سيميائية السرد في الأخبار الصحفية.. كتاب جديد عن بناء الخطاب الإعلامي
تاريخ النشر: 19th, February 2024 GMT
فبراير 19, 2024آخر تحديث: فبراير 19, 2024
حامد شهاب
(سيميائية السرد في الأخبار الصحفية: دراسة في بناء الخطاب الإعلامي) كتاب جديد لزميلنا د. نزار عبد الغفار السامرائي، يرفد المكتبة الإعلامية العراقية والعربية بهذا النوع الذي يختص بسيمائية السرد في الأخبار الصحفية وتحليل الخطاب الاعلامي.
الكتاب صدر عن دار العربي للنشر والتوزيع ( القاهرة) ، وهو بـ 248 صفحة ، ويعد من وجهة نظر باحثين ومهتمين بالشأن الإعلامي إضافة نوعية أدبية، وصحفية، ونقدية لمن يدخل ميدان سيميائية السرد في الأخبار الصحفية ، التي قضى سنوات طوال ينهل من عالمها ، كونه رئيسا لتحرير وكالة الصحافة المستقلة ، وعمل في أكثر من صحيفة عراقية ، وله كتابات في السرد القصصي والإعلامي والروائي على حد سواء، ويجيد الغوص في أسرارها بمهنية واحتراف.
د. نزار عبد الغفار السامرائي كان مولعا بكتابة القصص القصيرة، منذ صباه، وقاده ولعه بالكتابة ليجد في دراسات الإعلام والخطاب الإعلامي والنقد في مجالي السرد الروائي والسيمائي أحد أهم توجهاته، بعد أن أعد مجموعة مؤلفات منها ( الخطاب الصحفي وتجهيل مصادر الاخبار، و قراءات سردية) إضافة الى القائه محاضرات مختلفة في الخطاب الإعلامي، سيميائية الاعلام ، وقد أجاد الرجل في مهمة تحليل الخطاب الإعلامي ولديه إسهامات بحثية عديدة كتبها خلال السنوات الماضية.
يتناول كتاب (سيميائية السرد في الأخبار الصحفية) تحليل الاخبار الصحفية وفق الاتجاه السيميائي بكونها نصوصا سردية تتضمن دلالات كامنة عبر تعامل المحررين مع الاحداث والشخصيات والسياق الزماني والمكاني.
و توزعت الدراسة على ثلاثة فصول مختلفة تناول الأول بشكل موجز تطور الدراسات السردية وتحول نظرية السرد من الأدب إلى دراسة النصوص المختلفة بما فيها النصوص الإعلامية بكونها نصوصا سردية تعتمد اللغة أداة لتوصيل المعلومة إلى المتلقي وهي بذلك تستخدم أدوات اللغة المختلفة مع التأكيد على الخصوصية التي تميز لغة الإعلام عن اللغة الأدبية.
في حين تناول الفصل الثاني عناصر السرد الصحفي وتشمل الحدث في النص الاخباري وتأثير الخبر الصحفي والسارد والمسرود له في النص الصحفي إضافة الى الفاعل في النص الاخباري كما تناول الزمن والمكان في النص الإخباري.
أما الفصل الثالث فقد تضمن تقديم نماذج تحليلية وفق النظرية الذي اتبعها الباحث لتحليل النصوص المختارة على وفق مدرسة باريس للسيمياء السردية.
الكتاب يمكن الباحثين والمهتمين بالخطاب الإعلامي والسرد السيمائي أن يجدوا فيه مبتغاهم ، في عرض الكثير من الأفكار والرؤى الإعلامية وأسس التحليل ومضامينه ، إضافة الى التعرف على أسلوب السرد الروائي.
ويشير الأستاذ الدكتور محمد رضا مبارك في تقديم الى الكتاب بأنه يعد واحدا من الكتب المهمة التي تدرس النصوص الصحفية دراسة سيميائية، وميزة هذا الكتاب مع كتب قليلة أخرى انهه فتح مجالات البحث للآخرين لدراسة النص الصحفي دراسة نوعية، لا تعتمد على الكم او التصنيف الكمي للمواد الصحفية التي هاجسها التكرار.
ومن الجميل والبديع ان يلتقط الباحث هذا المنحى الفكري الخلاق، وأن يكون في صلب الثقافة الجديدة يساعده في ذلك التعلق بحقلين مهمين هما الأدب والإعلام. وإذ مارس الباحث الأدب بواسطة الكتابة الفعلية في حقل السرد، فقد كان الإعلام حقلا واسعا لممارسة مستمرة، سواء في الصحف اليومية او الدراسة الأكاديمية.
المصدر: وكالة الصحافة المستقلة
كلمات دلالية: الخطاب الإعلامی فی النص
إقرأ أيضاً:
من النهر إلى البحر لسامر أبو هواش: رحلة في قلب الألم الفلسطيني والذاكرة الشعرية
تُجسد مجموعة الفلسطيني سامر أبو هواش الشعرية، "من النهر إلى البحر"، تجربة أدبية تتجاوز حدود الكلمة لتصبح شهادة وجودية على مأساة الإنسان الفلسطيني، وحيرة البشرية في مواجهة الخراب والاغتراب، ففيها قدم أبو هواش نصوصًا محملة بالألم والرمزية، تنقل قارئها من العدم إلى بصيص أمل خافت، في رحلة أدبية تفتح أبوابًا للمعاناة والتأمل على حد سواء.
لغة مكثفة وأثر عاطفي عميقتتميز لغة سامر أبو هواش، في عمله الصادر عن منشورات المتوسط مؤخرا، بكثافتها واختزالها، مما يجعل النصوص أقرب إلى انفجارات شعورية تنبع من عمق التجربة الإنسانية، فنجده يعتمد على التكرار كأداة أسلوبية محورية، تظهر بوضوح في السلسلة اللافتة التي تبدأ بـ"أردت أن أقول"، حيث تتحول الجملة إلى نواة فنية تحمل معاني متشعبة.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2معزوفة اليوم السابع.. جديد الروائي الأردني جلال برجسlist 2 of 2تنصت على حكايات الجدران.. ثورة السجون في "ممرات" تونسend of listسمحت تلك اللغة للصور الشعرية في المجموعة بأن تحاكي اللوحات البصرية، حيث يتجاور فيها الحسي والمجرد في تركيبة تنقل القارئ بين المشهد الواقعي والرمزية العميقة.
ففي قصيدة "الأنقاض"، يظهر مشهد اليد الممدودة من بين الشقوق كرمز للأمل المجهض، بينما تتحول المدينة في "المدينة الأخيرة" إلى حفرة تتجلى فيها نهاية الحضارة البشرية.
هنا، الخراب ليس مجرد مشهد مادي، بل حالة شعورية ومفهوم فلسفي يتخلل النصوص برمتها.
كزهر اللوز… أو أقرب. pic.twitter.com/HiInAkoH9b
— سامر أبو هواش (@samerabuhawash) November 20, 2020
بين الخراب والهويةاختار صاحب هذا العمل ثيمات مركزية جعلها تدور حول الخراب الإنساني والهوية والشتات، فهو لا يعتبر الحرب حدثًا تاريخيًا بل حضورا دائما يلتهم كل شيء. في نصوص مثل "الضباع"، يتحول العنف إلى كائن حي، في حين تُبرز "جثث صغيرة" مآسي فقدان البراءة.
إعلانالهوية، بدورها، تظهر كسؤال وجودي مستمر، كما في قصيدة "الرقم" التي تحول الإنسان إلى مجرد رقم محفور على الجبين، في إشارة إلى تجريد الفلسطيني من إنسانيته.
أما قصيدة "أهلي"، فتصور مأساة الجماعات المشتتة في عالم بلا وجهة، حيث يصبح الشتات تجربة وجودية تمتد خارج الإطار الفلسطيني لتلامس كل إنسان يبحث عن وطن أو معنى.
رغم سيطرة الخراب، تُضيء المجموعة ومضات من الحميمية والأمل، كما في قصيدة "أحملك يا صغيرتي"، حيث يتحول الحب الأبوي إلى قوة مقاومة للدمار.
في هذا النص، تتحول العلاقة بين الأب وطفلته إلى استعارة للحب كوسيلة للتغلب على الخسارة والوجع، ما يمنح القارئ شعورًا بأن العاطفة الإنسانية قادرة على مواجهة أكثر اللحظات قسوة.
رمزية المكان والإنسانالنصوص في هذه المجموعة تتجنب البناء التقليدي للقصيدة، لتقترب من كونها شظايا متناثرة تخلق معًا معرضًا للألم الإنساني. الرمزية، التي تُعتبر من أعمدة النصوص، تمنحها عمقًا وتفتح أبواب التأويل.
الضباع تتحول إلى تجسيد للوحشية العشوائية، والأطفال يظهرون كحَمَلة للبراءة المهدورة، بينما المكان يتحول إلى فضاء شعري يُعاد تشكيله ليعكس انهيار العالم. في قصائد مثل "أردت أن أقول البراءة"، يتم استخدام أعين الأطفال لنقل المأساة، إذ تتحول إلى مرايا لآلام لا تزال تعصف بالعالم.
ورغم أن المجموعة تنبع من سياق فلسطيني واضح، فإنها تتجاوز هذا الإطار لتصبح تأملًا عالميًا في معاناة الإنسان. سامر أبو هواش يلتقط مأساة الفلسطيني ويعيد صياغتها لتصبح شهادة أدبية تُخاطب كل فرد عانى من التشريد أو القهر.
في قصيدة "الرَّقْم"، يتحدث عن الفلسطيني كإنسان أُفرغ من هويته، لكن النصوص في مجملها تتجاوز السياق المحلي لتُبرز قضايا إنسانية عامة.
تسلط المجموعة الضوء أيضًا على فكرة الموت بوصفه جزءًا من الذاكرة الجمعية. الموت هنا لا يظهر فقط كحالة فردية، بل كمفهوم يربط بين الأجيال والقصائد، حيث تصبح النصوص أشبه بمرثية ممتدة تحمل في طياتها الحزن والاحتجاج معًا.
إعلانهذه العلاقة بين الموت والذاكرة تبدو أكثر وضوحًا في النصوص التي تركز على البراءة المفقودة للأطفال، وكأن الكاتب يعيدنا إلى فكرة الفقد كحالة أبدية تتكرر عبر التاريخ.
السياق السياسي حاضر بقوة في النصوص، لكنه لا يأتي في شكل مباشر. بدلًا من ذلك، يستخدم أبو هواش الرمزية والتصوير الفني ليجعل القارئ يشعر بالمأساة دون أن يُلقى عليه عبء السرد التاريخي.
قصائد مثل "أهلي" أو "المدينة الأخيرة" تُبرز أثر الاحتلال والاستعمار، لكنها لا تُختزل في ذلك، بل تُقدم تأملًا فلسفيًا عن الإنسان والهوية في عالم مهدد.
يلاحظ أيضا أن أبو هواش حرص، في معظم قصائد هذه المجموعة، على أن يشكل الإيقاع الداخلي للنصوص جزءًا لا يتجزأ من قوتها، فمن خلال التكرار والتنقل بين الصور الحسية والمجردة، تُحدث النصوص تحولًا عاطفيًا داخل القارئ. الموسيقى الداخلية هنا ليست مجرد زخرفة بل وسيلة للتعبير عن الألم وتحويله إلى تجربة جمالية.
سامر أبو هواش لا يقدم قصائد تُقرأ وتُنسى، بل نصوصًا تعيش مع قارئها، تُعيد تشكيل أفكاره وتفكيره حول الهوية (مواقع التواصل) عن مأساة العالم المعاصررغم كل هذا العمق، قد يجد القارئ بعض النصوص مغلقة أو ثقيلة بسبب التركيز العالي على الرمزية والاختزال. ومع ذلك، فإن هذا الانغلاق ذاته يُبقي النصوص حية في ذهن القارئ، إذ تتطلب قراءات متعددة لفك شِفراتها.
"من النهر إلى البحر" ليست مجرد مجموعة شعرية، بل شهادة إنسانية على مأساة العالم المعاصر. سامر أبو هواش يكتب نصوصًا تقاوم النسيان، وتفتح المجال للتأمل في أسئلة لا إجابة سهلة لها. بمزجه بين المأساة والجمال، يقدم عملًا أدبيًا جديرًا بأن يُعتبر جزءًا من الأدب الإنساني العالمي.
المجموعة ليست فقط تأملًا في معاناة الفلسطيني، بل في معاناة كل إنسان يُحاول أن يجد موطئ قدم في عالم يعج بالخراب والاغتراب.
سامر أبو هواش، عبْر هذه النصوص، يُجسد الألم كحقيقة إنسانية لكنه يحوله إلى فن خالد، يجعل من الكتابة مقاومة في وجه الفناء.
إعلانفي النهاية، هذا العمل هو دعوة للقارئ للبحث عن الأمل في خضم المأساة، واكتشاف جمال الكتابة التي تعبر عن تجربة إنسانية عميقة بكل تعقيداتها وآلامها. سامر أبو هواش لا يقدم قصائد تُقرأ وتُنسى، بل نصوصًا تعيش مع قارئها، تُعيد تشكيل أفكاره وتفكيره حول الهوية، المعاناة، والقدرة على الاستمرار.