العدل الدولية تستأنف جلساتها العلنية بشأن تبعات ممارسات (إسرائيل) في الأرض الفلسطينية المحتلة
تاريخ النشر: 20th, February 2024 GMT
لاهاي-سانا
استأنفت محكمة العدل الدولية في لاهاي اليوم جلساتها العلنية بشأن التبعات القانونية الناشئة عن سياسات “إسرائيل” وممارساتها في الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس.
وأوضح ممثل الفريق القانوني لجنوب إفريقيا أمام المحكمة سيموزي مادونسيلا أن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين مستمر منذ وقت طويل في تحد لكل الأنظمة والقوانين الدولية والمئات من قرارات الأمم المتحدة، مشيراً إلى أن التأخير في إنهاء الاحتلال أدى إلى تصاعد جرائمه بحق الشعب الفلسطيني وإلى حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة والتي تستمر رغم قرار العدل الدولية بمنع “إسرائيل” من ارتكاب الإبادة الجماعية بناء على القضية المرفوعة من جنوب إفريقيا.
وأشار مادونسيلا إلى أن الفلسطينيين في الضفة الغربية يعانون من نظام الفصل العنصري الإسرائيلي القائم على السياسات التمييزية وهدم المنازل واقتحام المدن والقرى ومخيمات اللاجئين وحملات الاعتقال، أما الفلسطينيون في قطاع غزة فيعيشون بمنطقة محاصرة مفصولة بشكل كامل عن الضفة ويتعرضون لأبشع أشكال العدوان.
ولفت مادونسيلا إلى أن “إسرائيل” منذ عام 1948 تنتهك معايير القانون الدولي وحقوق الإنسان في فلسطين، وتنكر حق اللاجئين الفلسطينيين في الشتات بالعودة إلى وطنهم، وأقامت المستوطنات وجدار الفصل العنصري لتقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية وتكريس الاحتلال، مؤكداً ضرورة محاسبة المجتمع الدولي لـ “إسرائيل” على جرائمها وإنهاء احتلالها فلسطين، وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير.
بدوره أوضح ممثل الفريق القانوني للجزائر أحمد لعرابا أن “إسرائيل” تفرض سياسة الأمر الواقع، وسط صمت المجتمع الدولي وتواصل توسيع جدار الفصل العنصري وضم الأراضي الفلسطينية وإقامة المستوطنات وتغيير الوضع الديمغرافي لصالح المستوطنين لضمان استمرار الاحتلال، إضافة لإجراءاتها التي تحول دون إقامة الدولة الفلسطينية وتحرم اللاجئين من العودة إلى أرضهم، في انتهاك صارخ للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
ولفت لعرابا إلى أن قوات الاحتلال ترتكب جرائم في قطاع غزة رغم انسحابها منه عام 2005، حيث يتعرض اليوم لحرب إبادة وحصار مشدد مستمر منذ سنوات، والصور التي ترد من القطاع تتحدث عن نفسها والأرقام التي تصل عن أعداد الضحايا صادمة، فهناك أكثر من 29 ألف شهيد و70 ألف جريح، إضافة إلى تدمير كامل للبنى التحتية والمنازل، وسط تجويع أهله في استخفاف بجميع نداءات المنظمات الدولية والأمم المتحدة المطالبة بوقف الحرب وعدم اجتياح مدينة رفح التي يوجد فيها أكثر من مليون وثلاثمئة ألف نازح.
وبين لعرابا أن قرارات الأمم المتحدة تنص صراحة على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، داعياً العدل الدولية إلى الاستجابة لطلب الجمعية العامة للأمم المتحدة وإصدار رأي استشاري حول آثار الاحتلال الإسرائيلي الممتد في الأرض الفلسطينية وكل التبعات الناشئة عنه وعن النظام غير القانوني القائم على التمييز العنصري وانتهاك معايير وقواعد القانون الدولي الذي نصت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة.
من جانبه أكد ممثل الفريق القانوني للسعودية زياد بن معاشي العطية أن الاحتلال الإسرائيلي المستمر لفلسطين أدى إلى أبشع النتائج ولا يمكن تبرير جرائمه بحق الشعب الفلسطيني وقتله لآلاف الأبرياء وتهجيرهم من غزة، مشدداً على ضرورة إنهاء الاحتلال دون شروط، ومطالباً العدل الدولية بالإعلان صراحة أن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية غير قانوني.
وكانت العدل الدولية بدأت أمس جلسات علنية تستمر حتى الـ 26 من الشهر الجاري بشأن التبعات القانونية الناشئة عن سياسات “إسرائيل” وممارساتها في الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس.
وتأتي هذه الجلسات في سياق طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة الحصول على رأي استشاري من المحكمة حول آثار الاحتلال الإسرائيلي، ومن المقرر أن تستمع المحكمة خلال الجلسات إلى إحاطات من 52 دولة، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ المحكمة، إضافة إلى الاتحاد الإفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية.
المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء
كلمات دلالية: الاحتلال الإسرائیلی فی الأرض الفلسطینیة العدل الدولیة إلى أن
إقرأ أيضاً:
التذكير بالضرورات الفلسطينية مُخجل
تشير معظم الوقائع الإسرائيلية على الأرض الفلسطينية إلى أن لا دولة تخص الشعب الفلسطيني ستقوم عليها، بعيدا عن دعوات الاعتراف بحل الدولتين، أو التفكير بعقد مؤتمر لـ"السلام" صيف هذا العام كما اقترح الرئيس الفرنسي ماكرون، وربط الأخير مشاركة السعودية فيه للاعتراف بدولة فلسطينية مقابل تطبيع عربي مع الاحتلال بقيادة المملكة، كثمن يمكن أن يدفعه الجانب العربي لإسرائيل، مقابل إقرار هذا الكلام، والمقصود به كلام يمكن أن تستهلكه المؤسسة الصهيونية، مثلما هضمت كل الكلام العربي منذ إقرار المبادرة العربية للسلام في العام 2002، وتحويل المناطق الفلسطينية لكانتونات معزولة ومحاصرة بجدار عازل ومستوطنات ضخمة.
فبالتزامن مع جرائم الإبادة في غزة، سارعت المؤسسة الصهيونية الفاشية لوضع وتنفيذ خطط السيطرة والضم في الضفة والقدس، وانبرت الحكومة الفاشية في إسرائيل لتشكيل "مديرية للاستيطان" في وزارة دفاع الاحتلال للإشراف على مشاريع الضم والبناء في مناطق الضفة الغربية للتعامل معها كالنقب والجليل، أي تتبع إداريا للسيادة الإسرائيلية، فـ"يهودا والسامرة" وفق المنظور الصهيوني لا تزال هدفا للتشريعات الاستيطانية التي تحول مطلقا دون قيام كيان فلسطيني يشكل دولة للشعب الفلسطيني فوق أرضه.
وفرض واقع سيادي إسرائيلي في مدن الضفة الفلسطينية المحتلة، يعني أن كل ما نشأ عن اتفاق أوسلو للسلام وتفرع عنه قد تم الإجهاز عليه وقتله، وحرب الإبادة الجماعية على غزة، وطريقة التعامل معها فلسطينيا وعربيا ودوليا، توفر لإسرائيل الظرف المناسب لتحقيق هدف مزدوج؛ جريمة الإبادة، وجريمة قتل الدولة الفلسطينية في مهدها.
مخططات مشاريع الاستيطان، التي تجري بانتظام في مدن الضفة بموازاة العدوان على غزة، والدفع نحو تهجير السكان ونسف البيوت، مع بقية الجرائم التي تدرج ضد الإنسانية والحرب، يتضح الهدف من ورائها، وهو منع قيام أي كيان فلسطيني متصل بجغرافيا وديموغرافيا الفلسطينيين، بدعم أمريكي مطلق لهذا المخطط الذي ينتهك القاعدة الأساسية للقانون الدولي والمتعلقة بعدم ضم الأرض والاستيلاء عليها بالقوة
أما تكاثر الحديث عن السلام، وحل الدولتين، وضرورات أخرى، مثل اقتلاع مقاومة الشعب الفلسطيني، ومطاردة مناضليه وقتلهم، وطرد فصائلهم من أرضهم واقتلاعهم من محيطهم العربي، كشروط لصياغة مفهوم السلام وفق المطلب الاسرائيلي الأمريكي، إنما له نفس الهدف الذي يخدم مشروعا استعماريا يستخدم أقصى قوة عسكرية لتنفيذ الإبادة الجماعية لطمس الحقوق الفلسطينية. وكمثال لذلك، تشير الأرقام الإسرائيلية وفق رئيس طاقم مديرية الاستيطان إلى أنه بفضل هذه الحكومة التي يرأسها نتنياهو مع ائتلافه تم بناء 28 مستوطنة جديدة بشكل رسمي، وهذه ليست بؤرا استيطانية عشوائية، فهذه زيادة دراماتيكية، وأعمال تنفذها الدولة بامتياز.
بكل الأحوال، مخططات مشاريع الاستيطان، التي تجري بانتظام في مدن الضفة بموازاة العدوان على غزة، والدفع نحو تهجير السكان ونسف البيوت، مع بقية الجرائم التي تدرج ضد الإنسانية والحرب، يتضح الهدف من ورائها، وهو منع قيام أي كيان فلسطيني متصل بجغرافيا وديموغرافيا الفلسطينيين، بدعم أمريكي مطلق لهذا المخطط الذي ينتهك القاعدة الأساسية للقانون الدولي والمتعلقة بعدم ضم الأرض والاستيلاء عليها بالقوة.
وعندما صرح الوزير الفاشي في حكومة نتنياهو بتسلئيل سموتريتش، عقب فوز ترامب بولايته الثانية، بأن عام 2025 سيكون عام السيادة على "يهودا والسامرة" (الضفة والأغوار)، كان يقصد تماما تفعيل سياسة جرائم الإبادة في الضفة، من خلال تسريع العدوان عليها وفرض تنفيذ خطط الاستيلاء التي تتم على مرأى ومسمع العالم كله.
لذلك، يتحقق تجسيد المشروع الصهيوني على الأرض، من خلال جملة من السياسات المتصلة مع بعضها البعض، فالضم والاستيطان يُنجز رغم التحذير منه، والشجب والتنديد بجرائم الإبادة والتطهير العرقي لا يمنع المضي بارتكابها، والدعوة لعقد مؤتمر سلام أو الاعتراف بحل الدولتين لا يعني بالضرورة تفكيك البنية الاستعمارية للمشروع الصهيوني على الأرض والتي شكلت نقيضا لهذه الدعوات، ولا تستقيم سياسات مجابهة هذه البنية بأوهام عن نهاية سعيدة من الوئام والسلام مع نيات صهيونية واضحة بخططها وبرامجها، وأصبح مقبولا التعايش معها عربيا ودوليا.
أصبح من المخجل تذكير السلطة الفلسطينية، في كل مناسبة يتغول فيها العدوان، عن ضرورات مراجعة كل شيء، وإصلاح عطبها المعطل لمراكز قوة الشعب الفلسطيني في استعادة منظمته ووحدته، ومن المعيب حقا التذكير بأن الاستمرار بتجريب الفشل والرهان عليه لا يغير من واقع قضم كل شيء
بفضل هذا التعايش، مع خيار التمسك الاستراتيجي بمبادرة عربية للسلام منذ العام 2002، وانصهار السلطة الفلسطينية بخيار أوسلو مهما كانت نتائجه، والتي نراها اليوم على الأرض، مع الانقسام الفلسطيني، كل ذلك شكّلَ المفتاح الذهبي للمشروع الصهيوني وانتعاشه بالتمدد والسيطرة وارتكاب الجرائم، وتكثيف الاستيطان ليحول دون قيام دولة فلسطينية، مع ذلك لم تكن هناك مراجعة لأدنى خيار من الخيارات الفلسطينية والعربية، على العكس هناك مراجعة بتحويل الضغط على الفلسطينيين وشيطنتهم، وبتبني سردية عدوهم.
وسائل إجبار إسرائيل للانصياع للمطالب والحقوق الفلسطينية، بشكلها الحالي، صفرية لجهة وقف جرائم الإبادة، ومنعدمة في مساندة ضحاياها وتقديم المعونة لهم، وفاشلة في اتخاذ موقف موحد حول قضيتهم المركزية، وإذا ما نظر العربي لمعرفة بماذا تنشغل بعض السياسات العربية وقت إبادة الفلسطينيين، فإنه يسمع صدى المحاكم العربية وهي توقع أشد العقوبات على من يعترض سياسات الحكم، ويسمع صرخات القابعين في الزنازين يعلوها صوت الحاكم العربي بانتصاره على المؤامرة، والبعض يلاحق التضامن مع ضحايا الإبادة ويقمع مظاهرات التضامن معهم، والجزء الآخر يتفاخر بتشديد رقابته على حدود المحتل، وسلطة فلسطينية تحمل السطر الأخير من مهامها في ما تبقى لها من علاقة مع محتل شعبها، وإمعانا في تشظي حالتها.
فهل الرهان على مقولة "احمونا" واستعطاف سياسة أمريكية لا تعترف أصلا بوجودك وحقوقك، يمكن أن يغير من معادلة الضغط على الاحتلال؟ بالطبع لا، فالأمور أسوأ مما يتخيل حامل السطر الأخير من بنود اتفاق أوسلو في سلطة رام الله، وكارثية في تأمل نظام عربي عائد بقوة لبسط القمع الخادم لفظاعة صهيونية على الأرض، فهذا "الشريك" الفلسطيني والعربي للسلام تتلاشى أمامه الدولة والحقوق، دون تحريك ساكن أمام سحق شعبها.
أخيرا، أصبح من المخجل تذكير السلطة الفلسطينية، في كل مناسبة يتغول فيها العدوان، عن ضرورات مراجعة كل شيء، وإصلاح عطبها المعطل لمراكز قوة الشعب الفلسطيني في استعادة منظمته ووحدته، ومن المعيب حقا التذكير بأن الاستمرار بتجريب الفشل والرهان عليه لا يغير من واقع قضم كل شيء، وأبقى وهْما عن دولة وسلام، اتضح القصد الإسرائيلي الأمريكي منه، وبشواهد مستمرة وحية تنقل على الهواء مباشرة من غزة والضفة والقدس، عدا عن شواهد إذلال المؤمنين بهذا الخيار من قبل شريكهم المحتل، فهذا ليس نضالا ولا تضحيات لقيام دولة وصون حقوق شعب تحت الاحتلال، هذا مهين ومعيب بحق تضحيات شعب يسعى للتحرر من المستعمر.
x.com/nizar_sahli