إذا كانت الحكومة الإسرائيلية مصرة على حبس نفسها في منطقها المدمر، فعلينا أن نفعل كل شيء من أجل صدها عن ذلك
تاريخ النشر: 19th, February 2024 GMT
إن الرعب الذي خلّفته الهجمات التي ارتكبتها حركة حماس في السابع من أكتوبر 2023 لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال أن يبرّر فظاعة الحرب التي تُقاسيها غزّة منذ أربعة أشهر. ولن نتمكّن من بناء السلام والأمن في هذه المنطقة من العالم من خلال إضافة القتلى إلى القتلى، وإضافة الكراهية على الكراهية، بل على العكس تماما.
لقد فشلت الإستراتيجية التي انتهجها بنيامين نتانياهو لسنوات عديدة في تجنيب إسرائيل رعب السابع من أكتوبر، وهو «أسوأ يوم بالنسبة للشعب اليهودي منذ نهاية المحرقة». ومن الواضح أن إطلاق يد نتانياهو اليوم سيؤدّي إلى مقتل آلاف آخرين من الفلسطينيين الأبرياء، وسيعرّض أمن إسرائيل للخطر من خلال تعزيز موقف أولئك الذين يريدون تدمير هذا البلد. إن الفضيحة بادية للعيان وخطر التأجّج أمر لا جدال فيه. وأنطونيو غوتيريش على حقّ تماما حينما قال بأن استمرار القصف في غزة «قد يعرّض الحفاظ على السلام والأمن الدوليّين للخطر».
ولهذا السبب نحثّ جميع القادة الأوروبيين، وعلى وجه الخصوص رئيس الجمهورية الفرنسية إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دوكرو، الذي يتولّى رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي حتى نهاية يونيو 2024، على التحرّك بقوة من أجل إطلاق سراح جميع الرهائن وجميع المعتقلين السياسيين، والتوصل إلى وقفٍ فوري ودائم لإطلاق النار (يحترمه كلٌّ من الجيش الإسرائيلي وحركة حماس)، والعمل على إنشاء قوة لمراقبة فضّ الاشتباك تحت رعاية الأمم المتحدة، بالإضافة إلى تنظيم مؤتمر دولي للسلام من أجل تنفيذ حلّ الدولتين.
كيف يمكن ممارسة الضغط على حكومة إسرائيل لحملها على القطع مع المنطق الذي أدّى إلى الآن إلى مقتل عشرات الآلاف من الأبرياء، ودفع بمحكمة العدل الدولية إلى التأكيد على وجود «خطر إبادة جماعية» في غزة؟ حينما تستبدّ نوبة الغضب بصديق ما فيجب ربطه بحزام من أجل منعه من أن يؤذي بحياة جيرانه أو بحياته هو نفسه. إذا كانت الحكومة الإسرائيلية مصرّة على حبس نفسها في منطقها المدمّر، فعلينا أن نفعل كل شيء من أجل صدّها عن ذلك.
لقد سبق للبرلمان الأوروبي في أبريل من عام 2002، بعد أن أدّت هجمات حماس بالحكومة الإسرائيلية إلى الردّ الذي أسفر عن مقتل 60 شخصا في الجانب الفلسطيني، أن اعتبر هذا الردّ غير متناسب وأصدر قرارا يدعو إلى فرض حظرٍ على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، بالإضافة إلى تشكيل قوة أممية لمراقبة فضّ الاشتباك بين الطرفين، وتعليق اتفاقية الشراكة الموقّعة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل.
لقد سعت اتفاقية الاستقرار والشراكة هذه، والتي تم التفاوض بشأنها مع حكومة إسحاق رابين (1922-1995) في أعقاب اتفاقيات أوسلو وتمّ التوقيع عليها في 20 نوفمبر 1995 مباشرة بعد اغتيال رابين على يد اليمين الإسرائيلي المتطرف، إلى تعزيز معسكر السلام في إسرائيل. وتنص هذه الاتفاقية في بندها الثاني أن «العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل يجب أن تقوم على احترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية التي تحكم سياستيهما الداخلية والدولية».
للأسف أنه لم يتم تنفيذ أيّ من العقوبات التي طالب بها البرلمان في عام 2002، واستمرت إسرائيل في انتهاك القانون الدولي بعدم امتثالها لأيّ من قرارات الأمم المتحدة بما في ذلك تلك التي تقضي بإنهاء الاستعمار.
لقد صوتّت محكمة العدل الدولية في 28 يناير 2024، بأغلبية ستة عشر صوتا مقابل صوت واحد، لصالح قرار يطالب إسرائيل باتخاذ إجراءات «فورية وفعالة» من أجل حماية سكان غزة. لكن للأسف أن حكومة نتانياهو تفعل العكس تماما منذ ذلك الحين، وتخطط الآن لمذبحةٍ في رفح. ولكيلا تغدو أوروبا طرفا متواطئا مع إسرائيل في جرائمها، يتعيّن عليها أن نتحرّك بأقصى قدر من القوة للدّفع بحكومة إسرائيل وحركة حماس إلى قبول وقفٍ فوري لإطلاق النار والدخول في منطق للسلام.
ولهذا السبب نطالب رؤساء الدول والحكومات الأوروبية بالتعليق الفوري لاتفاقية الشراكة الموقّعة في عام 1995، وبوضع حظر على تصدير الأسلحة (يجب ألا نسمح لأي سلاح يمكن استعماله في الحرب بين إسرائيل وفلسطين بمغادرة الأراضي الأوروبية)، هذا فضلا عن إرسال قوة لفضّ الاشتباك تحت رعاية الأمم المتحدة، والاعتراف الكامل بدولة فلسطين من قبل الاتحاد الأوروبي ومن قبل كل دولة من الدول الأعضاء فيه.
لقد تم التنصيص على هذا الاعتراف بالفعل من قبل مجلس رؤساء الدول الأوروبية الذي اجتمع في مارس من العام 1999 في برلين، والذي أكّد على أن: «الاتحاد الأوروبي يطالب باستئناف المفاوضات بشأن الوضع النهائي بسرعة والسعي الحثيث نحو حلٍّ لكيلا لا تستمر المفاوضات إلى أجلٍ غير مسمّى. ويرى الاتحاد الأوروبي أنه ينبغي أن يكون من الممكن اختتام المفاوضات خلال فترة يمكن تحديدها في عام واحد.
ويعلن الاتحاد الأوروبي أنه مستعدّ للنظر في الاعتراف بدولة فلسطينية في الوقت المناسب».
وبعد مرور نحو خمسة وعشرين عاما على ذلك، وكما قال السفير الإسرائيلي السابق إيلي بارنافي (Elie Barnavi) مؤخّرا: «من الملحّ أن تكشف أوروبا عن عضلاتها من أجل بناء السلام».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی من أجل
إقرأ أيضاً:
مراسلة الجزيرة بموسكو تكشف عن الفندق الذي نزل به الأسد والأموال التي بحوزته
كشفت مراسلة الجزيرة في موسكو رانيا دريدي عن الفندق الذي أقام فيه الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد وأفراد أسرته، في الأيام الأولى لهروبه من سوريا، مؤكدة أن لا أحد يعرف مكانه حاليا.
ومن أمام فندق "فور سيزن/ الفصول الأربعة" الواقع قرب الساحة الحمراء في موسكو، قالت رانيا إن الأسد وعائلته كانوا قد نزلوا بهذا الفندق في الأيام الأولى من هروبهم، وإن أحد أبناء الجالية السورية التقى صدفة في بهو الفندق بزوجة بشار، أسماء وابنها وابنتها، وكانوا تحت حماية أمنية مشددة.
وحسب مراسلة الجزيرة، فإنه بعد أن ترك الأسد وأسرته الفندق، فإن مكان إقامتهم الحالي ما زال مجهولا، مشيرة -أي المراسلة- إلى أن معلومات تداولتها العديد من الصحف والمواقع الروسية تؤكد أن الرئيس المخلوع اقتنى مع عائلته عددا من العقارات في موسكو وفي المراكز الإستراتيجية المهمة، من بينها المركز التجاري والسكني "موسكو سيتي"، مشيرة إلى أن هذه العقارات تقدر بملايين الدولارات.
وحول موضوع الأموال التي بحوزة الرئيس المخلوع، نقلت صحيفة "فايننشال تايمز" عن تحليل سجلات مصرفية أن نظام الأسد نقل حوالي 250 مليون دولار نقدا إلى موسكو بين عامي 2018 و2019، بينما كانت عائلته تشتري سرا أصولا في روسيا.
إعلانوقالت فايننشال تايمز إن الأموال المنقولة إلى موسكو تم تسليمها إلى البنك الروسي للمؤسسة المالية، وإن كبار مساعدي الأسد واصلوا نقل الأصول إلى روسيا رغم العقوبات الغربية.
وفي سياق متصل، قالت رانيا دريدي إن مدير الاستخبارات الخارجية الروسية سيرغي ناريشكين رفض التعليق على موضوع الحماية الروسية للرئيس السوري المخلوع وأفراد أسرته، بعد هروبهم من سوريا.
ولم يقدم المسؤول الروسي أي معلومات حول ما إذا كانت السلطات الروسية قد وفرت أم لم توفر الحماية للأسد وعائلته.
وأقرت السلطات الروسية على لسان سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي -خلال مقابلة سابقة أجرتها معه شبكة "إن بي سي" الأميركية- بأن بشار بضيافة روسيا، في أول تأكيد حكومي روسي لذلك.
يذكر أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان قد منح اللجوء لبشار بعد وصوله إلى موسكو هاربا من سوريا، وقال إنه فعل ذلك لدواع إنسانية، وتقول مراسلة الجزيرة إنه بالنسبة لبوتين فقد أصبح الأسد خارج المعادلة السياسية، ولذلك لم يمنحه اللجوء السياسي.
إجلاء ومباحثاتومن جهة أخرى، أشارت المراسلة إلى شح المعلومات بشأن عملية إجلاء موظفي البعثات الخارجية الروسية لدى دمشق، وقالت إنه تم الإعلان عن إجلاء عدد من هؤلاء، بالإضافة إلى إجلاء موظفي البعثات الدبلوماسية التابعة لبيلاروسيا وكوريا الشمالية وأبخازيا من سوريا.
وكانت السلطات الروسية قد أكدت أن سفارتها في دمشق تواصل عملها بشكل طبيعي، وتزامن ذلك مع تصريحات لميخائيل بغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي والمبعوث الروسي الخاص إلى الشرق الأوسط بشأن تعويل موسكو على استمرار عقد اجتماعات مع تركيا وإيران لبحث تطورات الملف السوري، واصفا الاجتماعات بالمهمة وأن موسكو مهتمة بها.
وفي وقت سابق أعلنت الخارجية الروسية أن موسكو تقوم حاليا بعقد مشاورات وحوارات ومفاوضات مع ممثلي السلطات الجديدة في سوريا، بشأن مستقبل العلاقات الروسية السورية، ووجود القواعد العسكرية الروسية في سوريا.
إعلان"وهي مسألة مهمة وحساسة بالنسبة لموسكو"، كما تقول مراسلة الجزيرة، والتي أكدت أن موسكو "تسعى للحفاظ على القاعدتين الروسيتين في حميميم وطرطوس".