اجتماع عمّان عن آفة المخدرات.. قضية أكبر من عملية تنسيق
تاريخ النشر: 19th, February 2024 GMT
لم يمض يومٌ كامل على إعلان الأردن ولبنان والعراق وسوريا تشكيل "خلية اتصال" لمواجهة "آفة المخدرات" حتى أعلن الأدرن مقتل 5 مهربين وضبط كميات كبيرة من حبوب "الكبتاغون"، أثناء محاولة تمريرها عبر الحدود.
ويعتبر مراقبون أن الحادثة المذكورة تعطي مؤشرا على أن القضية التي تم بحثها في العاصمة الأردنية، عمّان، بين وزراء داخلية الدول الأربعة تتجاوز ما تم الإعلان عنه.
ويضاف إليها مؤشرات أخرى تتعلق بما آلت إليه نتائج "اللجان" السابقة التي تم تشكيلها في الأساس بين الأردن والنظام السوري، وفق تصريحات الخبير الأمني والاستراتيجي، عمر الرداد، لموقع "الحرة".
وتعتبر عمليات تهريب المخدرات من سوريا باتجاه الأردن واحدة من أبرز المشاكل التي يعاني منها الأخير، ورغم اجتماع المسؤولين في عمّان ودمشق لأكثر من مرة، على مستوى الخارجية والداخلية والدفاع والاستخبارات، لم تسفر مناقشاتهم عن أي جدوى فعلية على الأرض.
وبينما كانت المحاولات التي تقودها شبكات مرتبطة بطهران وتحظى بدعم من أوساط تابعة للنظام السوري، وفق تلميحات مسؤولين أردنيين، تسيّر بنسق ثابت يقوم على تهريب "الكبتاغون"ن سرعان ما تطور نشاطهم بعد الحرب في غزة إلى حد تمرير الأسلحة والذخائر والمتفجرات.
ودفع ذلك الجيش الأردني، خلال الأشهر الثلاثة الماضية، دون إعلان رسمي ،إلى تنفيذ غارات جوية في جنوب سوريا، أسفرت إحداها عن مقتل 10 مدنيين في إحدى قرى محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية.
وسرعان ما تتالت الأحداث بعد واقعة السويداء، ووصلت إلى حد التراشق الدبلوماسي العلني بين الخارجية السورية والأردنية، في حالة لم يسبق وأن خيّمت بعد عملية التطبيع وإعادة العلاقات بين الجانبين.
"أكبر من عملية تنسيق"وحسبما أعلن وزير الداخلية الأردني، مازن الفراية، فإن "خلية الاتصال المشتركة" التي تم تأسيسها مع سوريا والعراق ولبنان "تضم ضباط ارتباط لمتابعة المعلومات وتتبع الشحنات حتى وجهتها النهائية، لمواجهة آفة المخدرات".
الفراية أضاف في مؤتمر صحفي مع نظرائه، السبت، أنهم اتفقوا على فكرة أنه "بدون جهد تنسيقي مشترك من قبل الدول المجتمعة لن يكون هناك نتائج كالنتائج التي نصبوا إليها".
وأوضح أن "الخلية تعنى بشكل أساسي بتبادل الخبرات والتدريب والقدرات ومتابعة المعلومات سواء السابقة أو اللاحقة والتسليم المراقب وهو تتبع الشحنات الخارجة من الدول إلى وجهتها النهائية".
ولا تعتبر هذه الخطوة جديدة من جانب المملكة الأردنية على صعيد الحد من عمليات التهريب، إذ سبق وأن أعلنت تشكيل لجنة مشتركة مع النظام السوري، لكنها لم تسفر عن نتائج وفق تصريحات من الجانبين.
ويعتقد الخبير الأمني والاستراتيجي الرداد أن "قضية التنسيق لمواجهة المخدرات بين الجهات المعنية في الأردن ونظيراتها في سوريا ولبنان والعراق ليست الأساس، لأن هناك الكثير من اللجان التي تم تشكيلها بمراحل سابقة".
ويرى أن "المشكلة الحقيقية تكمن بأن هذا التنسيق غير منتج"، لأن السلطات المعنية في دول الجوار لا تملك سيطرة على شبكات ومليشيات التهريب، على حد قول الخبير.
ويتابع حديثه: "وربما تتعاون بعض أوساطها مع هذه المليشيات لأسباب عقائدية وسياسية أو لتحقيق الكسب المالي في ظل مردودات مالية ضخمة توفرها تجارة المخدرات".
ولا يعتقد العميد الخبير العسكري والاستراتيجي اللبناني، وهبي قاطيشا، أن مشكلة "المخدرات وعمليات التصنيع والتهريب تكمن في التنسيق بين الدول المعنية".
ويقول لموقع "الحرة": "طالما هناك دول تحمي الصناعة وأخرى ترعى التصدير فإن التنسيق ليس المشكلة"، مردفا: "القرار يجب أن يتخذ على مستوى آخر لحل القضية".
"المتهم غائب"ودائما ما تحمّل عمّان مسؤولية عمليات التهريب لميليشيات "تدعمها قوى إقليمية"، في إشارة مبطنة إلى إيران. وتقول في المقابل إن حالة التصاعد ترتبط بضعف السلطة في سوريا، وبغطاء توفره أطراف داخل "الجيش السوري".
لكن وزارة خارجية النظام وضمن البيان، الذي أصدرته في يناير الماضي، قالت إن الأردن "لم يستجب أو يرد على رسائل تتعلق بضرورة اتخاذ خطوات عملية لضبط الحدود".
وأضافت أيضا أن "سوريا عانت في 2011 من عبور آلاف الإرهابيين من أراضيه"، في عبارة أثارت حفيظة عمّان وردت عليه في بيان خارجيتها بالقول: "نرفض أي إيحاءات بأن الحدود الأردنية كانت يوما مصدرا لتهديد أمن سوريا أو معبرا للإرهابيين".
ومن وجهة نظر الباحث السياسي العراقي، جاسم الشمري، فإن اجتماع وزراء داخلية الأردن وسوريا والعراق ولبنان كان فاقدا "لدولة مهمة بملف المخدرات وتهريبها، وهي إيران".
ويقول لموقع "الحرة": "كان يفترض أن تكون (إيران) ضمن الحاضرين، لأنها في الغالب منبع لغالبية التجارة، التي تصل للدول المتجاورة ودول الخليج العربي في المحصلة".
الشمري يستبعد أن يكون لـ"خلية الاتصال" أي نتيجة على الأرض، ويربط ذلك بفكرة أن "إيران هي من تتحكم بالعواصم الثلاث دمشق وبيروت وبغداد"، على حد تعبيره.
"المخدرات أشد خطرا وربما تساوي الأسلحة النارية لأنها تفتك بالعقول والنفوس والشباب والعوائل والمجتمع والدولة والأمة في المحصلة"، حسب الشمري.
ويضيف: "نحن أمام محاولات لضرب كيانات الدول في الشرق الأوسط ويفترض أن يكون هناك قوة للمواجهة دون تراخي كما يحصل الآن.. وإلا الأمر على الأرض لن يتغير".
ودائما ما تتواتر معلومات تؤكد أن جهات إيرانية هي المسؤولة عن عمليات تهريب المخدرات والأسلحة للأردن، في إطار خطة إيرانية تهدف لإثارة فوضى أمنية في الأردن، حسب اعتقاد الخبير الأردني الرداد.
ويشير إلى معلومات أخرى بأن "مليشيات إيرانية تسيطر على المناطق الحدودية بين الأردن وسوريا، وتشرف على عمليات التهريب وتديرها بالتعاون مع عصابات تهريب هدفها تحقيق مكاسب مالية".
"خلية مراقبة"وعلى مدى السنوات الماضية أصبحت سوريا بنظر دول عربية وغربية "دولة مخدرات".
وارتبط ذلك بكم الشحنات الكبيرة التي خرجت منها، وعبرت الحدود لتصل إلى مصر والسعودية والأردن ودول أبعد، كإيطاليا واليونان ورومانيا.
وبحسب تقارير أمنية لعدة دول، فإن النظام السوري يعتبر المسؤول الأول عن تهريب وتصنيع ما تحتويه هذه الشحنات، والتي تحولت شيئا فشيئا إلى "مكسب تجاري كبير"، يعود بالفائدة الاقتصادية عليه من جهة، وعلى "حزب الله" اللبناني الذي ينتشر وكلاؤه في مناطق متفرقة داخل سوريا من جهة أخرى.
وتشير تقديرات الحكومة البريطانية إلى أن 80 في المئة من إنتاج "الكبتاغون" في العالم يصدر من سوريا، وإن ماهر الأسد شقيق رأس النظام السوري يشرف شخصيا على هذه التجارة في الخارج.
وكذلك الأمر بالنسبة لتقديرات الولايات المتحدة الأميركية، ما دفع واشنطن في أواخر مارس 2023 لفرض عقوبات على عدد من الشخصيات السورية واللبنانية، بينهم سامر كمال الأسد ووسيم بديع الأسد.
ويعتقد المحلل السياسي اللبناني، أمين بشير، أن "خلية الاتصال المشتركة" يرتبط الإعلان عنها على نحو كبير بالأردن، كون تعاطيه مع الآفة جديا على خلاف بقية الدول.
وفي لبنان، ورغم إعلان السلطات ووزارة الداخلية ضبط عدة شحنات، لايزال اسم المتورطين والمصنعين والمهربين مجهولا، وهو ما يعطي فكرة أن "الكبح بشكل كامل غير موجود، حسب بشير.
ويضيف لموقع "الحرة": "الأردن يعرف أن النوايا ستكون غير جدية في سوريا ولبنان والعراق للتعاون في المجال، وإلى أي مدى ستكون خلية الاتصال مجدية".
ومع ذلك، يشير إلى أن "الخلية قد تكون نوعا من الرقابة الأردنية للأنظمة في سوريا والعراق ولبنان، لكي تتضح مدى الخطوات التي تتخذها على مستوى إيقاف التهريب أو تجفيف منابعه".
"الموضوع كبير جدا وهناك أنظمة تستفيد وتريد أموالا من التجارة، بسبب العقوبات المفروضة عليها"، وخاصة النظام السوري وفق المحلل السياسي.
ويتابع: "وبالتالي تحول المشهد إلى امتهان تجارة وتهريب المخدرات للحصول على أموال. وقد يستفيد النظام من واقع سيطرته في لبنان والعراق للمضي قدما بهذا المسار".
"رسائل باتجاهين"وفي تقرير لها، في مايو 2021، قالت صحيفة "الغارديان" البريطانية إن الحدود بين سوريا ولبنان انعدم فيها القانون، وباتت مرتعا لعمليات التهريب، والتي يتورط فيها مسؤولون من الجانبين.
وينقل المهربون الحشيش والكبتاغون عبر طريق يمتد من سهل البقاع اللبناني ومدينة القصير السورية الحدودية، والطرق شمالا باتجاه مينائي اللاذقية وطرطوس.
ووفقا لـ"الغارديان" فإن اللاذقية تقع تحت عيون ومراقبة كثيفة من أجهزة أمنية أميركية وأوروبية وأجهزة الاستخبارات. ورغم هذا وقعت بعض عمليات التهريب من المصدر، وتم إحباطها لاحقا.
ولا يختلف المشهد كثيرا عن الجنوب السوري، حيث تحول خلال الفترة الأخيرة إلى منطلق لعمليات تهريب "كبتاغون" وأسلحة وذخائر ومتفجرات، رغم أن الجيش الأردني أعلن في عدة مرات إلقاء القبض على أفراد من الشبكات.
ويعتبر الخبير الأمني الرداد أن "اجتماع عمّان الرباعي جاء للرد على مزاعم الحكومة السورية بأن الأردن لا ينسق مع السلطات السورية المختصة بخصوص مكافحة المخدرات، رغم قناعات جهات في صناعة القرار الأردني أن الاتفاقيات التي تبرم مع الجانب السوري لا تجد طريقها للتنفيذ".
ومن جهة السلطات السورية، فإنها "ترسل رسالة بأنها تنسق مع الأردن وتريد إثبات شرعيتها ومسؤوليتها وسيطرتها على الأراضي السورية"، حسب المتحدث.
ويرى أن إعلان الجيش الأردني مواجهة جديدة مع ميليشيات التهريب وفي اليوم النالي "بمثابة رسالة من جهات داخل سوريا بأنها غير معنية بالتنسيق مع الأردن وتتطلع لتنفيذ مخططاتها".
ويتوقع أن "تستمر عمليات التهريب، لأن الممولين والداعمين لديهم مخططات تستهدف الأردن تتجاوز العناوين المطلقة".
من جهته، يقول العميد قاطيشه أن الاجتماع والإعلان عن "خلية الاتصال" يحمل رسائل باتجاهين، الأولة خارجية والثانية لإيصال فكرة "أن كل دولة تجرب وتطلب من الأخرى وضع الجهد للخلاص من المشكلة".
وبينما يقلل الخبير العسكري اللبناني من نتائج التنسيق المعلن" يضيف أنه "يجب على كل دولة أن تكون جادة في قطع دابر المخدرات، وبعيدا عن الاكتفاء بالمظاهر والاجتماعات"، حسب تعبيره.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: عملیات التهریب النظام السوری فی سوریا التی تم
إقرأ أيضاً:
العثور على تمثال قزم مصنوع من مادة MDMA المخدرة في هولندا أثناء عملية مداهمة
في واقعة غريبة من نوعها، اكتشفت الشرطة الهولندية تمثالًا صغيرًا لقزم حديقة مصنوع بالكامل من مادة الـ MDMA (المعروفة أيضًا بالإكستاسي) خلال عملية مداهمة لمكافحة المخدرات في جنوب هولندا.
تم العثور على التمثال الذي يزن نحو 2 كيلوغرام، وهو يشبه القزم التقليدي الذي يزين الحدائق، ولكن ما أثار الدهشة هو كونه مصنوعًا من المخدرات. وقالت الشرطة المحلية في مدينة "دونغموند" عبر منشور على وسائل التواصل الاجتماعي: "المخدرات تأتي في أشكال وأحجام متنوعة، لكننا في بعض الأحيان نواجه أشياء استثنائية". وأضافت الشرطة أنه تم العثور على التمثال وسط كمية كبيرة من المخدرات خلال عملية التفتيش.
التمثال الذي كان في وضعية غريبة مع يديه مغطية لفمه كما لو كان في حالة من الذهول، اعتبرت الشرطة ذلك بمثابة تعبير مجازي عن "الدهشة" التي أبدتها الأجهزة الأمنية حيال هذا الاكتشاف الغريب.
من المعروف أن الـ MDMA هو مخدر صناعي يستخدم في الحفلات والمناسبات الاجتماعية، ويعتبر غير قانوني في هولندا. وتعد البلاد واحدة من أكبر المنتجين لهذه المادة على مستوى العالم.
هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها إخفاء المخدرات بطريقة غير تقليدية. ففي العام الماضي، تم اكتشاف محاولة لتهريب كميات ضخمة من الـ MDMA داخل طعام للحيوانات، بينما تم ضبط شحنات كبيرة مخبأة داخل طعام مجمد في حالات سابقة.
في الوقت الذي تواصل فيه الشرطة التحقيق في هذه الواقعة الغريبة، تتساءل وسائل الإعلام الهولندية عن الأساليب المبتكرة التي قد يستخدمها مهربو المخدرات في المستقبل.