« خارش التاريخي» يتحول إلى ممر لسياحة المغامرات والترحال في ظفار
تاريخ النشر: 20th, February 2024 GMT
تشتهر محافظة ظفار بطبيعتها المتنوعة واختلاف تضاريسها وتنوع بيئتها وكل هذه المقومات جعلت منها مقصدا سياحيا مهما ومع تطور المناشط السياحية تعددت الأنماط السياحية المختلفة في ظفار كالسياحة الطبيعية الخضراء والشاطئية والثقافية والمزارات الدينية، وكذلك سياحة المغامرات التي بدأت تنشط في المحافظة للسياح الذين يعشقون الترحال والمغامرة في البحث عما هو مثير ومميز في ظفار كزيارة الكهوف الطبيعية مثل كهف طيق في طوي اعتير ثاني أكبر كهف مكتشف على مستوى العالم حيث يحتاج الوصول إليه النزول في مسافة قد تصل عدة كيلو مترات حتى تصل لمدخل الكهف، كذلك قلعة قصبار التاريخية في جبل ناشب حيث لا يمكن الوصول إليها إلا سيرا على الأقدام والعديد من المواقع السياحية المتناثرة على امتداد محافظة ظفار.
حكاية حقبة من الزمن
ويعد جبل سمحان من أشهر جبال محافظة ظفار ويصنف كمحمية طبيعية وموقع سياحي وطبيعي جاذب للزوار و يقصده الزائر للاستمتاع بمقوماته السياحية حيث الارتفاع الشاهق للجبل مما يتيح للزائر مشاهدة تراكم السحب أسفل منه وكأنه بحر من الغيوم حيث بإمكانك رؤية أفواج الغيوم ترتمي في أحضان جبل سمحان وأنت تقف على منصة مخصصة للمشاهدة.
ويعد ممر خارش في جبل سمحان من الممرات التاريخية التي أصبحت مقصدا مهما لعشاق ما يعرف برياضة «الهايكينج» أو سياحة المغامرة والترحال، كما أنه أحد أهم الممرات التاريخية لقوافل اللبان قديما في المنطقة الشرقية من ظفار الذي يربط ميناء مرباط التجاري بمواقع إنتاج اللبان في منطقة حوجر والمناطق الأخرى لإنتاج اللبان التي تقع خلف جبل سمحان باتجاه الشمال حيث تبعد هذه المواقع عن ميناء مرباط ما يقارب 50 كم تقريبا وهو أحد أشهر الموانئ القديمة في ظفار التي يتم من مراسيها تصدير اللبان قديما.
وتعد عين «قُفه» التي تقع في سفح الجبل بمثابة نقطة استراحة للقوافل المحملة باللبان وهي متجهة إلى أسفل الجبل ثم المواصلة إلى سوق المدينة في مرباط وبيعه للتجار لتخزينه وتحميله عبر السفن التجارية فيما بعد لتصديره إلى مختلف البلدان.
كما أن الذين يتوجهون لمواقع الإنتاج عبر ذلك الممر من أسفل الجبل يقفون في العين نفسها للاستراحة ثم يكملون السير عبر ممر خارش إلى مواقع إنتاج اللبان، وتقدر المسافة إلى تلك العين من بوابة الممر «خارش» حوالي ساعة ونصف سيرا على الأقدام ومن العين إلى أسفل الوادي الذي يعد آخر نقطة يمكن أن تصل إليه السيارة ما يقارب ساعتين تقريبا سيرا على الأقدام، وتمتد المسافة من ولاية مرباط إلى أماكن استخراج وجمع اللبان عن طريق ذلك الممر ما يقارب 50 كم في طريق ذي تضاريس وعرة وشديدة الانحدار وتعرجات مختلفة.
وتعد الرحلة عبر هذا الممر ممتعة جدا لهواة الرحلات الاستكشافية حيث لا يمكن الوصول إلى هذا الممر إلا بواسطة السير على الأقدام حاملين معهم ما يستطيعون من زاد يكفيهم للمدة التي يودون البقاء فيها بتلك المنطقة وتعد عين «قُفه» عين دائمة الجريان حيث تنبجس مياها من عدة مخارج.
ولم يعد ممر خارش الآن تقطعه قوافل الإبل المحملة باللبان من مواقع الإنتاج ذهابا وإيابا كما كان قديما ولكن يظل هذا الممر شاهد حال على إحدى أهم مراحل التاريخ الإنساني في ظفار حيث يوضح لنا ممر خارش صعوبة الأماكن والطرق التي كان يستقلها أحدادنا قديما والمخاطر التي كانت تكتنف السير في هذه الدروب الوعرة، ويمكن الوصول إلى ممر خارش عن طريق منطقة طوي اعتير ثم الاتجاه إلى قمة جبل سمحان وقد لا يدرك الكثير من السياح صعوبة ووعورة ذلك الممر ولعل أبناء محافظة ظفار وخاصة من يقطنون في المنطقة الشرقية من ظفار هم أدرى الناس بهذا الممر وخاصة رعاة الإبل والأغنام الذين يعيشون في المنطقة المتاخمة للممر.
ويحكي هذا الممر التاريخي -الذي هجرته قوافل اللبان منذ زمن بعيد- للجيل الحاضر الذين يعبرونه الآن في رحلات استطلاعية واستكشافية صعوبة الحياة التي سبقت هذا العهد الزاهر والميمون ومن هذا الممر تخرج الحكايات والعبر والمفارقات الجميلة رغم صعوبة العيش آنذاك للذين كانوا يسلكونه في طلب الرزق وكان الأمل والإصرار والمثابرة والاجتهاد في سعيهم المحمود دليلا على عراقة الإنسان العماني في البذل والتضحية من أجل العيش وكسب الرزق واستغلاله للموارد الطبيعية المتاحة في أرضه.
العمل في مواقع اللبان
وعبر ممر خارش يصل المشتغلون في جني اللبان إلى مواقع أشجار اللبان «إيينزلت» وهي مفردة باللغة الشحرية تعني الموقع الذي يتم فيه استخراج وجمع اللبان حيث يبدأ العمل فيها مع ساعات الصباح الأولى حتى ساعات الغروب وتكون هناك فترة استراحة للغداء وعادةً يبدأ العمل في استخراج اللبان في بداية موسم الغيظ وحتى بداية موسم الصرب وذلك في المناطق التي لا تصل إليها أمطار موسم الخريف.
ومن المعروف أن طريقة استخراج اللبان تتمحور في إجراء جرح على جذع شجرة اللبان باستخدام أداة صغيرة تدعى «المنقف» آلة ذات يد خشبية ورأس حديدي حاد مستدير الشكل «وذلك في عدة مواقع تتراوح ما بين 10 إلى 30 موضعا تتباين من شجرة لأخرى وذلك على حسب حجم الشجرة ويكون ذلك في أوائل شهر أبزيل من كل عام، وما أن تميل درجة الحرارة إلى الارتفاع، يقوم المشتغلون بجني اللبان، «بتجريح» الشجرة في مواضع متعددة، فالضربة الأولى يسمونها «التوقيع»، ويقصد به كشط القشرة الخارجية لأعضائها وجذعها، ويتلو هذه الضربة نضوح سائل لزج حليبي اللون، سرعان ما يتجمد فيتركونه هكذا لمدة 14 يوما تقريبا. وتتبعها عملية التجريح الثانية ويبدأ الجمع الحقيقي بعد أسبوعين من التجريح الثاني، حيث ينقرون الشجرة للمرة الثالثة، في هذه الحال ينضح السائل اللبني ذو النوعية الجيدة، والذي يعد تجاريا من مختلف الجوانب، ويكون لونه مائل إلى الصفرة، وضرب أشجار اللبان ليست عملية عشوائية، وإنما هي عملية تحتاج إلى مهارة فنية خاصة ويد خبيرة، وتختلف الضربات من شجرة إلى أخرى حسب حجمها.
عملية توصيل الإنتاج عبر ممر خارش
يتم تحميل الجمال باللبان من موقع الإنتاج وتمر هذه القوافل عبر ممر خارش إلى أن تصل إلى مرباط حيث يتم تسليم الحمولة للتجار الذين يصدرونها فيما بعد عبر ميناء مرباط إلى الخارج، وتستمر رحلة هذه القوافل من موقع الإنتاج إلى مرباط عبر ممر خارش من يومين إلى يومين ونصف اليوم بسبب ثقل الحمولة ووعورة ممر خارش حيث تكون عين «قُفه» محطة استراحة لهذه القوافل لصلاة الظهر وتناول وجبة الغداء ويتزودون منها بالماء، وكما توجد في الممر بعض الأماكن الضيقة جدا والخطرة والمنعطفات الضيقة التي يتم رصها بالعديد من الأحجار على شكل جسر مساعد لتوسيع ذلك المعبر حتى يتسنى للقوافل العبور دون أن يشكل أي خطر عليها.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: محافظة ظفار على الأقدام هذا الممر فی ظفار
إقرأ أيضاً:
من معركة دِفَا وصمود مرباط صُنع مجد "11 ديسمبر"
د. محمد بن خلفان العاصمي
في 11 ديسمبر 1975 وقف السُّلطان الراحل قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- ببزته العسكرية التي لم يخلعها منذ توليه الحكم؛ ليُعلن انتهاء ما عُرف وقتها بـ"ثورة تحرير ظفار والخليج العربي" المدعومة من المعسكر الشيوعي العالمي، وزفَّ بشرى اندحار قوى الأطماع وهزيمتها وانتصار قواتنا المُسلحة عليهم؛ لتُسطِّر فصلًا خالدًا من فصول الشرف والفخر والاعتزاز، الذي رافق العُماني منذ الأزل، وفي خطاب النصر زفَّ بطل النصر وفارسه البُشرى لكل أبناء عُمان عندما قال "أيها المواطنون.. إنني أحيي تجمعكم الحماسي هذا وأهنئكم تهنئة العزة والكرامة، على اندحار أذناب الشيوعية من تراب وطننا العزيز".
ما بين بداية الحرب وبين هذا اليوم المشهود والذي أصبح يومًا لقوات السلطان المسلحة الباسلة في كل عام، سُطَّرت بطولات وطنية وتضحيات جسيمة قدمتها القوات المسلحة وقوات الفرق الوطنية في جبال ظفار الشامخة وسهولها ومدنها وقراها، ووقف أبناء ظفار يدًا بيد مع القوات المسلحة رافضين أن تكون بوابة عبور لصراع دولي وأطماع تغطت بشعارات زائفة وأهداف خفية ومخططات شيطانية، لقد أعلن السلطان الراحل بكل صراحة أنَّ عُمان دافعت عن أرضها وعن جيرانها وعن المنطقة بأسرها في هذه الحرب الغادرة.
في حرب ظفار سطَّرت قوات السلطان المسلحة ملاحمَ لن ينساها التاريخ، ولعلنا نستذكر في هذا المقال حدثين ساهما في تحقيق النصر المؤزر، وأنقذا البلاد من هذا المخطط الغادر، هذان الحدثان كانا حاسميْن في حرب ظفار إلى جانب حِنكة القائد ودعم الأصدقاء، ففي فجر 19 يوليو 1972 نفَّذت قوات الجبهة هجومًا على ولاية مرباط بغية استعادة السيطرة على أهم المواقع، واصطدمت مع الحامية قرب حصن مرباط التي صدَّت الهجوم بمساندة أبناء مرباط المُخلِصِين. هذا الهجوم الذي لو تمَّ لغيَّر ملامح الحرب وأطال مداها، لما سوف يُحدثه من تفوق عسكري ونفسي واستراتيجي لقوات العدو، فبعد نجاح قوات السلطان المسلحة في قطع خط الإمداد والشريان الذي كان يغذي العدو، وتمكن قواتنا الباسلة من استعادة العديد من المواقع والقرى التي كانت قد سقطت في أيام الحرب الأولى، كان لابد من أن يستجمع العدو قوته ليضرب ضربته الأخيرة.
وفي معركة مرباط أثبت أبناء هذا الوطن العزيز أن العقيدة الوطنية وتراب هذا الوطن غير قابلين للمساس، ونجحت قلة منهم بعقيدتها وعزيمتها في صد هذا الهجوم المتفوق عددًا وعتادًا والصمود أمامه وقهره. ويرى كثير من المؤرخين أنَّ هذه المعركة كانت الأهم بين سلسلة المواجهات التي شهدتها حرب ظفار، فقد كانت بداية النهاية لأطماع العدو، وكانت المعركة التي حولت الحرب إلى سلسلة انتصارات متتالية، وما بعد هذه الحرب كان السقوط المعنوي الشديد لقوات العدو التي راحت تندحر وتتراجع من مواقعها، وفقدت معها القدرة على لم شتاتها وإعادة تنظيمها، لقد كانت معركة مرباط نقطة التحول التي صنعتها قواتنا المسلحة في هذه الحرب الصعبة.
أما الحدث الثاني فكان في أواخر عام 1975، وكان في إحدى مدن سلطنة عُمان الشامخة وبوابتها الجنوبية التي تقف شامخة في جبال ظفار، معركة صرفيت أو ما تعرف محليًا بـ"دِفا"، وهي المعركة الأخيرة التي غرست آخر خنجر عُماني في قلب العدو الطامع الغادر؛ ففي هذه المعركة سقط آخر معاقل الشيوعية، وانتهت معها أحلامهم في التوسُّع والدخول للخليج العربي من بوابة سلطنة عُمان. وفي هذه المعركة سَطَّرت- مرة أخرى- قوات السلطان المسلحة وقوات الفرق ملاحم البطولات والتضحيات في ميادين العزة والشرف، ووقفت في وجه مخطط أراد أن يعصف بالمنطقة أجمع؛ فكانت عُمان مقبرة الغُزاة، وكان رجالها البواسل حائط صد تكسَّرت عند أساساته أحلام المغرورين. لقد انتصرت قواتنا المسلحة في هذه المعركة وسلَّمت البقية الباقية من العدو أسلحتها وخضعت، ليُعلن السلطان قابوس في يوم 11 ديسمبر 1975 وعبر خطاب النصر، انتهاء واحدة من أقسى الحروب وأصعبها، ليُسجِّل تاريخ عُمان الحديث ملحمةً تاريخيةً خالدةً مُرصَّعة بالفخر والشرف.
يوم قوات السلطان المسلحة- والذي يصادف 11 ديسمبر من كل عام- قد لا تعرف بعض الأجيال الحالية ما يعنيه؛ فهو ليس تاريخًا عابرًا؛ بل هو يوم تحققت فيه إرادة الشعب وإخلاص القائد الشاب الذي استلم الحكم في ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية صعبة جدًا، لكنه كان يُدرك ما يحدث ويعلم أن هذه المرحلة مفصلية لبقاء الدولة واستمرارها أو نهايتها واندثارها، فما من خيار سوى المواجهة ولا نتيجة مقبولة سوى الانتصار. ولكم أن تتخيلوا ما يعني كل ذلك في تلك الفترة الزمنية الصعبة، ولكن بعزيمة وإصرار وإرادة الأوفياء وحنكة القيادة عبرت سلطنة عُمان من أصعب اختبار واجهته في تاريخها الحاضر؛ فالعدو الخارجي عبارة عن تحالف دولي قوي يسيطر على نصف العالم وقتها.
لا بُد من ربط الأجيال بماضي بلادنا وتاريخها المجيد؛ فهذه المناسبات ليست تاريخًا يعبر ويومًا يمضي؛ بل هي وثائق تاريخية تُفتح كل عام، وكما كان نهج القائد الخالد في تعظيم دور قوات السلطان المسلحة، سار على نفس النهج حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- والذي أولى عنايته الكريمة للقوات المسلحة منذ اليوم الأول لتولي مقاليد الحكم، وراح يرسم صورة جديدة مُشرقة لدرع الوطن وحماته؛ لأنه يُدرك أن السلام يُرعى بالاستعداد وأن حمايته تتطلب قوة وقدرة على مواجهة ما يعترضه من تحديات وأحداث، خاصة في هذا الوقت الذي تمر فيه المنطقة والعالم بصراعات تهدد آمنه واستقراره.
هذا هو يوم 11 ديسمبر لمن لا يعرف معناه، وكما قال السلطان قابوس "أيها المواطنون.. إنَّ انتهاء فلول الشيوعية من جبال ظفار ليس معناه انتصارًا على شراذم قليلة قاموا بالبغي والفساد فحسب، ولكنه كشف واضح لحقيقة ثابتة وهي أن عُماننا العزيزة أرض طاهرة لا تقبل بذور الحركة الشيوعية مهما حشدوا لها من طاقات، وانتصارنا هذا يُؤكد فشل الحركة الشيوعية في عُمان وذلك من فضل الله.. ولله المنة".
فلتمضِ المسيرة المباركة والنهضة المتجددة على خطى البطولات والإنجازات لتُعانق الأجيال الجديدة ماضي هذا الوطن العزيز.
رابط مختصر