تقرير: الأوضاع الجيوسياسية وضعف نمو التجارة وأسعار الفائدة تُكبّل نمو الاقتصاد العالمي في 2024
تاريخ النشر: 19th, February 2024 GMT
تستمر الضغوط والتحديات التي تزخر بها البيئة الاقتصادية العالمية خلال عام 2024، في ظل ارتفاع أسعار الفائدة، والأوضاع الجيوسياسية، وضعف نمو التجارة العالمية، ما يؤدي إلى تكبيل نمو الاقتصاد العالمي هذا العام، وعلى مستوى الاقتصاديات الكبرى، يعتقد بنك الكويت الوطني في أحدث تقرير له اليوم تلقت «الأسبوع» نسخة منه، أن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة المؤهلة لتحقيق نمو قوي في عام 2024 بفضل مرونة الإنفاق الاستهلاكي وقوة سوق العمل مما سيساهم في تعزيز النمو، في حين تتجه منطقة اليورو والمملكة المتحدة نحو الركود، إلا أن النمو قد ينتعش قليلاً مقارنة بقاعدة الأساس الضعيفة التي شهدها العام الماضي مع تراجع التضخم وانحسار صدمة الطاقة، ووسط معنويات التفاؤل بشأن خفض أسعار الفائدة.
وعلى الرغم من تباطؤ وتيرة النمو في اليابان على خلفية ضعف الطلب العالمي وانخفاض الأجور الحقيقية، يشكل التضخم الذي يتجاوز المستوى المستهدف تحدياً أمام بنك اليابان الذي من المتوقع أن يحول مسار سياسته النقدية نحو التشديد خلال العام الحالي. وتواجه الصين، التي كان انتعاشها بعد الجائحة مخيباً للآمال في عام 2023، رياحاً معاكسة نتيجة لضعف الاستهلاك المحلي وأزمة قطاع العقار، مما يزيد من المطالبات بضرورة وضع سياسيات للاستجابة أكثر اقناعاً.
الولايات المتحدة: مرونة سوق العمل وتباطؤ معدلات التضخم يعززان آمال الهبوط السلسواصل الاقتصاد الأمريكي مفاجآته الإيجابية على مدى الأشهر القليلة الماضية، مما دفع بصندوق النقد الدولي لرفع توقعات النمو في عام 2024 إلى 2.1% (ما تزال أقل من 2.5% في عام 2023) مقابل 1% المتوقعة قبل ستة أشهر. إذ نما الناتج المحلي الإجمالي بمعدل أعلى من مستوى الاتجاه العام بنسبة 3.3% في الربع الرابع من عام 2023، وتشير أحدث استطلاعات مؤشر مديري المشتريات واستطلاعات المستهلكين لاستمرار الزخم على مدار الأشهر المقبلة. وحتى الآن، كان الإنفاق الاستهلاكي مرناً في مواجهة ارتفاع أسعار الفائدة بدعم من التباطؤ العام لوتيرة التضخم (3.1% في يناير الماضي)، وتزايد فرص العمل (+350 ألف فرصة عمل في يناير مما يعد من أعلى المستويات المسجلة منذ 12 شهراً)، هذا إلى جانب تسارع نمو الأجور إلى 4.5% على أساس سنوي.
نمو ثروات الأسر بفضل ارتفاع أسعار الأسهم والمساكنونمت ثروات الأسر بفضل ارتفاع أسعار الأسهم والمساكن. وعلى الرغم من أن التأثير المتأخر لأسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى تآكل الدعم الناجم عن تلك المؤشرات خلال الفترة المقبلة، إلا أن الانخفاض الكبير لمعدلات التضخم ما زال يعزز آمال السوق في أن يتمكن الاحتياطي الفيدرالي من خفض أسعار الفائدة بشكل استباقي بمقدار 75-100 نقطة أساس هذا العام، مما يساعد الاقتصاد على تجنب الهبوط الصعب، بل وربما تمهيد الطريق لإعادة تسارع وتيرة النمو في عام 2025. وقبل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل، قد نشهد إقرار حوافز مالية إضافية، إذ إن سيناريو " الوضع المثالي" المتمثل في تباطؤ معدلات التضخم وتحسن وتيرة النمو الاقتصادي في ظل استقرار أسواق العمل، على الرغم من صعوبة حدوثه، إلا أنه ما يزال معرضاً لمخاطر مختلفة، كصدمات جديدة لسلاسل العرض في ظل تدهور الأوضاع الجيوسياسية، وعودة ارتفاع التضخم مما يؤخر خفض أسعار الفائدة. وتتضمن المخاطر السلبية الأخرى التي تهدد النمو تعثر قطاع العقارات التجارية، والذي بدأت اثاره في الظهور مؤخراً على النتائج المالية للشركات.
منطقة اليورو والمملكة المتحدة: انتعاش متواضع مقارنة بضعف قاعدة الأساس المسجلة العام الماضيبقي الركود يطارد منطقة اليورو، بعد أن تجنبت بصعوبة تسجل ربعين متتاليين من النمو السلبي (-0.1% على أساس ربع سنوي و0% على التوالي في الربعين الثالث والرابع من عام 2023). وما يزال أكبر اقتصادين في الكتلة، فرنسا وألمانيا، يعانيان من ضعف الطلب الخارجي (بسبب الصين بصفة رئيسية) وضعف الاستهلاك المحلي (نتيجة زيادة الأسعار وارتفاع أسعار الفائدة). وقام صندوق النقد الدولي مؤخراً بخفض توقعات النمو لمنطقة اليورو لعام 2024 من 1.2% في أكتوبر الماضي إلى 0.9%، على الرغم من أن تلك التوقعات تعتبر تحسناً مقابل 0.5% في عام 2023، في ظل تراجع التبعات الناجمة عن ارتفاع أسعار الطاقة وبدء انتعاش الانفاق الاستهلاكي تدريجياً.
خفض أسعار الفائدة في أوروباوفي ظل ضعف وتيرة النمو اقتصادي والانخفاض الحاد لمعدلات التضخم (تراجع إلى 2.8% كما في يناير)، تتوقع الأسواق أن يقوم البنك المركزي الأوروبي بخفض أسعار الفائدة بمقدار 75-100 نقطة أساس خلال العام الحالي، مع استمرار مرونة سوق العمل التي تعتبر أبرز المحفزات الرئيسية لتأخير تلك الخطوة. أما المملكة المتحدة، فقد تشهد انتعاشاً مماثلاً في النمو بوتيرة متواضعة تصل إلى 0.6% مقابل 0.1% في عام 2023، وفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي. كما أن نمو الأجور بنسبة 6.2% على أساس سنوي يعتبر متقدم بفارق كبير الآن على التضخم الذي وصل إلى 4.0%، مما سيوفر الأساس للحد من ضغوط تكلفة المعيشة هذا العام وتحسين توقعات الإنفاق الاستهلاكي. وقد تؤدي هذه التطورات لإبطاء وتيرة خفض أسعار الفائدة من قبل بنك إنجلترا، إذ تتطلع الأسواق لخفضها بنحو 75 نقطة أساس بنهاية عام 2024. ومن المرجح أن تكشف موازنة الحكومة المقرر الإعلان عنها في مارس عن حزمة من التخفيضات الضريبية لتعزيز النمو قبل الانتخابات العامة، إلا أن مجال المناورة محدود بسبب العجز المالي المتوقع أن يصل لنحو 5% من الناتج المحلي في عام 2024. وبعد أن مرّ بفترة من التصحيح الكبير في عامي 2022-2023، يبدو أن سوق الإسكان سيكون أكثر استقراراً. وكما هي الحال في الولايات المتحدة، تشمل المخاطر التي تحيط بآفاق نمو أوروبا عدم قدرة البنوك المركزية على خفض أسعار الفائدة إذا استمر ارتفاع التضخم، خاصة في ضوء ضعف توقعات النمو. كما أن الضبابية التي تحيط بأسعار الطاقة، والقضايا الجيوسياسية وتعطيل سلاسل التوريد نتيجة للهجمات التي تتعرض لها سفن الشحن المارة بالبحر الأحمر تشكل أخطار اضافية.
اليابان: نمو الناتج المحلي في السنة المالية 2024-2025 وإن كان بوتيرة بطيئةخفض بنك اليابان مؤخراً تقديراته للنمو الاقتصادي للسنة المالية 2023-2024 (المنتهية في مارس 2024) إلى 1.8% على خلفية تباطؤ النشاط الخارجي وتراجع معنويات المستهلك نظراً لارتفاع التضخم. إلا أن قوة سوق العمل، وارتفاع الأجور الأسمية، وتراجع ضغوط الأسعار إلى حد ما قد تساهم في دعم الاستهلاك الخاص خلال الفترة القادمة، في حين من المقرر أن يستمر القطاع السياحي في التعافي من الجائحة. ونتيجة لذلك، رفع بنك اليابان توقعاته للنمو في السنة المالية 2024-2025 بنسبة 0.2% إلى 1.2%، وعلى الرغم من ان هذا التوقع يعتبر أضعف من العام الحالي، إلا أنه ما يزال أعلى من متوسط النمو طويل الأجل. كما قام البنك بتعديل توقعاته الخاصة بالتضخم وخفضها إلى 2.4% مقابل 2.8% نتيجة لتراجع أسعار الطاقة، ثم إلى أقل من المستوى المستهدف لتصل إلى 1.8% في السنة المالية 2025-2026. وعلى الرغم من أن معدل التضخم ما يزال أعلى من المستوى المستهدف في الوقت الحالي، إلا أن بنك اليابان استمر في سياسته النقدية شديدة التيسير حتى الآن، إذ أبقى على أسعار الفائدة قصيرة الأجل عند ما نسبته -0.1%، خوفاً من أن تكون ضغوط الأسعار مدفوعة مؤقتاً بعوامل التكلفة. وفي اجتماعه الأخير، أرسل البنك المركزي إشارات مبكرة عن تحويل مسار سياساته نحو التشديد، رغم أنه لم يقدم أي مؤشر على توقيت أو وتيرة التغيير. ومن المرجح أن يتوقف الانسحاب الكامل من سياسة أسعار الفائدة السلبية على حدوث انتعاش اقتصادي واسع النطاق، بما في ذلك تحسن الانفاق الاستهلاكي بقوة وزيادة الطلب الخارجي.
الصين: الاستهلاك الضعيف يدعو إلى مزيد من الدعم الحكومي القوينما الاقتصاد الصيني بنسبة 5.2% في عام 2023، إلا أن الرياح المعاكسة الرئيسية التي أضعفت النمو ما زالت قائمة. ونظراً لاستمرار التأثيرات السلبية الناجمة عن أزمة قطاع العقارات، وضعف الاستهلاك المحلي، وتراجع القوى العاملة، وضعف توقعات الطلب الخارجي، فقد يبقى نمو الناتج في حالة تباطؤ طويل المدى. وأبدت المؤشرات الأخيرة كمسوحات مؤشر مديري المشتريات، ومؤشر أسعار المستهلكين، ومبيعات التجزئة، والائتمان المصرفي، والبيانات التجارية، تفاوتاً في مستويات الزخم منذ بداية عام 2024، ويتوقع صندوق النقد الدولي تباطؤ نمو الناتج المحلي إلى 4.6% في عام 2024. وتعثر نموذج الاقتصاد الصيني، الذي اعتمد بشكل كبير على الديون واستثمارات البنية التحتية والعقارات في الماضي، إذ أصبح الاستثمار كنسبة من الناتج المحلي الآن أقل بكثير من مستويات ما قبل الجائحة. ويعتبر التراكم الكبير للدين العام، خاصة بين الحكومات المحلية التي تعاني من ضائقة مالية، أحد أسباب الموقف الصعب للحكومة المركزية. وفكّر صناع السياسات في تعزيز الإنفاق على البنية التحتية، إلا أن تلك الخطوة قد تثير المخاوف بشأن تراكم الديون، نظراً لتناقص العائدات على الاستثمار.
وقد أدى عدم استقرار العلاقات الصينية الأمريكية وغيرها من التطورات الجيوسياسية لتفاقم التحديات التي تواجهها السلطات. إلا ان الحكومة تعهدت بتقديم دعم قوي لتحسين الاستهلاك المحلي، مع الحفاظ على تدابير نمو صادرات منتجات الطاقة الخضراء ذات القيمة المضافة العالية. كما حاولت السلطات دعم الأسواق المالية من خلال فرض قيود على البيع على المكشوف وضخ الأموال من خلال الشركات المملوكة للدولة، وهو ما يمكن أن يساهم في وقف تدفقات رؤوس الأموال للخارج وتعزيز أداء اليوان الضعيف. وعلى الرغم من ذلك، فإن التدابير التي تم تطبيقها مؤخراً لتجديد النشاط الاقتصادي لم تتمكن بعد من استعادة ثقة المستهلكين والمستثمرين.
اقرأ أيضاًتقرير: التضخم في أمريكا عكس التوقعات.. واقتصاد اليابان والمملكة المتحدة نحو ركود تقني
خبراء: خفض أسعار الفائدة في 2024 يمنح جرعات تفاؤل لـ الاقتصاد العالمي
خاص| الاقتصاد العالمي يلتقط أنفاسه بعد توقعات الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة في 2024
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: أسواق العمل اسعار الفائدة اسعار الفائدة من الفيدرالي الامريكي اقتصاد المملكة المتحدة اقتصاد الولايات المتحدة اقتصاد اليابان الاقتصاد الأوروبي الاقتصاد الصيني الاقتصاد العالمي الاقتصاد العالمي 2024 التضخم النمو الاقتصادي بنك الكويت الوطني مؤشر أسعار السلع مؤشر أسعار المنتجين مستويات التضخم معدلات النمو الاقتصادي
إقرأ أيضاً:
مصرفيون: قرار «المركزي» بتثبيت الفائدة يجهض أوهام وشائعات التعويم
أثار قرار لجنة السياسات النقدية بالإبقاء على سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي عند 27.25% و28.25% و27.75% على الترتيب، والإبقاء على سعر الائتمان والخصم عند 27.75%، ردود فعل إيجابية على القطاع المصرفي المصري بحسب خبراء مصرفيون ويسهم أيضًا في حصار التضخم.
أوضح الدكتور أحمد شوقي الخبير المصرفي قرار لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي، في اجتماعهـا مساء أمس، بتثبيت سعر الفائدة بالقرار، صائب ويخدم الصالح العام ويؤثر بشكل إيجابي على الاقتصاد المصري الذي يسير بخطى ثابتة وجيدة نحو الإصلاح المالي.
قرار المركزي له أثر إيجابي على الاقتصادوأضاف لـ«الوطن»،أن البنك المركزي يسعى من خلال تلك القرارات التي اتخذها بتثبيت الفائدة إلى خفض التضخم والوصول به إلى أدنى مستوى من خلال الإصلاحات النقدية وأن الهدف الرئيسي هو احتواء معدلات التضخم، وأن دور اللجنة التنسيقية بين السياسة النقدية والمالية سيكون له أثر إيجابي في عملية حصار التضخم وتح يجب تدخل أدوات السياسة المالية الرقابة على الأسواق والمنتجات والضرائب والجمارك.
تثبيت سعر الفائدة تجهض شائعات التعويموأوضح شوقي أن قرار البنك المركزي بتثبيت سعر الفائدة تجهض شائعات التعويم المستمرة وأن البنك المركزي لا توجد لديه نية لتحريك سعر الصرف خلال الأشهر المقبلة لأن توفير العملات النقدية في البنوك لا يوجد فيه أي مشاكل وبالتالي أن الأمور النقدية تسير بشكل طبيعي على أرض الواقع وهذا يوضح أن قرارات المؤسسات الدولية بتغيير النظرة إلى الاقتصاد المصري وعملية الائتمان إلى إيجابية هو قرار صحيح مستند إلى وقائع تحسن الاقتصاد المصري وزيادة الاستثمارات الأجنبية والمحلية.
وأكد الدكتور هشام إبراهيم الخبير المصرفي في حديثه للوطن أن قرار لجنة السياسات النقدية منطقي ويستند إلى حركة الاقتصاد على أرض الواقع، وأن جميع جهود الدولة تسعى إلى محاصرة التضخم واحتوائه بشكل سريع حتى لا تكون نتائجه سلبية على المواطنين.
وأضاف أن شائعات التعويم مجرد أوهام ليس لها أي أساس من الواقع لأن الدولة قامت بتعويم الجنيه خلال العام المالي الماضي، ولا يوجد ما يستدعي للتعويم العنيف لأن سعر الدولار في السوق المصرية طبيعي وتقديره في البنوك متقارب بشكل كبير من السعر الطبيعي، فالحديث عن التعويم شائعات من السوشيال ميديا ليس لها أساس من الصحة ولا تستند إلى نتائج ووقائع حقيقية.
أسباب خفض الفائدةوأشار إبراهيم إلى أن أسباب تثبيت الفائدة البنكية على الإيداع والإقراض، تستند إلى السياسات النقدية التقييدية التي انتهجتها اقتصادات الأسواق المتقدمة والناشئة، أسهمت في انخفاض التضخم عالميا، وعليه اتجهت بعض البنوك المركزية إلى خفض أسعار العائد تدريجيا، مع الإبقاء على المسار النزولي للتضخم، للوصول به إلى مستوياته المستهدفة، وبينما يتسم معدل النمو الاقتصادي باستقراره إلى حد كبير، فإن آفاقه لا تزال عُرضة لبعض المخاطر ومنها تأثير السياسات النقدية التقييدية على نمو النشاط الاقتصادي، والتوترات الجيوسياسية، واحتمالية عودة السياسات التجارية الحمائية.