إن الرعب الذي خلّفته الهجمات التي ارتكبتها حركة حماس في السابع من أكتوبر 2023 لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال أن يبرّر فظاعة الحرب التي تُقاسيها غزّة منذ أربعة أشهر. ولن نتمكّن من بناء السلام والأمن في هذه المنطقة من العالم من خلال إضافة القتلى إلى القتلى، وإضافة الكراهية على الكراهية، بل على العكس تماما.

لقد فشلت الإستراتيجية التي انتهجها بنيامين نتانياهو لسنوات عديدة في تجنيب إسرائيل رعب السابع من أكتوبر، وهو «أسوأ يوم بالنسبة للشعب اليهودي منذ نهاية المحرقة». ومن الواضح أن إطلاق يد نتانياهو اليوم سيؤدّي إلى مقتل آلاف آخرين من الفلسطينيين الأبرياء، وسيعرّض أمن إسرائيل للخطر من خلال تعزيز موقف أولئك الذين يريدون تدمير هذا البلد. إن الفضيحة بادية للعيان وخطر التأجّج أمر لا جدال فيه. وأنطونيو غوتيريش على حقّ تماما حينما قال بأن استمرار القصف في غزة «قد يعرّض الحفاظ على السلام والأمن الدوليّين للخطر».

ولهذا السبب نحثّ جميع القادة الأوروبيين، وعلى وجه الخصوص رئيس الجمهورية الفرنسية إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دوكرو، الذي يتولّى رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي حتى نهاية يونيو 2024، على التحرّك بقوة من أجل إطلاق سراح جميع الرهائن وجميع المعتقلين السياسيين، والتوصل إلى وقفٍ فوري ودائم لإطلاق النار (يحترمه كلٌّ من الجيش الإسرائيلي وحركة حماس)، والعمل على إنشاء قوة لمراقبة فضّ الاشتباك تحت رعاية الأمم المتحدة، بالإضافة إلى تنظيم مؤتمر دولي للسلام من أجل تنفيذ حلّ الدولتين.

كيف يمكن ممارسة الضغط على حكومة إسرائيل لحملها على القطع مع المنطق الذي أدّى إلى الآن إلى مقتل عشرات الآلاف من الأبرياء، ودفع بمحكمة العدل الدولية إلى التأكيد على وجود «خطر إبادة جماعية» في غزة؟ حينما تستبدّ نوبة الغضب بصديق ما فيجب ربطه بحزام من أجل منعه من أن يؤذي بحياة جيرانه أو بحياته هو نفسه. إذا كانت الحكومة الإسرائيلية مصرّة على حبس نفسها في منطقها المدمّر، فعلينا أن نفعل كل شيء من أجل صدّها عن ذلك.

لقد سبق للبرلمان الأوروبي في أبريل من عام 2002، بعد أن أدّت هجمات حماس بالحكومة الإسرائيلية إلى الردّ الذي أسفر عن مقتل 60 شخصا في الجانب الفلسطيني، أن اعتبر هذا الردّ غير متناسب وأصدر قرارا يدعو إلى فرض حظرٍ على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، بالإضافة إلى تشكيل قوة أممية لمراقبة فضّ الاشتباك بين الطرفين، وتعليق اتفاقية الشراكة الموقّعة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل.

لقد سعت اتفاقية الاستقرار والشراكة هذه، والتي تم التفاوض بشأنها مع حكومة إسحاق رابين (1922-1995) في أعقاب اتفاقيات أوسلو وتمّ التوقيع عليها في 20 نوفمبر 1995 مباشرة بعد اغتيال رابين على يد اليمين الإسرائيلي المتطرف، إلى تعزيز معسكر السلام في إسرائيل. وتنص هذه الاتفاقية في بندها الثاني أن «العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل يجب أن تقوم على احترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية التي تحكم سياستيهما الداخلية والدولية».

للأسف أنه لم يتم تنفيذ أيّ من العقوبات التي طالب بها البرلمان في عام 2002، واستمرت إسرائيل في انتهاك القانون الدولي بعدم امتثالها لأيّ من قرارات الأمم المتحدة بما في ذلك تلك التي تقضي بإنهاء الاستعمار.

لقد صوتّت محكمة العدل الدولية في 28 يناير 2024، بأغلبية ستة عشر صوتا مقابل صوت واحد، لصالح قرار يطالب إسرائيل باتخاذ إجراءات «فورية وفعالة» من أجل حماية سكان غزة. لكن للأسف أن حكومة نتانياهو تفعل العكس تماما منذ ذلك الحين، وتخطط الآن لمذبحةٍ في رفح. ولكيلا تغدو أوروبا طرفا متواطئا مع إسرائيل في جرائمها، يتعيّن عليها أن نتحرّك بأقصى قدر من القوة للدّفع بحكومة إسرائيل وحركة حماس إلى قبول وقفٍ فوري لإطلاق النار والدخول في منطق للسلام.

ولهذا السبب نطالب رؤساء الدول والحكومات الأوروبية بالتعليق الفوري لاتفاقية الشراكة الموقّعة في عام 1995، وبوضع حظر على تصدير الأسلحة (يجب ألا نسمح لأي سلاح يمكن استعماله في الحرب بين إسرائيل وفلسطين بمغادرة الأراضي الأوروبية)، هذا فضلا عن إرسال قوة لفضّ الاشتباك تحت رعاية الأمم المتحدة، والاعتراف الكامل بدولة فلسطين من قبل الاتحاد الأوروبي ومن قبل كل دولة من الدول الأعضاء فيه.

لقد تم التنصيص على هذا الاعتراف بالفعل من قبل مجلس رؤساء الدول الأوروبية الذي اجتمع في مارس من العام 1999 في برلين، والذي أكّد على أن: «الاتحاد الأوروبي يطالب باستئناف المفاوضات بشأن الوضع النهائي بسرعة والسعي الحثيث نحو حلٍّ لكيلا لا تستمر المفاوضات إلى أجلٍ غير مسمّى. ويرى الاتحاد الأوروبي أنه ينبغي أن يكون من الممكن اختتام المفاوضات خلال فترة يمكن تحديدها في عام واحد.

ويعلن الاتحاد الأوروبي أنه مستعدّ للنظر في الاعتراف بدولة فلسطينية في الوقت المناسب».

وبعد مرور نحو خمسة وعشرين عاما على ذلك، وكما قال السفير الإسرائيلي السابق إيلي بارنافي (Elie Barnavi) مؤخّرا: «من الملحّ أن تكشف أوروبا عن عضلاتها من أجل بناء السلام».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی من أجل

إقرأ أيضاً:

بولندا تعلق منح اللجوء عبر بيلاروسيا بدعم من الاتحاد الأوروبي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تمضي بولندا قدمًا في تنفيذ قانون جديد مثير للجدل، بدعم من قادة الاتحاد الأوروبي، لتعليق منح اللجوء للوافدين عبر الحدود البيلاروسية، وذلك بعد اتهام موسكو باستخدام تدفقات المهاجرين كأداة لزعزعة الاستقرار الأمني في المنطقة.

ووفقًا لموقع "يورونيوز"، فقد أقرّ البرلمان البولندي هذا الإجراء، ومن المتوقع أن يوقعه الرئيس أندريه دودا قريبًا، كما أكد رئيس الوزراء دونالد توسك، الجمعة.

وفي تصريحات له من بروكسل عقب اجتماع قادة الاتحاد الأوروبي، قال توسك: "كل يوم تأخير يعرض حرس حدودنا، وجنودنا، وعناصر شرطتنا لمخاطر إضافية، مما يطيل أمد هذه الأزمة الحادة على الحدود. ومن خلال هذه السياسة الصارمة، نستطيع التصدي لهذه الموجة بفعالية".

واتهم توسك، في تصريحات سابقة، روسيا بتدبير موجة المهاجرين المحتملين، الذين ينحدر معظمهم من أفريقيا والشرق الأوسط، واصفًا ذلك بـ"الحرب الهجينة". كما زعم أن حرس الحدود البيلاروسيين يسهلون عبور المهاجرين إلى بولندا، في محاولة لاستنزاف مواردها وزعزعة استقرارها.

وبموجب القانون الجديد، تُمنح الحكومة البولندية صلاحية تعليق تسجيل طلبات اللجوء في المناطق الحدودية المحددة لمدة تصل إلى 60 يومًا، مع إمكانية التمديد بموافقة البرلمان. ويُستثنى من هذا القرار بعض الفئات الضعيفة، مثل القصر غير المصحوبين بذويهم والنساء الحوامل.

وأشار توسك إلى أن بولندا تشهد يوميًا ما بين 100 إلى 200 محاولة عبور غير قانونية للحدود.

وقد واجه القانون انتقادات واسعة من قبل منظمات حقوق الإنسان، التي وصفته بأنه "غير قانوني"، محذرةً من أن عمليات "الصد التعسفي" تنتهك قوانين الاتحاد الأوروبي والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق اللاجئين.

وفي سياق متصل، نشر تقرير حديث يتهم قوات الأمن البولندية والبيلاروسية بارتكاب انتهاكات ممنهجة بحق المهاجرين العالقين في غابة بيالوفيجا، بما في ذلك الضرب، والهجمات بالكلاب، والاحتجاز القسري، إضافة إلى مزاعم التعذيب والاغتصاب من قبل القوات البيلاروسية.

وأدانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عمليات الإبعاد القسري للمهاجرين، دون منحهم فرصة تقديم طلبات اللجوء، ووصفت هذه الممارسات بأنها غير قانونية.

ويأتي هذا القرار في إطار تشديد بولندا لسياستها تجاه الهجرة، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المقررة في مايو المقبل.

وهذه ليست المرة الأولى التي تتخذ فيها بولندا موقفًا صارمًا تجاه المهاجرين؛ ففي عام 2021، أعلنت حالة طوارئ وطنية بعد محاولة عشرات الآلاف عبور حدودها مع بيلاروسيا، حيث استخدم الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو المهاجرين كورقة ضغط ردًا على العقوبات الأوروبية المفروضة عليه وعلى حلفائه.

ومن جهته، استغل توسك، الرئيس السابق للمجلس الأوروبي، نفوذه في بروكسل لحشد الدعم لهذه الخطوة، حيث سبق أن طرحها خلال اجتماع لقادة الاتحاد الأوروبي في أكتوبر الماضي، وحصل حينها على تأييد لمنح استثناءات من قوانين اللجوء في "الحالات الاستثنائية" التي تنطوي على تهديدات من روسيا وبيلاروسيا.

مقالات مشابهة

  • الاتحاد الأوروبي: لا يجب أن تلعب «حماس» دوراً في القطاع
  • الاتحاد الأوروبي يعارض الأعمال الإسرائيلية العدوانية
  • الاتحاد الأوروبي يرفض وجود حماس في حكم غزة
  • الاتحاد الأوروبي: لا يجب أن تلعب حماس دورا في غزة
  • الاتحاد الأوروبي: عازمون على دعم سوريا في المرحلة الراهنة
  • مصر تدعو الاتحاد الأوروبي للمشاركة في مؤتمر إعمار غزة
  • بولندا تعلق منح اللجوء عبر بيلاروسيا بدعم من الاتحاد الأوروبي
  • النمسا تدعم توسيع الاتحاد الأوروبي
  • العدوان الغادر يتواصل على القطاع المدمر.. حرب دائمة وقاتلة.. اليمين الحاكم يرى فى ولاية ترامب الثانية هبة من السماء.. وفرصة لتوسيع حدود إسرائيل الكبرى
  • العفو الدولية تنتقد مخرجات قمة الاتحاد الأوروبي لشرعنتها الإبادة الإسرائيلية