“أضاعوني” تقودنا إلى محطات كدنا ننساها من تاريخنا
تاريخ النشر: 19th, February 2024 GMT
أثير – مكتب أثير في تونس
قراءة: محمد الهادي الجزيري
في هذه المجموعة تقودنا الكاتبة الكبيرة والمؤرخة الدكتورة هند أبو الشعر إلى محطات كدنا ننساها من تاريخنا ، ولم نعد نلتفت إليها إلا لماما ..، المهمّ أنّها فتحت جراحا حسبنا أنّنا شفينا منها، الاسم الذي عنونت به الكتاب ..اسم دالّ ومثير..ونستهلّ القراءة به ومنه .
رمزيّة القصة واضحة وبيّنة.. القلعة المذكورة داخل المتن السردي .. لعلّها الأمة أو المسجد الأقصى..، وأبو فراس..يرددّ من أوّل سطر إلى آخر زفرة : أضاعوني ، وكم أضعنا من أبي فراس في هذا التاريخ المؤلم الحزين… ،لعلّ صوت الفتى الصاعد إلى الأعلى.. إلى أعلى قمة في القلعة.. صوته الحازم الواثق المتسائل من يحارب معي… الشيء الوحيد المحفز على الحياة في ظل الهوان والذل والانبطاح الذي نعيشه، قصّة مشحونة برموز عديدة ..تحفّز القارئ على الوقوف طويلا أمام هذه المسمّيات مثل ( الروم والقلعة وأبي فراس والسيوف ..إلخ ) ليذكر ما كان ويسقطه على الحاضر الأليم :
” ـ من سيحارب الروم معي ؟ من ؟.
سكتت الهمهمات بيننا ، عرفنا أنّ الروم جاءوا ، ظلّت أضواء المشاعل تهتزّ في الأيدي، وكلّنا نقول لبعضنا :
ـ مَنْ ؟ مَنْ ؟ “
في ” البيت ” قصص كثيرة قصيرة الطول ..تصبّ في استحضار الأبوين وما كان معهما في الحياة وما كان عليهما، نقرأ عن ذهب الوالدة الذي تجبر على بيعه لإتمام البيت، ونقرأ عن جشع الورثة وبكاء الساردة بجانب الشجرة وقد أحاطتها بذراعيها ..، ونقرأ عن موت الجدة في غرفة الإنعاش ..وغيرها من القصص المرتبطة بمحور البيت ( الأب والأمّ والجدّين .. :
” قبّلت جبينه وأنا أمسح دمعته، أمسك بيدي وقبلها، كانت كفّه الجافة العتيقة مثل ساق الدالية التي زرعها ذات يوم في بيته الكبير، قلت بصوت يقتله الندم :
ـ أنا جائعة يا جدّي..هل نتعشى معا على الشرفة ؟
تتميّر مجموعة ” أضاعوني ” لهند أبو الشعر، بعدّة مميّزات فأوّلا أنّها جمعت نخبة من قصص قصيرة في باب واحد : كباب ” البيت ” ، ثمّ باب ” قطط ..قطط ” التي تتمحور حول عالم القطط ..، وثانيا حميمية السرد الدافئ العطوف ..، وثالثا اختتام هذا المتن السردي الذي فيه رمزية وصدق بالغ وصريح …ختمته بقصة عذبة وردت كي يرتوي القارئ بعد حكايات الضياع والخيانات والموت ..إلخ ، القصة بعنوان ” طلب صداقة ” وفيها تدفّق شعوري وإحساس جميل ..، يمجّد في المسكوت عنه ..عالم التواصل الجديد :
” بعد كلّ هذه السنين الجافّة ، بعد كلّ هذا القحط ، تزهرين بقلبي فجأة ، ما هذه النعمة التي هبطت على روحي من عالم الأنترنت ؟ ما هذا الفرح الصباحي الذي لا أصدقه ؟
لم تتأخّر ، تابعها تكتب ، التصق بالشاشة وقلبه يدقّ بجنون ..هيَ والله هيَ
لماذا تأخّر عالم الانترنت كلّ هذا الزمن ؟، لماذا ضعت منّي كلّ هذا العمر يا امرأة؟ لماذا؟”
كنت أودّ الخوض معكم في هذه المجموعة الشيقة المكتوبة بحبّ وخبرة سردية ، ولكنّني ملزم بطول هذا المقال الإخباري التعريفي بأهمّ الكتّاب العرب ممّن كرّسوا حيواتهم للأدب والبحث والدراسة ..، وأحسن ما أختم به هو التذكير بأنّ هند أبو الشعر كاتبة وأكاديمية ومؤرخة أردنية، تكتب القصة القصيرة، والنصوص، والمقالات الصحفية، والدراسات التاريخية. أستاذة جامعية، شاركت في العديد من المؤتمرات والندوات التاريخية والأدبية في الأردن والبلاد العربية، وأشرفت على العديد من الرسائل الجامعية وشاركت في عشرات المناقشات لرسائل الماجستير والدكتوراه في الجامعات الأردنية والعربية، لها 86 كتابا منشورا بين القصص والدراسات التاريخية والكتب الوثائقية….، كما حصلت على وسام الملك عبدالله الثاني ابن الحسين للتميز والإبداع عام 2016 م، وحصلت على جائزة الدولة التقديرية عام 2021 م عن مجمل أعمالها في حقل العلوم الاجتماعية وتاريخ الأردن.
المصدر: صحيفة أثير
كلمات دلالية: مكتب القاهرة
إقرأ أيضاً: