استهدفت 3 تجمعات خلال شهرين.. مستوطنون يقودون الترحيل القسري للفلسطينيين بالضفة
تاريخ النشر: 21st, July 2023 GMT
الخليل- لأكثر من 6 عقود، قارعت 3 أسر فلسطينية جيش الاحتلال والمستوطنين جنوبي الضفة، لكن الشهور الأخيرة كانت الأكثر مرارة، وانتهت برحيلها مرتين.
منذ ما قبل قيام إسرائيل عام 1948، ورثت الأسر -من عائلة أبو عواد- العيش في الأرض ذات الملكية الخاصة في تجمع "ودادي" أقصى جنوبي الخليل بمحاذاة الخط الأخضر.
وبعد احتلال الضفة الغربية عام 1967، بدأت معاناة سكان التجمع، واشتدت مع إقامة عدة مستوطنات ثم الجدار العازل بعد عام 2003، وأخيرا بعد تشكيل حكومة متطرفة في إسرائيل أواخر 2022.
وصنفت اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل أراضي الضفة إلى: "أ" وتخضع لسيطرة فلسطينية وأغلبها مراكز المدن، و"ب" وتخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية ومدنية فلسطينية وهي في الغالب مراكز القرى والبلدات.
أما المنطقة "ج" والتي تشكل نحو 62%، فإنها تخضع لسيطرة إسرائيلية كاملة، ويحظر على الفلسطينيين البناء أو أي تغيير فيها.
ووفق معطيات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي المحتلة التابع للأمم المتحدة، يقطن نحو 300 ألف فلسطيني في 532 منطقة سكنية تقع بكاملها أو أجزاء منها ضمن المنطقة "ج"، إلى جانب نحو 400 مستوطن إسرائيلي يقيمون في 230 مستوطنة وبؤرة استيطانية.
منذ مطلع العام، اشتد الأذى بالعائلات الفلسطينية من قبل جيش الاحتلال والمستوطنين على حد سواء، وفق ما أفاد به صالح أبو عواد، أحد سكان التجمع في حديث للجزيرة نت.
وفي حين لاحق الجيش العائلات بالأوامر العسكرية ومنع البناء وإغلاق المراعي وإخطارات الهدم، أكمل المستوطنون المهمة بمطاردة السكان في المراعي وإتلاف مزروعاتهم البعلية من الحبوب ومداهمة مساكنهم والاعتداء عليهم وتخريب ممتلكاتهم، بل ومصادرة الأرض في محيطهم، حتى ضاقت عليهم السبل.
طوال تلك الفترة تقدم أبو عواد بشكاوى للشرطة الإسرائيلية، وأوكل محامين ومنظمات حقوقية للدفاع عنه، لكن دون جدوى.
يقول أبو عواد إن العائلات الثلاث -عائلته المكونة من 11 شخصا بينهم 8 أطفال، وعائلة شقيقه المكونة من 5 أفراد، وزوجة أبيه مع أبنائها الأربعة- لم تعد قادرة على تحمل الأذى فاتخذت الأحد الماضي قرارها الصعب وهو الرحيل.
يضيف أبو عواد (27 عاما) أن العائلات الثلاث توزعت داخل وفي محيط بلدته السموع، أما هو فانتقل إلى أرض خاصة بأقربائه في منطقة تسمى "واد العلالي" تبعد عدة كيلومترات.
لكن الأسوأ كان في انتظار صالح، فما هي إلا ساعات حتى داهمته الإدارة المدنية، إحدى أذرع الجيش الإسرائيلي، وأبلغته بأن عليه هدم الخيام وحظائر الأغنام والرحيل عن المنطقة في أقرب الآجال إلى داخل بلدة السموع.
على أبواب الترحيل الثاني في غضون أيام، هدم صالح الخيام والحظائر وبقي مع اثنين من أشقائه وزوجة أبيه في حيرة تحت أشعة الشمس الحارّة، سوى ظل خفيف لعربة جرار زراعي، بينما ذهب الأطفال إلى بيوت أقربائهم في السموع.
أما الأغنام وتعدادها بالعشرات، فلا تسمح الظروف منذ أيام بحلبها وتصنيعه، بل نفق عدد منها بسبب موجة حر غير معتادة تجتاح البلاد منذ أيام.
وفقد صالح والده منذ سنوات، بينما تعاني والدته من أمراض عديدة تكلفهم شهرين علاجا بآلاف الدولارات، ما يشكل عبئا آخر عليه وعلى أشقائه.
أما زينب، وهي زوجة والد صالح، فتمضي ساعاتها تحت أشعة الشمس على أمل أن تتدخل منظمات حقوقية ودولية لإبقائها في مكانها، قائلة "رحلونا أول مرة، والآن يريدون ترحيلنا مرة أخرى، كما ترانا لا نستطيع بناء شيء، تحت أشعة الشمس ولا يوجد ما يظلنا".
وبينما كان أبو عواد وأقرباؤه يسرحون بأغنامهم في نحو 6 آلاف دونم (الدونم ألف متر مربع)، فإن عددا من المستوطنات باتت تهيمن على تلك المساحة، منها شمعة وميتاريم ومناطق استيطانية صناعية وزراعية فضلا عن المجلس الإقليمي للمستوطنات.
الخارجية والمغتربين// سموتريتش يُسقط أية رهانات بشأن التزام الحكومة الإسرائيلية بحل الدولتين ووقف #الاستيطانhttps://t.co/kY0Qpwt0RL
— State of Palestine – MFA ???????????????? (@pmofa) July 19, 2023
تطهير عرقي وجريمة حرببدورها، قالت الخارجية الفلسطينية إنها تتابع ما يجري على الأرض من "تطهير عرقي"، وتتواصل مع العالم لمنعه.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال مستشار وزير الخارجية الفلسطيني للشؤون السياسية أحمد الديك، إن ما يجري للتجمعات الفلسطينية في المنطقة "ج"، جزء لا يتجزأ من عمليات "التطهير العرقي واسعة النطاق التي تعتبر -وفق القانون الدولي- جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية".
وأضاف الديك أن "الحكومة الإسرائيلية ماضية في عمليات الضم التدريجي الزاحف للضفة الغربية المحتلة خاصة القدس الشرقية والمنطقة المصنفة ج".
وذكر أن الخارجية الفلسطينية تتابع ما يجري "وترفع تقارير دورية للمحكمة الجنائية الدولية، ورسائل متطابقة بشكل أسبوعي تقريبا لجميع المسؤولين الأمميين: رئاسة مجلس الأمن، الجمعية العامة، مجلس حقوق الإنسان".
وطالب المسؤول الفلسطيني "المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته"، معربا عن أسفه لأن "المجتمع الدولي ما زال غارقا في ازدواجية معايير: ينتصر للقانون الدولي في منطقة من العالم وعندما تصل الأمور إلى دولة الاحتلال يَجبُن ولا يتحلى بالجرأة حتى في توجيه انتقاد، وإن صدر هذا الانتقاد لا يصل لمستوى الجرائم".
في بداية الأسبوع الجاري رحل نحو 20 شخصاً من سكان تجمع ودادي في جنوب تلال الخليل عن منازلهم في أعقاب اعتداءات المستوطنين المتكررة عليهم وإقامة بؤرة استيطانية بالقرب من موقع التجمع. > pic.twitter.com/RrN0VTS8nC
— B'Tselem בצלם بتسيلم (@btselem) July 18, 2023
مزيد من التهجير في الطريقوتجمُّع "ودادي" هو الثالث الذي يتم تهجيره تحت ضغط الاحتلال والمستوطنين في غضون شهرين، وفق منظمة بتسليم الحقوقية الإسرائيلية، التي أوضحت في بيان صحفي الثلاثاء أن "عشرات التجمعات الأخرى تواجه خطر التهجير".
ووفق المنظمة، فإن التجمعين الآخرين هما: عين سامية قرب رام الله والبقعة في الأغوار وسط وشمالي الضفة، فيما رُحل قبل عام قسرا تجمع رأس التين وسط الضفة.
ولفتت إلى أن "الحديث يجري هنا فعليا عن تهجير قسريّ يُعتبر جريمة حرب، لأن إسرائيل تفرض ظروفا معيشية لا تطاق على سكان هذه التجمعات، من بينها عدم ربطها بشبكات البنى التحتية، انعدام أي إمكانية للتطوير".
من جهته، قال مسؤول البحث الميداني في المؤسسة كريم جبران إن ترحيل تجمع ودادي ومن قبله ترحيل تجمعي عين سينية والبقعة "جاء نتيجة عنف المستوطنين الذين يمثلون ذراعا من أذرع الدولة (إسرائيل) التي استهدفت هذه التجمعات لسنوات طويلة".
وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف جبران "رغم الظروف الصعبة وقرارات الهدم وملاحقة السكان المستمرة صمد الناس، لكن وجود وإقامة بؤر رعوية استيطانية (مستوطنون تحولوا إلى رعاة أغنام) قرب التجمعات الفلسطينية وممارسات المستوطنين العنيفة أدت بمجموعات سكانية إلى الرحيل، خوفا على حياتها نتيجة الاستهداف المستمر".
وقال إن "حملات التطهير العرقي التي قام بها المستوطنون في أكثر من منطقة، تدفع المواطنين إلى التفكير بالرحيل نتيجة الظروف الصعبة"، مضيفا أن كل تجمع في المنطقة "ج" من الضفة سواء في الأغوار أو مسافر يطّا أو أريحا أو الخان الأحمر، بات مهددا بالترحيل.
ووصف جبران ما يجري بأنه "تهجير قسري لأن المستوطنين ذراع أخرى من أذرع الدولة، ينفذون سياساتها"، متابعا أن "عنف الدولة يمارس من خلال الهدم ومنع الخدمات، وعنف المستوطنين شكل من أشكال عنف الدولة ضد الفلسطينيين".
وأكد أنه "طالما بقي عنف المستوطنين والدولة، بالتأكيد سيكون هناك ترحيل وخطورة على كثير من التجمعات الفلسطينية".
في الأسبوع الماضي فقط قام طاقمنا بزيارة إلى تجمع ودادي وتوثيق حياة السكان هناك. وهذا الأسبوع، رحل سكان عن منازلهم خوفاً من اعتداءات المستوطنين. هذا هو التجمع الثالث الذي تنجح إسرائيل في تهجيره خلال الشهرين الأخيرين. عشرات التجمعات الأخرى تواجه خطر التهجير.
تصوير: فايز أبو رميلة pic.twitter.com/7BS3rHmQZq
— B'Tselem בצלם بتسيلم (@btselem) July 19, 2023
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ما یجری
إقرأ أيضاً:
الاستيطان في الضفة الغربية.. تعزيز السيطرة على الأرضي الفلسطينية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في خطوة جديدة ضمن سياسة الاستيطان المتسارعة، أقام المستوطنون بؤرة استيطانية جديدة على أراضي بلدة حوارة جنوب نابلس. ووفقًا للمعلومات الواردة، فقد بدأ المستوطنون منذ أكثر من شهر بتهيئة الأرض عبر التجريف، قبل أن يقوموا بنصب الخيام والبيوت البلاستيكية على قمة جبل رأس زيد في حوض زعترة.
هذه الخطوة تأتي في سياق أوسع، حيث تشير تقارير هيئة مقاومة الجدار والاستيطان إلى أن المستوطنين حاولوا خلال الشهر الماضي إقامة ثماني بؤر استيطانية جديدة، تركز معظمها على الزراعة والرعي، ما يعكس استراتيجيات استيطانية جديدة تهدف إلى إحكام السيطرة التدريجية على الأرض الفلسطينية.
اللافت في هذه السياسة الاستيطانية أنها لم تعد تعتمد فقط على قرارات الحكومة الإسرائيلية، بل بات المستوطنون أنفسهم يمهدون الأرض لخلق واقع جديد، ليأتي الدعم الحكومي لاحقًا في شكل تشريعات رسمية توفر لهم البنية التحتية والخدمات. هذه الاستراتيجية تُظهر تحولًا في نهج الاحتلال، حيث يُستخدم المستوطنون كأداة غير رسمية لتغيير الجغرافيا الفلسطينية قبل إضفاء الشرعية على ذلك عبر القوانين الإسرائيلية.
العدوان على غزة: استمرار المجازر وتفاقم الأزمة الإنسانية
تتواصل المأساة الإنسانية في قطاع غزة مع ارتفاع أعداد الشهداء إلى أكثر من 48,467 منذ بدء العدوان في 7 أكتوبر 2023، حيث تشكل النساء والأطفال النسبة الأكبر من الضحايا.
تشير التقارير الطبية إلى استمرار سقوط المزيد من الضحايا، حيث وصل خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية 9 شهداء إلى مستشفيات القطاع، بينهم 5 جثامين تم انتشالها من تحت الأنقاض و4 شهداء جدد، إضافة إلى 16 إصابة متفاوتة الخطورة.
هذا الارتفاع المستمر في أعداد الضحايا يعكس حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها سكان القطاع، خاصة في ظل استمرار القصف واستهداف المناطق المدنية. كما أن الدمار الذي لحق بالبنية التحتية والمرافق الصحية يزيد من تعقيد الأوضاع، مما يجعل تقديم الرعاية الصحية والإنسانية أكثر صعوبة.
في ظل هذا المشهد، تتزايد الدعوات الدولية لوقف العدوان، لكن على الأرض، يبدو أن إسرائيل ماضية في سياستها التدميرية دون اكتراث بالضغوط الخارجية، مستغلة التباينات السياسية الدولية وضعف الموقف العربي في ظل الأزمات الإقليمية الأخرى.
ملف الطاقة في فلسطين: تحديات الأسعار والتوجه نحو الطاقة المتجددة
في سياق اقتصادي مختلف، أقرّت الحكومة الفلسطينية زيادة على تعرفة الكهرباء، حيث سيتم رفع السعر بنسبة 19% مقارنة بالتعرفة السابقة، مع تحمل الحكومة 58% من هذه الزيادة، ما يعكس أزمة مالية متفاقمة تضطر الحكومة إلى التعامل معها عبر رفع الأسعار.
وفقًا لرئيس سلطة الطاقة أيمن إسماعيل، فإن أسعار الكهرباء في فلسطين متأثرة بشكل أساسي بكون 86% من الكهرباء مستوردة من إسرائيل، وهو ما يجعلها عرضة للتقلبات السعرية الخارجية. ومع ذلك، تحاول السلطة الفلسطينية الحد من هذا التأثير من خلال مشاريع للطاقة المتجددة، حيث تهدف إلى رفع نسبة الاعتماد على الطاقة الشمسية إلى 30% بحلول عام 2030.
تشمل هذه الجهود إنشاء محطتين للطاقة الكهربائية في جنين وليل، مع توقعات بأن تصبحا جاهزتين للعمل خلال العامين إلى الثلاثة أعوام المقبلة. كما تعمل السلطة على تشجيع القطاع الخاص والأفراد على الاستثمار في الطاقة الشمسية، عبر تقديم تسهيلات لتمويل أنظمة الطاقة الشمسية، خاصة للفئات ذات الدخل المحدود.
من جانب آخر، أُعلن عن منح تراخيص لمحطات تجارية كبيرة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية وبيعها مباشرة للمستهلكين أو البلديات، ما يُشكل خطوة مهمة نحو تقليل الاعتماد على الكهرباء المستوردة وتخفيف الضغط المالي على الحكومة.
واقع معقد
تكشف هذه القضايا الثلاث (الاستيطان في الضفة، العدوان على غزة، وأزمة الطاقة) عن واقع معقد يعيشه الفلسطينيون، حيث تتداخل الأبعاد السياسية والاقتصادية والإنسانية في مشهد واحد. فبينما تواصل إسرائيل استراتيجيتها في التوسع الاستيطاني لفرض واقع جديد على الأرض، تستمر في الوقت ذاته بحملتها العسكرية ضد غزة، مما يعمّق الأزمة الإنسانية والاقتصادية.
في ظل هذه الظروف، تبدو الجهود الفلسطينية منصبة على إيجاد حلول لتخفيف الأعباء، سواء عبر تعزيز مشاريع الطاقة المتجددة أو عبر محاولات تعزيز الصمود في مواجهة الضغوط الإسرائيلية المتزايدة. لكن يبقى السؤال الأهم: إلى أي مدى يمكن لهذه الجهود أن تصمد أمام التحديات المتزايدة، وما الدور الذي يمكن أن تلعبه الأطراف الدولية في تغيير هذا الواقع؟