ضرورة تأهيل الموظفين وتقييم الإمكانيات التقنية

العالم يدخل عصر الذكاء الاصطناعي .. ماذا تستفيد الحكومات والمواطنون؟

التقنيات تتيح أن يكون الجمهور هو الأولوية دائما وفي قلب الاهتمام .. وتحليل البيانات بشكل شامل ودقيق يقدم خدمات أكثر فعالية للمواطنين

نتائج مهمة في تحسين الإنتاجية .. وتقنيات مثل معالجة البيانات النصية الطويلة توفر الوقت وتتيح مجالا للتفكير الإبداعي والتركيز على المستهدفات والنتائج

مستويات الاستفادة تتباين بين الدول وأيضا داخل كل دولة وفقا لتطور البنية التقنية في مختلف الجهات ومهارات العاملين

خلال عام 2024، التحول الرقمي المستمر يعزز كفاءة البرامج الحكومية وفعالية السياسات، وهناك عنصران حاسمان يقودان التحول هما البيانات والذكاء الاصطناعي

تعد الحكومات في مختلف الأنظمة الاقتصادية المحرك والقائد لتوجهات النمو والتنمية، وكلما كانت قادرة على اللحاق بالمتغيرات الكبرى التي يشهدها العالم يتسع نطاق ما تحققه من فوائد في رفع كفاءة وسرعة الأداء الحكومي ودعم التنافسية والقدرة على استشراف متطلبات النمو في المستقبل بما يحمله كل ذلك من فوائد للدولة والمواطنين، وفي عالم يشهد بزوغ تقنيات شديدة التطور مثل الذكاء الاصطناعي بأنواعه التقليدية والتوليدية، تتجه غالبية الحكومات، ومن ضمنها سلطنة عمان، لاستكشاف الإمكانيات الكبيرة التي يتيحها التطور التقني، حيث لم تعد قواعد البيانات والتقنيات التقليدية كافية لتحقيق نقلة نوعية ملموسة في إنجاز المهام متعددة الأوجه للقطاع الحكومي بما في ذلك تطلع المواطنين والمستثمرين إلى إنجاز سهل وسريع للمعاملات والإجراءات.

يأتي الذكاء الاصطناعي ليفتح الباب واسعًا للعديد من الفوائد للحكومات والمواطنين، ويسهل تسخير التقنيات في الوصول للنتائج واتخاذ القرار ووضع الاستراتيجيات لرفع الأداء وتسهيل الخدمات، وفيما تواصل الحكومات في جميع أنحاء العالم تجربة استخدام الذكاء الاصطناعي، وتبحث في طرق للاستفادة من النماذج والتطبيقات الأساسية لهذه التقنية، يظل السؤال البارز لدى الحكومات هو كيف نحقق الاستفادة الفضلى للمواطنين والمستفيدين؟ وربما تكون الإجابة أن التقنيات الحديثة تتيح أن يكون الجمهور هو الأولوية دائما وفي قلب الاهتمام، فالذكاء الاصطناعي لا يساعد فقط في تحسين بعض الخدمات اليومية التي يحتاجها الأفراد، بل يمكنه أيضًا المساعدة في التواصل والتفاعل الأفضل بين الحكومة وموظفيها من جانب وبينها وبين مواطنيها من جانب آخر، وفي عالم الأعمال، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يوفر للشركات ميزة تنافسية على نظرائها، لكن تأثير الذكاء الاصطناعي على القطاع العام قد يكون أكثر عمقًا لأنه يوفر الفرصة لتحليل البيانات بشكل شامل ودقيق، بهدف تقديم خدمات أكثر فعالية للمواطنين وبشكل استباقي.

وقد يشمل ذلك تقليل وقت الاستجابة لمعالجة المطالبات أو تقليل الإجراءات الروتينية للشركات أو المتعاملين مع الجهات الحكومية وغير ذلك من إمكانيات التطوير في الأداء الحكومي، ولذلك فعند تصور مستقبل الحكومات يبدو الدور الذي يمكن أن يلعبه الذكاء الاصطناعي كبيرا.

وتقدم تقارير ودراسات شركات التقنيات العالمية والشركات المتخصصة لمحات مهمة عن الدور الذي يمكن أن يقوم به الذكاء الاصطناعي في تسهيل الخدمات الحكومية وما يتطلبه هذا التحول من ترقية أو تقييم للإمكانيات التقنية والاهتمام بتأهيل العنصر البشري كوسيلة لإرساء الثقة في التعامل بين المستفيدين والمواطنين خاصة حين يتعلق الأمر بالخدمات.

وفي تقرير صادر عن شركة ساس المتخصصة في الاستراتيجيات والمشروعات التقنية، يرى التقرير أنه يمكن للموجة الجديدة من الذكاء الاصطناعي والنماذج الأساسية التي يقدمها الذكاء الاصطناعي التوليدي، أن تمثل فرصة كبيرة جديدة لوضع الذكاء الاصطناعي في خدمة الحكومات، حيث أصبح بإمكان الحكومات تسخير قدرات تقنية متطورة مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي أو التفاعلي حيث يتم طرح الأسئلة وتحليل البيانات واتخاذ القرارات.

فيما يوضح تقرير صادر عن شركة ديلويت الاستشارية في قطاع الأعمال أن قطاع الخدمات الحكومية والعامة يشهد تغيرات كبيرة في ظل التوجه نحو الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي، مشيرًا إلى أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي ومستويات الاستفادة منه قد تتباين ليس فقط بين الدول لكن أيضا داخل الدولة الواحدة وفقا لتطور البنية التقنية ومهارات العاملين في مختلف الجهات الحكومية، ومدى اعتماد بنيتها الأساسية التقنية الحالية على الأنظمة القديمة للبيانات أو استخدامها للتقنيات المتطورة كوسيلة تحقق استفادة الجهات الحكومية الخدمية والصحية وغيرها من الجهات من الذكاء الاصطناعي، ولذلك لا بد خلال المراحل الأولى من استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة إجراء التقييمات الضرورية لمدى استعداد المؤسسة أو الجهة الحكومية لاستخدام الذكاء الاصطناعي وتحديد أين يمكن أن يتحقق العائد الأكبر على الاستثمار من خلال حالات الاستخدام المتعددة مثل التحليل المناخي والاقتصادي ومراقبة التجارة والأبحاث وتطوير الخدمات.

ومن جانب آخر، ترى دراسة صادرة عن شركة اي بي ام المتخصصة في التقنيات أن الانتقال لمرحلة الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في القطاع الحكومي والعام أصبح أكثر سهولة، فإحدى الإمكانيات المبدعة ما يمتلكه الذكاء الاصطناعي من القدرة على تعزيز التحديث الرقمي.

وترصد الدراسة ثلاثة مجالات رئيسية ينبغي التركيز من قبل الوكالات والجهات الحكومية للاستفادة الفضلى من استخدام الذكاء في تعزيز الأداء والخدمات.

وأول هذه المجالات هو الاهتمام بالعنصر البشري وتأهيل القوى العاملة للتحول الرقمي في جميع المستويات الحكومية، من الكيانات الوطنية المركزية إلى الحكومات المحلية، فالموظفون ينبغي أن يكونوا مستعدين لعصر الذكاء الاصطناعي الجديد، وفي حين أن هذا قد يعني توظيف مواهب جديدة مثل علماء البيانات ومبرمجي البرمجيات، فإنه ينبغي أن يعني أيضًا تزويد العاملين الحاليين بالتدريب الذي يحتاجون إليه لإدارة المشروعات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي.

ويمكن أن يأتي ذلك بنتائج مهمة في تحسين الإنتاجية، حيث إن تقنيات مثل معالجة وقراءة وتحليل البيانات النصية الطويلة التي تستغرق وقتًا وجهدًا كبيرين يمكن أن توفر وقت وطاقة الموظفين وتتيح مجالًا أوسع لاجتماعات عالية القيمة والتفكير الإبداعي والتركيز على المستهدفات والنتائج المطلوبة من العمل.

أما مجال التركيز الرئيسي الثاني فهو دعم المواطنين بتسهيل ملموس للخدمات، فلكي يفيد الذكاء الاصطناعي المجتمع حقا، يحتاج القطاع الحكومي إلى إعطاء الأولوية لحالات الاستخدام التي تحقق فوائد مباشرة، وهناك إمكانية لمجموعة متنوعة من الاستخدامات في المستقبل سواء كان ذلك توفير المعلومات بشكل فوري، أو تخصيص الخدمات على أساس الاحتياجات الخاصة للمواطن، أو تسريع الإجراءات والمطالبات التي تتسم عادة ببطء ملحوظ وتتطلب الانتظار لساعات تنهك كلًا من صاحب الخدمة وكذلك الموظفين الذين يبحثون عن المعلومات المخزنة في قواعد بيانات مختلفة ومتعددة، وعلى العكس من ذلك تأتي قدرة الذكاء الاصطناعي على الوصول إلى البيانات وتنظيمها والاستفادة منها لتوجد إمكانيات جديدة لتحسين هذا الأداء.

ووفق الدراسة، يعد مجال التركيز الثالث المهم هو تحديث البنية التقنية لأن الذكاء الاصطناعي أصبح عنصرا حاسما في جهود التحول الرقمي في القطاع العام، وقد تتراجع الحكومات بشكل منتظم عن التحول الرقمي الحقيقي بسبب الأنظمة القديمة التي تتطلب جهدًا كبيرا وتكلفة كبيرة للتحديث.

على سبيل المثال، يمكن الاستفادة بشكل أفضل من البيانات من خلال ترحيل أنظمة تكنولوجية معينة إلى خدمات السحابة الافتراضية ودمجها مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي وهذا يمكن أن يفيد في خفض التكلفة ويعزز أيضا الأمن السيبراني.

وإضافة إلى هذه المجالات المهمة، أصبح الالتزام بالذكاء الاصطناعي المسؤول وترسيخ الثقة في التعاملات التقنية محورًا مهمًا للاهتمام، فلا تكتمل أي مناقشة حول الذكاء الاصطناعي دون التأكيد على أهمية الاستخدام الأخلاقي للتكنولوجيا طوال دورة حياتها بدءًا من التصميم والتطوير والاستخدام والصيانة، وعلى الهيئات الحكومية وجهات القطاع العام أن تعمل على أن يتم النظر إليها على أنها المؤسسات الأكثر ثقة، وهذا يعني أن العنصر البشر يجب أن يظل فعالا في قلب الخدمات التي تقدمها الحكومة تجنبًا لما يمكن أن يحدث من مخاطر في الاعتماد التام على التقنيات عند التواصل مع المستفيدين، ودور العامل البشري هنا هو التأكد من أن تجربة المستفيد والمواطن مع الخدمة التقنية تمضي بشكل جيد وتحقق الخصائص الأساسية للذكاء الاصطناعي الجدير بالثقة وهي قابليته للفهم بدون تعريض المستخدم للتعقيدات وتحقيقه للإنصاف والعدالة في التعاملات والشفافية وتمتعه بالقوة والسرعة في الأداء وحفاظه على الخصوصية وسرية البيانات.

وحين تتم الاستعانة الذكاء الاصطناعي بطريقة تضمن توفر هذه الخصائص، فإنه يمكن أن يساعد الحكومات والمواطنين على حد سواء بطرق جديدة ومبتكرة ولعل أكبر فائدة للذكاء الاصطناعي وتطبيقاته هي نطاقه فهو يمكن أن يمتد ليشمل كافة الجهات والشركات، ويمكن استخدامه في المشروعات الحكومية المركزية والمحلية، مثل استخدام النماذج التفاعلية لتحسين كيفية بحث الموظفين والمواطنين في قواعد البيانات ومعرفة المزيد عن الفرص الاستثمارية والسياسات أو المزايا والحوافز التي تقدمها الحكومة.

وتتوقع الدراسة أنه خلال عام 2024، ستؤدي عملية التحول الرقمي المستمرة إلى تعزيز كفاءة البرامج الحكومية وفعالية السياسات، وهناك عنصران حاسمان يقودان هذا التحول الرقمي هما البيانات والذكاء الاصطناعي الذي أصبح يلعب دورا محوريا في إيجاد القيمة من البيانات واكتساب رؤى أعمق حول المعلومات والبيانات الشاملة المتوفرة لدى الحكومات، وعلى سبيل المثال، يعد النظام القانوني من أكثر المستفيدين من تطبيقات معالجة النصوص، وتتجه الأنظمة القضائية إلى الذكاء الاصطناعي للمساعدة في إدارة الكميات الهائلة من البيانات وتسريع حل القضايا بما يساعد المحققين والمحامين والقضاة على التوفيق بين الظروف المحيطة بقضية معينة واستخراج الأحكام السابقة في محاولة لضمان سرعة تحقيق العدالة.

تغيرات سريعة تقود إليها تقنيات الذكاء الاصطناعي. «رويترز»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی الجهات الحکومیة التحول الرقمی الاستفادة من الاصطناعی ا یمکن أن

إقرأ أيضاً:

ماذا عن الفقراء؟ التماثيل التي ليس لها متحف؟

عند فتحة الأبواب الضخمة للمتحف المصري الكبير، يوم السبت الماضي، كانت أضواء الكاميرات تتسابق لالتقاط ضوء الذهب والأحجار القديمة، بظلالها الفخمة على ضفاف النيل بجوار المعمار التاريخي العظيم والضخم؛ الأهرامات. في ذلك المشهد الصاخب، وقف، كعادته مثلما فعل منذ سنوات عند حفل نقل المومياوات، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي متألقا بين شخصيات من كل حدب وصوب، يردّد بحماس مفردات "النهضة التاريخية" و"إرث الحضارات"، ويؤكد أن مصر تثبت للعالم عظمة أم الدنيا. ولكن، وسط زحمة الأغاني الوطنية وموسيقى الأوركسترا وكلمات الحمد، تبرز مفارقة حرجة: في هذا العرض الكبير للتراث الفرعوني، ما هي أحوال المواطنين؛ الشعب المصري؟

هناك حيث تختفي الأضواء، ينهض المصريٌّ في أول الضحى ليبدأ يومه المنهك في لقاء الذل المعيشي من أجل حياة بسيطة، وبينما تتسابق الوفود العالمية خلف نُصب تحتمس الثالث وكنوز الملك توت عنخ آمون، يعجز هذا المواطن عن توفير بديل صحي يناسب أولاده، وعن تسديد فاتورة طاقة جعلتها القرارات الاقتصادية فوق طاقة الفقراء، ناهيك عن الطوابير الطويلة على الخبز المدعم أو الأدوية من المستشفيات العامة، وشكوى النساء المُثقلة بمشقة العيش فوق رؤوسهن؛ كل ذلك لا وجود له على شاشات هذا الحفل الباذخ، شاشات السُلطوية.

إنها سخرية الاستبداد: التماثيل الملمعة لها متحفٌ فاخر، في حين أن الشعب المصري لا يجد متحفا يؤويه من عِفار الحياة. هذا ليس مجرد تشبيهٍ شعبيٍّ مأثور، بل حقيقة نراها بأم العين يوميا. فالمتحف الجديد انتقل به الحاكم المصري القديم، الفرعون المُتجدد، من مملكة الرمال إلى قصرٍ من زجاجٍ ذهبي، بينما بقي المصري المعاصر محشورا بين تذاكر الأتوبيس اليومية وأقساط المدارس، وأتربة المعمار المُهدَّم، يبحث عن كرامة تكفل له حياة لائقة. في بلدٍ يفتخر تاريخه الحجري القديم، بات العيش اليومي وعبء المعيشة مثقلين بنفقاتٍ تفوق قدرات أصحاب الأجور الثابتة، فهم بالكاد يجدون قوتهم شبه محسوم للعجز كما نقرأ في سجلات الاقتصاد، ومعدلات الفقر التي تزداد عاما بعد آخر.

الأمر ليس هنا فقط؛ فكلما أعلنت الحكومة عن منتدى استثماري جديد أو احتفاء بإطلاق مشروع قومي، تتردّد في الشوارع حكايات عن مصاعب حقيقية. رفع الدعم عن المحروقات والكهرباء، وتعويم الجنيه، وارتفاع أسعار السلع الأساسية كان له صدى بعيد في بيوت المصريين. خبرٌ هنا عن زيادة مفاجئة في فواتير الكهرباء تثير القلق، وهناك قرارٌ بإلغاء دعمٍ غذائيٍ أو دوائيٍ دون أن يشعر المواطن بأي مراعاة لظروفه، وبينما نسجت الكاميرات قصة إنجاز الحضارة القديمة، ظلت قصة المواطن نفسه تقتات على مزيجٍ من الكلمات الرنانة والإحصائيات الرسمية.

المفارقةُ أن السُلطة حين تبني هذا الصرح الفخم لتراثنا هي تبني أيضا سورا عازلا بينها وبين المواطن؛ تماثيل الملكة نفرتيتي أو إيزيس تبدو في المتحف بأبهى حلةٍ، وقد أُحيطت بعنايةٍ استثنائية، بينما يبقى المصري الذي جاهد ونافح من أجله التاريخ هو الغائب الأكبر والتمثال الصامت. وكم هو مُؤلم أن نسمع كلام القيادة عن "تثبيت الاقتصاد" و"تعزيز التضامن الاجتماعي" في وسائل الإعلام، فيما ترى جموع لا تجد الحرية في اقتناء أبسط سلعها. صحيح أن بعض الأرقام الرسمية قد تُشير إلى انتعاشٍ نسبي أو تراجعٍ متواضعٍ في التضخّم، لكن ربات البيوت في الأسواق وحَمَلة الشهادات العاطلين في محطات النقل يتحدثون بلغة أخرى: لغة الحجر الذي يحتضن التاريخ أكثر من الجسد البشري اليوم.

هناك أيضا مَن يذكّرُ -وربما بسخريةٍ خفيفة- بأنه في العصر الفرعوني كان العمال يُدفنون مع فرعونهم عظمة وحلوى حرير، بينما في هذا الزمن يكافح العمال للوصول إلى نهاية الشهر دون أن تسلخ الكرامة عن نفوسهم. نتباهى في هذه الليلة الدولية بمخزونٍ من التاريخ يُبهِج الناظرين إلى عظمة الأسلاف، لكن هل حقا فاض قلبنا بالفخر أم أنه غُشيَ به فلم يعترف بأبناء هذا الحاضر؟ تتهاوى بعض الردود الشعبية الساخرة على مواقع التواصل: التماثيل اليوم تُعالَج بحبٍّ واحتفاءٍ في متحف يُحاكي القصور، أمّا المواطن فلا يجد له سوى وعدٍ لا يتحقق، وحتى لم يعد الوعد يتردد.

الليلة لم يكن الحديث عن شوارعٍ مضاءة أو مدارسٍ جديدة، بل عن صالة عرض للماضي الزاهي، ماضٍ تُحب سُلطوية السيسي استرجاعه، وإعادة إحيائه، بهدف خدمة بقائها ولمعان صورتها بالإنجازات القومية والحضارية؛ من قناة السويس إلى نقل المومياوات وصولا إلى المتحف المصري الكبير. ربما لا يزال البعض يصدق أن ضخ مشروع فخم كهذا سينشط السياحة ويرد رصيدنا الأجنبي، لكن السؤال يبقى: ما قيمة غنائم الذاكرة إن فقدنا أحباءنا في خضم المعاناة اليومية؟ إن نحتَ الأحجار وضخ الدماء في معبدٍ من إسمنتٍ وألوان، لن يُعيد الرونق لعيونٍ غرقت بالغُبار والجوع والاشتياق للحرية. إذا كان المتحف يجسّد عمق ماضينا، فإنّ الشعب يحلم بمستقبلٍ لا أفق له، مستقبل فُقِد الأمل في تحقيق وجوده.

مقالات مشابهة

  • ماذا عن الفقراء؟ التماثيل التي ليس لها متحف في مصر
  • ماذا عن الفقراء؟ التماثيل التي ليس لها متحف؟
  • زمن التفاوض.. ماذا يمكن للبنان تقديمه؟
  • أميركا والإمارات تتحالفان لتسريع سباق الذكاء الاصطناعي في مجال الطاقة
  • تركيا.. الذكاء الاصطناعي يدخل قاعات المحاكم
  • العراق يحتل المراتب الأخيرة عربياً و86 عالمياً في استخدام الذكاء الاصطناعي
  • المشكلة التي لا يمكن حتى للحواسيب الكمومية حلّها
  • بجواز السفر فقط.. قائمة الدول التي يمكن السفر إليها بدون تأشيرة
  • 10 علامات.. كيف تميّز الأخبار التي أُُنتجت بواسطة الذكاء الاصطناعي؟
  • كوريا الجنوبية: القمر الاصطناعي العسكري الخامس يدخل مداره بنجاح