جريدة الرؤية العمانية:
2024-11-08@03:55:18 GMT

إعادة الحياة لكُتب الأخلاق

تاريخ النشر: 19th, February 2024 GMT

إعادة الحياة لكُتب الأخلاق

 

أ. د. حيدر أحمد اللواتي **

تزخر مكتبتنا الإسلامية بعدد وافر من كتب الأخلاق، والكثير منها كتبها علماء سابقون رحمهم الله وأجزل لهم الثواب، وتعد هذه الكتب تراثاً ثرياً بحق، فهي تحوي من المفاهيم والقيم الأخلاقية الشيء الكثير، لكن هذه الكتب لم تعد كتب تستعين بها أجيال اليوم لتستقي منها معارفها وقيمها الأخلاقية؛ بل كثيرًا ما ينظر لها على أنها كتب تراثية لم تعد صالحة لهذا الزمن، ولا بُد من اعادة صياغتها لتلائم لغة العصر.

هذا الكلام ينطوي على قدرٍ من الصواب، وهو ما يتعلق باللغة المستخدمة في هذه الكتب. لكن في المقابل، من غير الصحيح النظر اليها على أنها لم تعد صالحة لهذا الزمن؛ بل إن فيها من الكنوز والقيم الأخلاقية ما لا يوجد في غيرها وعلى أبنائنا الاطلاع عليها وقراءتها.

لكنني أظن أن تجديد هذه الكتب لا يمكن أن يقتصر على اللغة؛ بل لا بُد من إضافة الدراسات التجريبية في مجال السلوك البشري لها؛ فالاستعانة بالدراسة التجريبية لتفسير السلوك البشري سيضيف بُعدًا آخرَ مُهمًا لكتب الأخلاق، وستخرج هذه الدراسات التجريبية مع المفاهيم المنطقية والدينية التي تزخر بها هذه الكتب، برؤية أكثر تكاملية وواقعية، كما إن إضافة الدراسات التجريبية لهذه الكتب سيسهم في سد الفجوة بينها وبين أجيال اليوم؛ فأجيال اليوم تتجه الى الدراسات والنماذج الواقعية والتجريبية أكثر من اعتمادها على التنظير والتحليل المنطقي، ولعل ذلك سيساعدنا في نفض الغبار عن بعض تراثنا الثري.

سأسوق مثالًا ما زالت تحتفظ به ذاكرتي من خلال قراءاتي لبعض الدراسات في مجال السلوك البشري، ففي حادثة وقعت بأحد الأحياء في مدينة نيويورك عام 1964، قام أحد المارّة بطعن فتاة تبلغ من العمر 28 عامًا وتُدعى كيتي جينوفر، دون أن يدافع عنها أحد، على الرغم من استغاثتها، وعلى الرغم من أن 38 فردًا-على أقل تقدير- من سكان ذلك الحي سمعوا صراخها واستغاثتها، لكن لم يقم أحدٌ منهم بالمساعدة أو حتى طلب الشرطة. وقد هزت هذه الحادثة المجتمع الأمريكي آنذاك، وتحدثت عنها الصحف والمجلات، واتهمت هذه الصحف المجتمع بأنه بدأ يفقد قيمه الأخلاقية، لكنَّ عددًا من علماء النفس والمختصين بالسلوك الإنساني، لم يعتمدوا فقط على هذا السبب المُتبادر الى الذهن؛ بل حاولوا اللجوء إلى التجارب العلمية في الكشف عن سبب هذا السلوك غير المفهوم لعلهم، يكشفون عن بعض أسرار هذه النفس البشرية.

وبعد دراسات مُستفيضة وتجارب كثيرة ومكررة، اتضح أن الأمر لا علاقة له بتدني القيم الأخلاقية للمجتمع الأمريكي؛ بل كشفت الدراسة عن سلوك بشري عام في ذلك المجتمع، وربما في بقية المجتمعات أيضًا، وهو ما يعرف اليوم باسم "لا مبالاة المُتفرِّج"؛ إذ توصّلت الدراسة إلى أن السبب يعود الى ما يعرف بتأثير توزُّع المسؤولية على الأفراد، ومفاد هذه الظاهرة أن الفرد عندما يكون ضمن مجموعة كبيرة، فإنه يتهرب من تحمل المسؤولية ويُقنع نفسه أن المسؤولية تقع على عاتق فرد آخر في المجموعة ولا تقع عليه، وأن ذلك الآخر سيتصرف بعد قليل أو قد يقنع نفسه بأن ذلك الفرد قد تصرف بالفعل! ويظهر هذا التبرير بقوة في الحالات التي تكون المسؤولية فيها غير مُحددة بوضوح، وهذا ما حدث في الجريمة المروعة والتي قُتلت فيها كيتي جينوفر.

لذا يوصي بعض علماء السلوك البشري أن أحدنا إذا احتاج الى مساعدة طارئة في سكة مكتظة بالمارّة، عليه أن يتجه الى أحدهم بشكل خاص ويطلب منه المساعدة، بدلًا من أن يصرخ ويستغيث طالبًا المساعدة من الجميع، والسبب في ذلك، أن الانسان الذي ستطلب منه المساعدة سيشعر بالمسؤولية أكثر من غيره؛ لأنك بسؤاله إياه ألقيت المسؤولية عليه في طلب المساعدة، وتأثير "لا مبالاة المتفرج" انخفض عنده بشكل كبير، فاحتمال استجابته وتقديمه للمساعدة ترتفع بشكل ملحوظ.

السؤال هنا: ألا تشير هذه الدراسة الى أحد الأساليب الخفية التي تلجأ لها النفس البشرية في محاولتها للتهرب من تحمل المسؤولية؟ أليست هذه الدراسة وأشباهها أكثر تأثيرًا من التحذير المجرد من خداع النفس وأساليبها الملتوية؟ ألا يفيد هذا النوع من الدراسات في تنبيه الانسان من أن من مسؤوليته أيضًا التحقق من أنَّ أحدًا مدَّ يد العون وقام بتقديم المساعدة، فإذا لم يجد أحدًا، فعليه أن يُبادر بالقيام بتحمل تلك المسؤولية، وإلّا سيُحاسب الجميع على تهربهم، وسيحاسبون على ذلك في يوم الجزاء.

هكذا نلاحظ أن هذه الدراسة التجريبية كشفت أمرًا مُختلفًا تمامًا عمّا قفز في أذهاننا في بداية الأمر؛ بل ربما لم يكن بالإمكان الوصول الى النتيجة التي توصلت لها الدراسة دون الاستعانة بالتجارب العملية.

وأخيرًا.. لا بُد من الإشارة الى أهمية العمل الجماعي في مجال الكتابة في مواضيع مرتبطة بالسلوك البشري والأخلاق، فبدلَ أن يقدم على كتابة الكتاب الأخلاقي فرد واحد، عليه أن يستعين بآخرين من تخصصات أخرى، كأن يكون أحدهم مُختصًا بالجوانب الدينية، وآخر مختص بدراسات السلوك البشري، وثالث متخصص في الكتابة الموجهة للجمهور، وبذلك ربما نُحيي تراثًا ثريًا تفتقده أجيال اليوم ونعيده للحياة.

** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس

 

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

“زين” استعرضت جهودها لتأهيل القياديين والاستثمار في العنصر البشري

أعلنت زين عن كونها الشريك الاستراتيجي لمؤتمر “كسر الحواجز” الثاني بتنظيم المعهد الوطني للقادة (NLI)، الذي قامت خلاله باستعراض جهودها الاستراتيجية لتأهيل القياديين، والاستثمار في العنصر البشري، وتعزيز الصحة الذهنية للموظفين، وذلك تحت رعاية معالي وزير المالية ووزير الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار نورة الفصام.

شاركت زين في حفل افتتاح المؤتمر بمركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، بحضور مُمثّل راعي الحفل العضو المُنتدب للهيئة العامة للاستثمار غانم الغنيمان، والرئيس التنفيذي للغاية المؤسسية والموارد البشرية في زين الكويت نوال بورسلي، والرئيس التنفيذي لمجموعة الشركة الوطنية لمشاريع التكنولوجيا أنس ميرزا.

كما حضر الحفل الرئيس التنفيذي للاتصالات والشؤون المؤسسية في مجموعة زين محمد عبدال، والرئيس التنفيذي للاشتمال والتنوع في مجموعة زين مريم سيف، والرئيس التنفيذي للعلاقات والشؤون المؤسسية في زين الكويت وليد الخشتي، والمدير العام لشركة القادة الوطنية محمد الخليفي، وعدد من القيادات والمسؤولين البارزين من القطاعين العام والخاص.

خلال المؤتمر، شاركت نوال بورسلي في حلقة نقاشية ضمّت مسؤولين تنفيذيين من كبرى الشركات العاملة في القطاع الخاص الكويتي في قطاعات التكنولوجيا والبنوك والطاقة، حيث استعرضت استراتيجيات زين للاستثمار في العنصر البشري، وجذب الكفاءات الوطنية، وإعداد وتأهيل القياديين، والموازنة الفعّالة بين الحياة الشخصية والعملية، ودعم الموظفين والقياديين على اجتياز تحديات العمل المختلفة. 

كما سلّطت بورسلي الضوء على أبرز جهود زين لتعزيز الصحة الذهنية للموظفين، عبر إطلاق مُبادرة BE WELL لتصبح زين أحد أول المؤسسات في الشرق الأوسط التي استحدثت استراتيجية للصحة الذهنية، تسعى من خلالها الشركة إلى تحسين الصحة النفسية والارتقاء بمستوى رفاهية الموظفين.

وبيّنت بورسلي أن زين تسعى عبر هذه المبادرة إلى تعزيز الصحة البدنية والذهنية للموظفين، لتمكينهم من الارتقاء بأسلوب حياة أكثر صحةً في المكتب وفي المنزل، وقد رأت الشركة نتائجاً ملموسة بعد تطبيقها، وأسهمت في إثراء بيئة العمل، مما انعكس إيجاباً على أداء الشركة ورضا العملاء.

نوال بورسلي خلال الحلقة النقاشية

وخلال الكلمة الافتتاحية التي ألقاها على هامش الحفل، قال وليد الخشتي: “يمتد دعمنا لمؤتمر “كسر الحواجز” منذ السلسلة الأولى التي انطلقت في عام 2021، فالاستثمار في العنصر البشري ركيزة أساسية في استراتيجية زين نحو النجاح المُستدام.”

وأضاف قائلاً: “إن رسالة المعهد الوطني للقادة (NLI) تعكس بشكلٍ كبير أهدافنا الاستراتيجية في زين، وهذا ما يؤكّده شعار المؤتمر هذا العام – “قوة العقل، قوة الجسد، قوة القائد” – فنحن نسعى لترجمة هذه المفاهيم عبر العديد من البرامج، أبرزها مبادرة BE WELL لتحسين الصحة النفسية والارتقاء بمستوى رفاهية موظفينا، كما نحرص على الاستثمار في كوادرنا الوطنية، وتأهيلهم مهنياً وشخصياً ليقودوا مُستقبل زين.”

شهد مؤتمر “كسر الحواجز” هذا العام مشاركة نُخبة من المُتحدثين البارزين والخُبراء والمُتخصصين المحلّيين والعالميين الذين ناقشوا العديد من المجالات، أبرزهم ستيفن بارتليت، وهو رجل أعمال ومُستثمر ومؤلّف، ومستضيف البودكاست الأول فــي المملكة المتحدة “مذكرات رئيس تنفيذي”، بالإضافة إلى حسن الذوادي، الأمين العام للجنة العليا للمشاريع والإرث فـي قطـر، وشـغل منصب الرئيس التنفيذي في اللجنة الوطنية المنظمة لبطولة كأس العالم 2022 FIFA قطر.

هذا إلى جانب – د. مريـم العوضي، الأستاذ المساعد في قسم الطب النفسي بجامعة الكويت، واستشاري الطب النفسي، وآلاء الحميضي، المرشحة لنيل درجة الدكتوراه في علم النفس الإكلينيكي من جامعة كولومبيا، وتُعد من الرواد في مجال الصحة النفسية، وفيصل العقل، المبادر الكويتي الذي بدأ مسيرته المهنية كصيدلي قبل أن يقوم بخطوة جريئة نحو ريادة الأعمال، وهو منتج ومقدم البودكاست الأول في الكويت “بدون ورق”.

وأتت مُشاركة زين إيماناً منها بأهمية الدور الذي تلعبه مثل هذه المنتديات الأكاديمية والثقافية في تعزيز بيئة الإبداع في المجتمع، وتحفيز التطوّر المُستمر لدى أفراده، والمساهمة في إعداد القادة، ولهذا فقد حرصت الشركة أن تكون أوّل الداعمين لهذا المؤتمر منذ نسخته الأولى.

يذكر أن المعهد الوطني للقادة (NLI) هو أحد المراكز المملوكة للشركة الوطنية للخدمات التعليمية والتدريب (NEST) التابعة للشركة الوطنية لمشاريع التكنولوجيا، وتم إطلاق أول سلسلة لمؤتمرات المعهد في عام 2021 لعرض الحلول التدريبية على المؤسسات الكويتية، بحضور الآلاف من المشاركين في نسخه السابقة.

بورسلي ومريم سيف تتوسطان فريق زين المصدر بيان صحفي الوسومتأهيل القياديين زين

مقالات مشابهة

  • معًا ضد التنمر.. ندوات توعوية لطلاب المدارس في إيتاي البارود بالبحيرة
  • هناك فرق – منى أبوزيد – مهزلة العقل البشري!!!
  • سوء السلوك يتسبب بفصل 50% من ضباط الشرطة في إنجلترا وويلز
  • عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر: الإلحاد خطر ويؤدي إلى انعدام المسؤولية الأخلاقية
  • أستاذ بجامعة الأزهر: الإلحاد خطر على المجتمع ويؤدي إلى انعدام المسؤولية الأخلاقية
  • محمد مغربي يكتب: «الذكاء الاصطناعي» بين الأخلاق والقانون
  • إيران تعلن أن شارمهد توفي قبل إعدامه وألمانيا تحملها المسؤولية
  • الرجل المتجنب.. خفايا السلوك وطرق التعامل الذكية| نصائح من أخصائي نفسي
  • “زين” استعرضت جهودها لتأهيل القياديين والاستثمار في العنصر البشري
  • جامعة قناة السويس تنظم برنامجًا تدريبيًا لتعزيز السلوك الإيجابي لدى الطلاب