الشعب المصري شعب مثير للجدل والإعجاب في آن واحد يجمع بين عدة متناقضات، شعب بسيط لكنه صاحب حضارة، متدين لكنه خفيف الظل، متسامح طيب لكنه لا ينسي الإساءة، ورغم أزماته الاقتصادية مضياف كريم تسمع منه دائما جملة أتفضل معانا، يتقاسم لقمة العيش مع جاره الذي يجاوره في الشارع أو في الوطن أو حتي في الحدود الجغرافية ، هو شعب خارج حدود التوقعات ويسير عكس المنطق.
المصري شخصية متفردة لم ولن تتكرر مساراته، فهل هو المخزون الحضاري الذي انعكس علي مكوناته ، أم التاريخ الأصيل للشخصية المصرية الذي أرتكز علي حضارات مختلفة تنوعت بين فرعونية ، قبطية ، اسلامية ، متوسطية ، فكونت قاعدة ثرية التفاصيل ، ورغم تأرجحها بين هبوط وصعود ولكنها ظلت محتفظة بخصوصية متفردة علي امتداد التاريخ ، فتاصلت في صور ذهنية وتطابقت بنسخ متوراثة عبر أجيال.
وعم ربيع بائع البرتقال البسيط حاله، العظيم في إنسانيته الذي يفترش الأرض لكسب قوت يومه بالكاد ، ما هو الإ واحد من هذة النسخ الأصيلة والذي تم تدوال فيديو له عبر مواقع التواصل الاجتماعي ،وهو يقذف بالبرتقال الذي لايمتلك غيره فوق السيارات المحملة بالمساعدات الإنسانية إلي أهالي غزة ، ولو كان يملك أكثر من ذلك لقدمه.
هذا الرجل الشهم ما هو الإ نموذج لملايين المصريين الذين أستقبلوا خلال السنوات القليلة الماضية ، دون ضجر أو كلل ، ملايين السوريين والليبين واليمنيين والعراقين والسودانيين ليتقاسموا لقمة العيش معهم رغم صعوبة الأحوال المعيشية .
حالة تطابقت مع حال الدولة المصرية التي قدمت حتي الأن ما يقرب من 80% من إجمالي المساعدات الإنسانية المقدمة إلي قطاع غزة رغم التحديات الصعبة .
والمصريون بجيناتهم الحضارية المتصلة الحلقات إن خفت بريقها لكنه لا ينتهي ، فمصر بملامح الأم الكبيرة العطوف التي تمنح و تعطي ولا تنتظر المقابل , هي الحصن الحصين لكل من يحتمي بها وعطاء بلا حدود.
لذلك شكلت مصر بملامحها الجميلة الآثرة صورة أستثنائية فريدة ، كلمة السر في قلب كل محب وعاشق لها مفتونا بها ، فمصر علي الخريطة الجغرافية بقعة خاصة جدا لكل من ولد وعاش علي أرضها ، و عشق من نوع خاص لايستطيع أحد أن يفك طلاسمه.
أنها مصر الكبيرة البهية التي يسري حبها سريان الدم في العروق مسيرين غير مخيرين، وستظل أرض الكنانة هي قلب الأمـة العربية التي لا تنحني مهما عصفت بها الرياح , وتبقي شامخة عالية رغم الأزمات باسمة رغم ما مر بها من محن , كريمة رغم عسرها . أنها مصر وهم المصريون .
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
منال الشرقاوي تكتب: من «صباح الخير» إلى «أشغال شقة»
«صباح الخير يا زوجتي العزيزة»، فيلم مصري أُنتج عام 1969،لكنه ليس بتلك البساطة التي يوحي بها عنوانه، فخلف الضحكات والمواقف العائلية، تتدفق قصة محكمة البناء تُبرز تعقيدات العلاقات الإنسانية والتحديات الصغيرة التي تُعيد تشكيل ملامح الحياة الزوجية.
بأسلوب يعتمد على تصوير اللحظات الحقيقية والمواقف الواقعية، يأخذنا الفيلم في مسار يمزج بين الطرافة والرسائل الاجتماعية التي تتجاوز السطحية.
يتميز الفيلم بكتابة تُبرز التوازن بين الكوميديا والدراما، حيث يبدأ بسرد بسيط لحياة الزوجين سامية (نيللي) وحسن (صلاح ذو الفقار).
الفيلم يستعرض الصراعات الزوجية بطريقة واقعية وبعيدة عن التصنع، ما يجعل المشاهد يتماهى مع الشخصيات ومشكلاتهم.
تصاعد الأحداث حين يرزق الزوجان بمولود جديد، يكشف عن مهارة النص في تقديم نقاط تحول درامية تُضيف أبعادًا عميقة إلى القصة.
نجح المخرج "عبد المنعم شكري" في تحويل سيناريو "سامي أمين" إلى تجربة بصرية واقعية تجسد أبعاد الحياة الزوجية وصراعاتها الداخلية.
استخدم شكري أسلوب التأطير الضيق في المشاهد الداخلية للمنزل، ليعكس الاختناق الذي يشعر به الزوج نتيجة تدخل والدة الزوجة. الإيقاع السردي للفيلم جاء متوازنًا، حيث اعتمد على التوليف الإيقاعي في المشاهد اليومية لتكثيف الصراعات، مما جعل التوتر يتصاعد بشكل طبيعي -دون مبالغة- أو تعجل.
قدم صلاح ذو الفقار أداءً استثنائيًا جسد فيه ببراعة الصراع النفسي للزوج بين الحفاظ على استقرار منزله ومواجهة الضغوط الخارجية المتزايدة.
اعتمد على لغة الجسد والتعبير الصامت لنقل مشاعر الإحباط والقلق دون أي مبالغة، مما أضاف لشخصيته عمقًا إنسانيًا وجعلها قريبة من المشاهد.
أما نيللي، فقدمت أداءً يُبرز أبعاد شخصية سامية التي تعيش صراعًا بين أدوارها كأم وزوجة وامرأة عاملة، وبين التأثير المتدخل لوالدتها.
بتوازن دقيق بين الهشاشة ومحاولة إظهار القوة، استطاعت أن تنقل حيرة الشخصية وصراعها الداخلي من خلال حركات بسيطة ونبرات صوت تعكس توترها.
والدة سامية، الشخصية المحورية والشرارة التي أشعلت فتيل الصراعات في فيلم "صباح الخير يا زوجتي العزيزة"، حيث قدمت أداءً يجمع بين البعد الكوميدي والتأثير الدرامي الحاسم.
وجودها يمثل القوة الدافعة التي حركت الحبكة إلى الأمام، مضيفة إيقاعًا ديناميكيًا للأحداث.
اعتمد الفيلم على إيقاع سردي متوازن أسهم في الحفاظ على استمرارية السرد وجذب انتباه المشاهد دون الشعور بالرتابة.
الانتقال بين الكوميديا الخفيفة والمواقف الجادة تم بأسلوب طبيعي وغير مفتعل، ما حافظ على توازن النبرة الدرامية، وأتاح للمشاهد فرصة للتفاعل العاطفي مع الشخصيات في سياق يجمع بين الترفيه والعمق.
وراء السرد البسيط، يكشف الفيلم عن أبعاد اجتماعية عميقة، مسلطًا الضوء على قضايا مثل التدخل العائلي وتأثيره على استقرار الحياة الزوجية.
كما يعالج دور الأمومة كعامل محوري يُعيد تشكيل ديناميكيات القوة داخل الأسرة.
إلى جانب ذلك، يتناول الفيلم بشكل كوميدي ظاهرة البحث المستمر عن "مديرة منزل"، حيث يتكرر قدوم العاملات إلى المنزل لكنهن لا يستمررن.
يُبرز الفيلم ببراعة التحولات التي تطرأ على الأدوار التقليدية للزوج والزوجة، حيث تصبح الظروف الجديدة قوة مؤثرة تعيد توزيع هذه الأدوار، مما يخلق حالة من التوتر تُغذي الصراع الدرامي وتضفي بعدًا كوميديًا مرتبطًا بالواقع.
إن فكرة البحث عن مديرة منزل جاءت كأداة درامية أسهمت في تعزيز الحبكة الكوميدية وإبراز حالة الفوضى وعدم الاستقرار.
هذا العنصر أضاف بُعدًا من السخرية الواقعية، حيث عكس الضغوط اليومية التي تواجهها بعض العائلات، خاصة في ظل عمل الأم الذي يزيد من تعقيد الأعباء المنزلية ويجعل الحاجة إلى مساعدة خارجية أكثر إلحاحًا.
المثير أن هذه الفكرة، برمزيتها وبساطتها، لا تزال تُطرح في الدراما الحديثة، كما في مسلسل "أشغال شقة"، الذي أعاد تقديمها بتناول يعكس عقبات أكثر تعقيدًا، حيث تطور ليصبح محورًا أساسيًا يعبر عن تحديات الحياة المعاصرة بتناول يجمع بين الكوميديا الاجتماعية والنقد اللاذع للأدوار الأسرية المتغيرة.
فهل نجحت الدراما الحديثة في إعادة استثمار هذا العنصر وتُقدم معالجة جديدة تُواكب تعقيدات الزمن الحديث وتُجاري براعة السينما الكلاسيكية؟ هذا ما سنكتشفه في مقالنا القادم مع مسلسل «أشغال شقة».