معاناة الأطباء الأجانب في فرنسا: لماذا لا يقيمونني على أساس خبرتي هنا
تاريخ النشر: 19th, February 2024 GMT
إعداد: بهار ماكويي إعلان اقرأ المزيد
تحول موعد كريمة* بمحافظة باريس، لتجديد بطاقة إقامتها في فرنسا إلى كابوس. فهذه الجراحة المتخصصة في مجال طب العظام لدى الأطفال لم تتمكن من تجديد بطاقة إقامتها وكل ما تحصلت عليه هو إيصال (مستند تمنحه السلطات المعنية عند تقديم طلب للحصول على بطاقة الإقامة أو تجديدها، فترة صلاحيته محدودة لغاية دراسة الملف) رغم أنها تمارس مهنتها منذ أكثر من سنتين في مستشفى بالضاحية الباريسية، لا سيما في قسم الاستعجالي حيث تداوم ليلا أربع مرات شهريا.
وتقول هذه الأربعينية المغاربية لفرانس24 خلال وقفة احتجاجية نظمها أطباء أجانب أمام مقر وزارة الصحة بباريس للتنديد بأوضاعهم "زملائي في قسم جراحة العظام طلبوا مني الحضور إلى المستشفى لأساعدهم. فلا أستطيع أن أرفض ذلك".
اقرأ أيضا"من دونهم، ينهار النظام الصحي"... دعوات لتسوية أوضاع الأطباء الأجانب في فرنسا
ورغم أن المستشفى وافق على توظيف كريمة ستة أشهر إضافية، إلا أنها تخشى ألا يجدد عقدها عند نهايته. فهي واحدة من بين 4000 طبيب أجنبي لديهم شهادات جامعية من خارج دول الاتحاد الأوروبي ويعملون في مستشفيات فرنسية عديدة منذ وقت طويل وبعقود عمل هشة وغير مستقرة.
وتابعت كريمة: "المهام التي أقوم بها هي مهام مسؤولة، مهام جراح ... حتى لو أنني بالنسبة للإدارة طبيبا معاودا بعقد عمل مؤقت يجدد كل ستة أشهر مقابل 1400 يورو شهريا". مشيرة أن "من بين الأسباب التي جعلت محافظة باريس ترفض تمديد مدة إقامتي هي نهاية عقدي الوظيفي وصعوبة الحصول على عقود عمل منتظمة وطويلة الأمد".
الطبيب أرستيد يايي من بوركينافاسو في مظاهرة أمام وزارة الصحة من أجل الدفاع عن حقوق الأطباء الأجانب. فبراير/شباط 2024 © بهار ماكويي /فرانس24لذا أصبحت كريمة "تكافح" كل مرة مع الإدارة الفرنسية لتسوية وضعها الإداري دون جدوى لأن "هذه المرة محافظة الشرطة طلبت مني أن أقدم لها تصريحا بالعمل من قبل الوكالة الجهوية للصحة، لكن هذه الأخيرة رفضت ذلك بحجة أن القانون المتعلق بإقامة الأجانب في فرنسا تغير".
وتجدر الإشارة إلى أن القانون الذي يسمح للمستشفيات والعيادات الطبية الحكومية بتوظيف أطباء أجانب قد انتهت صلاحيته في 31 ديسمبر/كانون الأول 2023. فمنذ بداية السنة الجارية، أصبح الأطباء الأجانب مطالبين بإجراء امتحانات تعليمية صعبة يطلق عليها اسم "اختبارات من أجل الفحص المعرفي" في حال أرادوا مزاولة وظائفهم في المستشفيات.
لكن المشكل أن فرص الشغل غير متوفرة بشكل كبير وللجميع. فعلى سبيل المثال، تم فتح 2700 منصب عمل في المستشفيات في حين تجاوز عدد المتسابقين 8000 شخص، بعضهم من الخارج. ما جعل الغالبية العظمى تواجه مشكل تجديد أوراق الإقامة بسبب عدم ممارسة أية وظيفة.
اقرأ أيضاأطباء أجانب مهددون بخسارة وظائفهم في فرنسا
وأمام تردي وضع الأطباء الأجانب الذين أدووا دورا "بطوليا" خلال جائحة كوفيد 19، صعدت نقابات قطاع الصحة من لهجتها وطالبت الحكومة بتيسير أمورهم ومنحهم بطاقات الإقامة. وهو ما قامت به حكومة غابرييل آتال التي أعلنت تمديد تصاريح العمل لمدة سنة، أي حتى انتهاء امتحانات العام 2024.
" لم أفهم لماذا لا يقيمونني وفق خبرتي هنا"ومشكل كريمة الحاصلة على شهادة في الطب العام، لم تجد له حلا لغاية الآن. فلقد حاولت خوض غمار الامتحانات في مجال جراحة عظام الأطفال في 2023، لكن الإدارة رفضت ملفها. "قالوا لي بأنني لا أملك الشهادة اللائقة وأنني بحاجة إلى شهادة في هذا المجال، لكن هذه الشهادة غير متوفرة في البلد الذي كنت أعيش فيه. لا أفهم لماذا لا يقيمون عملي وفق الخبرة التي اكتسبتها هنا بفرنسا. أقوم بعمليات جراحية بمفردي وأعالج المرضي بمفردي ".
لم تخطط كريمة للبقاء طويلا في فرنسا عندما وصلت في 2020. تحصلت على عقد عمل مؤقت لتطوير خبرتها في مجال جراحة العظام. لكن بعدما عملت سنتين كمتدربة في مستشفى عام بمدينة نيس الجنوبية، وجدت نفسها عالقة في فرنسا بسبب جائحة كوفيد 19 وضحية قرار غلق الحدود الذي فرضه بلدها الأصلي.
وتتذكر كريمة جيدا كيف "كافحت" مع زملائها في مدينة نيس خلال الأزمة الصحية لوباء كوفيد 19 وكيف كانت تعمل بشغف في قسم العناية المركزة. "لقد أنقذنا حياة العديد من الناس. وسنواصل القيام بذلك. في بعض الأحيان في قسم الطوارئ، أجد نفسي وحيدة ومرغمة على اتخاذ قرار ما في ظرف ثانية واحدة فقط. علي في هذه الفترة الوجيزة أن أتخذ القرار الصائب من أجل إنقاذ شخص ما".
" أصبحت أحزم أمتعتي بشكل منتظم"في بعض الأوقات، تفكر كريمة في العودة إلى بلدها. "أطرح على نفسي دائما السؤال هل بإمكاني أن أتحمل هذا الوضع لمدة أكثر. لكن في نفس الوقت أحب عملي وأنا متعلقة بالمرضى الذين أعالجهم لا سيما الأطفال الصغار. عندما أرى في عيونهم الفرحة، أشعر بأنني أقوم بمهمة ضرورية للمجتمع" تقول كريمة التي أضافت "في بعض الأحيان، أقوم بحزم أمتعتي للعودة إلى بلدي الأصلي وأتردد في شراء أثاث جديد".
اقرأ أيضافرنسا: ازدياد الأطباء الأجانب في المستشفيات لتفادي النقص في بعض الاختصاصات
وأمام هذا الأفق الغامض، بعض زملائها ينصحونها بالذهاب إلى ألمانيا حيث يمكن أن تعمل بشكل طبيعي وتستفيد من أوراق الإقامة. "بعض الزملاء ذهبوا إلى هناك. لقد تم قبولهم على أساس الملفات التي قدموها. تعلموا اللغة الألمانية وأصبحوا يعملون هناك".
وفي ظل هذا الوضع المتردي، هناك مخاوف أن تعاني فرنسا التي تشكو أصلا من نقص حاد في الأطباء والممرضين أن تفقد حتى الأطباء الأجانب الذين يعملون في مستشفياتها.
الطبيب أرستيد ياي، من بوركينا فاسو، ومتخصص في الطب الشرعي بجامعة داكار بالسنغال يعاني من نفس المشكلة. يعمل منذ ثلاث سنوات في مركز يستقبل مسنين بمستشفى "كوميرسي" بمنطقة لاموز .
وقال لفرانس24:" عقدي الوظيفي سينتهي في يوليو/تموز 2024 وبعد هذا التاريخ لا أعرف ماذا سيكون مصيري". وتابع: "أقوم بعدة تدريبات وأستفيد من عقود عمل لمدة ست أشهر فقط كطبيب متدرب. لكن لا أستطيع أن أتصور كيف سيكون المستقبل. حياتي غير مستقرة. أشعر بأنهم يتعاملون معي كأنني طبيب ذو قيمة أقل مقارنة بأطباء فرنسيين".
عدد وجود أطباء أجانب يهدد أقسام طبية في المستشفياتوإلى ذلك، حذر العديد من مسؤولي الأقسام في المستشفيات الواقعة في منطقة إيل دو فرانس من مغبة إغلاق هذه الأقسام بسبب نقص الأطباء الأجانب. فيما اعترف الرئيس إيمانويل ماكرون خلال المؤتمر الصحافي الذي نظمه في 16 يناير/كانون الثاني الماضي أن فرنسا بحاجة لهؤلاء الأطباء، مشيرا بأنه يرغب "في تسوية أوضاعهم الإدارية لأنهم هم من يتحملون عبء النظام الطبي الفرنسي".
اقرأ أيضامشروع قانون فرنسي جديد للهجرة يركز على العاملين في قطاع الصحة
هذا، وحيت نقابات موظفي القطاع الطبي جهود وزارة الصحة التي أعلنت الخميس الماضي تمديد مدة تصاريح العمل التي منحت للأطباء الأجانب لغاية نهاية العام 2024 لكي يتسنى لهم مواصلة وظيفتهم والمشاركة في المسابقات. لكن، أولفييه فيرني، السكرتير العام للنقابة الوطنية لأطباء المستشفيات اعتبر "أن الجهد الذي بذلته وزارة الصحة لن يحل مشكل الأطباء الأجانب نهائيا وأنه سيطرح مجددا السنة المقبلة".
وفي انتظار تجسيد قرار وزارة الصحة على أرض الواقع، لا زال حوالي 1900 طبيب أجنبي دون شغل. من بينهم الطبيب مصطفى من الجزائر الذي أصبح لا "يطيق وضعه أبدا".
مصطفى يشارك في الوقفة الاحتجاجية التي نظمها أطباء أجانب أمام مقر وزارة الصحة بباريس تنديدا بأوضاعهم الإدارية وبدعم من النقابات العمالية. فبراير/شباط 2024 © بهار ماكويي /فرانس24وقال مصطفى لفرانس24: "القسم الذي كنت أعمل فيه سابقا في مستشفى بمنطقة "نورموندي" يبحث عن شخص لتعويضي، لكن دون جدوى. كنت مسؤولا عن هيئتين طبيتين تستقبل كل واحدة منهما عشرين مريضا. لقد انقلب الوضع رأسا على عقب. إلى متى سنواصل هكذا"، يقول هذا الطبيب الذي توقف عقده بسبب عدم مشاركته في المسابقة التي تهدف إلى فحص معارفه الطبية. وتابع:" المستشفى كان يرغب في توظيفي لكن الوكالة الجهوية للصحة رفضت".
"إقصاء مرشحين رغم تجاوز معدلهم 15 على 20"تحصل مصطفى على شهادة في مجال الطب الفيزيائي وإعادة التأهيل بكلية الجزائر. ثم سافر إلى فرنسا رفقة زوجته التي لديها جنسية فرنسية. ويتمنى مصطفى أن تدرس المصالح المعنية ملفه وأن يجد عملا جديدا قريبا خاصة وأن له بطاقة إقامة فرنسية مدتها عشر سنوات. كما يعول أيضا على المشاركة في "مسابقة فحص المعارف رغم إدراكي بأنني لا أملك حظوظا كبيرة بسبب قلة المناصب والعدد الكبير من المشاركين في المسابقة".
وترى العديد من النقابات وعلى رأسها نقابة الأطباء التابعة للنقابة العامة للعمل أن "المسابقات من أجل فحص المعارف ما هي إلا حواجز إضافية لتحديد عدد الأطباء الذين سيسمح لهم بممارسة وظيفتهم.
فيما أضاف لوران لابورت، الأمين العام للاتحاد الفدرالي للأطباء والمهندسين والموظفين السامين والتقنيين بأن "بعض الأطباء رسبوا في مسابقة فحص المعارف بالرغم من أنهم تحصلوا على علامة 15 على 20"، واصفا نظام المسابقات بـ"الغامض والعنصري إزاء الأطباء الذين يتشغلون أكثر من 60 ساعة في الأسبوع ".
بهار ماكويي
*تم تغيير الاسم الحقيقي
المصدر: فرانس24
كلمات دلالية: الحرب بين حماس وإسرائيل ألكسي نافالني ريبورتاج فرنسا طب مستشفى وزارة باريس الفرنسية الطب مستشفى فرنسا الطب إيمانويل ماكرون مستشفى الطب فرنسا مسابقة صحة مستشفى فرنسا الهجرة كوفيد 19 للمزيد إسرائيل غزة فلسطين الحرب بين حماس وإسرائيل للمزيد الجزائر مصر المغرب السعودية تونس العراق الأردن لبنان تركيا الأطباء الأجانب فی المستشفیات وزارة الصحة الأجانب فی فی فرنسا فی مجال من أجل فی قسم فی بعض
إقرأ أيضاً:
"قضايا المرأة" تطلق حملة "البلاغ أساس الحماية"
فى إطار الفعاليات الدولية ل ١٦ يوم لمناهضة العنف ضد المرأة، أطلقت مؤسسه قضايا المرأة المصرية حمله بعنوان "البلاغ أساس الحماية؛".
جامعة سمنود تشارك في الملتقى التنسيقي لمناهضة العنف ضد المرأة رئيس اللجنة القومية لمبادرة صحة المرأة: نسب إصابات سرطان الثدي في مصر الأقل عالميًاقال البيان الصادر عن الحمله : تأتي هذه الحملة تأكيدًا على ضرورة التصدي للإشكاليات التي تعيق تحقيق العدالة وحماية النساء، وتعزيز الجهود الهادفة لتوفير بيئة آمنة تضمن لهن حقوقهن. "
وذكر البيان ان الهدف من الحملة تسليط الضوء على الإشكاليات المرتبطة بأوضاع النساء، وطرح رؤى وتوصيات تسهم في توفير بيئة آمنة تحميهن من العنف، وفي هذا العام تركز المؤسسة على تقديم ورقة عمل بحثية أُعدت على مدار عام ونصف، كجزء من جهودها المستمرة في مشروعاتها السابقة."
وأوضح البيان أن الورقة البحثية تناقش الصعوبات التي تواجه النساء في الإبلاغ عن قضايا العنف وتقديم الشكاوى، وما يتعرضن له من تحديات أثناء تقديم البلاغات داخل أقسام الشرطة، وخلال مراحل التقاضي، وحتى متابعة الدعاوى القضائية. وتشير نتائج الورقة الي الفجوة المتسعة بين القرارات السياسية والتعديلات التشريعية التي تهدف إلى حماية النساء، مثل إنشاء وحدات مختصة بمواجهة العنف وإجراء تغييرات قانونية مهمة، وبين الإحصائيات الرسمية وغير الرسمية تشير إلى تزايد حالات العنف ضد النساء. ويعود ذلك إلى غياب التفعيل الكافي لهذه القوانين أو عدم ملاءمة آليات التنفيذ للواقع. وقد اعتمدت الورقة على منهجية قائمة على تحليل المشكلات الفعلية المستمدة من شهادات حقيقية لنساء ترددن على المؤسسة للحصول على الدعم النفسي والقانوني، بالإضافة إلى إجراء مقابلات مع عدد من النساء للاستماع إلى تجاربهن، وكذلك مقابلات مع محامين ومحاميات لمعرفة التحديات التي تواجههم في تبني قضايا العنف ضد النساء.
وتابع البيان تهدف المؤسسة من خلال هذه الورقة إلى تحديد الأسباب التي تؤدي إلى عزوف النساء عن اللجوء إلى القضاء أو تقديم البلاغات، والعمل على تقديم حلول تدعم النساء وتشجعهن على الإبلاغ عن جرائم العنف. ومن خلال التوصيات التي قدمتها الورقة، تسعى المؤسسة إلى تعزيز بيئة تشريعية داعمة، وإعادة هيكلة مرافق العدالة لتوفير حماية أكثر فاعلية للنساء، والتصدي للعادات والممارسات التي ترسخ للعنف، إلى جانب تعزيز دور الإعلام في التوعية بمخاطر العنف وأهمية مكافحته.
واختتم البيان بأن المؤسسة تأمل من خلال حملتها أن تسهم التوصيات في خلق بيئة تشريعية وثقافية واجتماعية تساعد في تشجيع النساء على الإبلاغ عن حالات العنف، ما يؤدي إلى تقليل نسبه بشكل ملحوظ، ويدعم الجهود الرامية إلى تحقيق العدالة والمساواة بين الجنسين كما ندعو من خلال حملتنا كافة الجهات المعنية والمجتمع المدني إلى العمل بجدية لتفعيل القوانين، وتطوير السياسات والممارسات التي تضمن حماية النساء من العنف، وتعزز المساواة والكرامة الإنسانية. معًا يمكننا أن نحقق مجتمعًا آمنًا وداعمًا يكفل حقوق النساء ويحميهن من كافة أشكال الانتهاكات.