أبوظبي - وام

أكد الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح والتعايش أن انعقاد المؤتمر الدولي لحوار الحضارات والتسامح يأتي في وقته المناسب، لأن ما يشهده العالم حالياً من صراعات وأحداث مؤسفة تتطلب أن يكون الجميع أكثر إدراكا للحاجة الملحة إلى إضفاء روح الأمل والتفاؤل على العلاقات بين الشعوب وبين الدول، وأن تتركز الجهود على كسر حواجز سوء الفهم، وإحياء تقاليد التسامح والأخوة والحوار، والتبادل المثمر للأفكار والتعاون في مواجهة التحديات.

وقال «إن الذين يعرفونني يدركون جيدا أنني لا أؤيد أطروحة صدام الحضارات، وأفضل دائما إيجاد طرق أفضل وأكثر فائدة، للتفاهم والتعاون والتعايش السلمي في هذا العالم» مشددا على أن الجميع كأفراد وكأعضاء مجتمعات، مدعوون إلى الاضطلاع بدور إيجابي في هذا المسعى النبيل.

جاء ذلك عقب افتتاحه المؤتمر الدولي لحوار الحضارات والتسامح الذي ينظمه مركز باحثي الإمارات للدراسات والبحوث ووزارة التسامح والتعايش، بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة لتحالف الحضارات، ومكتب أبوظبي للمؤتمرات والمعارض تحت شعار «تجسير الحضارات ورعاية التنوع»، بحضور قيادات دولية وأممية بارزة.

وتحدث خلال الجلسة الافتتاحية الشيخ الدكتور عبد الله بن بيه عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة أديان من أجل السلام، وميغيل موراتينوس الممثل السامي لمنظمة الأمم المتحدة لتحالف الحضارات، والدكتور على راشد النعيمي رئيس لجنة الدفاع والداخلية والخارجية بالمجلس الوطني الاتحادي، واللواء أحمد ناصر الرئيسي رئيس الإنتربول، والمستشار محمد عبد السلام الأمين العام لمجلس حكماء المسلمين و100 منظمة عالمية، وأكثر من 5000 مشارك، بما في ذلك 50 متحدثاً.

كما حضر جلسات المؤتمر الدكتور عبد الله بلحيف النعيمي، رئيس المجلس الاستشاري لإمارة الشارقة ورئيس مجلس الأمناء لمركز باحثي الإمارات للبحوث والدراسات، وعفراء الصابري مدير عام وزارة التسامح والتعايش.

وقال الشيخ نهيان بن مبارك في كلمته الافتتاحية «أرحب بكم جميعا كمفكرين وخبراء عالميين مؤثرين، نشرف بحضوركم، وكلنا ثقة أن لديكم الكثير الذي نستطيع الاستفادة منه، تماما كما تعلمنا من إنجازاتكم ورؤيتكم لعالم يسوده السلام والرخاء، وإن وجودكم في أبوظبي اليوم يؤكد المشاركة الفعالة لمدينة أبوظبي في الشؤون الدولية والتطور العالمي، كما يعكس بوضوح المكانة البارزة لدولة الإمارات كرائدة للسلام والتسامح بين دول العالم».

وأضاف أن الفائزين بجوائز التقدير التي تمنحها المجلة الدولية للحوار بين الحضارات والتسامح يستحقون كل التحية اليوم، لما قدموه من مبادرات مهمة في تعزيز الروابط الإنسانية الإيجابية ودعم روح الإنسانية، وأنا معجب بما أبرزته مبادراتهم من حس أخلاقي يجسد طهارة القلب، والقدرة على تمييز الصواب من الخطأ، والإرادة المستمرة لدعم الحق، أشكرهم على هذا الدور وأقدر مساهماتهم في المجتمع.

وأوضح أن دولة الإمارات ستظل نموذجا فريدا وناجحا للتعايش السلمي والمثمر بين البشر من مختلف الأديان والثقافات والجنسيات والخلفيات، حيث يشعر مواطنو الدول الأخرى بالحرية والأمان في التجارة والتعامل مع الإمارات، ويرغبون بزيارة الدولة، والعيش والعمل فيها، مؤكدا أن ارتياحهم جاء نتيجة لإدراكهم للفضائل العالمية التي يظهرها مواطنو دولة الإمارات في تعاملهم معهم. فمهما اختلفت ثقافتهم عن الثقافة الإماراتية، فما زال الاثنين مشتركان في تقديس فضائل التسامح والأخوة والحكمة والشجاعة، والولاء والعدالة والكرم.

وقال «نحن ممتنون حقا لاستمرار دولة الإمارات في التزامها القوي بهذه القيم الإنسانية العالمية تحت القيادة المستنيرة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله”، فبفضل قيادة سموه وتوجيهاته، تلتزم الإمارات بمواجهة سوء الفهم والتحيز والجهل والخوف والكراهية، لإيمانها بأن التفاهم والاحترام المتبادل بين الناس من مختلف الثقافات والأديان والأعراق يمكنه تحقيق نمو اقتصادي لا مثيل له، مصحوبا بالاستقرار الاجتماعي والسياسي، مع مزيد من إتاحة الفرص لمواطني الدولة وللمقيمين فيه، حيث يحدونا أمل صادق في أن تشهد دول العالم واقعا مماثلا لما شهدته وتشهده الدولة».

ونبه إلى أن محاور وموضوعات هذا المؤتمر تذكره بالعنوان الرئيسي لدبي إكسبو 2020، حيث كان موضوع المعرض«تواصل العقول وصنع المستقبل»، مؤكدا أن العقول تعتمد في تواصلها على الحوار، الذي يساعد على بلوغ التقدم والتسامح والتفاهم والسلام، كما يساعد على إطلاق الإمكانات الإيجابية الهائلة لعالم متنوع ومترابط، وهو أيضا يتصدى للجهل ويعزز معرفة وتفهم الثقافات الأخرى ويمنع أسباب سوء الفهم والعداء.

وأضاف أن بناء مجتمع عالمي يسوده السلام والرخاء يجب أن يرتكز على الالتزام بالقيم الإنسانية العالمية التي نتشاركها جميعا، وعلينا أن ندرك أن حل المشاكل الاجتماعية، والاقتصادية العالمية، والتفوق في الأسواق العالمية شديدة التنافسية، وتحقيق الاستفادة المثلى من التكنولوجيا الحديثة، وحل الصراعات الإقليمية والعالمية، كلها مرتبطة بإعطاء الأولوية القصوى للاستثمار في الحوار والاحترام والتعاطف والتفاهم والروابط الإنسانية.

وأشار إلى بيت في قصيدة لروديارد كيبلينج نشرت في عام 1889 قائلا«يبدو أنها مرتبطة بحواركم اليوم، وهذا البيت هو (أوه، الشرق هو الشرق، والغرب هو الغرب، ولن يتفق الاثنان أبدا)، وسرعان ما أصبحت القصيدة مشهورة عالميا، وكثيرا ما يستشهد بها خارج سياقها، وكثيرا ما يساء تفسيرها، كما أصبحت أساسا لقبول فكرة الانقسامات الثقافية والحضارية التي لا يمكن تجاوزها، ولا يزال هذا الافتراض الذي يصر على وجود فجوة ثقافية وحضارية لا يمكن تجاوزها، سائدا في العديد من أنحاء العالم اليوم»مؤكدا أن قراءة أكثر عمقا للقصيدة تظهر أنه بالنسبة للشرق والغرب، وكافتراض عام، من الممكن الوصول لأرضية مشتركة إذا بذلوا جهدا لمعرفة بعضهم البعض، وهذه الأرضية المشتركة ممكنة إذا أيقن الجميع بأهمية التواصل الذكي والانصات باهتمام، والانخراط في حوار إيجابي، كي يتمكن الطرفان في نهاية المطاف من وضع رؤية مشتركة للمستقبل.

واختتم قائلا «أرحب بكم مرة أخرى في أبوظبي وأشكر(باحث الإمارات)على تنظيم هذا المؤتمر الهام. ونحن في وزارة التسامح والتعايش سعداء بالشراكة مع تحالف الأمم المتحدة للحضارات ودائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي في دعم هذا الحدث. ونأمل أن تتمكنوا من تقديم رؤى وتحليلات تقودنا لإجراء حوار ايجابي بين شعوب العالم حول القضايا والمشاكل التي نواجهها جميعا».

من جانبه قال الشيخ الدكتور عبد الله بن بيه عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة أديان من أجل السلام«اسمحوا لي أن أسهم بكلمات مختصرة حول الموضوع الذي طلب مني وهو موضوع (أصالة الحوار في الإسلام، ودور مفكري الإسلام في تعزيز حوار الحضارات والتسامح)،» مؤكدا أن الحوار لغةً من حار يحور (إذا رجع، الرجوع عن الشيء، وإلى الشيء)، وهو حديث بين طرفين، قد ترتفع فيه النبرة قليلاً فيكون جدالاً، وقد يُلجأ فيه للبرهان والحجة فيكون حِجاجاً وقد يكون بنبرة ودية فيكون تشاوراً وتفاوضاً، إلا أن الحوار في كل الأحوال إظهار للمصالح للوصول إلى التصالح. وهو في حقيقته إطلاع الأطراف بعضها لبعض إلى إمكانية الوصول إلى توافق يسمح لكل منها أن يصل لمبتغاه أو شبه مبتغاه من مصلحة مادية أو معنوية.

وأضاف أن للحوار قيمة مركزية، وسمة بارزة، في الحضارة الإسلامية والعربية، فالحوار هو وسيلة التعارف التي وضعها القرآن الكريم أساس التعارف بين الشعوب والقبائل بين الأرض، والحوار وحده يتيح التعرف والتعريف، التعرف على الغير والتعريف بالنفس، و قد أَصّل الإسلام للحوار، وجعله مبدأ أساسياً للتواصل مع الآخر، القريب أو الغريب، المشابه أو المغاير.

وعُبِّر عن الحوار في القرآن والسنة بعبارات متعددة تشير كلها إلى غاية واحدة، هي الفهم والتفهم، واستخدام الكلام بدلاً عن الحسام، والسلام بدلاً عن الخصام، إنه إذاً حوار في كل المجالات، بكل الاتجاهات وعلى كل المستويات. فبالحوار يُبحث عن المشترك وعن الحل الوسط الذي يضمن مصالح الطرفين، هو إدارة للخلاف، وسعي للملائمات والمواءمات، التي هي من طبيعة الوجود، ولهذا أقرها الإسلام، وأتاح الحلول التوفيقية التي تراعي السياقات، وفق موازين المصالح والمفاسد المعتبرة.

وعن حوار الحضارات الذي نجتمع اليوم تحت مظلته - وهو نقيض صدام الحضارات - فأكد بن بيه أن تبادل للأفكار ووجهات النظر للوصول إلى تفاهمات وتقدير للتنوع والاختلاف وبحث عن القيم والفضائل المشتركة، وأنه تأكيد على أهمية الاحترام المتبادل والتسامح والتعايش بين الحضارات على الرغم من اختلاف اللغات والاعراق والأديان، إنه بناء الجسور بين المجتمعات ونشر لقيم السلم والتعايش. إنه بحث عن الأحسن وليس الحسن فقط، “وجادلهم بالتي هي أحسن”.

وأكد بن بيه أن ما يهم في الحوار هو الأهداف وليس الأطراف. هو بحث دائم في الاقناع والارتفاع عن درك الحروب، «ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين»، تلك هي أدوات الحوار التي وهبها الله للإنسان.

وقال «إذا كانت الحرب أوّلها كلام كما تقول العرب فإنّ السلم أوّله كلام أيضا؛ ولذا فلابد من الحوار والتباحث لإيقاف الحروب ولتخفيف التوترات؛ فإن الأبواب المغلقة والأسماع المؤصدة لا تؤدي إلى التفاهم ولا إلى السلام.، لذا فإن الدعوة إلى الحوار كوسيلة هو أمر لا بديل عنه، وطريق لا بد من سلوكها، لأنه بديل الصراع الدائم، إنه يُطلع الأطراف على وجود وسائل أخرى للتعايش ومخارج للمشاكل لصالح الجميع ولمصلحة الكل. إنه المنهج الصحيح، فالعقل يرشّحه، والتجربة تصحّحه، والدين يرجّحه، إنّه منهج دولة الامارات وقيادتها الرشيدة».

من جانبه قال ميغيل موراتينوس إن تعزيز التفاهم والتعاون بين الحضارات والثقافات المختلفة هدف يستحق أن نسعى جميعا من أجل تحقيقه لصالح الإنسانية في كل مكان، مؤكدا أن الحوار كما ورد في كلمة الشيخ نهيان بن مبارك يعد السبيل الأمثل للوصول إلى حلول لكافة التحديات والصعوبات التي تواجهها البشرية، وأن هذا المؤتمر بما يضمه من الخبراء والأكاديميين والمهتمين من مختلف المجالات المرتبطة بتعزيز قيم التسامح والتعايش، والأخوة الإنسانية يمكنه ان يقدم إضافة مهمة في هذا المجال، مؤكدا ان الإمارات كانت وما تزال حاضنة للتسامح والأخوة الإنسانية، بل إنها نموذج رائع للتعايش الإنساني بمفهوم حضاري راق.

وأكد الأمين العام لمجلس حكماء المسلمين، المستشار محمد عبد السلام، أن أبوظبي أصبحت اليوم مركز إشعاع عالمي لقيم الاعتدال والتعايش والأخوة الإنسانية، فهي عاصمة الإمارات التي اتخذت من قيم الاعتدال منهجًا، ومن الانفتاح سبيلًا، ومن الأخوة الإنسانية شعارًا، بل مبدأ راسخًا رسوخ وثيقة الأخوة الإنسانية، التي رعتها الدولة، واستقبلت حدث توقيعها من قبل الرمزين الدينيين العالميين شيخ الأزهر الشريف وقداسة البابا فرنسيس على هذه الأرض الطيبة، مشيرًا إلى أن مبادئ الخمسين التي اعتمدتها الإمارات لتكون مرجعًا يقود الدولة إلى تحسين جودة حياة مواطنيها، تؤكد على القيم الراسخة والمبادئ السامية لوثيقة الأخوة الإنسانية، كما أن بيت العائلة الإبراهيمية الذي تحتضنه أرض الإمارات يرسل رسائل حضارية في هذا الوقت الصعب ويؤكد أن الأديان جاءت لإسعاد الإنسان على مختلف مضامينها وشرائعها.

وأشاد بجهود وزارة التسامح والتعايش بقيادة الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، في نشر قيم وثقافة التعايش السلمي وقبول الآخر والأخوة الإنسانية.

المصدر: صحيفة الخليج

كلمات دلالية: فيديوهات الإمارات الشیخ نهیان بن مبارک الحضارات والتسامح والأخوة الإنسانیة التسامح والتعایش دولة الإمارات مؤکدا أن حوار فی بن بیه فی هذا

إقرأ أيضاً:

الجنجويد والطائرات المسيرة: سيمفونية الدمار التي يقودها الطمع والظلال الإماراتية

كتب الدكتور عزيز سليمان استاذ السياسة و السياسات العامة

في زمن يتداخل فيه الدخان الأسود برائحة البارود، وتصدح فيه أنين الأطفال وسط خرائب المستشفيات والمدارس و محطات الكهرباء و المياه ، يبدو السودان كلوحة مأساوية رسمها الجشع البشري. لكن، يا ترى، من يمسك بالفرشاة؟ ومن يرسم خطوط التدمير الممنهج الذي يستهدف بنية تحتية سودانية كانت يومًا ما عصب الحياة: محطات الكهرباء التي كانت تضيء الدروب، والطرق التي ربطت المدن، ومحطات مياه كانت تنبض بالأمل؟ الإجابة، كما يبدو، تكمن في أجنحة الطائرات المسيرة التي تحمل في طياتها أكثر من مجرد قنابل؛ إنها تحمل مشروعًا سياسيًا وجيوسياسيًا ينفذه الجنجويد، تلك المليشيا التي فقدت زمام المبادرة في الميدان، وانكسرت أمام مقاومة الشعب السوداني و جيشه اليازخ و مقاومته الشعبية الصادقة، فاختارت أن تُدمر بدلاً من أن تبني، وتُرهب بدلاً من أن تقاتل.
هذا النهج، يا اهلي الكرام، ليس عبثًا ولا عشوائية. إنه خطة مدروسة، يقف خلفها من يدير خيوط اللعبة من الخارج. الجنجويد، التي تحولت من مجموعة مسلحة محلية إلى أداة في يد قوى إقليمية، لم تعد تعمل بمفردها. الطائرات المسيرة، التي تقصف المدارس والمستشفيات، ليست مجرد أدوات تكنولوجية؛ إنها رسول يحمل تهديدًا صامتًا: “إما أن تجلسوا معنا على طاولة المفاوضات لننال حظنا من الثروات، وإما أن نجعل من السودان صحراء لا تحتمل الحياة”. ومن وراء هذا التهديد؟ الإجابة تلوح في الأفق، وهي دولة الإمارات العربية المتحدة، التي باتت، بحسب الشواهد، الراعي الأول لهذه المليشيا، مستخدمةً مرتزقة من كل أنحاء العالم، وسلاحًا أمريكيًا يمر عبر شبكات معقدة تشمل دولًا مثل تشاد و جنوب السودان وكينيا وأوغندا.
لكن لماذا السودان؟ الجواب يكمن في ثرواته المنهوبة، في أرضه الخصبة، ونفطه، وذهبه، ومياهه. الإمارات، التي ترى في السودان ساحة جديدة لتوسيع نفوذها الاقتصادي والسياسي، لم تتردد في استغلال الخلافات الداخلية. استخدمت بعض المجموعات السودانية، التي أُغريت بوعود السلطة أو خدعت بذريعة “الخلاص من الإخوان المسلمين”، كأدوات لتفكيك النسيج الاجتماعي والاقتصادي للبلاد. لكن، هل هذه الذريعة الدينية أو السياسية كافية لتبرير تدمير أمة بأكملها؟ بالطبع لا. إنها مجرد ستار يخفي وراءه طمعًا لا حدود له.
الجنجويد، التي انهزمت في المعارك التقليدية، لجأت إلى استراتيجية الإرهاب المنظم. الطائرات المسيرة ليست مجرد أسلحة؛ إنها رمز لعجزها، ولكن أيضًا لدعمها الخارجي. فكل قصف يستهدف محطة كهرباء أو طريقًا أو مصدر مياه، هو رسالة موجهة إلى الحكومة السودانية: “لن نوقف حتى تجلسوا معنا”. لكن من يجلسون حقًا؟ هل هي الجنجويد وحدها، أم القوات المتعددة الجنسيات التي تجمع بين المرتزقة والمصالح الإماراتية؟ أم أن الجلسة ستكون مع الإمارات نفسها، التي باتت تتحكم في خيوط اللعبة؟ أم مع “التقدم”، ذلك الوهم الذي يبيعونه على أنه مخرج، بينما هو في الحقيقة استسلام للعدوان؟
هنا، يجب على الحكومة السودانية أن تتذكر أنها ليست مجرد ممثلة لنفسها، بل هي وكيلة عن شعب دفع ثمن أخطاء الحرية والتغيير، وأخطاء الإخوان المسلمين، وأخطاء السياسات الداخلية والخارجية. الشعب السوداني، الذي قاوم وصبر، يطالب اليوم بموقف واضح: موقف ينبع من روحه، لا من حسابات السلطة أو المصالح الضيقة. يجب على الحكومة أن تتحرى هذا الموقف، وأن تعيد بناء الثقة مع شعبها، بدلاً من الاستسلام لضغوط خارجية أو داخلية.
ورأيي الشخصي، أن الحل لا يبدأ بالجلوس مع الجنجويد أو راعيها، بل بفك حصار الفاشر، وتأمين الحدود مع تشاد، ورفع شكاوى إلى محكمة العدل الدولية. يجب أن تكون الشكوى شاملة، تضم الإمارات كراعٍ رئيسي، وتشاد كجار متورط، وأمريكا بسبب السلاح الذي وصل عبر شبكات دول مثل جنوب السودان وكينيا وأوغندا. كل هذه الدول، سواء من قريب أو بعيد، ساهمت في هذا العدوان الذي يهدد استقرار إفريقيا بأكملها.
في النهاية، السؤال المرير يبقى: مع من تجلس الحكومة إذا قررت الجلوس؟ هل مع الجنجويد التي أصبحت وجهًا للعنف، أم مع القوات المتعددة الجنسيات التي لا وجه لها، أم مع الإمارات التي تختبئ خلف ستار الدعم الاقتصادي، أم مع “صمود” التي يبدو وكأنها مجرد وهم؟ الإجابة، كما يبدو، ليست سهلة، لكنها ضرورية. فالسودان ليس مجرد ساحة للصراعات الإقليمية، بل هو تراب يستحقه اهله ليس طمع الطامعين و من عاونهم من بني جلدتنا .

quincysjones@hotmail.com

   

مقالات مشابهة

  • عبدالله بن زايد يبحث مع وزير خارجية إسرائيل الأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة
  • مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية يقيم حفل معايده لمنسوبيه
  • الجنجويد والطائرات المسيرة: سيمفونية الدمار التي يقودها الطمع والظلال الإماراتية
  • حكومة ميانمار تكرم فريق الإمارات للبحث والإنقاذ تقديراً لجهوده الإنسانية
  • من هي ابتهال أبو السعد التي فضحت عملاق التكنولوجيا في العالم؟
  • « هي القلعة الحصينة للعالم العربي».. السفيرة مريم الكعبي تغرد بكلمات الشيخ زايد آل نهيان عن مصر
  • 102 ألف مسافر في يوم.. مطار القاهرة يحقق أعلى تشغيل منذ افتتاحه
  • الحرس الوطني يواصل مهامه الإنسانية في ميانمار
  • روبيو: لن نتحمل بعد اليوم القسم الأكبر من المساعدات الإنسانية حول العالم
  • الاحتلال الصهيوني.. إرهاب دولة برعاية الغرب ووصمة عار في جبين الإنسانية