لماذا تُظهر أمريكا إشارات متناقضة بخصوص الحرب على غزة؟
تاريخ النشر: 20th, February 2024 GMT
بدت الاندفاعة الأمريكية الهائلة بداية الحرب الإسرائيلية العدوانية على غزة، في تبني تلك الحرب بالمطلق بلا كوابح إلى درجة محاولة إمرار مشروع التهجير الإسرائيلي كما تضافرت على تسريب ذلك وتأكيده مصادر متعددة.. مفاجأة لمن يرون هذه الاندفاعة متعارضة مع مبادئ السياسة الواقعية، إذ أفرطت الولايات المتحدة في تمويل المذبحة وإذكائها وتغطيتها سياسيّا واستثمار الهيمنة للإطباق على الإقليم والعالم؛ ليس فقط لأجل ما تسميه أمريكا "منع تمدد الحرب" بل ولمنع دعم الفلسطينيين بأدنى موقف سياسيّ مؤثّر، وذلك علاوة على انخراطها فيها فعليّا بالاستخبارات ومشاركة الجنرالات بالمشورة والرأي بل وبقوات خاصة أمريكية كما أشارت معطيات مطلع الحرب، وهو الأمر الذي حاولتُ تفسيره في مقالة سابقة عنوانها "لماذا أعلنت الولايات المتحدة الحرب على غزة؟"، من حيث كون "إسرائيل" قوة إمبراطورية فرعية لها نفوذها الخاص، وإن كانت تتبع المركز الإمبراطوري الذي ينتهج أصلا سياسات الهيمنة لا السياسات الواقعية بدفع من مراكز نفوذ عميقة فيه، بالإضافة إلى تعاظم تأثير نوازع الهيبة على الإمبراطورية التي خرجت من أفغانستان بنحو مذلّ وتعاني تعثّرا في الحرب الروسية الأوكرانية.
الآن تبدي الولايات المتحدة مؤشرات متناقضة باستمرار إزاء أساليب الحرب الإسرائيلية المندفعة بقصدية إنجاز أكبر دمار ممكن، بما يستتبعه ذلك من إزاحة دموية للسكان، وهو ما اتسم بسياسات إبادة جماعية ظاهرة، فبعد تبني الدعاية الإسرائيلية بالكامل، وتعمد الكذب وقلب الحقائق، وإنكار أعداد الضحايا الفلسطينيين، والاستناد إلى الإسرائيلي حكما وجلادا في الوقت نفسه، وإطالة أمد الحرب والإعلان الصريح عن رفض وقفها، تبدي الولايات المتحدة مؤشرات متناقضة باستمرار إزاء أساليب الحرب الإسرائيلية المندفعة بقصدية إنجاز أكبر دمار ممكن، بما يستتبعه ذلك من إزاحة دموية للسكان، وهو ما اتسم بسياسات إبادة جماعية ظاهرة، فبعد تبني الدعاية الإسرائيلية بالكامل، وتعمد الكذب وقلب الحقائق، وإنكار أعداد الضحايا الفلسطينيين، والاستناد إلى الإسرائيلي حكما وجلادا في الوقت نفسه، وإطالة أمد الحرب والإعلان الصريح عن رفض وقفهابدأت مستويات متعددة في الإدارة الأمريكية من شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي تتحدث عن نهاية مقترحة للحرب، وكانت التسريبات تشير إلى منتصف كانون الثاني/ يناير وقتا مقترحا لذلك، وها قد صرنا الآن في نهايات شباط/ فبراير دون وجود أفق ظاهر لهذه الحرب.
لم تصل الحرب إلى تلك النهاية المقترحة، كما أنّ التصريحات الأمريكية كانت ما تلبث أن تتراجع لصالح الإرادة الإسرائيلية في استمرار المذبحة، وهو ما يوجب على أيّ عاقل التخفيف من التعامل الجدّي مع التصريحات الأمريكية، وإن بدت هذه التصريحات في هذا الشهر الأخير (شباط/ فبراير) أكثر وضوحا في الاختلاف الأمريكي/ الإسرائيلي حول الحرب، مع غموض نسبي في ماهية الاختلاف، إذا تجاوزنا الخلاف غير المؤثّر جوهريّا حول مسألة مفهوم الدولة الفلسطينية الذي يرفضه نتنياهو جملة وتفصيلا وتتحدث عنه أمريكا مراوغة ومخاتلة لاستعادة زخم التطبيع العربي/ الإسرائيلي، ففيما يتعلق بالحرب ما يزال الشكل الأمريكي المقترح لوقفها غامضا، وإن كان المؤكد أنّه سيُهندس ليكون في صورة انتصار إسرائيلي!
ما الذي يجعل أمريكا مرتبكة ومتناقضة إلى هذا الحد إزاء حرب دولة يفترض أن أمريكا تملك نفوذا عليها، كما أنّ هذه الإدارة قدمت لـ"إسرائيل" في حربها ما يجعلها قادرة على فرض موقفها إن أرادت ذلك؟
يذهب البعض إلى أنّ أمريكا تمارس عملية خداع على الفلسطينيين، وفي الوقت نفسه تأخذ مسافة شكلية من المذبحة الإسرائيلية لأسباب دعائية تحتاجها أي قوّة سياسية مهما كانت طاغية ومهيمنة، بالإضافة إلى حسابات خاصة بهذه الإدارة قد لا تبتعد في جانب منها عن قرب الانتخابات الرئاسية، وعن رؤية تسعى لتبريد المنطقة.
ذلك كله مفيد، لكنه على الأرجح عامل من جملة عوامل؛ منها حالة من الاستعصاء في السياسة الأمريكية الداخلية، تعززها طبيعة هذه الإدارة التي يقف على رأسها رجل يعاني في عافيته البدنية وفي لياقته الذهنية، وهو ما يفتح المجال أوسع لصراع أقطاب الإدارة، وقوى الدولة النافذة في أحشاء المؤسسة، للتزاحم على القرار بشأن الحرب الإسرائيلية، وهذا التزاحم في بعضه انعكاس لقوى التأثير التقليدية كجماعات الضغط الصهيونية والمجمع الصناعي العسكري.
لكن هذا من جهة يشير إلى ما هو أكثر أهمية، فكل هذا التدافع الأمريكي الداخلي الذي يستثمر في ضعف القدرات العقلية والقوى الصحية للرئيس، في حيثية منه ناجم عن كون "إسرائيل" قضية أمريكية داخلية، فهي ليست قوّة إمبراطورية فرعية تابعة للمركز فحسب، ولكنها علاوة على ذلك قضية أمريكية بالغة الحساسية بالنسبة لقوى التأثير التقليدية في الولايات المتحدة، وهو ما يجعل الضعط عليها في حرب وصفتها بالوجودية وفي إطار دعاية تبنتها أمريكا نفسها محفوفا بحسابات دقيقة.
"إسرائيل" قادرة تاريخيّا على إقناع أمريكا بخصوص معاركها ومصالحها الأمنية، أولا من حيث الوظيفية الإسرائيلية بوصفها قوة إمبراطورية تتبع المركز، وثانيا من حيث حساسيتها في السياسة الأمريكية، مما يجعل أمريكا واهنة العزيمة في الضغط الجدي عليها، ولذلك فالغالب أن "إسرائيل" تفعل ما تريد في النهاية، وهي اليوم وفي هذه الحرب تحديدا تستقوي في إقناع أمريكا بقدرتها على احتواء التداعيات، وذلك بقدرتها على الاحتفاظ بتحالفها العربيّ بالرغم من المذبحة
إلا أنّ المهم هو كون حرب "إسرائيل" حربا أمريكية، و"إسرائيل" نفسها قضية أمريكية داخلية، فالنقاش والحالة هذه نقاش على أرضية واحدة، أرضية وحدة الحال. فكما أنّ طبيعة السياسة الأمريكية تشهد سجالات ظاهرة بين أطياف السياسة فيها بنحو حادّ، وقد تطفو تباينات الإدارة الواحدة على سطح المجال العامّ، وكما أنّ "إسرائيل" نفسها تظهر الخلافات فيها بنحو أكثر حدّة ومن قاعدة حرص الجميع على الكيان، ودون الغفلة عن أسباب أخرى للتباينات الإسرائيلية، فإنّ ذلك يعني إمكان حصول اختلافات داخل الإدارة الأمريكية وبين قوى التأثير في أمريكا حول مجريات الحرب الإسرائيلية ومآلاتها، وبين بعض تلك الأطراف والحكومة الإسرائيلية، ولكن على قاعدة وحدة الحال وتقليب النظر، وليس في ذلك أدنى اختلاف على دعم الحرب ما دامت قائمة، والسعي لضمان انتصار إسرائيلي.
أمر أخير، وهو أن "إسرائيل" قادرة تاريخيّا على إقناع أمريكا بخصوص معاركها ومصالحها الأمنية، أولا من حيث الوظيفية الإسرائيلية بوصفها قوة إمبراطورية تتبع المركز، وثانيا من حيث حساسيتها في السياسة الأمريكية، مما يجعل أمريكا واهنة العزيمة في الضغط الجدي عليها، ولذلك فالغالب أن "إسرائيل" تفعل ما تريد في النهاية، وهي اليوم وفي هذه الحرب تحديدا تستقوي في إقناع أمريكا بقدرتها على احتواء التداعيات، وذلك بقدرتها على الاحتفاظ بتحالفها العربيّ بالرغم من المذبحة، إذ يبدو حلفاؤها العرب أكثر حرصا منها على التخلص من حماس، وعلى طمس دلالات يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر، والعودة إلى سياسات إذلال الشعوب العربية وضمان خضوعها، وفرض انكسار معنوي على المنطقة من بوابة فلسطين؛ الأكثر تأثيرا في تسييس المنطقة وتنوير شعوبها.
twitter.com/sariorabi
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإسرائيلية غزة دعم إسرائيل امريكا غزة دعم مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الحرب الإسرائیلیة السیاسة الأمریکیة الولایات المتحدة إقناع أمریکا بقدرتها على ما یجعل من حیث وهو ما کما أن
إقرأ أيضاً:
لماذا قررت إسرائيل إيقاف دخول المساعدات الإنسانية لغزة ولماذا تهدد بالحرب؟.
قررت الحكومة الإسرائيلية، الأحد، وقف إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، عقب ساعات من انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين حركة حماس وتل أبيب، وعرقلة الأخيرة الدخول في مفاوضات المرحلة الثانية.
وقال مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في بيان على "إكس": "مع انتهاء المرحلة الأولى من صفقة المختطفين، وفي ضوء رفض حماس قبول مخطط (مبعوث الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط ستيف) ويتكوف لمواصلة المحادثات ـ الذي وافقت عليه إسرائيل ـ قرر رئيس الوزراء أنه ابتداء من صباح اليوم (الأحد) سيتوقف دخول كل البضائع والإمدادات إلى قطاع غزة".
وأضاف المكتب: "لن تسمح إسرائيل بوقف إطلاق النار دون إطلاق سراح مختطفينا، وإذا استمرت حماس في رفضها فسيكون هناك عواقب أخرى"، دون ذكر مزيد من التفاصيل.
وفي تعليقها على البيان الإسرائيلي، قالت حماس إن قرار نتنياهو وقف المساعدات الإنسانية يعد "ابتزازا رخيصا وجريمة حرب وانقلاب سافر على الاتفاق".
ودعت الوسطاء والمجتمع الدولي إلى "التحرك للضغط على الاحتلال ووقف إجراءاته العقابية وغير الأخلاقية بحق أكثر من مليوني إنسان في قطاع غزة".
وفي السياق، قالت القناة 14 الخاصة: "في نقاش عقد الليلة الماضية بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، تم اتخاذ قرار بوقف دخول الشاحنات الإنسانية إلى قطاع غزة، حتى إشعار آخر".
وأضافت أن القرار اتُخذ بالتنسيق مع الوسيط الأمريكيين، دون ذكر تفاصيل أكثر.
ولم يصدر على الفور من الوسطاء المصري والقطري والأمريكي تعليقات بشأن تلك الأنباء.
وتعليقا على قرار وقف المساعدات إلى غزة، رحب وزير الأمن القومي الإسرائيلي المستقيل إيتمار بن غفير، بالقرار، داعيا إلى ما سماه "فتح أبواب الجحيم" على القطاع الفلسطيني.
وقال بن غفير على "إكس": "أرحب بقرار وقف المساعدات الإنسانية إذا تم تنفيذه. لقد تم اتخاذ القرار أخيرا – أن تأتي متأخرا أفضل من ألا تأتي أبدا".
وتابع: "ينبغي أن تظل هذه السياسة سارية حتى عودة آخر مختطف. الآن هو الوقت المناسب لفتح أبواب الجحيم، وقطع الكهرباء والمياه، والعودة إلى الحرب".
ومضى بن غفير الذي استقال من منصبه في يناير/كانون الثاني الماضي احتجاجا على التوقيع على صفقة وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى مع حماس: " الأهم من ذلك - عدم الاكتفاء بنصف المختطفين، بل العودة إلى مهلة الرئيس (الأمريكي دونالد) ترامب - (بإطلاق سراح) جميع المختطفين على الفور وإلا فإن الجحيم سيُفتح على غزة".
وعند منتصف ليل السبت/الأحد، انتهت المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار رسميا والتي استغرقت 42 يوما، دون موافقة إسرائيل على الدخول في المرحلة الثانية وإنهاء الحرب.
وعرقل نتنياهو ذلك، إذ كان يريد تمديد المرحلة الأولى من صفقة التبادل للإفراج عن أكبر عدد ممكن من الأسرى الإسرائيليين في غزة، دون تقديم أي مقابل لذلك أو استكمال الاستحقاقات العسكرية والإنسانية المفروضة في الاتفاق خلال الفترة الماضية.
فيما ترفض حركة حماس ذلك، وتطالب بإلزام إسرائيل بما نص عليه اتفاق وقف إطلاق النار، وتدعو الوسطاء للبدء فورا بمفاوضات المرحلة الثانية بما تشمله من انسحاب إسرائيلي من القطاع ووقف الحرب بشكل كامل.
وليلة الأحد، قال مكتب نتنياهو إن "إسرائيل وافقت على الخطوط العريضة لخطة اقترحها المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف لوقف مؤقت لإطلاق النار خلال شهر رمضان وعيد الفصح اليهودي (12-20 أبريل/ نيسان)"، فيما لم يصدر بعد عن ويتكوف أي إعلان رسمي عن هكذا خطة.
وبحسب البيان الإسرائيلي، سيتم بموجب الخطة، إطلاق سراح نصف المحتجزين الإسرائيليين في غزة، الأحياء والأموات، في اليوم الأول من الهدنة المقترحة.
وأضاف البيان: "وفي حال التوصل إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار يجري الإفراج عن النصف الثاني من المحتجزين في غزة".
وتقدر تل أبيب وجود 62 أسيرا إسرائيليا بغزة (أحياء وأموات)، بحسب إعلام عبري، فيما لم تعلن الفصائل الفلسطينية عدد ما لديها من أسرى.
وادعى المكتب أن "إسرائيل وافقت على المقترح الأمريكي بهدف استعادة رهائنها، لكن حماس لم تقبل به حتى الآن"، وفق تعبيره.
وأضاف أنه في حال عدّلت الحركة موقفها، ووافقت على خطة ويتكوف، فإن إسرائيل ستدخل فورًا في مفاوضات بشأن تفاصيل الخطة.
وصباح الأحد، قالت حماس إن بيان مكتب نتنياهو بشأن اعتماده لمقترحات أمريكية لتمديد المرحلة الأولى من الاتفاق يعد "محاولة مفضوحة للتنصل من الاتفاق والتهرب من الدخول في مفاوضات المرحلة الثانية منه".
وأوضحت أن "مزاعم الاحتلال الإرهابي بشأن انتهاك الحركة لاتفاق وقف إطلاق النار هي ادعاءات مضللة لا أساس لها، ومحاولة فاشلة للتغطية على انتهاكاته اليومية والمنهجية للاتفاق".
وفي 19 يناير/ كانون الثاني الماضي، بدأ اتفاق لوقف إطلاق النار بقطاع غزة وتبادل أسرى بين حماس وإسرائيل، يتضمن 3 مراحل تستمر كل منها 42 يوما، بوساطة مصر وقطر ودعم الولايات المتحدة.
وبدعم أمريكي، ارتكبت إسرائيل بين 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 و19 يناير 2025، إبادة جماعية في غزة خلفت نحو 160 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.