موقع النيلين:
2025-02-02@00:02:42 GMT

بوادر التصدع : الصدمة (2-3)

تاريخ النشر: 20th, February 2024 GMT


(1)
أحدث انفتاح القوات المسلحة فى منطقة المهندسين خلخلة فى بنية وتماسك المليشيا وداعميها ، ويتضح ذلك من مساعى البحث اللاهث إلى حل يضمن بقاء ووجود المليشيا فى المشهد ..
وقد أتخذ الأمر مسارين ،
الأول : تحريك إتصالات داخلية ، للمصالحة ، والوصول لإتفاق بأى وسيلة ، وعلى اى سقف ، وأمس وصل إلى مستريحة بشمال دارفور قائد ثاني المليشيا عبدالرحيم دقلو وقائد عملياتها عثمان عمليات للحديث مع الشيخ موسي هلال ، وكانت اتصالات العمد بقيادة أبو شوك انتهت إلى سعي هلال للمصالحة ورفضه أن يكون طرفا فى القتال ، وهذه المرة جاء الوفد لطلب وقف الحرب.

.
ولكن نغمة أخرى تتصاعد ، بضرورة إيقاف نزيف شباب بعض القبائل بدارفور وقد اخذت الحرب الشباب المغامرين والطامحين ، اكثر من 200 ألف قتلوا أو جرحوا ، وهذه خسارة ثقيلة لها تأثيراتها الإجتماعية ودون وجود أى مردود أو فائدة سوى بعض المنهوبات…
– أما المسار الثانى والأكثر ضجيجا ، هو العودة للمفاوضات ، ومن الواضح أن (تقدم) و (قحت) هى من تتولى هذا الملف ، من خلال الحديث المكثف عن مفاوضات البحرين وتسريب ما أسموه نقاط إتفاق ، وهى وثائق تتوفر فقط عند قحت وتقدم ، علما بان طبيعة المفاوضات ذات طبيعة إنسانية تضمنها إتفاق جدة 11 مايو 2023م ، وهو أمر فى غاية الوضوح ، لم يرفض الجيش التفاوض ، وإنما بعد تنفيذ ما اتفق عليه..
(2)
فى الميدان ، فإن المليشيا تعانى من طبيعة المعركة وتداعياتها ، ربما السعى الحثيث لفرض هدنة ، هو محاولة لإلتقاط الأنفاس ، وترتيب الصف ، والحصول على دفعة جديدة من التسليح ووصول نتائج من جماعات سيلكا الارهابية بافريقيا الوسطي لتوفير عدد من المرتزقة ، وتفويج مجموعات من جنوب السودان ، وواضح أن اندفاع عرب الشتات قد تراجع وهم يتناقلون اخبار المعارك والمحرقة فى الخرطوم.. ولم تعد هتافات انتقال قبائل (الجنيد) واردة ، لم تعد الخرطوم أرض مملكة العطاوة..
أمس ، جاءت ردة فعل الجنجا ، فى محاور أمدرمان للوصول إلى شارع العرضة ، وتكبدوا خسائر كبيرة ، وهلكت مجموعة فى منطقة سنار أثر كمين وتدوين طيران ، ولكن الخسائر الكبيرة فى بحري ومنطقة الكدرو ، فقدت المليشيا القدرة على المناورة وكثافة النيران ، مع تناقص قواتها وعتادها ، المئات تساقطوا فى الطرقات والمباني ، وقوة الكدرو اغلبها من ابناء الماهرية ، حيث كان مقر عبدالرحيم دقلو وكبار القادة بكافورى وانتشروا فى مناطق بحري ، بينما مناطق امدرمان من مناطق تندلتي ، وأضيف إليهم قناصين من عدة دول (روس ، سوريا ، جنوب السودان) ، وانخفضت كفاءة أداء المليشيا مع غياب رؤية عملياته واضحة ، والدخول فى مغامرة التمدد دون ادراك المخاطر..
(3)
لم يكن وقع الميدان مؤثرا على المليشيا فقط ، بل هو أكثر تأثيرا على الحاضنة السياسية قحت وتقدم ، ولم تعد هذه القوى السياسية فى مرحلة (الحياد) ، بل أصبحت طرفا فى الحرب من خلال تبني صريح لأجندة ومواقف الجنجا ، بل أكثر تبرعا بالدعاية من ناشطي المليشيا..
وربما لم تعد هذه القوى الشبحية تعول كثيرا على الموقف الشعبي ، أو الراى العام الداخلى فقد أكتشفوا أن الشعب رافض لهم ، من خلال:
– المقاومة الشعبية
– رفض التعايش مع المليشيا
– التفاعل العفوى مع إنتصارات القوات المسلحة..
وعليه ، اصبحت ذات صوت جهور فى تبني مواقف الجنجا ، لإن بقاء قحت وتقدم رهين بوجود المليشيا فى المشهد السياسي ، وهذا تفكير سطحي وساذج ، بل (بلاهة) و (غباء) .. لإن ميراث الجنجا أثقل من أن تقترب منه قوة سياسية ناضجة ، وذات عقل ، ولكنه عمى بصيرة..
(4)
وما يقال عن اتفاق (22) نقطة وبند ، وتهافت قحت وتقدم للدفاع عنه ، ليس هدفه تحقيق (وقف الحرب) ، وإنما إحداث وقيعة فى الصف الوطنى المتماسك ، و أكثر ما يخيفهم هو وحدة وطنية جامعة..
وهذا النشر مقصود به ذلك ، إثارة تشكيك المواطن فى جيشه ، وإثارة حفيظة الإسلاميين ، وبالتالي إبتعادهم عن معركة الوطن ، وهذا وهم..
عندما أنخرط الإسلاميون فى معركة الكرامة كان قادتهم فى السجون ولا زالوا ، وعناصر قحت فى سدة الحكم ، و اغلب الولاة والوزراء عينهم حمدوك ، ومع ذلك دافعوا عن وطنهم ، لإن منظورهم للقضية الوطنية أكبر من مزايدات أو رهينة مصالح صغيرة ، هذه قضية وطن وليس مناورات سياسية وحزبية ، وهذا أمر لا تفهمه قحت وتقدم لإنهم لا يدركون الفرق بين الوطن والحكومة..
ولذلك اقول للاسلاميين ، لا تستغرقوا وقتكم فى هذه المعارك الصغيرة ..
(5)
تقارير أخرى دولية عن مواقف بعض الدول ، وإعادة النظر فى دعم المليشيا وتقدم ، وهذا مهم ، نشير إلى نقطة واحدة منه ، وهو محاولة قحت تسويق المليشيا فى دوائر غربية ، فقد اوردت مصادر متطابقة أن الدكتور نصر الدين عبدالباري وزير العدل السابق فى حكومة حمدوك بذل جهودا مع الادارة الأمريكية للإنخراط فى دعم المليشيا ، وقد أشارت عضوة من وفد (تقدم) فى واحدة من تغريداتها (لقد قدمنا تقارير للوزيرة عن جرائم مليشيا البرهان) ، هذا خطاب القوى المحايدة..
بدأت (الفقاعة) فى التلاشي وفق مؤشرات كثيرة ، حفظ الله البلاد والعباد..
د.ابراهيم الصديق على
20 فبراير 2024م

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: لم تعد

إقرأ أيضاً:

آفاق الهوية

تعددت الأصوات المطالبة بالتركيز على الهُوية، مدفوعة بتأثيرات التقنية المفتوحة والعولمة وتأثير المراكز الثقافية على الأطراف، حتى حدا الأمر بوزارة التربية والتعليم معنا لإضافة مادة الهُوية الوطنية؛ والهُوية اصطلاح معاصر من الهو، والهُوية ضد الغيرية، أما في المعاجم القديمة فاستخدامها تصغير الهوة، ورووا بيت الشماخ ولما رأيت العرش عرش هوية تسليت حاجات الفؤاد بشمرا.

وبمقابلة الغيرية تفهم هدف الهوية بوضوح، وهو التمييز بين الذات والآخر، وعادة يتم تقديم مفاهيم بعينها لتحديد تلك الهوية: اللغة، الدين، التقاليد، التاريخ ..الخ، لكن ما يلاحظ أن كل تلك المحددات هي من الاتساع بحيث لا تكفي لتحديد الهوية الصغيرة وسط الهوية العامة، فالتاريخ مشترك، واللغة لهجات ولغات، والدين مذاهب وديانات، والتقاليد تتشابه إن لم تكن تتطابق مع هويات أعم، مثلها مثل التاريخ، والأهم أننا نجهل التاريخ القديم بشكل كبير في الأوساط العامة بما في ذلك قطاع كبير من المثقفين فما الهوية المعاصرة التي يراد إيصالها لنا نحن؟

مثال ذلك أن يجرى التركيز على الدشداشة العمانية، الموحدة كزي رجالي معتمد وموحد، الشكل الخارجي، بوصفه جزءًا من الهوية، فيما الواقع أن الزي الرجالي الموحد الذي انطلق مع إنشاء المدارس النظامية هو شكل مطور من عدة أشكال أخرى، والدشداشة نفسها، وتلفظ الدهداشة في بعض لهجاتنا، لباس عربي قديم منتشر من عمان حتى المغرب العربي، ولا تخلو منه بلاد عربية حتى اليوم، والدشداشة العمانية متنوعة في التطريز ولا تزال بعض تلك الدشاديش موجودة ومستخدمة ليومنا هذا كالدشداشة الصورية والدشداشة العبرية إذا اكتفينا بالمشهور منها، وتمثل تلك الدشاديش المتنوعة فنًا وتاريخًا وتراثًا علينا إحياؤه لا إماتته، بل هي تعبير طبيعي صادق وحقيقي عن ما ندعوه هويتنا.

والأمر أشد وضوحًا في أزياء النساء المتشكلة من مجموعة أزياء تتفق في الأساسيات لكنها تختلف في التفاصيل التي نعتز بها وبتنوعها والتي تحمل فنًا وجمالية خاصة وذوقًا وشخصية تعبر عن جداتنا وأمهاتنا، وتحمل صبغة تاريخية وتنوعًا وثراءً وانفتاحًا وتأثرًا وتأثيرًا يعكس الداخل والمحيط الشاسع من حولنا، وكل هذا ونحن ما زلنا في الجانب الشكلي من هذه الهوية ونلمس تنوعها وتعددها وانفتاحها، وأنها غير فقيرة الخيال، ولا هي أحادية أو نمطية مغلقة بل كل ما فيها يرحب بالتنوع وينشد الانفتاح.

إن شبه جزيرة العرب وهي أكبر شبه جزيرة في العالم تقع حرفيًا في أحضان البحر، فالبحر يمد ذراعيه عبر الخليج العربي شمالا والبحر الأحمر جنوبًا، فهي في عناق مع البحر، وهذا العناق رسم تاريخنا وختم مصيرنا بخاتمه، فهذا الموقع الجغرافي من الأرض فتح أفقي البحر والبر في نفس الوقت، فهو جعلنا في مواجهة البحر، وجعلنا كذلك في أرض علينا أن نزرعها وأن نسافر فيها، وبالتالي جعل سفننا وقوافلنا متصلة الأسفار، معتمدة على بعضها البعض في طرق التجارة القديمة، من طرق اللبان جنوبًا واللؤلؤ شمالًا إلى طرق البهارات والحرير وبضائع الصين والهند، غير بضائع إفريقيا من العاج والذهب، وكل ذلك كان يمر عبر صدر هذه الجزيرة العربية، وهذا ما يلخصه المؤرخ المعاصر حمد صراي بقوله: «هذا الموقع المتميز لشبه الجزيرة العربية جعلها في تفاعل مستمر مع الحضارات المجاورة عبر نشاطاتهم مع هذه المراكز الحضارية، حيث مثلت بلادهم محطة الاجتياز الرئيسية. وهذا الأمر أكد أن شبه الجزيرة العربية لم تكن في معزل عن العالم الخارجي وإنما عاشت تاريخًا طويلًا مليئًا بالأحداث شديد التفاعل». مثال العلاقات الحضارية بين الجزيرة وشرق إفريقيا

ما نتج عن ذلك التاريخ المتفاعل أن العرب انتشروا في بقاع الأرض من حولهم بل وقامت لهم ممالك عربية قديمة لا يزال صداها حيًا إلى يومنا كالفينيقيين الذين تعود حضارتهم إلى ٢٥٠٠ قبل الميلاد، والذين دلت الآثار على أن أصولهم تعود لشرق الجزيرة العربية والخليج العربي إلى بحر العرب وأن صور التي أسسها الفينيقيون في بحر المتوسط إنما هي تذكار لصور العمانية، وعثر المؤرخون والآثاريون على إشارات في أشعار الفينيقيين لما يعرف اليوم بين المؤرخين والآثاريين بحضارة أم النار قرب أبوظبي اليوم، وقد ترجم أحمد فرحات شعرهم في كتاب بعنوان «شعراء أم النار»، والتاريخ المعروف حتى الآن يعيد ذكر العرب بهذا الاسم إلى القرن الثامن قبل الميلاد أي عشرة قرون حتى يومنا وليس مجرد قرنين أو أقل كما قد نظن.

إن المكان فاعل أساسي لا يمكن إغفاله في تكون الهوية، كما أن التاريخ الذي يمثل البعد الزمني هو الآخر فاعل أساسي، وبفهم هذين الاثنين فهمًا كافيًا يمكننا الاقتراب من تحديد ملامح الهوية، وهي ليست هوية مغلقة بأي حال من الأحوال، أو هوية ينطلق تحديدها من مفاعلات الخوف والخشية والانكفاء والتراجع، بل بالعكس يجب أن ينطلق تحديدها من المعرفة الدقيقة التي تعزز الثقة والاطمئنان والانفتاح والمشاركة البشرية في صنع عالم أفضل لكل إنسان على هذه الكرة الأرضية.

كل ذلك يعيد ترتيب فهمنا لمن نكون وما هي هويتنا والتي هي هوية إنسانية أوسع بمراحل من الهوية الضيقة التي يسعى بعض معاصرينا لإغلاقها علينا، وهذه الهوية المفتوحة تتناغم مع أرضنا التي هي أرض مفتوحة على 3 جهات بحرية وبوابة برية للأرض جهة العرب عند ما يعرف بالهلال الخصيب. وهذا ما جعل أسلافنا يمتهنون التجارة والسفر بحرًا وبرًا ويبنون الموانئ والمدن والدول حتى خارج حدودهم الجغرافية المعروفة.

إن كل الحضارات الجنوبية القديمة في اليمن وحضرموت والممالك التي قامت في وسط وشمال الجزيرة العربية أثرت فينا بما أننا قبائل رحّالة. والحضارات القديمة كحضارة أم النار وحضارة العبيديين التي اكتشفت آثارها منذ عدة أعوام في الكويت والتي تعود لسبعة آلاف سنة قبل التاريخ، وشعب العبيديين هم الذين أسسوا سومر في بلاد الرافدين في الألفية الثالثة قبل الميلاد، والتي كانت لها علاقة وطيدة بمجان، ومن المعروف أن كل ذلك يشهد على المساهمات الفعّالة في بناء الحضارات من حولنا، وما زال أغلب آثارنا مدفونة ومجهولة.

إن كل ما قام من حولنا، وهذا وسط حضاري منذ الأزل، وهذا الوسط أثر بلا شك فينا وفي هويتنا وتصورنا للعالم، وكل ذلك عقد صلاتنا بالحضارات القديمة سواء حضارات بلاد الرافدين كما أشرنا، أو بالحضارة الفرعونية أو باليونانية والرومانية التي دونت الكثير عن الجزيرة والتي شكلت الجزيرة العربية في تصوراتها أرض الثراء والعطور كما نجده مدونًا في تلك المصادر من هيرودوتس فمن تلاه.

من المؤكد اليوم على الأقل لدى المؤرخين المعاصرين أن العربي كهوية وجنس معروف لدى المحيط الخارجي منذ القدم، وما نحن عليه هو ما شكّلنا وكوّننا، ونحن اليوم بوصفنا أبناء عصر المعرفة ومن موقعنا في الزمن تقع على عاتقنا مسؤولية الإنصاف التاريخي لماضينا بكل صدق وتجرد دون أن تعمينا العصبيات الضيقة والأيديولوجيات والأحلام الصغيرة التي لا تولد غير العداوات والحروب، وإذا كانت رغبة التفوق والتميز طبيعية في الإنسان فعلينا أن ننقلها لساحات الحضارة الخصبة بالعمران والفن والجمال والحب.

إبراهيم سعيد شاعر وكاتب عُماني

مقالات مشابهة

  • طرد المليشيا من رفاعة وتمبول والهلالية وتطهير مناطق واسعة بوسط الجزيرة
  • الخارجية تدين تمادي المليشيا المتمردة في ارتكاب المجازر
  • القوات المسلحة: طرد المليشيا من رفاعة وتمبول والهلالية وتطهير مناطق واسعة بوسط الجزيرة
  • آفاق الهوية
  • التيار استنكر جريمة قتل كوجانيان وهذا ما طالب به
  • حزن يسود السوشيال ميديا بعد وفاة زوج الميكب أرتيست نورا بلال
  • طيران الشرطة ينقل الإعلاميين لولاية الخرطوم لتوثيق آثار الخراب والدمار لحرب المليشيا المتمردة
  • رقعة حرب واحدة استعاد فيها الجيش زمام المبادرة بشكل كامل بينما تنهار المليشيا
  • الخروج من صفوف المليشيا.. البرهان يلتقي وفد تنسيقية قبيلة السلامات
  • تطورات الصراع في الكونغو.. مخاوف من التصعيد وتقدم للمتمردين