مصداقية العالم على المحك في محاربة جماعة الحوثي الإرهابية
تاريخ النشر: 20th, February 2024 GMT
مصداقية العالم على المحك في محاربة جماعة الحوثي الإرهابية.
المصدر: المشهد اليمني
إقرأ أيضاً:
أعداء الديموقراطية وتقويض المصلحة الوطنية
بقلم: د. محمد حمد مفرح
يتسم الحكم الشمولي، بصورة عامة، و المعروف بالنهج الدكتاتوري و القمع و مصادرة الحريات، بالسعي المستديم لترسيخ اقدامه في الحكم و محاربة الديموقراطية ليفسح المجال لنفسه للحكم لأطول فترة ممكنة، غير عابئ بمصالح الشعوب و نهضتها. و يعد هذا هو ديدن كل الحكومات الشمولية التي حكمت السودان و التي ظلت تقف طوال تاريخها حجر عثرة في طريق توطين و ترسيخ نظام الحكم الديموقراطي بالبلاد. و قد تسبب هذا النهج في استئثار الحكومات الشمولية بغالب سنوات الحكم الوطني منذ الاستقلال حتى تاريخه، كما قاد لاجهاض كل محاولات نجاح و استقرار الديموقراطية بالسودان.
و تعد تجربة حكم الانقاذ، باعتبارها الفترة الأطول في تاريخ السودان، المثال الأسطع في محاربة الديموقراطية بل و الاستماتة في ذلك مع شيطتة كل رموزها و الصاق التهم الجزافية المغرضة بهم بغية اغتيالهم معنويا و بالتالي قطع الطريق على الديموقراطية. و ظلت الانقاذ منذ انقلابها على الحكم الديموقراطي في العام ١٩٨٩م تعمل جاهدة، من خلال حكمها، على ترسيخ مفهوم الدكتاتورية Concept of dictatorship بديلا للديموقراطية. و قد تمظهر هذا المفهوم عبر فلسفة حكم الانقاذ و سياساتها و ممارساتها طوال فترة حكمها و ذلك على نحو حاولت معه ان تسبح عكس تيار البداهة و طبيعة الاشياء لتؤكد لجماهير الشعب السوداني، ضمنا و صراحة، أن نظام حكمها الدكتاتوري هذا، مهما كانت سلبياته، يعد البديل الأفضل للنظام الديموقراطي. و مضت اكثر من ذلك، مدعومة من قبل الاسلامويين (سندها الأساسي)، و مدفوعة بقبضتها الحديدية و بطشها و قمعها لمعارضيها فضلا عن مصادرة الحريات العامة، زاعمة، بلسان الحال و لسان المقال، أنها كتبت، من خلال حكمها، نهاية تاريخ البلاد عبر اسدال الستار على أي محاولة لتغيير نظامها.
و ينطوي هذا النهج،.اي نهج محاربة الديموقراطية عبر ترسيخ الدكتاتورية، على جهل بمفهوم الديموقراطية التي تمثل، عكس الدكتاتورية، افضل نظم الحكم بل و تلتقي مع الشريعة الاسلامية التي يدعون الحرص عليها، في المقاصد و الأهداف. و تتمثل افضلية الديموقراطية في أنها تعمل على ادارة الصراع الفكري و اختلاف الرؤى في جو من الحرية المنضبطة و تقوم على الحرية Freedom و الشفافية Transparency و المساءلة Accountability.
يقول الكاتب الاسلامي المصري خالد محمد خالد في كتابه (الديموقراطية ابدا)، معبرا عن قيمة الديموقراطية (ان التاريخ يلوح لنا بكلتا يديه و في يمينه تجربة و عن يساره تجربة و يقول ان الشعوب التي لا تدافع عن حرياتها تموت و تنقرض).
و ليس ثمة من شك في أنه إذا قام الاسلامويون بالسودان، اعمالا للشريعة، بدعوة علماء المسلمين للتفاكر حول كيفية تطوير نظرية أو نظام حكم قائم على الشريعة الاسلامية و مواكبة للعصر، و نجح مسعاهم هذا ثم سعوا للدفع به في ادبيات السياسية الدولية، ليس ثمة من شك في أنهم إذا قاموا بهذا المسعى لتصدرت الشريعة الاسلامية الفكر السياسي الدولي بديلا عن الديموقراطية التي تعتبر وليدة الفكر السياسي الغربي. بيد انهم اعتمدوا، بدلا من ذلك، الدكتاتورية التي تناقض، في مفهومها و مقاصدها و مراميها، الشريعة الاسلامية و الديموقراطية على حد سواء.
و من ناحية أخرى يؤكد نهجهم هذا على عدم الاعتبار بدروس ثورة اكتوبر ١٩٦٤م ضد نظام الرئيس عبود و ثورة ابريل ١٩٨٥م ضد نظام.نميري. هذا علاوة على عدم قراءتهم للتاريخ السياسي و عدم المامهم بمصير الدكتاتوريات على المستوى الاقليمي و الدولي، و التي لم تسعفها قبضتها الحديدية على استدامة السلطة و سلب الشعوب حرياتها و التحكم في مصائرها الى الأبد، او قرؤوا هذا التاريخ لكنهم تجاهلوه و تعاموا عنه او لم يستوعبوه. و هذا يعني، بطبيعة الحال، انهم لم يتعظوا بتجربة حكم القذافي في ليبيا او على عبد الله صالح في اليمن أو عيدي امين في يوغندا أو بوكاسا في أفريقيا الوسطى أو نيكولاي تشاوسيسكو الرئيس الروماني السابق أو اغستو بينوشيه رئيس تشبلي السابق،
على سبيل المثال لا الحصر. و قد اعتمدت هذه التجارب الدكتاتورية نهجا عمد الى مصادمة منطق التاريخ السابق في شرق العالم و غربه و الذي سعت من خلاله انظمة دكتاتورية كثيرة لاحلال الاستبداد محل الديموقراطية فكان مالها الفشل الذي أورث البلدان المعنية الموت الجماعي و الدمار الشامل Mass destruction و غيرهما من الماسي، كما خصم كثيرا من مسيرتها الحضارية.
و قد استمرت الانقاذ، مدفوعة بامساكها بمقاليد الأمور في السودان و رسوخ قدميها في التربة السياسية بالبلاد، استمرت في محاولة تعزيز سياساتها الاستبدادية عبر اقصاء معارضيها و محاربة الديموقراطية، بعد أن وضعت يدها تماما على كل مجالات الحياة بالبلاد و حولتها الى ملك من املاكها.
و قد قادها هذا الوضع، معززا بفترة حكمها الطويل التي رأت انها هزمت من خلالها كل المعوقات التي تعتور طريق حكمها، قادها الى قناعة بأنه من الاستحالة هزيمتها و انها لا محالة مستمرة في حكمها الى ما شاء الله. و قد تجلى ذلك عبر تصريحات قيادات الانقاذ و الاسلامويين الذين كانوا بصرحون بكل زهو بأنهم اتوا بما لم تستطعه الأوائل و انه ليس هنالك من يستطيع إيقاف مد نظامهم. كانوا يتباهون ب(ثورة التعليم) غاضين الطرف عن سلبياتها، و
بانتصاراتهم على الحركات المسلحة و كل من عارضهم دافنين رؤوسهم عن سياساتهم الراديكالية غير المتبصرة التي قادت الى فصل الجنوب كما افرزت بؤر صراع مسلح.في كل من دار فور و جنوب كردفان و جنوب النيل الازرق القت بظلال جد قاتمة على مجربات السياسة بالسودان. هذا علاوة على انهم كانوا يتباهون بالبنية التحتية كالطرق و الجسور التي بنوها ناسين ان الخدمات كالصحة و التعليم و غيرهما قد تدهورت في عهدهم بشكل مريع و ان مجانية التعليم اصبحت في ذمة التاريخ.
مجمل القول أن محصلة حكم الانقاذ، بالرغم من التضخيم الزائف لها و الغبار الكثيف الذي اثير حولها، تعد جد بائسة، عنوانها التدهور العام و المعاناة و التراجع الشديد على أكثر من صعيد. و يؤكد التقييم الموضوعي و الواقعي و المنصف لهذه التجربة على أن الانقاذ فشلت على اكثر من صعيد، ما ادى الى اندلاع ثورة ديسمبر المجيدة. و ليس أدل على ذلك من ان الوضع الاقتصادي في عهد الانقاذ قد تدهور الى حد كبير و ان ديون السودان الخارجية بلغت ستين مليار دولار كما أن البلاد صنفت واحدة من أفقر دول العالم.
و من المفارقات المؤسية ان فلول نظام الانقاذ ظلوا، مع كل ذلك، يبذلون الجهد الجهيد في محاربة الفترة الانتقالية سعيا وراء عودتهم للحكم، و ذلك عبر خلق الأزمات و شيطنة قيادات الفترة الانتقالية مع الصاق التهم الجزافية بهم. و بالطبع فان هذه التهم مؤسسة على أدلة و قرائن احوال كثر لا يتسع المجال لتفصيلها. و قد واصلوا هذا النهج حتى انقلبوا على الحكومة الانتقالية في اكتوبر ٢٠٢١م. و لما لم يتمكن الانقلابيون من تكوين حكومة قاموا باشعال الحرب الحالية و التي تؤكد كل الأدلة من تسجيلات الاسلامويين و تصريحاتهم العلنية، و كل قرائن الأحوال، على انهم هم الذين بدؤوها.
و هكذا ظل فلول الانقاذ يسعون سعيا حثيثا لقطع الطريق على التحول الديموقراطي Democratic transition بكل السبل. و لكي يحققوا هدفهم هذا فقد عملوا و ما زالوا يعملون على عرقلة كل المبادرات الاقليمية و الدولية التي هدفت و تهدف الى وقف الحرب. و السبب في ذلك هو ببساطة ان إيقاف الحرب يتقاطع مع مصالح نظام الانقاذ للعودة للحكم و خلافه كما يعرضهم للمحاكمات التي لا تسقط بالتقادم.
و بذا فقد ضرب فلول الانقاذ و الداعمون لهم عرض الحائط بكل المناشدات الخاصة بوقف الحرب و ظلوا بدعون لاستمرارها بالرغم من ان وقفها يعد هدفا انسانيا ملحا يتوقف عليه انقاذ الشعب السوداني و مقدراته من عقابيل استمرار الحرب.
و تبعا لذلك فما زال مسلسل محاربة الديموقراطية مستمرا من خلال ممارسات و أفعال هدامة و مستميتة لا تأبه بمصلحة الوطن. و قد تجلى ذلك مؤخرا من الافعال الهدامة و المحمومة التي قامت بها، كما تؤكد الحيثيات المنطقية، عناصر من نظام الانقاذ و مناصريهم، خلال زيارة د. حمدوك الأخيرة للندن في مسعى منه لانقاذ الشعب و البلاد من افرازات و عقابيل الحرب الدائرة.
mohammedhamad11960@gmail.com