطريق العام.
خسارة تراث مشتركورأت صفوي أن خسارة المسجد خسارة للجميع، وقالت "التراث مشترك، لذلك لا يمكن القول إن (هدم) هذا المسجد ليس سوى ضربة لمجتمع معين أو للمسلمين لأنهم صلوا هناك".
وقالت هيئة المسح الأثري الهندية -التي أدرجت ضريح بابا حجي روزبيه في قائمة التراث عام 1922- إن الصوفي الزاهد الذي عاش في كهف كان "يحظى بالتبجيل باعتباره أحد أقدم الأولياء في دلهي".
وورد في قائمة هيئة المسح الأثري أن "التقاليد المحلية" أفادت بوجود قبر آخر في الضريح يخص ابنة قائد دلهي الهندوسي راي بيثورا في القرن الـ12، والذي "اعتنق الإسلام على يدي بابا حجي روزبيه".
وذكر تقرير الهيئة أن "الكثير من الهندوس اعتنقوا الإسلام بتوجيه منه"، وهو ما اعتبره المنجمون نذير شؤم ينذر ببعث إمبراطورية المغول الإسلامية من القرن الـ16.
وينظر نقاد ومعارضون للحكومة إلى خطوات الهدم على أنها تبعد الهند المعاصرة عن المبادئ العلمانية للهند الحديثة التي وضعها القادة المؤسسون، لكن نشطاء قوميين هندوسا يرون عمليات الهدم لحظة فارقة في مسيرتهم "لإعادة تشكيل الأمة الهندية".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی دلهی
إقرأ أيضاً:
مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية يجدد مسجد العباسة بجازان
أدخل مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية في مرحلته الثانية مسجد العباسة في محافظة أبو عريش بمنطقة جازان، الذي يُعد أحد أقدم المساجد في المنطقة وضمن أبرز المباني التراثية فيها، إذ يعمل المشروع على تجديد المسجد وفق طرازه المعماري الفريد باستخدام مواد البناء الطبيعية والمحافظة على قبابه الثلاث التي تميز عمارته.
وسيطور مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية مسجد العباسة الذي يعود تاريخ إنشائه إلى عام 1262هـ، بنفس مواد البناء الطبيعية الأصلية المستخدمة في بنائه، وسيحافظ المشروع على شكل المسجد الذي يتميز بقبابه الثلاث التي تميز عمارته، وعلى تفاصيله الداخلية المتمثلة في المحراب الذي تعلوه لوحة منقوشة بها آيات قرآنية ومدوّن عليها تاريخ بناء المسجد، كما يتميز المسجد بعمارته الحجرية التي تمثل امتدادًا للبيئة المحيطة، واستخدم طوب الآجرّ في تشكيل خصائص بنائه.
وسيحقق المشروع تعزيز أصالة بناء المسجد الذي ستصل مساحته بعد تطويره إلى نحو 435.38م2، وتتسع طاقته الاستيعابية لـ165 مصليا، وحمايته مع تقدم الزمن.
ويأتي مسجد العباسة – ” https://goo.gl/maps/JmgwHnxVKmoGZZwA6 ” – ضمن مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية في مرحلته الثانية التي شملت 30 مسجدًا في جميع مناطق المملكة الـ13، بواقع 6 مساجد لمنطقة الرياض، و5 مساجد في منطقة مكة المكرمة، و4 مساجد في منطقة المدينة المنورة، و3 مساجد في منطقة عسير، ومسجدين في المنطقة الشرقية، ومثلهما في كل من الجوف وجازان، ومسجد واحد في كل من الحدود الشمالية، وتبوك، والباحة، ونجران، وحائل، والقصيم.
اقرأ أيضاًالمجتمع“البيئة”: وفرة في إنتاج العنب المحلي تتجاوز (122) ألف طن سنويًا واكتفاء ذاتي يصل إلى (66%)
يُذكر أن إطلاق المرحلة الثانية من مشروع تطوير المساجد التاريخية أتى بعد الانتهاء من المرحلة الأولى التي شملت إعادة تأهيل وترميم 30 مسجدًا تاريخيًا في 10 مناطق.
وينطلق المشروع من أربعة أهداف إستراتيجية، تتلخص بتأهيل المساجد التاريخية للعبادة والصلاة، واستعادة الأصالة العمرانية للمساجد التاريخية، وإبراز البعد الحضاري للمملكة العربية السعودية، وتعزيز المكانة الدينية والثقافية للمساجد التاريخية، ويسهم في إبراز البُعد الثقافي والحضاري للمملكة الذي تركز عليه رؤية 2030 عبر المحافظة على الخصائص العمرانية الأصيلة والاستفادة منها في تطوير تصميم المساجد الحديثة.