ما موقع الدول العربية في حرب عالمية محتملة مقبلة؟
تاريخ النشر: 20th, February 2024 GMT
تزداد المخاوف يوما بعد يوم في ظل نزاعات دولية خطيرة: الحرب الروسية الأوكرانية، وتهديدات موسكو للغرب في حال توسيع حلف الناتو، وقبول عضوية دول تعارضها، ومخاوف مهاجمتها لدول البلطيق، والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ومضاعفاتها على المنطقة ككل، والمواجهة الإسرائيلية الأمريكية مع إيران لردعها عن امتلاك سلاح نووي، والصراعات في القرن الإفريقي، والسودان، واحتمالية اندلاع مواجهات على مستوى دولي بين حلف شمال الأطلسي وروسيا، أو الولايات المتحدة والصين بسبب جزيرة تايوان، والتهديد المستمر لكوريا الشمالية لجارتيها كوريا الجنوبية واليابان، والمواجهات الأذربيجانية الأرمنية، والباكستانية الهندية بسبب كشمير.
في ظل هذه التوترات الإقليمية والدولية، يعبر حلف شمال الأطلسي في مؤتمر ميونخ للأمن السنوي عن درجة عالية من التشاؤم في الدول الغربية إزاء آفاق أمنها وازدهارها.
التصريحات الصادرة عن مسؤولين دفاعيين في دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) تشير صراحة لتهديدات روسية ليست بالبعيدة. إذ كشف وزير الدفاع الدانماركي، ترويلز لوند بولسن، عن «معلومات جديدة» تفيد أن روسيا قد تشن هجوما على إحدى دول «الناتو» خلال 3 إلى 5 سنوات مما يهدد بنشوب صراع واسع النطاق حال حصول اعتداء روسي على أي دولة من الدول الـ 31 الأعضاء في الناتو، وشدد قائد الجيش الألماني الجنرال، كارستن بروير، على أهمية أن تكون قواته «مؤهلة لخوض حرب» في غضون 5 سنوات وإنها المرة الأولى منذ انتهاء الحرب الباردة تواجه فيها البلاد احتمال وقوع حرب يفرضها طرف خارجي.
وقال وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس في مؤتمر ميونيخ للأمن، إن بناء هيكل أمني أوروبي مشترك لم ينجح لأن الكرملين يسعى إلى استعادة سيطرته على شرق ووسط أوروبا مجدداً» وأشار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش :»حتى حقبة الحرب الباردة كانت – في بعض النواحي – أقل خطورة» مشيرًا إلى أن المخاطر النووية لاتزال قائمة» ودعا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي «الناتو» ينس ستولتنبرغ لأعضاء الحلف لزيادة إنفاقها العسكري وقال إن الأعضاء الأوروبيين وكندا أضافوا أكثر من 600 مليار دولار إلى إنفاقهم الدفاعي، ونشرت عدة مصادر غربية عن قيام روسيا بتطوير قدرات مضادة للأقمار الصناعية في الفضاء، وقال خبراء إن الولايات المتحدة لا تملك القدرة على مواجهة مثل هذا السلاح.
لا توجد حتى دولة عربية تمتلك مصنعا حربيا للأسلحة، وتعتمد على شراء الأسلحة وقطع الغيار من الدول الأخرى التي ستكون مشغولة عنها، فإن جيوشها ستكون في خطر حقيقي في حال اندلاع حرب
وتقول موسكو إن الولايات المتحدة تطور أيضا مجموعة من الأسلحة الجديدة. وتدور نقاشات حامية في ألمانيا وأوروبا لإنشاء درع نووي أوروبي.
وازدادت مخاوف الأوربيين بعد تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عندما أشار إلى أن الولايات المتحدة ربما لن تحمي أعضاء الحلف الذين لا ينفقون ما يكفي على الدفاع من غزو روسي محتمل، بل قال إنه سيحرض موسكو على مهاجمتهم، وعقب هذه التصريحات، قالت فرنسا إن أوروبا في حاجة إلى بوليصة «تأمين على الحياة» أخرى إضافة إلى الناتو لضمان أمن القارة.
ومن ناحية أخرى ينظر الغرب بعين الريبة والحذر من التحالف الدولي الذي تقوده روسيا (البريكس الذي يضم روسيا والصين، والهند، وجنوب إفريقيا، والبرازيل) وربما هذا التحالف سيلعب دور الاتحاد السوفييتي السابق نفسه في الحرب العالمية الثانية.
خلال الحرب العالمية الأولى كانت التحضيرات لزج العرب في هذه الحرب ضد السلطنة العثمانية تجري على قدم وساق، فدول الحلفاء التي كانت تخطط لإسقاط الإمبراطورية العثمانية كانت تخشى ثورة من مسلمي الهند (لم تكن باكستان قد انفصلت عن الهند) والدول العربية والانضمام للسلطنة مما قد يؤدي إلى انتصارها على الحلفاء (فرنسا وبريطانيا) فكان لابد من الاحتيال على العرب بالاتفاق مع أمير مكة الشريف حسين بن علي في مكة عبر مراسلات الحسين ـ مكماهون الشهيرة التي تعد الشريف حسين بإنشاء مملكة عربية شريطة الانضمام للحلفاء وطرد العثمانيين من البلاد العربية، وقد قام الشريف حسين بما سمي «بالثورة العربية الكبرى» وأرسل قوات عربية بقيادة الأمير فيصل لضرب القوات العثمانية، وهنا لابد من القول إن هذا الخطأ الاستراتيجي الفادح أدخل العالم العربي بأكمله في أزمات لا تنتهي خلال أكثر من قرن، ومن مخلفاتها الحرب على غزة حاليا، لأن الحلفاء نكصوا بوعودهم للشريف حسين وقاموا بنفيه إلى قبرص بعد الحرب يحمل في جيبه رسائل مكماهون، وقاموا بتنفيذ مؤامرتهم الكبرى في وعد بلفور، واتفاقية سايكس ـ بيكو، ومؤتمر سان ريمو الذي شرع للانتداب الفرنسي البريطاني فتم احتلال سوريا والعراق وفلسطين (والأردن حاليا) فلو بقي العرب إلى جانب تركيا وحرض الشريف حسين مسلمي العالم لنصرتها لربما تغيرت مجريات الحرب بأكملها، وفي أضعف الأحوال لربما لم يستطع الحلفاء تنفيذ كل مخططاتهم، وحافظ العرب على علاقات متينة مع تركيا الذين هم أحوج ما يكونوا إليها اليوم.
بطبيعة الحال لم يكن لدى العرب أي قرار بأيديهم قبيل الحرب العالمية الثانية لأن كل الدول العربية كانت محتلة (دول شمال إفريقيا محتلة من قبل فرنسا، دول الشرق الأوسط والسودان محتلة من قبل فرنسا وبريطانيا، دول الخليج العربي واليمن محتلة من قبل بريطانيا) ودخل أيضا العرب في معارك مع اليهود الصهاينة في فلسطين بعد أن استيقظوا من غفلتهم ووعوا هول المؤامرة التي تحاك لهم في أكبر عملية استعمار استيطاني في القرن العشرين، ورغم ذلك تحولت بلادهم لساحات حرب بين دول الحلفاء (أمريكا، بريطانيا، الاتحاد السوفييتي ) ودول المحور (ألمانيا وإيطاليا واليابان) بالإضافة إلى مقتل مئات الآلاف من العرب المجندين قسرا من قبل فرنسا (خاصة من بلاد شمال إفريقيا) على الحدود الألمانية الفرنسية في منطقة فيردان، ومقابرهم المنتشرة على أطراف هذه المدينة تشهد على ذلك. ورغم وقوف العرب مرة أخرى مع الحلفاء في حربهم (التي ليس لهم فيها لا ناقة ولا جمل) لم ينالوا استقلالهم إلا بعد ثورات عارمة راح ضحيتها الملايين من مواطني المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر والسودان وسوريا والعراق.
إذا ما نظرنا إلى القوى في منطقة الشرق الأوسط فإننا نجد حاليا أن هناك ثلاث دول مهيمنة تمتلك لقدرات عسكرية كبيرة: إسرائيل، تركيا، إيران. فإسرائيل الحليفة الأولى للولايات المتحدة، وتركيا عضو في حلف شمال الأطلسي وبالتالي فإنه من المستبعد أن تكون هناك أي مواجهة بينهما ولكن في حال وقوع الحرب فإنهما لاشك ستنخرطان فيها إلى جانب الحلف الأطلسي، أما الدول العربية فهي الطرف الأضعف في المنطقة إذا أخذنا كل دولة على حدة، ولا يوجد أي توقع لتكون مجتمعة في مواجهة أي اعتداء ومثال غزة ماثل أمامنا، ولا مصلحة لأي دولة في زج نفسها في هذه الحرب، ولكن ستكون بكل تأكيد مجددا مسرحا أيضا للحرب في حال اندلاعها فهي من ناحية مهيمن عليها من قبل إيران وروسيا وأمريكا التي تمتلك لقواعد بحرية وبرية فيها وميليشيات موالية لها، ولإسرائيل مطامع فيها وهي ستستغل الفرصة لتغيير الخريطة والقضاء على حلم الدولة الفلسطينية والتوسع جغرافيا، وضرب إيران وقدراتها النووية.
أما دول الخليج التي وضعت نفسها تحت حماية أمريكا فإن كل قواعدها التي ستستخدمها أمريكا ربما ستصبح أهدافا لإيران كما يحصل اليوم في سوريا والعراق، وبما أنه لا توجد حتى دولة عربية تمتلك مصنعا حربيا للأسلحة، وتعتمد على شراء الأسلحة وقطع الغيار من الدول الأخرى التي ستكون مشغولة عنها، فإن جيوشها ستكون في خطر حقيقي في حال اندلاع حرب بسبب نقص الإمدادات لأنها لن تستطيع الحصول عليها. ويبقى مستقبلها مرهونا بالدول المنتصرة في الحرب، ومع الطرف الذي تحالفت معه. وباختصار كوضعها في الحربين السابقتين اللتين كانتا وبالا عليها فإنها في الثالثة المحتملة أيضا لا تمتلك مفتاح أمنها ولا مصيرها.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الدول العربية الدول العربية الاسلحة حرب إقليمية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة حلف شمال الأطلسی الدول العربیة الشریف حسین من قبل فی حال
إقرأ أيضاً:
50 عاما على نهاية حرب فيتنام التي غيّرت أميركا والعالم
لم يكن 30 أبريل/نيسان 1975 يوما عاديا في التاريخ الفيتنامي، فقد انتصرت فيتنام الشمالية آنذاك، وأُعيد توحيد شطري البلاد بعد حربين مع إمبراطوريتين أودتا بحياة نحو مليوني فيتنامي، وفقدت فرنسا كامل نفوذها تقريبا بالمنطقة، بينما خسرت الولايات المتحدة -التي تورطت بعدها- نحو 58 ألف جندي و120 مليار دولار في الحرب التي باتت الأكثر "إذلالًا" في تاريخها.
وبدت حرب فيتنام -أو حروبها- بتشابكاتها الدولية والإقليمية تجسيدا لنظرية "الحرب التي تلد أخرى" في ظل صراع ساخن في بواكير الحرب الباردة. فقد أدت معركة ديان بيان فو (13مارس/آذار-7 مايو/أيار 1954) عمليا إلى نهاية الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية في منطقة الهند الصينية برمتها، وخسرت أيضا مستعمراتها الأخرى في أفريقيا بفعل صعود حركات التحرير التي تأثرت بالمقاومة الفيتنامية، وبمفاعيل "نظرية الدومينو" العسكرية والسياسية.
اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4كوارث بيئية لا تنسى.. "العامل البرتقالي" الأميركي بفيتنامlist 2 of 4الجزيرة نت في فيتنام.. احتفالات عارمة في "هو تشي منه" بخمسينية النصر والوحدةlist 3 of 4حرب فيتنام.. خمسينية النصر والوحدةlist 4 of 4هو شي منه قائد ثورة فيتنام ضد فرنسا وأميركاend of listكانت حرب فيتنام نتاج سنوات من مقاومة الاحتلال الفرنسي للبلاد (منذ عام 1883) ثم الغزو الياباني الذي انتهى بهزيمتها في الحرب العالمية الثانية، والمد الشيوعي في المنطقة وصراع الأيديولوجيات، ومحاولات تقسيم البلاد، وبلغت أوجها مع التدخل الأميركي العسكري المباشر لمحاولة صد التوغل الشيوعي السوفياتي الصيني.
إعلانوعمليا، لم تكن حرب الهند الصينية الأولى (بين عامي 1946 و1954) معركة الولايات المتحدة، لكنها كانت تمول فعليا نحو 78% من تكلفة تلك الحرب -وفق أوراق البنتاغون المنشورة عام 1971- وتقدم مساعدات عسكرية ولوجستية ضخمة لفرنسا، خوفا من التمدد الشيوعي وسيطرة الصين على المنطقة وصعود الاتحاد السوفياتي إذا هزمت القوات الفرنسية.
كما ناقش المسؤولون الأميركيون -تبعا لهواجسهم تلك- دعما إضافيا لفرنسا ضمن ما عرف بـ"عملية النسر" (Operation Vulture) وهي مقترح خطة عسكرية كبيرة، من أجل إسناد الفرنسيين في معركة ديان بيان فو، وضعها الرئيس دوايت آيزنهاور (حكم بين 1953 و1961) ومستشاروه.
وتضمنت العملية -اعتمادا على وثائق رفعت عنها السرية- قصفا مركزا ومكثفا مع احتمال استخدام قنابل ذرية اقترح تقديمها لفرنسا، وتدخلا بريا. لكن العملية لم تنفذ في النهاية وانسحبت فرنسا بخسائر فادحة، بعد توقيع اتفاقية جنيف للسلام في يوليو/تموز 1954 التي نصت على تقسيم فيتنام إلى شطرين، ولم توقع الولايات المتحدة وحكومة سايغون الموالية لها على الاتفاق رغم حضورهما. وبدأ التورط الأميركي العسكري تدريجيا لحماية النظام الموالي لها في فيتنام الجنوبية ومحاربة المد الشيوعي، إلى حد التدخل المباشر والمعلن عام 1963.
في منتصف عام 1968، وتحت ورطة الفشل في حرب فيتنام، اعتمد الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون (1969-1974) على مبدأ تحقيق "السلام بالقوة" عبر "المزيد من قاذفات بي 52" التي أوصاه بها وزير خارجيته هنري كيسنجر، مبتدعا ما سماها "نظرية الرجل المجنون".
ويكشف رئيس موظفي البيت الأبيض بوب هالدمان في مذكراته عام 1994 عن إستراتيجية الرئيس نيكسون لإنهاء حرب فيتنام التي أسرّ له بها قائلا "أنا أسميها نظرية الرجل المجنون، بوب.. سنرسل لهم رسالة مفادها يا إلهي، أنتم تعلمون أن نيكسون مهووس بالشيوعية لا يمكن كبح جماحه عندما يكون غاضبا ويده على الزر النووي.. سيصل هو شي منه (الزعيم الفيتنامي) بنفسه إلى باريس في غضون يومين ويطلب السلام".
إعلانوكتب هالدمان أن الرئيس نيكسون سعى إلى تنفيذ إستراتيجية التهديد باستخدام القوة المفرطة لتقويض خصومه، وإجبارهم على الاستسلام أو التسوية. وبهذه الطريقة، يصبح عدم يقين الفيتناميين بشأن الخطوات المستقبلية للزعيم "أداة إستراتيجية في حد ذاتها".
وفي 4 أبريل/نيسان 1972 قال نيكسون لهالدمان والمدعي العام جون ميتشل "لم يُقصف الأوغاد قط كما سيُقصفون هذه المرة" عند اتخاذه قرارا بشن ما أصبح يُعرف باسم عملية "لاينباكر التي مثلت تصعيدا هائلا في المجهود الحربي، الذي شمل قصف ميناء هايفونغ، وحصار ساحل فيتنام الشمالية، وحملة قصف جديدة ضخمة ضد هانوي.
ولا تثبت الوقائع التاريخية أن الزعيم الفيتنامي هو شي منه خضع لنظرية "الرجل المجنون" عندما تم توقيع اتفاق السلام في باريس يوم 23 يناير/كانون الثاني 1973، لكن الولايات المتحدة استخدمت قوة هائلة ومفرطة لمحاولة إخضاع الفيتناميين، وفكرت في استعمال السلاح النووي.
كانت نظرية "الرجل المجنون" تجسيدا للإحباط الذي أصاب الإدارة الأميركية من صمود المقاومة الفيتنامية والخسائر الفادحة في صفوف الجيش الأميركي، ومن حركة الرفض الواسعة للحرب في المجتمع الأميركي، واهتزاز الضمير العالمي من المشاهد المؤلمة للمجازر البشعة، سواء في مذبحة "ماي لاي" في 16 مارس/آذار 1968 التي قتل فيها 504 من المدنيين العزل، وغيرها من المجازر.
وفي المقابل، كانت نظرية الجنرال فو نغوين جياب قائد قوات قوات "الفيت منه"(رابطة استقلال فيتنام) تراوح بين خطتي "هجوم سريع.. نصر سريع" و"هجوم ثابت.. تقدم ثابت" واعتماد الحرب الشعبية وحروب العصابات الخاطفة واستنزاف العدو، حيث يقول في مذكراته "إن كل واحد من السكان جندي، وكل قرية حصن" وكانت نظريته أن حرب العصابات هي "حرب الجماهير العريضة في بلد متخلف اقتصاديا ضد جيش عدواني جيد التدريب".
بدأ التورط الأميركي عمليا في حرب فيتنام بعد خروج القوات الفرنسية، ومنذ عام 1961 أرسلت واشنطن 400 من الجنود والمستشارين لمساعدة حكومة سايغون الموالية في مواجهته قوة هو شي منه الشيوعية، ومع التوصيات بزيادة المساعدات استجاب الرئيس جون كينيدي. وبحلول عام 1962 زاد الوجود العسكري الأميركي في جنوب فيتنام إلى نحو 9 آلاف جندي.
إعلانومع بداية عهد الرئيس ليندون جونسون (1963-1969) -الذي منحه الكونغرس صلاحيات واسعة في الشؤون الحربية- بدأت القاذفات الأميركية تنفيذ عمليات قصف منتظمة على فيتنام الشمالية وقوات "الفيت- كونغ" (الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام). وفي مارس/آذار 1965، بدأ تدفق القوات الأميركية إلى فيتنام الشمالية، حتى وصل إلى 200 ألف عام 1966، ثم نحو 500 ألف في نوفمبر/تشرين الثاني 1967.
وكانت قوات الزعيم هو شي منه، وقائد العمليات الجنرال جياب، تعتمد على التكتيكات الحربية النوعية والهجمات الخاطفة والكمائن والأنفاق والحرب الطويلة الأمد كما كانت تعتمد على الإمدادات القادمة من كمبوديا ولاوس المجاورتين، وعلى الدعم النوعي الذي تتلقاه من الصين ومن الاتحاد السوفياتي، خصوصا منظومات الدفاع الجوي التي أسقطت عشرات قاذفات "بي-52". ومع بداية عام 1968 بلغت الخسائر الأميركية 15 ألف قتيل و109 آلاف جريح.
وفي المقابل، زادت الولايات المتحدة من وتيرة القصف الجوي العنيف واستعمال الأسلحة المحرمة دوليا مثل "النابالم" وما سمي "العامل البرتقالي" -الذي يحتوي على "الديوكسين" وهو أكثر تلك المبيدات ضررا وفتكا- على فيتنام ولاوس وكمبوديا، ومازالت آثاره البيئية الخطيرة قائمة.
لم تكن الخسائر البشرية لوحدها ذات التأثير الأكبر فيما اعتبر هزيمة أميركية عسكرية وأخلاقية في فيتنام، فقد مثلت تلك الحرب أول "حرب تلفزيونية" مع بروز سطوة التلفزيون والصورة، وكانت للتقارير الإعلامية عن المجازر في فيتنام ذات تأثير واسع في الرأي العالم الأميركي والعالمي وفي قرارات الإدارة الأميركية لاحقا، خصوصا صورة "طفلة النابالم" التي كانت تجري عارية بعد أن أسقطت طائرة أميركية مادة النابالم الحارقة على قريتها في 8 يونيو/حزيران 1972.
إعلانوفي 29 أبريل/نيسان 1975، ألقى الرئيس الأميركي جيرالد فورد (1974-1977) بيانا أعلن فيه إجلاء الموظفين الأميركيين من فيتنام قائلا "تعرض مطار سايغون لقصف صاروخي ومدفعي متواصل، وأُغلق بالكامل. تدهور الوضع العسكري في المنطقة بسرعة. لذلك، أمرتُ بإجلاء جميع الموظفين الأميركيين المتبقين في جنوب فيتنام" وكانت تلك نهاية الوجود الأميركي في هذه البلاد، ودخول قوات الجنرال جياب إلى المدينة اليوم التالي.
ولا تزال مجريات حرب فيتنام، بمآسيها وصمود مقاومتها وتوحيد شطريها، من بين أحداث العالم الفارقة خلال القرن العشرين، وواحدة من الحروب التي غيّرت وجه الولايات المتحدة والعالم بأبعادها العسكرية والسياسية وآثارها الإنسانية، كما باتت تكتيكاتها وأساليبها تدرس في الكليات العسكرية، وتتبعها حركات مقاومة أخرى حول العالم.
وبينما تحتفل بالذكرى الخمسين ليوم تحرير الجنوب وإعادة التوحيد الوطني، لم تعد مدينة سايغون (عاصمة فيتنام الجنوبية سابقا) -التي باتت تسمى هو شي منه نسبة إلى الزعيم الأسطوري لفيتنام- رهينة جراحات الماضي الأليم وأهواله، فقد تحولت على مدى الـ50 عاما الماضية إلى مدينة ناطحات سحاب براقة، وأعمال مزدهرة ومركز صناعي حيوي ونقطة جذب سياحية عالمية.