بشاعة التزوير من الوزير في ميونخ
تاريخ النشر: 20th, February 2024 GMT
يدفع العقل وقواعد الدبلوماسية للافتراض بأن السياسة العربية التي يرتبط أمنها المباشر ومصالحها مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة؛ تدفع بثقلها لمنع جرائم الإبادة عنه في غزة وفي بقية فلسطين، لأسباب عربية صرفة، تاريخية أخلاقية ووطنية، ولأنها قضية عادلة فالافتراض المتخيل هي آمال عربية تحافظ على صمود الفلسطيني فوق أرضه فعلا، لا قولا يقوم بتحويل هذه القواعد إلى جزء من واقعٍ بشعٍ تهجرهُ الكرامة والعزة والحرية والعدالة، ويقود لاحتضار سياسة عربية تتخيل زوال أعاصير الفاشية الصهيونية بنسمات عربية هادئة يبتلعها تسونامي الوحشية والجنون الصهيوني.
وفداحة ما يجري في غزة، وما ينتظر مدينة رفح من جرائم إبادة جماعية، يدفعان للتدقيق المستمر بالأهداف والخطط الإسرائيلية الواضحة كل يوم من أقطاب الائتلاف الصهيوني الحاكم، ليس لغزة وحدها، بل لكل بقعة جغرافية يتمسك فيها الفلسطيني لتكون له وطنا على أرضه، في الضفة والقدس وغزة، مع إظهار مخالب الفاشية والعنصرية ضد الشعب الفلسطيني داخل المناطق المحتلة عام 48، وهو لا علاقة له بيوم "طوفان الأقصى"، لاكتشاف أن إسرائيل بدأت تجريب قدرتها على القتل والإبادة منذ 75 عاما، والمستمرين بتكثيف الاستيطان وسرقة الأرض وتهويدها منذ مدريد (عملية السلام 1991) وإلى اليوم.
الأمن العربي الذي يفترض أن يكون متنبها لهذه الأهداف والسياسات الإسرائيلية، غير معني للأسف بمواجهتها فعليا لأسباب كثيرة، منها حالة التمزق والتشتت التي تضع أمن الاستبداد العربي كله في سلة الأمن الإسرائيلي الأمن العربي الذي يفترض أن يكون متنبها لهذه الأهداف والسياسات الإسرائيلية، غير معني للأسف بمواجهتها فعليا لأسباب كثيرة، منها حالة التمزق والتشتت التي تضع أمن الاستبداد العربي كله في سلة الأمن الإسرائيلي.
والمثال الذي نورده هنا من مؤتمر ميونخ للأمن في نسخته الأخيرة مناقض تماما للأسس والقواعد التي تقوم عليه المصلحة العربية المشتركة، إن كانت معنية طبعا بتحقيق ذلك، خلافا للواقع الذي تعبر عنه تلك المصلحة، والتي أفصح عنها وزير خارجية مصر في مؤتمر ميونخ للأمن بمداخلته التي تنسف هذه القواعد بالقول:
"يقينا أن حماس كانت خارج الأغلبية المقبولة للشعب الفلسطيني والسلطة الفلسطينية والاعتراف بإسرائيل حتى التوصل إلى تسوية، ورفضهم التنازل عن دعم العنف وممارسته. يجب أن يكون هناك محاسبة، لماذا تم تعزيز قدرة حماس في غزة، وتم تمويلها في القطاع من أجل إدامة الانقسام بين حماس وبقية الكيانات السياسية لمنع السلام الموجود".
الوزير الفاشل بالتزوير
بهذا اليقين، هناك أسئلة مشروعة من الشارع الفلسطيني وضحاياه، بماذا تختلف مصلحة النظام المصري عما قدمه وزير خارجية أمريكا أنتوني بلينكن في مؤتمر ميونيخ؟ وعما طرحه ممثل الاحتلال الإسرائيلي؟ وعما قيل من ممثل دولة عربية الإمارات بعد عملية طوفان الأقصى ووصفها بالبربرية والوحشية؟
ومن حقنا أن نتخيل ما يقال من ممثلي بعض الأنظمة العربية مع ممثلي الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة داخل الغرف المغلقة، عن حقيقة المواقف والأدوار والسياسات التي تعني القضية الفلسطينية وشعبها وتعني الأمن العربي، بعد خمسة أشهر من جرائم الإبادة في غزة. كل الملف الفلسطيني المعني (غزة) في جعبة النظام المصري محصور لدى المخابرات المصرية وليس فيه أي بعد سياسي منذ سنوات طويلة، ويضغط لتأمين المصلحة الإسرائيلية بنزع أي بعد سياسي عنه، وبدون مجاملة ومراجعة لمواقف النظام المصري من حركة حماس بعد الانقلاب في مصر 2013 وشيطنتها وإدانتها وربطها بالإرهاب على الطريقة الصهيونية، وهو أمر لم يتبدل في الغرف المغلقة.
في معرض كلام الوزير شكري عن الأوضاع الفلسطينية على الأرض؛ أن هناك سلاما موجودا قد تم تعطيله لعدم اعتراف حماس بإسرائيل، ولممارستها العنف لمنع السلام الموجود، ولأن هناك من قام على تعزيز قوتها "حماس" وتجب محاسبته، ودون الخوض في السياسات الصهيونية الاستعمارية على الأرض وكيفية التصدي لها.
بمعنى أن الوزير يُحمل الضحايا الفلسطينيين مسؤولية عدم خضوعهم للمحتل، والتسليم بالأمر الواقع والقبول بما يطرحه المُستَعمِر على المُستَعمَر، كما هو حال أنظمة الاستبداد العربي مع الاحتلال بالتحالف والتطبيع معه.
الوزير العربي في مؤتمر ميونيخ، القادم من خلفية سياسية غير منتخبة ومستبدة، يُصر على يقين فصل حماس عن شعبها، متجاهلا انتخابات العام 2006 النزيهة والوحيدة التي فازت فيها في غزة والضفة، وباعتراف مراقبين دوليين، وما تبعها إلى اليوم من حروب وحصار بسبب الانتخابات وبسبب السياسة الاستعمارية الصهيونية.
المُرعب في الأمر، أن أصداء جرس الإنذار العربي والدولي، التي أعلنت عن مخاطر وتحذيرات العدوان الإسرائيلي والميل إلى الارتداد عن مواجهته، كان لها أثر تراكمي مفجع بإحصاء مذابح يومية في كل جغرافيا غزة الضئيلة، وقد جرى التعامل معها كبديهيات ترقى لمستوى الحقيقة المطلقة بنوع اللامبالاة، وبرودٍ يُفسره الوزير شكري في مؤتمر ميونيخ بأن التنازل عن "العنف" الذي تمارسه حماس والاعتراف بإسرائيل هو الذي يحقق السلام؛ متناسيا عن قصد تجربة ثلاثة عقود من أوسلو، ويقفز عن سياسات العدوان الصهيوني على الأرض منذ ما قبل ظهور حماس، في عقود النكبة الفلسطينية وهزيمة الجيوش العربية.
تفكيك ركائز الصراع
هذا الواقع المر والقاسي لا يواجه بالقلق وبيقين التزوير له خدمة لسيطرة صهيونية استعمارية، ولا بالكلام والخطب السطحية الفارغة من الإنسانية، إنه يحتاج لصلابة عربية في المواقف لأبعد الحدود، وامتلاك الإرادة والقناعة والقدرة على الإمساك بالحقيقة. والمرارة العربية بعدم إدراك مصلحة عربية حقيقية باستخدام العقل والوجدان والضمير، وبالتقدير السيئ للذات العربية وقدراتها، هي التي تجعل من الفاشية والغطرسة الصهيونية تبلغ ذروتها عبر تهديد الوجود الفلسطيني كله
لذلك أي تفسير علمي للإدراك، وفهم سليم للتخلي العربي الرسمي عن مصلحته في إسناد قضيته المركزية، ومواجهة جريمة الإبادة الصهيونية الآن ضد الشعب الفلسطيني، يقودنا قسرا إلى حقيقة أخرى لا تقل عنها وضوحا في أذهان ووجدان الشارع العربي، وهي حالة الانهيار والانكفاء والتمزق الذي يعيشه النظام الرسمي العربي في مرحلته الراهنة، وتمكن المشروع الاستعماري الصهيوني من إحداث اختراقات عميقة وإستراتيجية طالت ركائز الصراع العربي معه في العمق، مقابل حالة من الإرباك في التطبيع والعجز المفلس بالرهان على التزييف الصهيوني للسلام، وهي حالة تدفع للوقوف الإجباري أمام أسئلة مثارة منذ أكثر من ثلاثة عقود، لإعادة قراءة الأحداث المرتبطة بسلوك المستعمر الصهيوني على الأرض، إعادة ليست اعتباطية أو مفتعلة، وعدم قراءتها لا يعني أن الاستيطان والعدوان والقتل والتهويد وتزوير التاريخ والواقع قد انتهى، أو سينتهي بوقف جولة العدوان الحالي على غزة..
التحريض على ممارسة الفاشية متواصل، مع ارتكاب بقية جرائم الإبادة وضد الإنسانية، هو الوجه الآخر للحقيقة التي يصعب على أنظمة الاستبداد العربي مواجهتها، وهناك لاءات صهيونية بعدم الاعتراف بدولة فلسطينية موضوعة للتصويت، وهناك جملة قوانين لاستكمال تهويد القدس وتكثيف الاستيطان، وهناك ثوابت أمريكية بدعم العدوان لا وقفه.
واقع مر وقاسٍ
هذا الواقع المر والقاسي لا يواجه بالقلق وبيقين التزوير له خدمة لسيطرة صهيونية استعمارية، ولا بالكلام والخطب السطحية الفارغة من الإنسانية، إنه يحتاج لصلابة عربية في المواقف لأبعد الحدود، وامتلاك الإرادة والقناعة والقدرة على الإمساك بالحقيقة. والمرارة العربية بعدم إدراك مصلحة عربية حقيقية باستخدام العقل والوجدان والضمير، وبالتقدير السيئ للذات العربية وقدراتها، هي التي تجعل من الفاشية والغطرسة الصهيونية تبلغ ذروتها عبر تهديد الوجود الفلسطيني كله، تهديد يفشل معه الأمن العربي في بشاعة التزوير من الوزير لتجميل قبح التخاذل.
twitter.com/nizar_sahli
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة غزة العالم العربي الإبادة الجماعية مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاستبداد العربی الأمن العربی على الأرض فی مؤتمر فی غزة
إقرأ أيضاً:
“هآرتس”: الحشود التي تعبر نِتساريم حطّمت وهم النصر المطلق
وأكمل بالقول: “معظم فترة الحرب، رفض نتنياهو مناقشة الترتيبات لما بعد الحرب في قطاع غزة، ولم يوافق على فتح باب لمشاركة السلطة الفلسطينية في غزة، واستمر في دفع سيناريو خيالي لهزيمة حماس بشكل تام. والآن، من يمكن الاعتقاد أنه اضطر للتسوية على أقل من ذلك بكثير”.
ورأى هرئيل أن رئيس حكومة العدو، هذا الأسبوع، قد حقق ما أراده، إذ إن حماس وضعت عوائق في طريق تنفيذ الدفعات التالية من المرحلة الأولى في صفقة الأسرى، لكن نتنياهو تمكن من التغلب عليها، على حد تعبيره، موضحًا أنه: “حتى منتصف الليل يوم الأحد، تأخر نتنياهو في الموافقة على عبور مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى شمال القطاع، بعد أن تراجعت حماس عن وعدها بالإفراج عن الأسيرة أربيل يهود من “نير عوز””، ولكن بعد ذلك أعلنت حماس نيتها الإفراج عن الأسيرة، وفق زعمه، فعلّق هرئيل: “حماس وعدت، والوسطاء تعهدوا، أن يهود ستعود بعد غد مع الجندية الأخيرة آغام برغر ومع أسير “صهيوني” آخر، والدفعة التالية، التي تشمل ثلاثة أسرى “مدنيين” (من المستوطنين)، ستتم في يوم السبت القادم”. لذلك، قاد تعنّت نتنياهو – ومنعه عودة النازحين الفلسطينيين – على تسريع الإفراج عن ثلاثة أسرى صهاينة في أسبوع، على حد ادعاء الكاتب.
تابع هرئيل: “لكن في الصورة الكبيرة، قدمت حماس تنازلًا تكتيكيًّا لإكمال خطوة استراتيجية، أي عودة السكان إلى شمال القطاع”، مردفًا: “أنه بعد عودتهم إلى البلدات المدمرة، سيكون من الصعب على الكيان استئناف الحرب وإجلاء المواطنين مرة أخرى من المناطق التي عادت إليها حتى إذا انهار الاتفاق بعد ستة أسابيع من المرحلة الأولى”، مضيفًا: “على الرغم من نشر مقاولين أميركيين من البنتاغون في ممر “نِتساريم” للتأكد من عدم تهريب الأسلحة في السيارات، لا يوجد مراقبة للحشود التي تتحرك سيرًا على الأقدام، من المحتمل أن تتمكن حماس من تهريب الكثير من الأسلحة بهذه الطريقة، وفق زعمه، كما أن الجناح العسكري للحركة، الذي لم يتراجع تمامًا عن شمال القطاع، سيكون قادرًا على تجديد تدريجي لكوادره العملياتية”.
وادعى هرئيل أن حماس تلقت ضربة عسكرية كبيرة في الحرب، على الأرجح هي الأشد، ومع ذلك، لا يرى أن هناك حسمًا، مشيرًا إلى أن هذا هو مصدر الوعود التي يطلقها “وزير المالية في كيان الاحتلال” بتسلئيل سموتريتش، المتمسك بمقعده رغم معارضته لصفقة الأسرى، بشأن العودة السريعة للحرب التي ستحل المشكلة مرة واحدة وإلى الأبد، ويعتقد هرئيل أن: “الحقيقة بعيدة عن ذلك، استئناف الحرب لا يعتمد تقريبًا على نتنياهو، وبالتأكيد ليس على شركائه من “اليمين المتطرف”، القرار النهائي على الأرجح في يد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومن المتوقع أن يستضيف الأخير نتنياهو قريبًا في واشنطن للاجتماع، وهذه المرة لا يمكن وصفه إلا بالمصيري”.
وأردف هرئيل ، وفقا لموقع العهد الاخباري: “ترامب يحب الضبابية والغموض، حتى يقرر، لذلك من الصعب جدًّا التنبؤ بسلوكه”، لافتًا إلى أنه وفقًا للإشارات التي تركها ترامب في الأسابيع الأخيرة، فإن اهتمامه الرئيسي ليس في استئناف الحرب بل في إنهائها، وأكمل قائلًا: “حاليًا، يبدو أن هذا هو الاتجاه الذي سيضغط فيه على نتنياهو لإتمام صفقة الأسرى، وصفقة ضخمة أميركية – سعودية – صهيونية وربما أيضًا للاعتراف، على الأقل شفهيًّا، برؤية مستقبلية لإقامة دولة فلسطينية”.
وقال هرئيل إن “نتنياهو، الذي أصرّ طوال السنوات أنه قادر على إدارة “الدولة” (الكيان) وأيضًا الوقوف أمام محكمة جنائية، جُرّ أمس مرة أخرى للإدلاء بشهادته في المحكمة المركزية، رغم أنه يبدو بوضوح أنه لم يتعاف بعد من العملية التي أجراها في بداية الشهر، واستغل الفرصة لنفي الشائعات التي تفيد بأنه يعاني من مرض عضال، لكنه لم يشرح بشكل علني حالته الصحية”، مشددًا على أن نتنياهو الآن، من خلال معاناته الشخصية والطبية والجنائية والسياسية، قد يُطلب منه مواجهة أكبر ضغط مارسه رئيس أميركي على رئيس وزراء الكيان الصهيوني.