رئيس مركز إسلامي في إيطاليا: نتحالف مع فئات في البلاد لصد موجة الشذوذ والإلحاد
تاريخ النشر: 20th, February 2024 GMT
ترينتو – تتزايد مسؤولية المراكز الإسلامية التي تخدم المهاجرين العرب والمسلمين في الدول الغربية في هذه الأوقات جراء تصاعد المد اليميني المناهض للمهاجرين في عدد من الدول الأوروبية، ومنها إيطاليا، مما يلقي على قيادات هذه المراكز الإسلامية مسؤوليات متزايدة في الدفاع عن حقوق المهاجرين العرب والمسلمين، والتعريف بالصورة الحقيقية للإسلام، وأيضا مساعدة المهاجرين العرب والمسلمين خصوصا الجدد منهم في الاندماج في مجتمعاتهم، وأيضا التدخل لحل الخلافات داخل مجتمعات المهاجرين.
في هذا الحوار الذي أجريناه في مدينة ترينتو في الشمال الإيطالي مع رئيس المركز الإسلامي الثقافي في المدينة أبو الخير بريش، يشرح الأخير خلفيات وغايات انطلاق المركز الإسلامي الوحيد بهذه المدينة المتوسطة الحجم، وطبيعة الخدمات التي يقدمها للجالية المسلمة في المدينة، كما يتطرق بريش لتفاصيل الوساطة الثقافية والدينية التي يقوم بها المركز للتعامل مع عدد من الخلافات التي تنشب بين مسلمي ترينتو.
ويبين رئيس المركز الإسلامي لترينتو في المقابلة التي أجريت في مقر المركز، الاختلاف في تعامل السلطات الإيطالية مع حجاب المسلمات عن تعامل نظيرتها الفرنسية التي أقرت عدة تشريعات متشددة تجاه لباس المسلمات في بلدها، لكن أبو الخير بريش يشدد على أن من أخطر التحديات التي يواجهها المسلمون في إيطاليا هو تصاعد موجة الشذوذ الجنسي والإلحاد.
ماذا يقدم المركز للجالية المسلمة بمدينة ترينتو في مختلف المجالات؟ وكيف تطور عمله منذ تأسيسه؟عمر مركزنا 5 عقود، فلما جئت إلى ترينتو وحصلت على الشهادة الجامعية في الطب، بدأ العمل مع الأقليات المسلمة في المدينة مع الجيل الأول ثم الثاني فالثالث، وحاليا نعمل مع الجيل الرابع في إيطاليا.
وكانت بداية العمل الإسلامي هي خدمة الناس والمجتمع وما يسمى الجالية ولو أنها ليست بالتسمية الصحيحة، لأننا أصبحنا مقيمين في هذا البلد، وأصبحت بلادنا وبلاد الأجيال المتعاقبة.
في بداية الأمر كانت إيطاليا لا تمنح الإقامة إلا لفئة محدودة جدا من المهاجرين، وانحصر ذلك في السفراء وأعضاء القنصليات ولبعض التجار وذوي المصالح الاقتصادية، وفي العام 1989 فتحت إيطاليا أبواب الإقامة للمهاجرين لحاجتها لليد العاملة بعدما سبقتها دول أوروبية أخرى في هذه الخطوة.
وأولى وفود المهاجرين المسلمين إلى إيطاليا كانت مكونة من شباب دون عائلاتهم، وبعد استقرار أوضاعهم ومع مرور الوقت جلبوا أسرهم ليستقروا معهم بالبلد، فارتفعت أعداد المسلمين ليقارب عددهم حاليا 3 ملايين من شتى الجنسيات ومن مناطق مختلفة من شمال أفريقيا والشرق الأوسط وشرق آسيا.
المركز الإسلامي الثقافي في ترينتو يقدم خدمات عامة للمسلم وغير المسلم، ومنها البحث عن عمل وعن السكن، وترجمة الوثائق، والوساطة الثقافية والدينية
وفي ظل الغربة وصعوبة الحياة، برزت الحاجة إلى المراكز الإسلامية والمساجد لتكون بمثابة أماكن لتعارف وتعاون أبناء الأقلية المسلمة في إيطاليا، ومثلما هناك صعوبات مرتبطة ببلاد المهجر، فإن ثمة فرصا للتعاون بين النخبة المسلمة وعموم المسلمين الموجودين في إيطاليا.
ويقدم المركز خدمات عامة للمسلم وغير المسلم، ومنها خدمة البحث عن عمل وعن السكن، وترجمة الوثائق، والوساطة الثقافية والدينية، التي يقصد بها التدخل عندما تقع خلافات داخل أماكن العمل في ترينتو بين رب العمل والعامل، وفي المدرسة، وداخل العائلة نفسها.
كيف يمارس المركز الوساطة الثقافية والدينية؟يمارس المركز هذه الوساطة من خلال إدارته والقائمين عليه بشكل عام، مثلا عندما تقع خلافات بين الآباء والأمهات من جهة وبين الأبناء من جهة أخرى، وبين الزوج والزوجة، وبين رب العمل والعامل، فيأتي أحد الطرفين ليطلب مساعدة المركز الإسلامي الثقافي، آنذاك نبذل جهدنا للمساهمة في حل الخلافات بطريقة أو بأخرى.
بعض الحالات رغم تدخلنا يكون مصيرها الفشل جراء تعنت أحد الطرفين، ولكن في الغالب الأعم يكون تدخل المركز مفيدا جدا وناجحا، لأنه سواء الطرف الإيطالي (رب العمل) أو الطرف المسلم (العامل) بحاجة إلى جهة يلجؤون إليها ليفهموا حقيقة بعض الأمور، فمثلا يسألنا رب العمل الإيطالي: هل الإسلام يقول كذا وكذا مثلما يقول هذا العامل المسلم؟
حبذا لو تقدم لنا نماذج ناجحة في الوساطة التي تقومون بها ويكون لها علاقة بالدين الإسلامي بين طرف مسيحي وآخر مسلم في ترينتو.أغلب الحالات تكون بين أصحاب العمل والعمال بحكم أن الطرف الأول لا يفهم طبيعة حياة المسلم، فمثلا عامل مسلم ملتزم نهاره في العمل لا يسمح له بأداء الصلوات في أوقاتها المحددة، فإذا شرح العامل لمشغله حاجته لوقت يؤدي فيه الصلوات الخمس، فقد يرى رب العمل في ذلك محاولة من العامل للتهرب من العمل، ولكننا يشرح المركز الإسلامي الثقافي لرب العمل أن ذلك من مقتضيات الدين الإسلامي، وأنه جزء لا يتجزأ من التدين.
وكذلك الأمر بالنسبة لحجاب المرأة المسلمة، فكم تعاني المسلمات في بلاد الغربة، إذ إن العديد من الناس هناك يرون في الحجاب مجرد عادة أو إجبار من الآباء أو الزوج، فيتدخل المركز ليبيّن ما ينص عليه الدين الإسلامي في هذا الباب، وفي كثير من الأحيان نجد تفهما لدى الطرف الإيطالي لهذه الخصوصية الدينية، بل إن بعض أرباب العمل الإيطاليين لما فهموا مقتضيات الإسلام في مسألة الصلاة، خصصوا قاعة للعمال المسلمين لكي يقيموا فيها هذه الشعيرة.
كيف هو الوضع في إيطاليا بشأن زي المسلمة، سواء الحجاب أو العباءة، مقارنة بما جرى في الفترة الأخيرة في فرنسا من تشديد للقوانين وقرارات الحكومة إزاء زي المسلمة؟الوضع في إيطاليا ولله الحمد مختلف تماما عما يجري في فرنسا، فليس ثمة أي تشدد من السلطات الإيطالية، فالقانون المحلي يقر بقرارات من رئاسة الوزراء ومن وزارة الداخلية بأن حجاب المرأة المسلمة جزء من دينها، ولذلك يسمح للمسلمة في الوثائق الرسمية مثل بطاقة الهوية وجواز السفر بارتداء الحجاب، الشرط الوحيد هو أن يكون الوجه واضحا.
والمشكلة لا تأتي من القانون الإيطالي ولكن من الناحية الاجتماعية وتقبل بعض الأطراف في إيطاليا، ومن بعض الموظفين الإيطاليين الذين لديهم تشدد، وعندما تذهب إليهم بعض النساء لتجديد بطاقات الهوية أو جوازات السفر يقولون لها اخلعي الحجاب.
وآنذاك نتدخل في المركز لنقول لهذا الموظف أو ذاك إن القانون الإيطالي يسمح للمرأة المسلمة وحتى لبعض الأقليات الدينية بأن يلبسن ما يفرض عليهن دينهن، شريطة احترام بعض المقتضيات القانونية مثل إظهار الوجه كاملا في الصورة عند إنجاز بعض المعاملات.
بخلاف ما يجري في فرنسا، ليس ثمة أي تشدد من السلطات الإيطالية تجاه الحجاب، فالقانون المحلي يقر بموجب قرارات من رئاسة الوزراء ووزارة الداخلية بأن حجاب المرأة المسلمة جزء من دينها
إذن جوهر مهمة مركزكم هو الحفاظ على الهوية الدينية الإسلامية واللغة العربية للمسلمين الموجودين في هذه المنطقة الإيطالية، فكيف تقومون بهذا الأمر؟أولا بالقيام بالأنشطة الدينية البحتة، ومنها إقامة الصلوات الخمس وصلاة الجمعة وصلاة العيد، وإحياء المناسبات الدينية والاجتماعية عندما يولد مولود أو يتوفى شخص ما، كما يحتضن المسجد الموجود في المركز الإسلامي الثقافي مناسبات أخرى مثل الأفراج والعقيقة، ويوثق عقود الزواج.
إضافة إلى ذلك، يهتم المركز باللغة العربية، فهو موضع قلق كبير لدينا، فهي لغة القرآن، فمن لا يجيد هذه اللغة يصعب عليها فهم النص القرآني، وأيضا اللغة مهمة لأنها وسيلة تواصل بين الأجيال الصاعدة من المهاجرين المسلمين في إيطاليا وبين أقاربهم في بلدان المنشأ.
وكم من الأطفال والشباب عندما يأتون من بلدانهم الأصلية يقولون: لا نريد العودة إلى تلك البلاد، وعندما نستفسر عن السبب يردون بأنهم لا يجيدون الحديث بالعربية ولا نتفاهم مع أجدادنا وأعمامنا وخالاتنا.
في المقابل، هناك صورة معاكسة، فالذين تعلموا اللغة العربية في المساجد من الطلاب والتلاميذ -ساعد في ذلك تعاون أسرهم- عندما يذهبون إلى بلدانهم الأصلية يرجعون منها وهم سعداء، لأنهم يتواصلون لغويا من أقاربهم وذويهم، بل إن النماذج التي وقفت عليها أن أحد الطلاب رجع واستقر في بلد عربي، وعندما دخل إلى إحدى المدارس هناك تفاجأ معلم العربية بمستواه اللغوي رغم أنه قادم من بلد أوروبي مثل إيطاليا، وعندما سأله المعلم عن السبب، قال له الطالب إنه تعلم العربية في المركز الإسلامي.
ونرى أن جهد تعليم العربية الذي يقوم به مركزنا، وكل المراكز الإسلامية في إيطاليا بدرجات متفاوتة، هو جهد مقدس، حيث يتم بذل تضحيات كبيرة بتوفير المعلمين المناسبين المتمرسين الذين نقيم لهم دورات تدريبية، وليس كما كان في الماضي بطريقة تطوعية عفوية.
كما أننا لم نعد نعتمد في تعليم العربية على مناهج دراسية تجلب من البلدان العربية كما كان الأمر في السابق، بل على مناهج يؤلفها كتاب يعيشون في دول أوروبية بحيث يكون المنهج مناسبا للبيئة الأوروبية للطلاب المسلمين.
ما أكثر الإشكاليات والصعوبات التي يتصدى لها المركز إلى جانب ملف الإسلاموفوبيا؟من أبرز الصعوبات والمشاكل الخطيرة التي تحدث ما يتعلق بالشباب والفئات الناشئة المسلمة في إيطاليا، ألا وهي تعرضهم للهجوم في الفضاءات الاجتماعية والتعليمية بغرض إفساد الفطرة لدى هؤلاء الشباب من الناحية الأخلاقية والدينية مثل الشذوذ الجنسي والإلحاد.
وهذا الأمر ينبع من كون هؤلاء الشباب المسلمين تفرض عليهم طبيعة الحياة في إيطاليا العيش أغلب الوقت مع الإيطاليين، سواء في المدارس أو الرحلات المدرسية، فإذا لم يكن أولياء الأمور على درجة من الوعي والثقافة والمعرفة العامة والدينية، والمعرفة بأصول التربية والعلاقة مع الأبناء، فإنه تحدث حالات مؤسفة للغاية.
ونحن بحاجة إلى خبراء في القضايا النفسية والدينية البحتة، رغم أنه يتوفر في الكثير من المراكز الإسلامية أئمة متخصصون في الشريعة ويساهمون بشكل كبير في هذه التوعية المطلوبة، ولقد أنشأ مؤخرا المعهد الإيطالي للعلوم الإسلامية والإنسانية مركزه في مدينة فيرونا، ولكن نشاطه يشمل عموم إيطاليا.
ما أبرز ملامج الهجمة المتعلقة بموجة الشذوذ والإلحاد؟ وما الذي يفعله المركز لمواجهتها؟من أخطر الجوانب المرتبطة بهذه القضية للأسف الشديد هو أنها أصبحت ضمن قوانين البلاد، فأحيانا تستطيع التعبير عن رأيك وما يقوله الدين الإسلامي في الأمر، ولكن أصبحت ثمة صعوبة كبيرة في اختيار الألفاظ المناسبة لشرح هذه الأمور لغير المسلمين وللشباب والفتيات في الأقلية المسلمة.
لذلك نحاول قدر الإمكان أن نتحالف ونتعاون مع شرائح طيّبة من المجتمع الإيطالي من غير المسلمين من المناهضين للشذوذ الجنسي ويبحثون عن استقرار الأمور الفطرية، فالعائلة مكونة من رجل وامرأة، والفطرة تنبذ الشذوذ.
من هي هذه الشرائح داخل إيطاليا التي تتحالفون معها لمواجهة هذه الموجة؟هي شرائح المتدينين المسيحيين، لأن المتدينين من كافة الأديان يناهضون عموما هذه الأفكار، إضافة إلى وجود فئة من الإيطاليين تدافع عن مبدأ الحرية الشخصية، وتقول إنه مثلما أقرت الدولة الشذوذ والإلحاد في قوانينها، فإنه من حق الآخرين المخالفين تبليغ ما لديهم من أفكار دينية أو شخصية أو ثقافية.
ومن أولئك الذين نتحالف معهم أساتذة جامعات وأطباء وعائلات يعارضون هذه التوجهات المتعلقة بالشذوذ.
فئة من الإيطاليين تدافع عن مبدأ الحرية الشخصية تقول إنه مثلما أقرت الدولة الإيطالية الشذوذ والإلحاد في قوانينها، فإنه من حق الآخرين المخالفين تبليغ ما لديهم من أفكار دينية أو ثقافية
رغم حاجة أوروبا للعمالة الشابة المهاجرة، فإن الدول الأوروبية، ومنها إيطاليا، لا تريد هذه الأفواج التي ترى فيها تدفقا عشوائيا، ويرى فيها البعض تهديدا لاستقرار بلدانهم، وبعضهم يرى فيها تهديدا للأصول المسيحية لأوروبا، فما رأيكم في هذه النظرة؟هذه نظرة غير واقعية، هي مصطنعة يستغلها اليمين المتطرف، لأن الواقع يقول إن هذه الأفواج لن تؤثر في كيان الدول الأوروبية، فمثلا يوجد فرنسا 6 ملايين مسلم منذ زمن بعيد ومع ذلك لم يتغير جوهر الدولة الفرنسية العلمانية.
وهذه النظرة السلبية نابعة من منظار تاريخي سيئ للعلاقة بينهم وبين الإسلام والمسلمين، وإذا أردوا حقا منع هذه الهجرة، فليكفوا شرهم عن الثروات والموارد الطبيعية في البلدان التي يأتي منها المهاجرون بحيث تستطيع دولهم النهوض بها.
الكثير من الخبراء الأوروبيين المنصفين يقولون نحن بحاجة إلى المهاجرين، ويضيفون لو توقفت الهجرة لأغلقت الكثير من المصانع والمزارع ولتعطل الاقتصاد، وذلك بسبب ارتفاع نسبة الشيخوخة وقلة المواليد.
وقد حاولت الدول الأوروبية تشجيع مواطنيها على الإنجاب بمختلف الأشكال، ولكنها فشلت في ذلك بسبب العقلية الأوروبية المادية.
اذكر لنا بعض الأمثلة المشرقة لمهاجرين مسلمين في ترينتو، والذين يقدمون صورة معاكسة للصورة السلبية عن المهاجرين لدى فئات من الإيطاليين.أود الحديث عن المرأة المسلمة لأن ثمة اتهامات لهذه المرأة وللإسلام بأحكام مسبقة، فهناك مسلمات قدمن صورة طبية في المجتمع المحلي في المدارس عن طريق إنجازاتهن كطالبات أو أساتذات أو معلمات، فثمة معلمة مسلمة تدرس العربية في جامعة حكومية بمدينة ترينتو.
وهناك العديد من معلمات اللغة العربية في مدارس إيطالية وناشطات في المنظمات الاجتماعية والتطوعية في المدينة، إضافة إلى ذلك عدد من المهاجرين الرجال الذين يسهمون في فرق الدفاع المدني والصليب الأحمر والمنظمات التطوعية، كل هؤلاء وأولئك يقدمون أعمالا وأنشطة تعليمية وتطوعية هي محل فخر لكل الأقلية المسلمة في ترينتو.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: المرکز الإسلامی الثقافی المراکز الإسلامیة الدول الأوروبیة المرأة المسلمة اللغة العربیة العربیة فی المسلمة فی فی المدینة فی إیطالیا فی ترینتو فی هذه عدد من
إقرأ أيضاً:
الغرف العربية: مركز عربي – صيني لدعم ريادة الأعمال والابتكار
كشف الدكتور خالد حنفي، أمين عام اتحاد الغرف العربية، خلال ترؤسه لجلسة بعنوان: "المناطق الصناعية الصينية – العربية"، بحضور شخصيات عربية وصينية رفيعة المستوى ووفود لعدد كبير من الدول العربية، وذلك ضمن أعمال المؤتمر العربي الصيني الحادي عشر الذي عقد في مقاطعة هاينان الصينية خلال الفترة 27-29 أبريل 2025، عن تبني فكرة إنشاء حدائق صناعية وتكنولوجية صينية-عربية مشتركة في الدول العربية، تتمتع بمواقع استراتيجية بالقرب من الموانئ والمراكز اللوجستية، وذلك على غرار ما تنفّذه شركة "تيدا" الصينية ضمن المنطقة الاقتصادية لقناة السويس في مصر. ونوه إلى أنّ هذه المبادرة ترتكز على احتضان المواهب العربية ودمجها مع الخبرات الصينية في مختلف المجالات، وتعتبر بمثابة البنية التحتية اللازمة لهذه الحدائق.
ونوّه الدكتور خالد حنفي إلى أنّه سيتم تخطيط هذه الحدائق بدقة متناهية، مع وضع خطة رئيسية شاملة لكل موقع، تضم مجموعة متنوعة من الوحدات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، مترابطة عبر نظام مدخلات ومخرجات، مما يعزز الروابط الأمامية والخلفية حيث سيتم ربط كل مجمع بغيره في المنطقة العربية والصين، مما يُنشئ شبكة تعاونية ترتكز كل مجمع على أربعة ركائز أساسية هي: وحدة التدريب والتطوير: تُركز على التأهيل الفني والتوجيه الثقافي لجميع العاملين في المجمع. وحدة استخبارات السوق: استخدام البيانات الضخمة والتحليلات لدراسة الأسواق الحالية والمستهدفة، وتحديد احتياجات السوق. وحدة البحث والتطوير: مُخصصة لتكييف المنتجات مع أسواق محددة وتشجيع الابتكار. وحدة التمويل: إجراء دراسات الجدوى المالية لتسهيل حصول جميع الوحدات داخل المجمع على التمويل.
وأوضح الدكتور خالد حنفي أنّ هذه الحدائق INDUSTRIAL PARK، ستكون بمثابة مشاريع عربية صينية مشتركة، مع وحدات صغيرة تعمل كحاضنات لتعاون رواد الأعمال والمبتكرين من كلا المنطقتين. ونوّه إلى أنّ "إنشاء هذه الحدائق وانتشارها في جميع أنحاء المنطقة العربية سيعزز بشكل كبير التجارة والاستثمار والتبادل المستدامين بين الدول العربية والصين. كما يمكن لهذه المبادرة أن تخفف من العديد من المخاطر المرتبطة بالحروب التجارية، وتسهل الدخول إلى أسواق جديدة. واقترح أن يلعب اتحاد الغرف العربية، بالتعاون مع شركائه، دورًا هامًا في دفع هذا المسعى العربي الصيني المشترك.
وقدّمت شركة "تيدا" عرضا عن المشروع الذي تطوّره في مصر منذ عام ٢٠٠٨، عبر مساحةً تزيد عن سبعة كيلومترات مربعة في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس. حيث تمّ إنجاز المرحلة الأولى من التطوير، التي تبلغ مساحتها حوالي ١.٣٤ كيلومتر مربع، ويتم العمل حاليًا على المرحلة الثانية التي تغطي مساحة ستة كيلومترات مربعة. وساهمت "تيدا" بشكل كبير في تعزيز الاقتصاد المصري من خلال الاستثمارات، وخلق فرص العمل (أكثر من ٧٠ ألف وظيفة)، وإيرادات المبيعات (أكثر من ٤.٦ مليار دولار بحلول أواخر عام ٢٠٢٤)، ومدفوعات الضرائب (أكثر من ٤٥٠ مليون دولار بحلول أواخر عام ٢٠٢٤).
مائدة مستديرة لمنظمات ترويج التجارة العربية الصينية
وألقى أمين عام الاتحاد الدكتور خالد حنفي كلمة في اجتماع المائدة المستديرة لمنظمات ترويج التجارة الصينية العربية، اعتبر فيها أنّ القطاع الخاص الصيني حقق في السنوات الأخيرة نجاحات كبيرة جدا، وأصبحت هناك نماذج صينية للقطاع الخاص لم تكن معروفة في السابقة، وأصبحت الآن الصين نقطة جاذبة ومحورية للتجارة الحرة والتعاون الدولي، وهذا أمر بارز وهام جدا، حيث باتت القيادة السياسية الصينية اليوم مع القطاع الخاص الصيني رغبة كبيرة جدا بتحرير التجارة والانفتاح على جميع دول العالم. ونحن في المنطقة العربية نؤمن تماما بحرية التجارة والانفتاح، خصوصا في ظل الدعوات العالمية اليوم للانفتاح لا الى الانغلاق، ومن هذا المنطلق فإننا نمد أيدينا إلى الصين وإلى القطاع الخاص الصيني لكي نقدم نموذجا جديدا يحتذى به في العمل العربي – الصيني المشترك.
وأكّد الدكتور خالد حنفي على أنّ المنطقة العربية هي رابع شريك تجاري بالنسبة إلى الصين بعد الولايات المتحدة ودول الآسيان والاتحاد الأوروبي. وكشف عن تجاوز حجم التبادل التجاري بين الجانبين العربي والصيني ٤٠٠ مليار دولار عام 2024، وهذا الرقم البارز والمركز جاء نتيجة ارتفاع حجم التبادل التجاري بنسبة ألف في المئة بالمقارنة مع ما كانت عليه قبل عقدين من الزمن. لافتا إلى أننا في العالم العربي جاهزون ومستعدون لزيادة هذا الرقم إلى مستوى أعلى وأكبر ليتجاوز 600 مليار دولار في السنوات القادمة، لنصبح الشريك التجاري الأول بالنسبة إلى الصين مثلما تعتبر الصين الشريك التجاري الاول بالنسبة الى العالم العربي.
ونوّه إلى أنّه من أجل تعزيز العلاقات لنصل إلى ما نطمح إليه، لا بدّ من اتباع نهج جديد في الفترة القادمة، خصوصا في ظل الظروف والمتغيّرات التي يشهدها العالم. معتبرا أنّ المنطقة العربية تشهد بدورها متغيّرات كبيرة وتتطور، وتعدّ المنطقة العربية في الوقت الراهن المورّد الرئيسي للطاقة إلى الصين، ولكن لا يجب أن نتوقّف عند هذا الحد بل علينا أن نتابع المسار، وذلك من خلال إنشاء على سبيل المثال حدائق تكنولوجية تكون بمثابة أساس صلب لاستمرار العمل والنجاح المشترك لشعوب المنطقة العربية والصين. وكذلك إنشاء مركز لريادة الأعمال لدعم رواد الأعمال والابتكار والاقتصاد البرتقالي.
وشدد على أنّ "القطاع الخاص العربي من خلال اتحاد الغرف العربية والذي أتشرّف بأني أمثله تغيّر تماما نحو الأفضل وأصبح هناك قصص نجاح كبيرة للقطاع الخاص العربي، وبالتالي يجب على القطاع الخاص الصيني أن يتنبّه إلى هذا الأمر وان يتحرّك بقوة وبسرعة من خلال الأسس التي نضعها من أجل احداث التغيير المنشود للطرفين، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ الـ 22 دولة عربية لها جميعها إطلالة ومنافذ وموانئ على البحار والمحيطات، وبالتالي يمكن لهذه الموانئ أن تنخرط في مبادرة الطريق والحزام وأن تكون نقاط محورية ومناطق لوجستية لتعزيز سلاسل القيم المضافة.
وقال إنّ الصين والبلدان العربية بمقورهم رسم ممرات جديدة للتجارة حول العالم وهذا أمر ليس خيالا بل يمكننا تحويله إلى شيء ملموس على أرض الواقع، حيث أطلقت الصين مؤتمر ومعرض سلاسل الإمداد، لذلك نعم نحن نستطيع أن نغيّر معا طرق سلاسل الإمداد التي كانت سائدة في السابق، وستكون المنطقة العربية بعدد سكان 450 مليون مواطن وبحجم ناتج محلي يفوق 4.5 تريليون دولار، شريكا كبيرا وهاما بالنسبة إلى الصين من خلال طاقاتها الشبابية وبقطاعها الخاص القوي والواعد وبالإرادة السياسية في المنطقة العربية التي تهتم بالتقارب مع الصين ومع القطاع الخاص الصيني الذي قدّم في السنوات الأخيرة نماذج مبهرة. وأيضا هاك إرادة سياسية لدى الجانب الصيني بالتقارب مع العالم العربي من خلال المحار الخمسة التي أطلقها الرئيس الصيني لتعزيز التعاون مع العالم العربي، ونحن في مبادرتنا نهتم بهذه المحار الخمسة ونأمل أن يكون هناك اهتمام على ذات الدرجة من الجانب الصيني.