هل تنجح واشنطن في كتم صوت جوليان أسانج إلى الأبد؟
تاريخ النشر: 20th, February 2024 GMT
وسط مخاوف متزايدة من نجاح الإدارة الأميركية في إجبار القضاء البريطاني على السماح بترحيل مؤسّس موقع ويكيليكس، الصحفي الاستقصائي جوليان أسانج، نحو الولايات المتحدة الأميركية، تستمر جهود منظمة العفو الدولية حتى آخر لحظة لإبطال تنفيذ هذه الخطوة.
حيث تعتبر الجلسة التي ستنعقد اليوم وغدًا في لندن، آخر فرصة منحها القضاء البريطاني للطعن في قرار ترحيل أسانج وإخضاعه لمحاكمة أميركيّة من المحتمل أن تبلغ عقوبتها 175 سنة سجنًا، على خلفية اتهامه بالتجسس ونشر وثائق سرّية أميركية.
وتحظى فصول محاكمة أسانج باهتمام بالغ من قبل الأوساط الحقوقية والإعلامية دوليًّا، نظرًا لرمزيتها وكونها تمثّل نبذة عن نوايا القوى الكبرى- وعلى رأسها الإدارة الأميركية- في كتم أصوات الصحافة الاستقصائية، التي تسعى لكشف الحقائق الصادمة والجرائم التي تقترفها الحكومات في حقّ الشعوب.
استبداد وازدواجيةوقد مثّل ما قام به أسانج بداية من سنة 2010، ثورةً في عالم الصحافة، من خلال نشره ملايين الوثائق التي كشفت ملفات فساد مالي فائقة الفظاعة، وعرّت الجرائم التي قامت بها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان مثالًا.
وتعكس قضية أسانج، بشكل واضح استبدادَ القرار الأميركي والكيل بمكيالين في التعامل مع مبدأ حرية التعبير والعمل الإعلامي الاستقصائي، حيث تبدو هذه الشعارات ممكنة ومُبهرة، ما دامت متعلقة بأي ملف يهمّ الدول الأخرى، ولا يقترب من سياسة واشنطن السّرية، لاسيما في موضوع الحروب، وتقويض الاستقرار في بعض البلدان، وتغذية النزاعات، وخلق الانقلابات والاستعمار المالي، وما إلى ذلك من جرائم تراها البشرية بالعين المجردة وأثبتها أسانج بالوثائق الرسمية.
وقد تساءل آتس غولبينار، المدير التنفيذي للحزب اليساري الألماني – والذي يعتبر أحد المنتفضين لنصرة أسانج – عن الجرأة التي يقترفها الموقف الأميركي في ملاحقة أسانج، والسعي للانتقام منه بأفظع الأشكال، والسكوت تمامًا عن المجرمين وعمّن سمح لهم باقتراف الجرائم دون خوف من العقاب، مثل "أولئك الجنود الذين رأيناهم بالصوت والصورة يقتلون بدم بارد مواطنين عراقيين عُزّلًا؟"، حسب قوله.
وعلى خطى الحزب اليساري الألمانيّ، أعربت أطراف عديدة عن مساندتها الحملةَ التي تقودها منظمة العفو الدولية منذ سنوات، حيث ناشدت الحكومة الأستراليَّة، القضاءَ البريطاني لترحيل أسانج إلى أستراليا، موطنه الأصلي، وقامت بلدية روما بمنح أسانج إقامة شرفية، في خطوة رمزية للتعبير عن تضامنها، وما إلى ذلك من مواقف عديدة من المنظمات الحقوقية المختلفة والشخصيات السياسية البارزة دوليًا.
معلومات صادمةوبعيدًا عن نتائج الجلسة- وتفاصيل الظلم الممنهج في قضية أسانج، من خلال إصرار الإدارة الأميركية على الانتقام من أسانج كفكرة للصحفي الجريء- من المهمّ عرض تطورات القضية على مدى السنوات الماضية، والتعرف على أسباب محاكمته في المملكة المتحدة.
شهد موقع ويكيليكس – كما ذكرنا سابقًا – شهرة لا مثيل لها في 2010 مع نشر ملايين الوثائق السرية التي تهم حكومات كثيرة، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، وأثارت جدلًا واسعًا في صفوف الأوساط الإعلامية الدولية.
وقد اكتسبت المعلومات المنشورة الصادمة، مصداقية لدى الجمهور؛ بفضل تنسيق الموقع مع فرق مختصة من بعض الصحف البارزة، على غرار نيويورك تايمز، والغارديان، وإلباييس، ولوموند، في عمليات التدقيق للمادة المنشورة.
وقد صادف أن أسانج كان في المملكة المتحدة سنة 2012، حين أطلق القضاء السويدي بشأنه أمرَ اعتقالٍ أوروبيًا، على خلفية تورطه في أربع قضايا "اغتصاب"، مزعومة.
وفي شهر أبريل/ نيسان من السنة نفسها، دشّن أسانج برنامجًا حواريًا له على قناة روسيا اليوم، بدأه بلقاء عن بُعد، مع الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، وبلقاء آخر مع رئيس الإكوادور وقتذاك، الزعيم اليساري رافاييل كورّيا.
غير أن تجربته التلفزيونية لم تكتمل؛ بسبب تحرّك المحكمة العليا في لندن على الفور، وإصدارها أمرًا نافذًا بترحيله إلى السويد. فما كان منه إلّا أن توجه إلى مقر السفارة الإكوادورية في لندن طالبًا اللجوء السياسي، وقد استجاب الرئيس كورّيا ووزير خارجيته ريكاردو باتينيو، بمنحه اللجوء على أمل نجاح الطعن في الأحكام الصادرة ضد أسانج من القضاء السويدي والبريطاني، ثم الأميركي.
غنيمة وقربانوقد اتسمت إقامة أسانج في مقر البعثة الإكوادورية في لندن، بظروف منحته صفة "المُدلّل"، وكان مقر البعثة من صيف 2012 حتى صيف 2017، قِبلة لأبرز الأسماء الإعلامية والحقوقية، وكان يتمتّع بممارسة عمله وهواياته بكل أريحية، حتى إنه أنجب من محاميته ستيلا موريس أسانج طفلَين أثناء إقامته هناك.
غير أن التطورات السياسية التي عاشتها الإكوادور بعد انتهاء الفترة الثانية لرئاسة كورّيا في 2017، عصفت بأحلام أسانج، وهدّدت أمنه. حيث إن الرئيس السابق كورّيا رشّح نائبه لينين مورينو لخلافته في المنصب، وفاز بفضل دعم الحاضنة الشعبية لحزبيهما.
لكن مورينو، الرئيس المنتخب وقتها، انقلب على سلفه بسرعة فائقة، وانتهى الأمر بإقصاء كورّيا وتصفيته قضائيًا بشكل حرمه حقوقَه السياسية وحتى عودته إلى بلده الذي غادره منذ 2017، والعيش حتى اليوم كلاجئ في بلجيكا.
أما ملف أسانج، فقد مثّل غنيمة للرئيس السابق مورينو، لتقديمه قربانًا لواشنطن من أجل التقرّب للإدارة الأميركية؛ بهدف ضمان هذه الأخيرة سلامتَه وحريته خلال توليه منصب الرئاسة وبعده، أسوة بمن سبقوه.
وقد تمّت التضحية بأسانج بشكل فعلي في أبريل/نيسان 2019، عندما صرّح الرئيس السابق لينين مورينو وقتها بتجريد أسانج من حق اللجوء في مقر البعثة؛ بسبب خرق هذا الأخير بنودَ الاتفاق بين الجانبين، حسب مزاعمه.
وبذلك أقدمت السلطات البريطانية على إخراج أسانج من مقر البعثة الإكوادورية في لندن والتوجه به إلى سجن شديد الحراسة في ضواحي العاصمة البريطانية.
عدوّ لدودأما الآن، وقد مضت أكثر من عشر سنوات على تأجيل قرار الاستجابة لطلب القضاء الأميركي الساعي إلى قرار ترحيل أسانج إلى هناك، واستنفاد فرص الاستئناف، فإن كابوس إسكاته إلى الأبد والانتقام منه قضائيًا، يبدو حقيقة قريبة.
أما الحقيقة الأكثر إيلامًا، فهي الرسالة التي تريد أن تبلغها الولايات المتحدة لمجال الصحافة بشكل عام، حسب الكاتبة الإسبانية سوليداد دياز، التي قالت في مقالها في صحيفة إلباييس يوم الأحد الماضي: "بهذا القرار، لن نحلم بأن تكشف الأقلام الصحفية- مستقبلًا – جرائم إسرائيل التي تجري أمام أعين العالم حاليًا؛ لأنّ هذه الأنظمة سوف تلاحق كل صحفي يسعى لكشف جرائمهم".
وتساءلت بلغة غاضبة عن حقيقة استهداف إسرائيل الفرقَ الصحفية بصواريخ مسيرة نحوهم قصدًا، وقتْلهم كل يوم على مرأى من الجميع، لتؤكِّد من جديد أن نشر الحقيقة، هو العدوّ اللدود للحكومات المُجرمة.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الولایات المتحدة مقر البعثة فی لندن
إقرأ أيضاً:
واشنطن تدرس نشر قوات في اليابان في حال حدوث أزمة مرتبطة بتايوان
سرايا - ذكرت وكالة الأنباء اليابانية كيودو، أن الولايات المتحدة الأميركية تخطط لسيناريوهات لنشر قوات عسكرية في اليابان والفيلبين في حال حدوث أزمة مرتبطة بتايوان.
وستُدمَج هذه السيناريوهات في خطة عمليات مشتركة أولية ستوضَع في كانون الأول/ ديسمبر وفقا لمصادر مطلعة على العلاقات اليابانية-الأميركية، حسبما ذكرت كيودو مساء الأحد.
وسيُنشر فوج من مشاة البحرية الأميركية مجهز بنظام صواريخ مدفعية عالي الحركة ومتعدد الإطلاق على طول جزر نانسي، وهي سلسلة جزر يابانية تمتد من الطرف الجنوبي من كيوشو إلى يوناغوني قرب تايوان.
وأضافت الوكالة أنه بمجرد أن يصبح احتمال نشوب أزمة تشمل تايوان وشيكا، سيتم إنشاء قواعد موقتة على جزر مأهولة.
ووفقا للمصدر نفسه، سيشارك الجيش الياباني بشكل أساسي في الدعم اللوجستي، خصوصا من خلال توفير وقود وذخيرة.
ورفضت السفارة الأميركية في مانيلا التعليق، في حين قالت السفارة الصينية في مانيلا إنها "أخذت علما" بالمعلومات التي أوردتها كيودو.
وتعمل الصين على تعزيز قدراتها العسكرية مع زيادة الضغط على تايوان التي تدعي أنها جزء من أراضيها.
وعززت واشنطن تحالفاتها في المنطقة وأثارت غضب بكين بنشرها المنتظم لسفن وطائرات مقاتلة في مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي.
تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا
طباعة المشاهدات: 536
1 - | ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. | 25-11-2024 10:21 AM سرايا |
لا يوجد تعليقات |
الرد على تعليق
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * | |
رمز التحقق : | تحديث الرمز أكتب الرمز : |
اضافة |
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2024
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...