العالم يدخل عصر الذكاء الاصطناعي .. ماذا تستفيد الحكومات والمواطنون؟
تاريخ النشر: 19th, February 2024 GMT
ضرورة تأهيل الموظفين وتقييم الإمكانيات التقنية
العالم يدخل عصر الذكاء الاصطناعي .. ماذا تستفيد الحكومات والمواطنون؟
التقنيات تتيح أن يكون الجمهور هو الأولوية دائما وفي قلب الاهتمام .. وتحليل البيانات بشكل شامل ودقيق يقدم خدمات أكثر فعالية للمواطنين
نتائج مهمة في تحسين الإنتاجية .. وتقنيات مثل معالجة البيانات النصية الطويلة توفر الوقت وتتيح مجالا للتفكير الإبداعي والتركيز على المستهدفات والنتائج
مستويات الاستفادة تتباين بين الدول وأيضا داخل كل دولة وفقا لتطور البنية التقنية في مختلف الجهات ومهارات العاملين
خلال عام 2024، التحول الرقمي المستمر يعزز كفاءة البرامج الحكومية وفعالية السياسات، وهناك عنصران حاسمان يقودان التحول هما البيانات والذكاء الاصطناعي
تعد الحكومات في مختلف الأنظمة الاقتصادية المحرك والقائد لتوجهات النمو والتنمية، وكلما كانت قادرة على اللحاق بالمتغيرات الكبرى التي يشهدها العالم يتسع نطاق ما تحققه من فوائد في رفع كفاءة وسرعة الأداء الحكومي ودعم التنافسية والقدرة على استشراف متطلبات النمو في المستقبل بما يحمله كل ذلك من فوائد للدولة والمواطنين، وفي عالم يشهد بزوغ تقنيات شديدة التطور مثل الذكاء الاصطناعي بأنواعه التقليدية والتوليدية، تتجه غالبية الحكومات، ومن ضمنها سلطنة عمان، لاستكشاف الإمكانيات الكبيرة التي يتيحها التطور التقني، حيث لم تعد قواعد البيانات والتقنيات التقليدية كافية لتحقيق نقلة نوعية ملموسة في إنجاز المهام متعددة الأوجه للقطاع الحكومي بما في ذلك تطلع المواطنين والمستثمرين إلى إنجاز سهل وسريع للمعاملات والإجراءات.
يأتي الذكاء الاصطناعي ليفتح الباب واسعًا للعديد من الفوائد للحكومات والمواطنين، ويسهل تسخير التقنيات في الوصول للنتائج واتخاذ القرار ووضع الاستراتيجيات لرفع الأداء وتسهيل الخدمات، وفيما تواصل الحكومات في جميع أنحاء العالم تجربة استخدام الذكاء الاصطناعي، وتبحث في طرق للاستفادة من النماذج والتطبيقات الأساسية لهذه التقنية، يظل السؤال البارز لدى الحكومات هو كيف نحقق الاستفادة الفضلى للمواطنين والمستفيدين؟ وربما تكون الإجابة أن التقنيات الحديثة تتيح أن يكون الجمهور هو الأولوية دائما وفي قلب الاهتمام، فالذكاء الاصطناعي لا يساعد فقط في تحسين بعض الخدمات اليومية التي يحتاجها الأفراد، بل يمكنه أيضًا المساعدة في التواصل والتفاعل الأفضل بين الحكومة وموظفيها من جانب وبينها وبين مواطنيها من جانب آخر، وفي عالم الأعمال، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يوفر للشركات ميزة تنافسية على نظرائها، لكن تأثير الذكاء الاصطناعي على القطاع العام قد يكون أكثر عمقًا لأنه يوفر الفرصة لتحليل البيانات بشكل شامل ودقيق، بهدف تقديم خدمات أكثر فعالية للمواطنين وبشكل استباقي.
وقد يشمل ذلك تقليل وقت الاستجابة لمعالجة المطالبات أو تقليل الإجراءات الروتينية للشركات أو المتعاملين مع الجهات الحكومية وغير ذلك من إمكانيات التطوير في الأداء الحكومي، ولذلك فعند تصور مستقبل الحكومات يبدو الدور الذي يمكن أن يلعبه الذكاء الاصطناعي كبيرا.
وتقدم تقارير ودراسات شركات التقنيات العالمية والشركات المتخصصة لمحات مهمة عن الدور الذي يمكن أن يقوم به الذكاء الاصطناعي في تسهيل الخدمات الحكومية وما يتطلبه هذا التحول من ترقية أو تقييم للإمكانيات التقنية والاهتمام بتأهيل العنصر البشري كوسيلة لإرساء الثقة في التعامل بين المستفيدين والمواطنين خاصة حين يتعلق الأمر بالخدمات.
وفي تقرير صادر عن شركة ساس المتخصصة في الاستراتيجيات والمشروعات التقنية، يرى التقرير أنه يمكن للموجة الجديدة من الذكاء الاصطناعي والنماذج الأساسية التي يقدمها الذكاء الاصطناعي التوليدي، أن تمثل فرصة كبيرة جديدة لوضع الذكاء الاصطناعي في خدمة الحكومات، حيث أصبح بإمكان الحكومات تسخير قدرات تقنية متطورة مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي أو التفاعلي حيث يتم طرح الأسئلة وتحليل البيانات واتخاذ القرارات.
فيما يوضح تقرير صادر عن شركة ديلويت الاستشارية في قطاع الأعمال أن قطاع الخدمات الحكومية والعامة يشهد تغيرات كبيرة في ظل التوجه نحو الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي، مشيرًا إلى أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي ومستويات الاستفادة منه قد تتباين ليس فقط بين الدول لكن أيضا داخل الدولة الواحدة وفقا لتطور البنية التقنية ومهارات العاملين في مختلف الجهات الحكومية، ومدى اعتماد بنيتها الأساسية التقنية الحالية على الأنظمة القديمة للبيانات أو استخدامها للتقنيات المتطورة كوسيلة تحقق استفادة الجهات الحكومية الخدمية والصحية وغيرها من الجهات من الذكاء الاصطناعي، ولذلك لا بد خلال المراحل الأولى من استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة إجراء التقييمات الضرورية لمدى استعداد المؤسسة أو الجهة الحكومية لاستخدام الذكاء الاصطناعي وتحديد أين يمكن أن يتحقق العائد الأكبر على الاستثمار من خلال حالات الاستخدام المتعددة مثل التحليل المناخي والاقتصادي ومراقبة التجارة والأبحاث وتطوير الخدمات.
ومن جانب آخر، ترى دراسة صادرة عن شركة اي بي ام المتخصصة في التقنيات أن الانتقال لمرحلة الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في القطاع الحكومي والعام أصبح أكثر سهولة، فإحدى الإمكانيات المبدعة ما يمتلكه الذكاء الاصطناعي من القدرة على تعزيز التحديث الرقمي.
وترصد الدراسة ثلاثة مجالات رئيسية ينبغي التركيز من قبل الوكالات والجهات الحكومية للاستفادة الفضلى من استخدام الذكاء في تعزيز الأداء والخدمات.
وأول هذه المجالات هو الاهتمام بالعنصر البشري وتأهيل القوى العاملة للتحول الرقمي في جميع المستويات الحكومية، من الكيانات الوطنية المركزية إلى الحكومات المحلية، فالموظفون ينبغي أن يكونوا مستعدين لعصر الذكاء الاصطناعي الجديد، وفي حين أن هذا قد يعني توظيف مواهب جديدة مثل علماء البيانات ومبرمجي البرمجيات، فإنه ينبغي أن يعني أيضًا تزويد العاملين الحاليين بالتدريب الذي يحتاجون إليه لإدارة المشروعات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي.
ويمكن أن يأتي ذلك بنتائج مهمة في تحسين الإنتاجية، حيث إن تقنيات مثل معالجة وقراءة وتحليل البيانات النصية الطويلة التي تستغرق وقتًا وجهدًا كبيرين يمكن أن توفر وقت وطاقة الموظفين وتتيح مجالًا أوسع لاجتماعات عالية القيمة والتفكير الإبداعي والتركيز على المستهدفات والنتائج المطلوبة من العمل.
أما مجال التركيز الرئيسي الثاني فهو دعم المواطنين بتسهيل ملموس للخدمات، فلكي يفيد الذكاء الاصطناعي المجتمع حقا، يحتاج القطاع الحكومي إلى إعطاء الأولوية لحالات الاستخدام التي تحقق فوائد مباشرة، وهناك إمكانية لمجموعة متنوعة من الاستخدامات في المستقبل سواء كان ذلك توفير المعلومات بشكل فوري، أو تخصيص الخدمات على أساس الاحتياجات الخاصة للمواطن، أو تسريع الإجراءات والمطالبات التي تتسم عادة ببطء ملحوظ وتتطلب الانتظار لساعات تنهك كلًا من صاحب الخدمة وكذلك الموظفين الذين يبحثون عن المعلومات المخزنة في قواعد بيانات مختلفة ومتعددة، وعلى العكس من ذلك تأتي قدرة الذكاء الاصطناعي على الوصول إلى البيانات وتنظيمها والاستفادة منها لتوجد إمكانيات جديدة لتحسين هذا الأداء.
ووفق الدراسة، يعد مجال التركيز الثالث المهم هو تحديث البنية التقنية لأن الذكاء الاصطناعي أصبح عنصرا حاسما في جهود التحول الرقمي في القطاع العام، وقد تتراجع الحكومات بشكل منتظم عن التحول الرقمي الحقيقي بسبب الأنظمة القديمة التي تتطلب جهدًا كبيرا وتكلفة كبيرة للتحديث.
على سبيل المثال، يمكن الاستفادة بشكل أفضل من البيانات من خلال ترحيل أنظمة تكنولوجية معينة إلى خدمات السحابة الافتراضية ودمجها مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي وهذا يمكن أن يفيد في خفض التكلفة ويعزز أيضا الأمن السيبراني.
وإضافة إلى هذه المجالات المهمة، أصبح الالتزام بالذكاء الاصطناعي المسؤول وترسيخ الثقة في التعاملات التقنية محورًا مهمًا للاهتمام، فلا تكتمل أي مناقشة حول الذكاء الاصطناعي دون التأكيد على أهمية الاستخدام الأخلاقي للتكنولوجيا طوال دورة حياتها بدءًا من التصميم والتطوير والاستخدام والصيانة، وعلى الهيئات الحكومية وجهات القطاع العام أن تعمل على أن يتم النظر إليها على أنها المؤسسات الأكثر ثقة، وهذا يعني أن العنصر البشر يجب أن يظل فعالا في قلب الخدمات التي تقدمها الحكومة تجنبًا لما يمكن أن يحدث من مخاطر في الاعتماد التام على التقنيات عند التواصل مع المستفيدين، ودور العامل البشري هنا هو التأكد من أن تجربة المستفيد والمواطن مع الخدمة التقنية تمضي بشكل جيد وتحقق الخصائص الأساسية للذكاء الاصطناعي الجدير بالثقة وهي قابليته للفهم بدون تعريض المستخدم للتعقيدات وتحقيقه للإنصاف والعدالة في التعاملات والشفافية وتمتعه بالقوة والسرعة في الأداء وحفاظه على الخصوصية وسرية البيانات.
وحين تتم الاستعانة الذكاء الاصطناعي بطريقة تضمن توفر هذه الخصائص، فإنه يمكن أن يساعد الحكومات والمواطنين على حد سواء بطرق جديدة ومبتكرة ولعل أكبر فائدة للذكاء الاصطناعي وتطبيقاته هي نطاقه فهو يمكن أن يمتد ليشمل كافة الجهات والشركات، ويمكن استخدامه في المشروعات الحكومية المركزية والمحلية، مثل استخدام النماذج التفاعلية لتحسين كيفية بحث الموظفين والمواطنين في قواعد البيانات ومعرفة المزيد عن الفرص الاستثمارية والسياسات أو المزايا والحوافز التي تقدمها الحكومة.
وتتوقع الدراسة أنه خلال عام 2024، ستؤدي عملية التحول الرقمي المستمرة إلى تعزيز كفاءة البرامج الحكومية وفعالية السياسات، وهناك عنصران حاسمان يقودان هذا التحول الرقمي هما البيانات والذكاء الاصطناعي الذي أصبح يلعب دورا محوريا في إيجاد القيمة من البيانات واكتساب رؤى أعمق حول المعلومات والبيانات الشاملة المتوفرة لدى الحكومات، وعلى سبيل المثال، يعد النظام القانوني من أكثر المستفيدين من تطبيقات معالجة النصوص، وتتجه الأنظمة القضائية إلى الذكاء الاصطناعي للمساعدة في إدارة الكميات الهائلة من البيانات وتسريع حل القضايا بما يساعد المحققين والمحامين والقضاة على التوفيق بين الظروف المحيطة بقضية معينة واستخراج الأحكام السابقة في محاولة لضمان سرعة تحقيق العدالة.
تغيرات سريعة تقود إليها تقنيات الذكاء الاصطناعي. «رويترز»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی الجهات الحکومیة التحول الرقمی الاستفادة من الاصطناعی ا یمکن أن
إقرأ أيضاً:
موظفو البنوك.. أين أنتم من الذكاء الاصطناعي؟
مؤيد الزعبي
رغم أنَّ قطاع البنوك واحدٌ من أكثر القطاعات حساسية في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لما يترتب على ذلك من مخاطر عديدة، إلّا أنه في الوقت نفسه، يُعد قطاع البنوك واحدًا من أكثر القطاعات استثمارًا في التكنولوجيا واستخداماتها لتطوير بيئة العمل داخل القطاع نفسه أو حتى فيما يتعلق بتحسين تجربة المستخدمين وتعاملاتهم وخدمتهم بشكل أفضل وأسرع.
ووفقًا لدراسة أجرتها شركة "ماكينزي" بعنوان "لماذا تفشل أغلب عمليات التحول إلى الخدمات المصرفية الرقمية، وكيفية قلب الاحتمالات"، فإنَّ إنتاجية البنوك الكبيرة كانت أقل بنسبة 40% من البنوك الرقمية. وهنا نتحدث عن البنوك الرقمية، ولك أن تتخيل عزيزي القارئ كيف يكون الحال مع البنوك الذكية أو بنوك الذكاء الاصطناعي. وفي المقابل كيف سيؤثر هذا الأمر على موظفي قطاع البنوك؛ سواء من حيث طريقة عملهم أو حتى فرصهم المستقبلية والمخاطر التي تهدد وظائفهم، هذا هو ما سوف أتناوله معك ها هنا من خلال هذا الطرح.
تُشير الدراسات إلى أنه منذ عام 2013 وحتى عام 2022، زادت البنوك إنفاقها على التكنولوجيا بنسبة 38% لدعم الاحتياجات الرقمية المتطورة للعملاء، وفي بيئة حياة دخلها الذكاء الاصطناعي بشكل لافت خلال السنوات القليلة الماضية فكان لا بُد للبنوك من إدخال هذه التقنيات في صلب عملياتها التشغيلية وأيضًا إدراجها في عمليات تحسين تجربة العملاء. وقد حدث بالفعل في أن شهدنا تطورًا كبيرًا في التطبيقات الرقمية الخاصة بالبنوك، من خلال تحسينات ملحوظة في واجهة المستخدم، وأيضًا من خلال الخدمات التي يمكن للعمل الوصول إليها من خلال هذه التطبيقات مباشرة دون تدخل موظفي البنوك إلا في بعض الحالات.
الذكاء الاصطناعي قادم لا محال في قطاع البنوك، أولًا: لأن البنوك تستهدف الربحية في المقام الأول؛ إذ يُشير تقرير منشور في موقع "Financial News London" إلى أن تبنِّي الذكاء الاصطناعي يُمكن أن يضيف 170 مليار دولار إلى أرباح البنوك في السنوات الخمس المقبلة، مع توقعات بزيادة الأرباح إلى ما يقرب من 1.992 مليار دولار بحلول عام 2028، وعين البنوك جميعها على هذه الأرباح. وثانيًا: لأن البنوك لن تدخر أي فرصة من شأنها تحسين وتسريع تجربة العملاء. وثالثًا: لأن المخاطر التي سيخلقها دخول الذكاء الاصطناعي لحياتنا تحتاج لذكاء اصطناعي قادر على مواجهتها. ونتحدث هنا عن الأمن الإلكتروني والاحتيال وما شابه ذلك من مخاطر رقمية. ففي الوقت الذي تعمل فيه أنظمة الذكاء الاصطناعي من محاكاة الأصوات وتقليدها وما سيُسببه ذلك من إرباك لمقدمي الخدمات المصرفية عبر الهاتف، إلّا أنه في الوقت نفسه، سيُقدِّم الذكاء الاصطناعي حلًا لمثل هذه المشاكل، كما إن أنظمة الذكاء الاصطناعي ستُقلِّل من عمليات جرائم غسيل الأموال أو انتحال الهوية أو التحويلات المزيفة أو السرقة الإلكترونية.
ربما لاحظنا جميعًا السرعة الكبيرة التي حدثت في عمليات التحويلات المالية والتي باتت مؤتمتة بالكامل من خلال أنظمة تكنولوجية لا يمكننا القول إنها تعمل بالذكاء الاصطناعي؛ لأن هذه العمليات يمكن إدراجها ضمن الأتمتة الإلكترونية المتطورة، وليس لها علاقة بالذكاء الاصطناعي. لكن سنجد أن الذكاء الاصطناعي سيقوم بتسريع بعض العمليات المُعقَّدة في هذا الجانب، مثل التحويلات المالية بين الشركات أو حتى التحويلات الدولية، والتي كانت تحتاج لبعض الأيام لمعالجتها والتأكد منها إلى حين إتمامها. والذكاء الاصطناعي سيؤدي دورًا كبيرًا في تسريع هذه العملية لما له من قدرات فائقة في تحليل البيانات والتأكد من صحتها.
وتُعد خدمة العملاء أو الرد على استفسارات أو تنفيذ متطلباتهم المالية من أكثر المهام التي سيدخلها الذكاء الاصطناعي، وسيسطر عليها في السنوات المقبلة. فعلى سبيل المثال: رُوبوت الدردشة "Watsonx Assistant" الذي طورته شركة "IBM، وهو عبارة عن روبوت محادثة يقدم المساعدة للخدمات المصرفية مدعوم بالذكاء الاصطناعي، سنجده يلبي احتياجات المؤسسات المالية بشكل فعّال في الرد على استفسارات العملاء، وتسجيل شكاويهم وتنفيذ طلباتهم وتقديم المساعدة في الوصول لبياناتهم المصرفية. وكل هذا دون تدخل بشري، إلّا أن الشركة المُطوِّرة تقول إن نظامها يُشبه البشر في طريقة الرد والتحدث، ونحن ما زلنا في بداية الأمر؛ إذ ستشهد هذه الخدمات تطورًا كبيرًا قد يتسبب في إلغاء أي وظيفة متعلقة بخدمة العملاء في قطاع البنوك في السنواتر المقبلة.
وأحد أكبر فوائد استخدام الذكاء الاصطناعي في القطاع المالي، هو تحسين عملية اتخاذ القرار المتعلقة بتقييم الائتمان والإقراض والاستثمار، والذكاء الاصطناعي وقدراته في الاستفادة من الكم الهائل من البيانات التي تولدها المؤسسات المالية سيُعزز عمليات اتخاذ القرار؛ سواءً بالنسبة للموظفين العاملين في البنوك من عمليات الموافقة على القروض والائتمان، أو حتى تحسين اتخاذ القرار بالنسبة للخدمات المؤتمتة والرقمية؛ حيث سيُوفِّر الذكاء الاصطناعي القدرة على تقييم المخاطر الائتمانية وبنفس الوقت سيكون قادرًا بنفسه على اتخاذ القرار للموافقة أو الرفض لأي عملية ائتمانية دون الرجوع للبشر.
أيضًا الذكاء الاصطناعي قادرٌ على فتح وإغلاق الحسابات، وقد لاحظنا إدراج العديد من البنوك لمثل هذه الخدمات ضمن خدماتها المصرفية الرقمية. كما يُمكن للذكاء الاصطناعي أن يتنبأ ما إذا كان العملاء الأفراد أو الشركات على وشك إلغاء حساباتهم بناء على سجلاتهم البنكية، مثل عدد مرات تسجيل الدخول أو إيداع الأموال، وبالتالي يُمكن للبنوك تفادي هذا الأمر من خلال تقديم بعض العروض للعملاء، أو حتى تقديم بعض التحسينات في تجربتهم الشخصية. ومن هنا تأتي أهمية الذكاء الاصطناعي في أن يقدم للعملاء تجربة شخصية بناءً على متطلباته ومتغيراته الشخصية، ولهذا سنجد في قادم الوقت خدمات أكثر شخصية تقدمها البنوك لعملائها، مثل بطاقة ائتمانية تناسب العميل نفسه وحده، أو نوع حساب مناسب له بشكل أكبر، أو تسهيلات في عمليات الدفع تناسب ظروفه المالية أو حتى تناسب طبيعة عمله.
الخلاصة.. أن قطاع البنوك سيشهد طفرة كبيرة في عملية التحوُّل التشغيلي والخدمي مع دخول الذكاء الاصطناعي، وسنجد وظائفَ تنتهي مثل وظائف خدمة العملاء، ووظائف متعلقة بالتحليل الائتماني ومكافحة الاحتيال، أو حتى بعض وظائف المبيعات والتسويق، إلّا أن الذكاء الاصطناعي سيخلق وظائف جديدة في قطاع البنوك، مثل مُبرمِج ذكاء اصطناعي أو مُتخصص أمن سيبراني أو مدير أنظمة الذكاء الاصطناعي. وعلى جانب آخر، ستُوفِّر البنوك خدمات "أكثر ملاءمة شخصية" لعملائها، تتناسب معهم ومع طبيعة أعمالهم الشخصية أو التجارية، ولكن ينبغي الانتباه إلى أنَّ الخطأ في برمجة الذكاء الاصطناعي قد يُسبب كارثة في المستقبل، ولهذا ما نُبرمِجه اليوم وما نُدخله في بيئة أعمالنا هو ما سيُحدد شكل تواجدنا المستقبلي كمؤسسات بنكية، وما نتعلمه اليوم ونُطوِّرُه من مهارات، سيُحدد ما إذا كُنا سنخسر وظائفنا أم سنُطوِّرُها كأفراد وعاملين في قطاع البنوك.
رابط مختصر