الخليج الجديد:
2024-07-02@09:59:07 GMT

الغرب في امتحان أخلاقي

تاريخ النشر: 20th, February 2024 GMT

الغرب في امتحان أخلاقي

الغرب في امتحان أخلاقي

وضَع الغرب القوانين الدولية وفرضَها على العالم بالسّلاح والعقوبات وأَلْزَم البشريّة بها خاصّةً منذ انتهاء الحرب العالميّة الثّانية وميلاد الأمم المتّحدة.

وضعتْ حربُ غزّةَ منظومات الغرب أمام امتحانٍ أخلاقي لا سابقَ له في الشّدّة والعُسر، بما في ذلك الامتحان الذي وضعتها فيه الحربُ الناشبة بين روسيا وأوكرانيا.

امتُحِن كلُّ شيء في رصيد الغرب في هذه الحرب الشّنعاء: سياساتُ دُوله، منظوماتُه الثّقافيّة والأخلاقيّة، معاييرُه، نظرتُه لنفسه ولغيره، علاقاته بمن يختلف عنه في المرجعيّات..

ينبغي أن تُلْجَمَ الغرائزُ العدوانيّة في الحروب بإخضاعها لضوابط صارمة تَحُدّ من نتائجها على مَن تقع عليهم. وكانت الضّوابط في حكم «قوانين» الحرب و«أخلاقها» التي على الجميع التزامُها.

في مجلس الأمن يمتنع الغرب عن التّصويت لصالح قرار وقف الحرب أو يترك لسيّده الأمريكيّ استخدام حقّ النّقض! فأيّ فشلٍ ذريعٍ هذا الذي تعرَّض له الغرب في هذا الامتحان الأخلاقيّ الذي جرّتْهُ إليه غزّة؟

* * *

وضعتْ حربُ غزّةَ منظومات الغرب أمام امتحانٍ أخلاقي لا سابقَ له في الشّدّة والعُسر، بما في ذلك الامتحان الذي وضعتها فيه الحربُ الناشبة بين روسيا وأوكرانيا؛ والذي كان، هو نفسُه، استثنائيّاً في ما انطوى عليه من مفارقات صارخة.

كلُّ شيء في رصيد الغرب امتُحِن في هذه الحرب الشّنعاء المستمرّة منذ أربعة أشهرٍ ونصف: سياساتُ دُوله، منظوماتُه الثّقافيّة والأخلاقيّة، معاييرُه، نظرتُه إلى نفسه وإلى غيره، علاقاته بمن يختلف عنه في المرجعيّات...إلخ.

واليوم، ما من أحدٍ في العالم - نزيهاً كان أو مفتقراً إلى النّزاهة - لا يعترف بالقدر الكبير من النّزيف المعنويّ والأخلاقيّ الذي عَرَّض الغرب صورتَه له، نتيجة ما أَقْدَم عليه وسار فيه من سياساتٍ فشلت في تسويغ شرعيّتها الأخلاقيّة، حتّى لم يتبقَّ لها ما تتوسّله من شرعيّةٍ لها سوى شرعيّة القوّة؛ وهي في ثقافة العقل وقيمها الأخلاقيّة «شرعيّة» باطلة.

نعم، في عداد المستَبْدَهات أن نقول إنّ الحربَ، في حدّ ذاتها، فعْل باطل أخلاقيّاً لأنّه من أفعال القوّة والعدوان التي لا تكون نتائجها سوى تقويض الوجود وانتهاك الأقدسِ فيه: الحقُّ في الحياة، والحقُّ في سلامة الأبدان والنّفوس، والحقُّ في السِّلم والأمن.

وهي إلى بطلانها الأخلاقيّ، فاعليّة تُطْلِق في الإنسان كلَّ ما هو حيوانيّ ووحشيٌّ افتراسيّ من الغرائز البهيميّة؛ تلك التي سعتِ التّربية والأخلاق والدّين والدّولة، عبر التّاريخ، إلى الحدّ منها ومحاصرتها بالنّواهي والزّواجر، من طريق تهذيب الإنسان أو ترويضه على تعطيلِ فعاليّةِ الحيوانيّ فيه، وأنْسَنتِه وأَخْلَقةِ أفعاله (إضفاء الطّابع الأخلاقيّ عليها).

قلنا إنّه من المستَبْدَه أن يُنْظر إلى الحرب هكذا إنْ هي قُرِئَت من زاوية فلسفة الأخلاق. ولكن لمّا كانتِ الحروب قرينةَ الصّلة بالمصالح؛ أي لمّا كانت الأخيرة هي ما يدعو إليها ويستدعيها؛ ولمّا كانت المصالح متضاربة ويحْمِل تناقُضُها على الصّراع؛ ولمّا كان من المستحيل أن نتخيّل عالماً خالياً من الحروب - لاستحالة خُلوّه من المصالح - كان لا مهْرب للبشر منها.

لكن كان ينبغي، في الوقت عينِه، أن تُلْجَمَ الغرائزُ العدوانيّة فيها من طريق إخضاعها لضوابط صارمة تَحُدّ من خطورة نتائجها على مَن تقع عليهم. ولقد كانت تلك الضّوابط في حكم «قوانين» الحرب و«أخلاقها» التي على الجميع التزامُها وعدم نقضها.

لم يكن المغلوبون من شعوب الجنوب وأُممِه ودوله مَن وضَع تلك القوانين وفرضَها على العالم بقوّة القانون الدّوليّ، وبقوّة السّلاح والعقوبات، وإنّما كان الغالب (الغرب) هو من فَعَل ذلك وأَلْزَم البشريّة به؛ خاصّةً منذ انتهاء الحرب العالميّة الثّانية وميلاد منظومة الأمم المتّحدة.

والحقّ أنّ الغرب لم يكن نزيهاً في تطبيق الاتّفاقيّات المتعلّقة بالأسلحة المحظور استخدامها في الحروب، أو المتعلّقة بمنع استخدام وسائل القتل الأخرى من تجويعٍ وتعطيش وتدميرٍ لأسُس الحياة وحرمانٍ من الحقّ في العلاج، أو المتعلّقة، إجمالاً، بحماية المدنيّين في أوقات الحرب...إلخ.

ظلّ يمارسها بانتقائيّة وفي مرّاتٍ عدّة، بازدواجيّة صارخة؛ فكنّا نراه، مثلاً، يقيم الدّنيا ولا يُقْعدها إنْ خالفت روسيا قاعدةً صغيرة من قواعد تلك الاتّفاقات في عمليّتها الخاصّة ضدّ أوكرانيا، فيما كان يرخّص لنفسه أن ينتهكها جميعاً في حروبه في كوريا وڤيتنام والعراق والصّومال وأفغانستان من غير أن يرفّ له جفن!

مع ذلك، لم يبلُغ نقضُه لكلّ تلك «القوانين» الحدّ الأقصى الذي سيبلغه، اليوم، في هذه الحرب الإسرائيليّة المفتوحة على غزّة: التي لم يقفِ الغربُ منها موقف المتفرّج اللاّمبالي فحسب، بل موقف المشارِك في فصولها الدّمويّة: بالمشاركة والدّعم والإسناد، أو بالتّأييد، أو بالصّمت على الجرائم!

ها هو الغرب يرى، اليوم، كيف تُنْتَهك قوانينُ الحرب وجملةُ القوانين الدّوليّة الإنسانيّة في العدوان على غزّة! يرى كيف تُلْقَى حُمَم الموت من الطّائرات والبوارج والمدافع على المدن والأحياء فتمزّق أحشاء الأطفال والنّساء ويُدْفَن الآلاف منهم تحت الأنقاض من دون رحمة؛

وكيف تُدَمّر المستشفيات والمدارس والمخابز وملاجئ الأونروا ودور العبادة بمن فيها من النّازحين إليها؛ وكيف تُلاحَق قوافل النّازحين وتُقْصَف في طريقها بحثاً عن الملاذ الآمن؛ كيف تُقْصَف طواقم الإسعاف وتُمْنع، بقوّة النّار، من أداء واجبها، وكيف يُغْتَال الصّحفيّون والإعلاميّون الذين يُغطّون أحداث الحرب ويُنْتَقم من عائلاتهم؛

وكيف يُفْرض الحصار الخانق على مليونين وربعٍ من البشر في القطاع فيُقطع عنهم الماء والكهرباء والدّواء والاتّصال، وتُمْنَع شاحنات المساعدات من دخول القطاع... إلخ!

يرى الغرب ذلك كلّه ولا يحرِّك ساكناً. وحين يهرع من يهرع إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار بوقف الحرب، يمتنع عن التّصويت لصالح القرار أو يترك لسيّده الأمريكيّ أن يُسقطه باستخدام حقّ النّقض! فأيّ فشلٍ ذريعٍ هذا الفشل الذي تعرَّض له الغرب في هكذا امتحان أخلاقيّ جسيم جرّتْهُ إليه غزّة؟

*د. عبد الإله بلقزيز كاتب وأكاديمي مغربي

المصدر | الخليج

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الحصار أونروا النازحين الغرب غزة امتحان أخلاقي قوانين الحرب حرب غزة حق النقض وقف الحرب الأخلاقی ة الغرب فی

إقرأ أيضاً:

من الذي يبث التوتر داخل الأردن؟

من الذي يبث التوتر داخل الأردن؟ _ #ماهر_أبوطير

تجالس كثرة من مستويات مختلفة، وتسمع من يقول لك إن #الأردن تعرض لتوتير مضاعف على يد نخب سياسية وإعلامية واجتماعية وشعبية بالغت في سياق #الموقف من #الحرب.

يزعم هؤلاء أن المبالغة أدت إلى انجماد الداخل الأردني، لأن ردود الفعل على الحرب تتحدث منذ بدايتها عن حرب ممتدة، وحرب إقليمية، وتهجير من الضفة الغربية، وعن انهيار كل المنطقة، ويؤشر هؤلاء إلى محتوى سياسي، ومفردات ومصطلحات تم استعمالها، وتسييلها شعبيا، ويؤشر هؤلاء بالإضافة إلى ما سبق إلى تأثير الصور المؤلمة التي تتدفق من #غزة عبر التلفزة، ووسائل التواصل، بما أدى اليوم إلى حالة انجماد وتوتر وخوف وقلق وشعور بعدم اليقين بشأن المستقبل، وبحيث التقت موجات التخويف وفقا لتعبيرات هؤلاء مع واقع الحال الذي نراه أصلا داخل غزة، وبما يتزامن مع تصرفات الاحتلال الإسرائيلي وتهديداته لكل المنطقة.

اعتقد بصراحة ان توتر الداخل الأردني لم يكن مصنوعا داخل المختبرات المعتمة، ولا بهدف وظيفي لاستيعاب رد الفعل الشعبي، واستباقه، ولا بهدف إثارة الذعر، وضبط إيقاع الداخل ضمن سياقات محددة، ولا إنزلاقا في لعبة مزاودات بين من هو أعلى سقفا من الجانب الرسمي، أو الجانب الشعبي أو من يتوسطهما، ولا اعتقد أيضا أن المشهد كان قائما على أساس منافسة بين الرسميين وقوى شعبية ترفع شعارات المقاومة، ودعم قطاع غزة، تريد “اختطاف الشارع” وفقا لأراء مسمومة يبثها بعض العباقرة هنا، دون إدراك للأسف لكلف الكلام وتأثيراته الإستراتيجية.

مقالات ذات صلة فاتورة الكهرباء المرتبطة بالزمن بين المزود ودافع الثمن 2024/07/01

المشهد بحد ذاته كان متوترا جدا بطبيعته، والتعبيرات الحادة التي سمعناها بداية الحرب كانت طبيعية، وربما كان المطلوب أكثر من ذلك، أي إجراءات فعلية ضد إسرائيل، حتى لا نبقى هنا ندور حول انفسنا بشأن سقوف حروب الكلام وتأثيراتها على الداخل الأردني، ومن جهة ثانية فإن التعبيرات الغاضبة كانت طبيعية لان المذبحة لا يمكن السكوت عليها، كما أن تأثيرات الحرب المحتملة والممتدة والتي يتم الحديث عنها مرارا، ليست مجرد توهم، والاخطار حقيقية على الأردن أمام جنون المشروع الإسرائيلي، ومساحات تمدد هذا المشروع إستراتيجيا، إذا تمكنت إسرائيل من ذلك، على مستوى الأردن، ودول المشرق، مرورا بالضفة الغربية والقدس.

هذا يقول ان لا توتير متعمداً للداخل الأردني، والخطاب السياسي والإعلامي لو انخفضت مستوياته التي رأيناها في بداية الازمة، لكانت تلك لحظات سيئة للغاية، مع الإقرار هنا أن التعبيرات السياسية والإعلامية والحزبية والشعبية في الأردن بشكل عام أعلى من دول عربية وإسلامية، مع الاعتراف أيضا أن سقف التعبيرات عاد وانخفض بعد مرور كل هذه الأشهر رسميا وشعبيا، ولاعتبارات تتعلق بحسابات ليس هنا محل سردها، ولان الحرب للأسف الشديد باتت مستدامة، ولان هناك بالمقابل آراء لقوى نافذة ومؤثرة تبنت فكرة خفض حدة التعبيرات، تحوطا من قضايا محددة، بعضها يتعلق بالداخل الأردني وخريطته المعقدة جدا، أو بسبب علاقات الأردن الخارجية، والتقييمات التي قد لا تحتمل استمرار مثل هذا السقف في الخطاب.

الذين يقولون إن الأردن أخطأ بتوتير الداخل الأردني بكل السقوف المرتفعة بدايات الحرب، يريدون أن يقولوا فعليا، إن هذا التوتير هو الذي أدى إلى الانجماد والانكماش والتراجعات المعنوية والاقتصادية، وان فك هذا الانجماد لا يتم اليوم، ولا ينجح بسبب هذا التوتير.

الداخل الأردني متوتر أصلا بسبب كل ما يراه يوميا، وبسبب الضخ الإعلامي الهائل الذي يتدفق على بيوت الأردنيين من جهات الأرض، وإذا كان البعض يعتقد أن خفض حدة الخطاب السياسي والإعلامي والحزبي والشعبي يساهم في تهدئة الداخل، واسترداد عافيته العامة، فإن نقطة الضعف في هذا التصور تتعلق بما يجري خارج حدود الأردن من تداعيات يومية لا يمكن عزلها عنا، ولا يمكن أصلا التحكم في تأثيرها المعنوي والاقتصادي والاجتماعي.

الذي يوتر أعصاب الأردنيين حقا هو إسرائيل ومشروعها وهذه الجرائم، حتى لو سكت الرسميون والشعبيون معا، ومن يتوسطهما من قوى، هذا فوق ضغوطات الحياة التي يواجهها الناس حتى قبل الحرب، حتى لا يأتي من يقول إن الأمور كانت سمن على عسل قبل الحرب.

الغد

مقالات مشابهة

  • من الذي يبث التوتر داخل الأردن؟
  • كيف تحولت غزة إلى أكبر فشل أخلاقي وسياسي لبايدن.. ما علاقة نتنياهو؟
  • لسبب غير أخلاقي.. إنجلترا قد تفقد بيلينجهام في يورو 2024
  • ورطة الكيان الصهيوني بغزة
  • الرئيس الصربي يحذر: الحرب بين الفصائل اللبنانية وإسرائيل ستجر الغرب والشرق لصراع عالمي
  • باحث: الإرهابيون يقيمون في أوروبا باعتبارهم لاجئيين ويحصلون على رواتب
  • الرئيس الصربي يحذر: الحرب بين حزب الله وإسرائيل ستجر الغرب والشرق لصراع عالمي
  • الصباح يؤكد أهمية تطبيق الهيكل الأخلاقي للذكاء الاصطناعي بكافة مناحي الحياة
  • فوتشيتش: الغرب يستعد لصراع مسلح كبير
  • حربٌ في لبنان وأسئلة حول سعة نيرانها