الحكيم من مصر: لا سیادة ولا حریة ولا استقلال من دون تنمیة شاملة
تاريخ النشر: 20th, February 2024 GMT
20 فبراير، 2024
بغداد/المسلة الحدث: اوضح رئيس تحالف قوى الدولة الوطنية، عمار الحكيم، الثلاثاء، انه لانرید غطاءاتٍ ومبرراتٍ تتیح للآخرین التدخل بشؤوننا بإسم التنمیة لأغراض دخیلة.
وقال الحكيم في كلمة له بالمنتدى العالمي لثقافة السلام العادل من اجل التنمية في مصر: “السلام ليس غياباً للحرب والنزاع فحسب بل هو حالة الأمان والاستقرار التي تبدأ من العلاقات الشخصية، والاجتماعية وتمتد إلى الآفاق الدولية الأوسع والسلام في أهم مصاديقه يعني الحفاظ على كرامة الإنسان، والعيش بسلام مع الآخرين، وتعزيز التفاهم والتعايش بين مختلف الثقافات والديانات”.
وتابع، إن “الحدیث عن ثقافة السلام یتطلب أولاً استحضار الأركان الأساسیة وتفعيلها لتحقیق ھذا السلام فلا یمكن الحديث عن السلام من دون إرادة حقيقية تؤكد الحاجة للسلام ولا یمكن تطبیق هذه الإرادة من دون قدرة فعلیة لصناعة هذا السلام وصناعة السلام ھي الأخرى لايمكنها انتاج سلام دائم من دون آلیاتٍ جدية لحفظ هذا السلام، وھذه الأركان الثلاثة لتحقیق السلام مـن (الحاجة الفعلیة والقدرة على صـناعة السلام وآلیات الحفاظ عليه وديمومته) لایـمكن اكتمالھا مـن دون عملیة تنمویة لبناء السلام واستدامته بشكلٍ عمليٍ وفاعل ومناسب، فالسلام الدائم ھو ما ترتضيه الأجیال القادمة لتكون الضامنة في إدامته وحفظه”.
ولفت ان “السلام العادل يتضمن حماية حقوق الإنسان ، وضمان الحريات الأساسية للجميع وهو يشمل الحق في الحياة، والحرية ، والسعي نحو السعادة والعيش الكريم باختصار، فالسلام العادل كما نراه، هو أبعد وأوسع من غياب الصراعات؛ إنه يعكس حالة من العيش المتوازن المستقر الذي يقوم على أسس العدل، والإحسان، والتسامح، واحترام حقوق الإنسان، ونحن الیوم بأمـس الحاجة لتعزیز مبادئ السلام وتطبیق أركانـه الفعلیة في منطقتنا وفي العالـم من خلال تعزیـز فرص التنمیة الشاملة وتحقیق أركانها فالسلام ھـو مفتاح التنمیة الحقیقي لشعوبنا و دولنا والعكس صحیح ولا یمكن فصل الـتنمیة عن السلام .. فهناك علاقـة متشابكة بین المفھومین.. فـإذا أردنا تنمیةً شاملةً في بناء الإنسان والمجتمع والأسرة والحكومات مروراً بجميع القطاعات الاقتصادیة والسیاسیة والبيئية ولابد من إرساء السلام وتطبیقه أولاً والتنمیة تعكس مجموعةً متكاملةً من القیم الاجتماعیة والسیاسیة تتمثل مجتمعة في إقرار وترسيخ ثقافة السلام”.
واشار الحكيم، إن “الزیادة السكانیة التي یشھـدھـا العالـم الیوم ومنطقتنا العربیة والإسلامیة بالأخص.. تجعل من التنمیة مطلباً وجودياً أكثر منه مفھوماً وثقافةً كما أن التحديات الديموغرافية والبيئية هي عوامل لا يمكن تجاهلها، حيث إن النمو السكاني السريع، والهجرة، وندرة المياه، وتغيرات المناخ ، باتت أموراً جوهرية وأساسية تحتاج إلى معالجة عاجلة لضمان مستقبل السلام ولا بـدیـل الـیوم غـیر الإسـراع فـي عجـلة التنمیة الـشاملة ومكافـحة العوائق التي تـحول دون تـحقیق تلك التنمیة المرجوة”، مبيناً أن “الشباب لايمثلون مستقبل أمتنا فحسب ، بل هم الحاضر الفاعل والمؤثر في بناء عالمٍ أكثر سلاماً وازدهاراً وهم أكثر من يصلح لتعزيز جسور التواصل بين الثقافات والأديان والحضارات، من خلال التعليم والتبادل الثقافي، وأكثر من يمكنهم لعب دور محوري في تعزيز التفاهم والتعايش بين المجتمعات المختلفة واستثمارهم وتمكينهم يعني بناء أساس متين لعالم أكثر سلامًا وتناغمًا”، داعياً “للعمل معًا لتوفير الفرص والموارد التي يحتاجها شبابنا ليكونوا قادة السلام في اليوم والغد”.
وبين: “لااسـیادة ولاحریـة ولا استقلال في القرار السياسي وفي الصناعة والزراعـة وسائر القطاعات في دولنا العربیة والإسلامیة ما لم تكن ھـناك تنمیة شاملة وحقیقیة في مجتمعاتنا وبلداننا، من الأمثلة البارزة على التنمية المستدامة في الوطن العربي هي “مشروع العاصمة الإدارية الجديدة” في مصر، الذي يعد مثالاً على الجهود الكبرى نحو تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز السلام وفق خطة محترفة لتخفيف الضغط عن القاهرة التي تعاني من الازدحام الشديد والتداعيات البيئية، فجاءت رؤية تصميم المدينة بطريقة تضمن الكفاءة في استخدام الموارد، مثل إعادة استخدام المياه والطاقة الشمسية بنحو أمثل”.
واكد ان هنالك عدد من المشاريع العربية ، تعتبر مثالاً ممتازاً في التنمية المستدامة منها:
– مشاريع الكويت في مجال الطاقة المتجددة والبنى التحتية كمشروع مدينة الحرير الذي يهدف إلى تقليل الاعتماد على النفط وتحسين جودة الحياة للسكان
– مشاريع قطر في أستضافة الفعاليات الرياضية الكبرى مدخلاً لتعزيز التنمية المستدامة.
– مشروع الديسي لنقل المياه في الأردن.
– ومشاريع طاقة الرياح والشمس في المغرب.
– ومدينة مصدر في الإمارات العربية المتحدة.
– ورؤية (2030) في المملكة العربية السعودية.
– وميناء الفاو الكبير وطريق التنمية في العراق.
في هذا السياق الحيوي نرى من الضروري أن تتسم العملیة التنمویة في بلداننا بالمبادئ الثلاثة الآتیة:
أولاً/ أن تكون متجهة نحو تلبیة الاحتياجات غیر المادیة، وأن لا تقتصر على المفھوم المادي.. فالفقر اليوم لایعني احتیاج الإنسان إلى الغذاء والدواء فقط .. بل الفقر الحقیقي ھو فقر المنظومة التعلیمیة والقیمیة والأخلاقیة .. وأبرز مـا یھـدد شعوبنا ھي تلك الثقافات المنحرفة والدخیلة على قیمنا العربیة والإسلامیة.
ثانیاً/ أن تنطلق التنمیة من داخل المجتمع نفسه .. معتمدة على موارده البشریة والطبیعیة والثقافیة.. فأھل مكة أدرى بشعابھا.. ولانرید غـطاءاتٍ ومبرراتٍ تـتیح للآخرین التدخل بشؤوننا بإسـم التنمیة، لأغراض وأھداف فرعیة ودخیلة.
ثالثاً/ أن تكون التنمیة مستندة إلى تحولات بنیویـة في الاقتصاد والمجتمع والبیئة الإقلیمیة والدولیة.. حتى تكون تنمیة جذریـة وشاملة وحقیقیة.. فمن الصعب أن تنفرد دولة ما بالتنمیة وھي ضمن محیط إقلیمي مضطرب غـیر مستقر.. ومن المستحیل أن نتكلم عـن التنمیة تحت أزیز الرصاص وطبول الحرب وآثارھا المدمرة الفادحة.
واعرب ان “تحقيق ذلك یتطلب أولاً تـشخیص الكوابح التي تقف عائقاً دون الوصول إلى مـشارف التنمیة وتحقیقھا.. فالـضعف والـقصور في القطاع التعلیمي ، وھـشاشـة الـنظام الإداري والمصرفي وتصاعد حالات العنف المجتمعي وإهمال الاتـفاقـیات الـتطویـریـة والاسـتثماریـة بـین الـدول والمؤسسات .. وعدم الاستقرار في المنظومـة الإقـلیمیة سیاسیا وأمنیاً واقتصادیاً .. تعد من الكوابح الأساسیة التي تمنع استمرار عجلة التنمیة في بلداننا”، موضحاً “إننا في العراق عانـینا كثیراً مـن آثار توقـف عجلة التنمیة.. وما زلنا نعاني بعض آثارھا بالرغـم مـن الخطوات الكبیرة التي تحققت طیلة العقدین الماضیین ، وما تحققق في حكومة الأخ السوداني بشكل خاص فالحروب وسـنوات الحصار .. ثم ثقافة التطرف والتكفیر والعنف .. كانت عوائـق أمـام نـھوض الـعراق .. والیوم بحـمد ﷲ وتـوفـیقه وبـإرادة الـعراقـیین وقـواھـم السیاسیة الوطنیة ومرجعياتهم الرشيدة اسـتطعنا تـجاوز تـلك الـعوائـق وآثارھا المدمرة على الانسان والمجتمع إلى حد كبير وعراق الیوم یختلف عـن أمسه وماضیه .. وھـو فـي طریقه نحو الریادة في مـجالات حيوية واستراتيجية”.
وتابع بالقول “لقد استطاع العراق أن یكسر شـوكة الإرھاب والتطرف .. واستطاع توحيد مكوناته في إدارة عملیة سیاسیة دیمقراطیة ناجحة.. فالدیـمقراطیة تـقع في صـمیم الـتنمیة.. ولايصح الحديث عـن تنمیةٍ بـلا نـظامٍ دیمقراطي يقوم على التداول السلمي للسلطة كما استطاع الـعراق أن یـعید جـزءاً كـبیراً من امكانیاتـه الذاتیة في المجال الاقـتصادي والأمن الغذائي والكثير مـن الاحتياجات الأسـاسـیة .. وھـو فـي طـریـقه لتحقيق قـفزات كـبیرة فـي مـجال الاسـتثمار والتنمیة الـصناعـیة عبر توفیر البنى التحتیة المطلوبة لذلك ونـجح الـعراق أیـضا فـي النأي بـنفسه من الدخول في اصطفافاتٍ إقـلیمیةٍ ودولـیةٍ من خلال اعـتماده سـیاسـة الحیاد الإیجابي دون المساس بقیم الأمة العربیة والإسلامیة وثوابتھا الدینیة والأخلاقیة الأصيلة لكننا الـیوم نواجه تحدیاً كبیراً.. وھو أمر تشترك فیه جمیع دولنا العربية والإسلامـیة .. ھـو تھدید أمـن منطقتنا وزعزعة السلام فیھا بعدما حققته من نجاحاتٍ كبیرةٍ في عودة المیاه إلى مجاریھا الطبیعیة”.
ونوه”نحن اليوم مجتمعون لمناقشة واحدةٍ من أكثر القضايا إلحاحًا في عالمنا العربي في مواجهة تحديات السلام، ففي قلب هذه التحديات، تحتدم النزاعات الداخلية والإقليمية. وقد شهدنا، للأسف، كيف يمكن للحروب الأهلية والصراعات الطائفية أن تدمر مجتمعاتنا من الداخل، وكيف تعمل النزاعات الإقليمية على إضعاف علاقاتنا مع جيراننا، ما زال التطرف والإرهاب يواصلان تقويض جهودنا نحو السلام ، ولا يمكننا التغاضي عن الحاجة إلى مواجهة هذه التحديات بشكل جذري وشامل وعراق الـیوم یـختلف عـن أمـسه ومـاضـیه وھـو فـي طـریـقه نـحو الـریـادة فـي مـجالات حيوية واستراتيجية”.
واكد “لقد استطاع العراق أن یكسر شـوكة الإرھاب والتطرف واستطاع توحيد مكوناته في إدارة عملیة سیاسیة دیمقراطـیة ناجـحة فالدیـمقراطیة تـقع في صـمیم الـتنمیة ولايصح الحديث عـن تـنمیةٍ بـلا نـظامٍ دیمقراطي يقوم على التداول السلمي للسلطة كما اسـتطاع الـعراق أن یـعید جـزءاً كـبیراً من امكانیاتـه الذاتیة في المجال الاقـتصادي والأمن الغذائي والكثير مـن الاحتياجات الأسـاسـیة وھـو فـي طریقه لتحقيق قفزات كبیرة فـي مجال الاستثمار والتنمیة الصناعـیة عبر توفیر البنى التحتیة المطلوبة لذلك ونـجح أیـضا فـي النأي بـنفسه من الدخول في اصطفافاتٍ إقـلیمیةٍ ودولـیةٍ من خلال اعتماده سیاسة الحیاد الإیجابي دون المساس بقیم الأمة العربیة والإسلامیة وثوابتھا الدینیة والأخلاقیة الأصيلة لكننا الـیوم نـواجـه تحدیاً كبیراً.. وھـو أمـر تشـترك فـیه جـمیع دولـنا الـعربـیة والإسـلامـیة .. ھـو تھـدیـد أمـن منطقتنا وزعزعة السلام فیھا بعدما حققته من نجاحاتٍ كبیرةٍ في عودة المیاه إلى مجاریھا الطبیعیة”.
واوضح إن “مـا یـتعرض له شـعبنا الفلسطيني فـي غـزة والضفة والمدن الفلسطينية الأخرى مـن إبـادة جـماعـیة تـحت مـبرراتٍ غـیر مـنطقیة مـن قـبل الـكیان الصھـیونـي وتـحت صـمت دولـي مـریب .. تـعد مـن أبـرز التحـدیـات الـتي تـواجـه إرسـاء ثـقافـة السـلام ودفع عجلة التنمیة في المنطقة ونـقدر الـجھود الـكبیرة الـتي تـبذل مـن قـبل جمھوریـة مصر العربـیة ولاسيما مايقوم به الرئيس السيسي وما تسعى إليه الـعدیـد مـن دول الـمنطقة والـعراق بشكل خاص للوصول إلـى حـل جـذري لإیـقاف ھـذه الـمأسـاة الإنـسانـیة وإیـجاد حـل عـادل یحقق كرامة الفلسـطینیین وحقھم الطبیعي على أراضیھم المحتلة إذ لایـمكن أن نتخیل وجود تنمیة حــقیقیة.. ووجود سلام دائم بوجود أراض مــحتلة وحقوق مسلوبة .. وسیاسات تدميرية ومتھورة تؤثر على أمن شعوبنا و دولنا”.
وشدد الحكيم على ان”الـقضیة الفلسطینیة لیسـت شعاراً سـیاسـياً وإنما ھـي قـضیة تـمس كـرامـة المواطن العربي والمسـلم.. ولا یـمكن الـتغاضـي عـنھا أو تعویمھا بـأسـالـیب وجـھود بعيدة عن معنى الكرامة والإنسانية”، داعياً “من خلال ھـذا الـمنتدى الدولي إلى اعتبار التنمیة المسـتدامـة والمسـتندة إلى سلام حـقیقي ودائـم فـي مـنطقتنا العربیة والإسلامـیة .. هي الـقضیة الأولـى لدى دولنا وحكوماتـھا ومجالـسھا التشریـعیة.. كلاً بحسب نظامه السیاسي وبيئته و أولوياته وأن نشهد خـطوات عـملیة ذات أولـویـة فـي نـتائـج الاجـتماعـات الـدوریـة لجامعة الدول العربية والـمنظمات الـعربـیة والإسـلامـیة.. لتـكون تـلك الـتنمیة ضـمن مشـروع الـقرارات الإقـلیمیة وقـوانـین الـتنفیذ المحـلیة في مسار تأمین مستقبل أجیالنا وحفظ مصالحھم وفرصھم في حیاة حرة كریمة”.
واتم الحكيم كلمته بالقول إن “الطريق نحو السلام ليس سهلاً، ولكنه ضروري، يتطلب منا جميعًا – حكومات، وبرلمانات ومؤسسات، وأفراداً – التزامًا جادًا وعملًا متواصلاً، ونحن على ثقة بجهودنا المشتركة، في السعي إلى تحقيق السلام المنشود في عالمنا العربي وفي العالم”.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
المصدر: المسلة
كلمات دلالية: العربیة والإسلامیة التنمیة المستدامة وھـو فـی من خلال من دون سلام ا
إقرأ أيضاً:
المشاط: التحديات الجيوسياسية بالدول العربية تُعوق مسيرة التنمية في المنطقة والعالم
افتتحت اليوم، الدكتورة رانيا المشّاط وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي فعاليات الأسبوع العربي الخامس للتنمية المستدامة تحت عنوان "حلول مستدامة من أجل مستقبل أفضل: المرونة والقدرة على التكيف في عالم عربي متطور " المنعقد بمقر جامعة الدول العربية في القاهرة ، بحضور أحمد أبو الغيط أمين عام جامعة الدول العربية، والدكتور أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة، والدكتورة منال عوض، وزيرة التنمية المحلية، والمستشار عدنان فنجري، وزير العدل، و إيلينا بانوفا، المنسق المقيم لمنظمة الأمم المتحدة في مصر، وستيفان جيمبرت، المدير الإقليمي لمصر واليمن وجيبوتي بالبنك الدولي، ويوسف حسن خلاوي، الأمين العام لمنتدى البركة للاقتصاد الإسلامي، وعدد من السادة الوزراء والسفراء، وممثلو المجالس النيابية، وممثلو المنظمات والهيئات المحلية والإقليمية والدولية.
وخلال كلمتها الافتتاحية، قالت الدكتورة رانيا المشاط، إن الأسبوع العربي للتنمية المستدامة أضحى منصة إقليمية بارزة للحوار البنّاء بين ممثلي الحكومات والقطاع الخاص، والمُجتمع المدني، وممثلي قطاعات المرأة، والشباب، والإعلام، بالإضافة الى الجامعات والمراكز البحثية المتخصصة والمنظمات العربية والإقليمية والدولية، والتي تسعى جميعها لتعزيز التعاون في سبيل تحقيق التنمية المستدامة، ويأتي انعقاد هذا المُلتقى العربي في نسخته الخامسة تحت عنوان "حلول مستدامة من أجل مستقبل أفضل: المرونة والقدرة على التكيف في عالم عربي متطور"، بعد النجاحات الملموسة التي شهدتها الدورات السابقة.
وأكدت أن مصر حرصت على استضافة الحَدَث وتنظيمه عبر السنوات بتعاون مثمر وشراكة تنموية ممتدة مع كل من جامعة الدول العربية وعدد من شركاء التنمية الدوليين، مضيفة أن الأسبوع العربي للتنمية المستدامة ينعقد في ظل متغيرات وتحديات اقتصادية ومالية وجيوسياسية مستمر ة ومتسارعة؛ لا سيما الأوضاع الإنسانية المؤسفة التي يعيشها أشقائنا في غزة ولبنان، والتي تفرض مزيداً من التحديات والأعباء على العالم أجمع وفي القلب منها دولنا العربية، مما يؤثر سلباً على الجهود التي تبذلها الحكومات لتحقيق التنمية المستدامة.
حيث أشار تقرير أهداف التنمية المستدامة لعام 2024 إلى أن 17% فقط من غايات أهداف التنمية المستدامة شهدت تقدماً كافياً للوصول للمستهدف بحلول عام 2030.
وتابعت: مع استمرار تباطؤ معدلات النمو العالمية، وتزايد الفجوات التنموية بين الدول، تتزايد أيضا فجوة تمويل التنمية خصوصًا في الدول النامية في ظل الأعباء الإضافية التي فرضتها الأزمات المتتالية؛ بما يستلزم المعالجات العاجلة لأزمة الديون التي تواجهها هذه الدول، وإعادة هيكلة النظام المالي العالمي، لتعزيز قدرة الدول على الحصول على التمويل الميسر الذي يساعد على سد فجوات التنمية، جنبًا إلى جنب مع سعي هذه الدول لحشد الموارد من خلال الشراكة الفاعلة بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني والمؤسسات المالية لتلبية الاحتياجات التمويلية المتزايدة.
وأشارت "المشاط" إلى أنه وفقًا للتقارير الدولية فقد بلغ إجمالي حجم الإنفاق الحكومي عالمياً، على الخدمات الأساسية مُتضمنة الصحة والحماية الاجتماعية في عام 2024 حوالي 50%، وتنخفض هذه النسبة في الدول الناشئة والنامية لتصل إلى 40%، ويشهد ذلك تفاوتات في مستوى الإنفاق بين دول وأقاليم العالم المختلفة، حيث تتراوح الفجوة التمويلية لأهداف التنمية المستدامة عالمياً بين 2.5 و 4 تريليون دولار سنوياً، وتشير التقديرات إلى أن المنطقة العربية تحتاج على الأقل إلى 230 مليار دولار سنوياً لسد الفجوة التمويلية نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وأضافت أنه إلى جانب التحدي المرتبط بتمويل التنمية هناك تحديات اقتصادية واجتماعية أخرى لا تقل أهمية تواجه دولنا العربية منها ارتفاع معدل البطالة، والذي بلغ نحو 9,5 %، وفقاً لتقرير أهداف التنمية المستدامة لعام 2024، وهو المعدل الأعلى بين مناطق العالم بالرغم من انخفاضه منذ أزمة كوفيد 19، كما تظل المنطقة العربية تشهد أعلى معدل لبطالة الشباب، خاصةً بين الإناث.
كما أشارت إلى التحديات البيئية المرتبطة بتغيّر المناخ التي تطال تداعياتها السلبية كافة دول وأقاليم العالم، وفي مقدمتها منطقتنا العربية التي طالما عانت من ظروف المناخ القاسي من ندرة هطول الأمطار والفيضانات المتكررة والجفاف ودرجات الحرارة المرتفعة، فتؤثر تحديات المناخ سلبًا على القطاعات الاقتصادية الرئيسية مثل الزراعة والموارد المائية والطاقة، والبنية التحتية، والتجارة وسلاسل التوريد والإمداد، فضلاً عن آثارها السلبية على قطاعات الصحة العامة، والأمن الغذائي، والتعليم، وفرص العمل، فتلتقي هذه التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لتحول دون استفادة شعوب الدول النامية من جهود التنمية؛ وتمثل ضغطاً على اقتصاديات تلك الدول ومواردها. من ناحية أخرى.
وأوضحت الدكتورة رانيا المشاط أنه بالرغم من أن التحول الرقمي يقدم فرصاً كبيرة لتعزيز التنمية المستدامة، إلا أنه لا يزال هناك فجوة رقمية واضحة بين الدول ذات الدخل المرتفع والمنخفض، مما يعيق الاستفادة من التكنولوجيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي، حيث يشير تقرير الابتكار العالمي لعام 2024 إلى أن الاشتراك في الانترنت الثابت ذي النطاق العريض في المنطقة العربية وصل إلى 11 لكل 100 نسمة وهو ما يقل عن المتوسط العالمي البالغ 19 لكل 100 نسمة.
وأكدت "المشاط" أن الدولة المصرية تلتزم بتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وقد قطعت الدولة بالفعل شوطًا كبيرًا من الإصلاحات والجهود الجادة بدأتها منذ عشرة أعوام بهدف تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، من خلال إطلاق"رؤية مصر2030"، وتحديثها في نوفمبر 2023، والتي تُمثل النسخة الوطنية من الأهدافِ الأُمَمية لتحقيق التنمية المستدامة والأجندة الأفريقية 2063، كما تعكف الدولة المصرية كذلك على تنفيذ البرنامج الوطني للإصلاح الاقتصادي والهيكلي بالتركيز على ثلاثة محاور رئيسية وهي: تعزيز استقرار الاقتصاد الكلي، وزيادة القدرة التنافسية وتحسين بيئة الأعمال لتحفيز القطاع الخاص، والتحول نحو الاقتصاد الأخضر، بما يسهم في زيادة الطاقات الإنتاجية للاقتصاد المصري ويعزز قدرته على الصمود في مواجهة الازمات.
وأضافت أن مصر تعمل كذلك على مواصلة تنفيذ المبادرات التنموية والمشروعات القومية الكبرى مع حشد الموارد والتمويلات التي تتطلبها هذه المشروعات، ويأتي في مُقدِّمة هذه المشروعات المُبادرة الرئاسية "حياة كريمة"، التي تستهدف كل قرى الريف المصري لتحويلها إلى تجمّعات ريفية مُستدامة تتوافر بها جميع الاحتياجات التنموية، بما يُعزِّز جهود الدولة لتوطين أهداف التنمية المستدامة وتحقيق التنمية الإقليمية المتوازنة.
وفي السياق ذاته، أشارت إلى أن وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، تعمل من خلال إطار "الاستدامة والتمويل من أجل التنمية الاقتصادية"، على تعزيز الجهود صياغة سياسة التنمية الاقتصادية القائمة على البيانات والأدلة، لتوفير المعلومات التي تُعزز المناقشات حول الاحتياجات والفرص، وسد الفجوات في مجالات التنمية المختلفة، مع ضمان آليات مراقبة وتقييم قوية لتتبع التقدم وتحسين النتائج، بالإضافة إلى حشد التمويلات المحلية والخارجية لتحقيق التنمية المستدامة من خلال إطار وطني مُتكامل للتمويل، يُعزز تخصيص الموارد للقطاعات ذات الأولوية، ويُحفز استثمارات القطاع الخاص، ويُسرّع وتيرة التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، كما قامت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، بالشراكة مع القطاع الخاص، بإعداد مبادئ "استرشادية خضراء" بهدف الوصول إلى مجتمعات ريفية مستدامة ورفع الوعي وتحسين الأداء وقياس أثر المبادرات الوطنية الرئيسية في المجتمعات الريفية.
وأكدت"المشاط" أن الجهود الحثيثة التي تبذلها الدولة المصرية لتحقيق التنمية على المستوى الوطني، لم تشغلها عن المشاركة الفاعلة في كافة مبادرات التنمية سواء على المستوى الإقليمي والعربي أو على المستوى الأممي، فتشارك مصر في الجهود الأممية لتحقيق التنمية المستدامة في إطار الأمم المتحدة من خلال خطة التنمية المستدامة 2030، كما تحرص على تبادل المعرفة والخبرات والتجارب الناجحة في هذا المجال مع كافة دول العالم وبالتعاون مع المنظمات الدولية.
وفي هذا السياق، فقد تقدمت مصر بثلاثة تقارير مراجعة وطنية طوعيةVNRs لمتابعة أهداف التنمية المستدامة الأممية (للأعوام 2016 و2018 و2021). كما تقدمت ثلاث محافظات مصرية بمراجعاتها الطوعية المحلية في عام 2023 (البحيرة والفيوم وبورسعيد) بدعم فني من قِبَل وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وذلك في إطار سعي الدولة للتوطين المحلي لأهداف التنمية المستدامة، مؤكدة اعتزاز مصر بالتعاون التنموي المُثمر مع جامعة الدول العربية في إطار إطلاق تقرير "التمويل من أجل التنمية المستدامة" من رحاب الجامعة خلال انطلاق فعاليات النسخة الرابعة من الأسبوع العربي للتنمية المستدامة في عام 2022.
واستكمالاً لهذا الجهد، وفي ضوء التوصيات الواردة بالتقرير، أعدَّت مصر بشراكة جادة مع الأمم المتحدة "الاستراتيجية الوطنية المتكاملة لتمويل التنمية"، والتي تهدف إلى الموائمة بين مصادر التمويل العامة والخاصة وأهداف التنمية المستدامة الأممية ورؤية مصر 2030، والاستفادة من استثمارات القطاع الخاص، وتحسين الإنفاق العام، وضمان توجيه الموارد نحو المبادرات ذات العوائد الاجتماعية والاقتصادية والبيئية الأعلى، وبالتالي تسريع وتيرة التقدم نحو التنمية المستدامة.
وسلّطت الضوء على الاستراتيجية الوطنية الشاملة لتغيّر المناخ 2050، والتي تتضمّن مجموعة من المشروعات ذات الأولوية حتى عام 2030. وفي هذا الإطار، تم إطلاق المنصة الوطنية لبرنامج "نوفي" الذي يقدم منهج متكامل للتمويل العادل لأجندة المناخ، بالتركيز على ثلاثة قطاعات رئيسية وهي الطاقة والغذاء والمياه، وذلك لتعظيم الأثر الاجتماعي والاقتصادي والبيئي. كما تبذل الدولة جهدها نحو التحول نحو الاقتصاد الأخضر من خلال العديد من المبادرات من بينها دمج البًعد البيئي في منظومة التخطيط من خلال "دليل معايير الاستدامة البيئية"، والمبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية.