الكتاب: الشأن الديني والشأن السياسي في المجتمعات الإسلامية
الكاتب: كتاب جماعي الإشراف والتنسيق أ.د. عبد اللطيف الحناشي أ.د. ابراهيم جدلة
النّاشر: الدار التونسية للكتاب، الطبعة الأولى، تونس 2023.
عدد الصفحات: 476 صفحة

ـ 1 ـ


يحافظ الشأن الديني على حضوره الدائم والقوي في مختلف مظاهر الحياة اليومية للمجتمعات الإسلامية على اختلاف عصورها.

ولكن ذلك لم يخل من صدام مع الشأن السياسي. فرهان إخضاع أحدهما إلى الآخر "لأحقيته في قيادة المجتمع" كان يلازم دائما هذا الحضور القوي. ولهذا المحور الكبير المتعلّق برسم الحدود بين مجال الدين ومجال السياسة في المجتمعات الإسلامية  إشكاليات مختلفة متفرعة عن هذا الأصل. فاختار منها مؤلفو كتاب "الشأن الديني والشأن السياسي في المجتمعات الإسلامية"، وهو مؤلف جماعي أشرف على إنجازه كل من د. عبد اللطيف الحناشي ود. إبراهيم جدلة، الأستاذين الباحثين بكلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة، علاقة الفقهاء (أصحاب القلم) بأصحاب السلطة (أصحاب السيف)، ودورهم بين النقد والمعارضة والإسناد، ودور مؤسسات الدولة الإسلامية المختلفة بين مهامها الدينية والدنيوية.

ـ 2 ـ

يدرس د إبراهيم جدلة المصطلح السياسي في عهد النبوة، فيقوم بجرد ما تعلّق منه بالسلطة ومؤسسات الحكم في النصّ القرآني شأن العرش والمُلك والخليفة والوزير والملأ وما تعلّق منه بالحكم (الأمر) والمواثيق المنظمة له شأن ميثاق وصحف والأمر والإمارة. ثم يبحث في هذا المصطلح في فترة النبوّة من خلال الممارسة السياسية ومن خلال مخاطبات الرسول مع القبائل وعلاقته بها شأن المواعدة وأخذ الأمان والمحالفة والتحالف والعهد أو العقد والصلح. ثم يتبسط في عرض دلالاتها.

وينهي بحثه المسهب والدقيق في الآن نفسه إلى أنّ الإسلام مثل حالة خاصة بين الديانات السماوية. فنشأته الفريدة من نوعها تفسر لنا هذا الترابط الذي لم ينقطع قط إلى اليوم بين الشأنين الديني والسياسي. ونتيجة لهذا التلازم بين السياسي والديني عامة ظل السيف هو المحدد في تسيير المجتمع والدولة وتنظيم أمورهما. ويجد في خطبة زياد بن أبيه، حين خطب في أهل البصرة، فقال: "أيها الناس، إنا أصبحنا لكم ساسة، وعنكم ذادة، نسوسكم بسلطان ـ الله الذي أعطانا ، ونذود عنكم بفيء الله الذي خوّلنا فلنا عليكم السمع والطاعة فيما أحببنا، ولكم علينا العدل فيما وُلّينا"، اختزالا للعقد الاجتماعي في دولة الإسلام بين الراعي والرعيّة، وهو عقد ظلّ ساري المفعول إلى اليوم. وقوامه "السمع والطاعة من جانب الرعيّة، والعدل إن أمكن من جانب الراعي".

أيها الناس، إنا أصبحنا لكم ساسة، وعنكم ذادة، نسوسكم بسلطان ـ الله الذي أعطانا ، ونذود عنكم بفيء الله الذي خوّلنا فلنا عليكم السمع والطاعة فيما أحببنا، ولكم علينا العدل فيما وُلّيناويجد في هذا العقد امتدادا لتصوّر الإسلام المبكّر لتدبير الشأن العام. فقد ارتبط الإسلام منذ ظهوره، وفق تصوّر الباحث، بالتنظيم الاجتماعي وبالتدبير السياسي. فتشابكت الدعوة التبشيرية مع البناء السياسي منذ الاستقرار في المدينة، بحيث لم تكن الخطابات اليومية ولا النصوص الدينية خالية من المصطلحات السياسية البحت، التي لا علاقة لها بالدين. ويعتقد إبراهيم جدلة أنّ أغلبها جاء استجابة لمتطلبات المرحلة وبناء كيان سياسي ولكنّه سيكون لقرون عديدة رافدا للدين الجديد وحاميا له.

ـ 3 ـ

أمّا نجاة الجويني العبيدي فتتطرّق للعلاقة بين الديني والسياسي من زاوية خاصّة هي "نظام الحسبة في القاهرة المملوكية بين التنظير والممارسة" بداية من أواسط القرن السابع الهجري. فتدرسها بما هي نظام لتسيير أمور الدولة وتسهيل المعاملات والعلاقات بين مختلف الفئات الاجتماعية من جهة وتنظيم العلاقة بين السلطة والمجتمع من جهة ثانية. فتعرّفها انطلاقا من كتابات الفقهاء التعريفات المختلفة وتتناولها من الوجوه المتعدّدة. فهي "علم باحث عن الأمور الخارجية بين أهل البلد من معاملاتهم التي لا يتم التمدن بدونها" أو "هي  قانون جواد الأوضاع ومضمون مواد الإجماع، تجمع إلى الشريعة الشريفة سياسة يرهب جدها، ويرهف حدها" أو هي "من الوظائف الدينية بالمجلس السامي إلى جانب القضاء والقضاء العسكري، والإفتاء بدار العدل".

وتدرس ممارستها واقعا، فتنتهي إلى أنّ نظام الحسبة نظام مدني فرضه الواقع في دولة المماليك العسكرية  لتسهيل العلاقات بين السلطة المجتمع من ناحية وبين العامة وأصحاب السوق من ناحية أخرى. ولكن الواقع التاريخي والممارسة أديا إلى الحياد عن الأصل المحدّد لهوية المحتسب من جهة شروطه ومهامه. ومن هنا تسرّب البون بين المثالي المنشود و الموجود في  الممارسة والتطبيق الذي اقتضى الاجتهاد واللجوء إلى العرف غالبا.وفي الآن نفسه تخلص إلى أنّ دراسة نظام الحسبة في القاهرة المملوكية بين لنا عدة جوانب من الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للدولة المملوكية مثل أنواع الحرف والأعمال والأسعار والعملة والنقد واللباس وأنواع الطعام الذي يباع في الأسواق، ومنه بعض أنواع الطعام الذي لا يزال متواصلا إلى الآن في عدة دول إسلامية. وتجد هذه المدونة للدراسة من منطلق الأنتربولوجيا التاريخية.

ـ 4 ـ

ويطرق إمحمد سعيد، في مبحث أوّل مسألة "الفقيه والسلطان من جهة الاتصال والانقباض آراء في ممالك العهد الوسيط في مؤلفات الآداب السلطانية بصنفيها التدبيري والواعظ" من مداخل مختلفة أهمها حاجة السلطان للفقيه وللعالم، فيعرض نماذج مختلفة لفقهاء تردّدوا على بلاطات الحكّام. ويبرز اصطناع السلطان لهم في وظائف كالتدريس والإمامة والتأليف والعمل بالدّواوين واستعانته بهم في التوجيه في تدبير الملك والاستجابة للحاجات السلطانية. ولكنه يقدّر أنّ بعض الحكّام كانوا يتزيّنون بالعلم والعلماء واستغلال مواهبهم لا أكثر. فكانوا يستدعونهم لمجالس علمية تعقد بالقصور ويحدث أن يزوروا هم بأنفسهم مجالسهم حتى يظهروا بمظهر الحكّام العلماء والملمين بالآداب والمعارف.

ويعرض المواقف المختلفة من "غشيان باب السلطان" فيعود عندئذ إلى كتب الآداب السلطانية لتفصيل مواقف العلماء والأدباء من السلطان العادل والسلطان الجائر والسلطان الكافر أو المرتدّ والسلطان الفاسق والسلطان صاحب الشوكة. ويسلّم بكوننا لا نستطيع الخروج من هذه المتاهة بتصنيف واضح يوجه سلوك العالم تجاه السلطان وفق قاعدة مذهبية فقهية أو كلامية. فالأمر يظلّ خاضعا للظرفي والذاتي. ومع ذلك يلاحظ نزعة عامة تميل إلى "هيمنة الفكر المساند أو المهادن في أكثر الحالات والداعي مع ذلك إلى الأمر بالمعروف وإلى النهي عن المنكر، وخاصة النهي عن الجور، مقابل دعوة الرعية إلى السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره".

ويحاول أن يفهم سبب هذه النزعة بالعودة إلى العوامل الموضوعية. فيقدّر أنّ  المدرسة النظامية التي انتشرت في العهد السلطاني بداية من الفترة السلجوقية كانت من بين أهم أسباب انتشار فكر المساندة والمهادنة من طرف الفقيه الذي تحول في غالب الأحيان إلى تابع للسلطان. ويجد نظيرا لهذه التجربة في المؤسسة المدرسية الرسولية في اليمن. فلعملية انتقاء الطلبة المدرجين بهذه المدارس دور حاسم. فقد كانوا يختارون من ضمن الأيتام، فتتولى هذه المدارس الإنفاق عليهم. أمّا  الفقهاء الذين يبرزون في المشهد العام، فكانوا ينتقون من ضمن المساندين، ويتحصلون على رواتب عينية ونقدية من أوقاف المدرسة السلطانية، أو نوعية الكتب المدرسة بهذه المؤسسات وهي في أغلب المدارس اليمنية شافعية أشعرية تكفل التبعية للحاكم.

ـ 5 ـ

وفي مبحث ثان  يدرس محمد سعيد هذه العلاقة القلّب بين الفقيه والأمير في العصر الوسيط الأول في إفريقية.. تحديدا، بعد أن مال بحثه الأول إلى دراستها في الشرق أكثر. فيتساءل من يستخدم الآخر، مقدّرا أنّ الصلة بين الأمير والفقيه تقوم على توافق هش قابل للتفكك في كل حين. وانطلاقا من مسألة الطاعة يجد أنّ الدور المراد للفقهاء يكاد يختزل في ضبط الفئات الرافضة والخارجة وفي إلزامها بالولاء إلى السلطة وفي التنظير للسلطان وتشريع سلطته وفي الحث على الانخراط في العمل المسلّح دفاعا عن الشرعية فيذكر نماذج مثل أبي محمد بن خالد بن أبي عمران التّجيبي أو أبي كريب القاضي أو يعرض عهودا بعينها عهد إبراهيم بن الأغلب وفي عهد زيادة الله.

مأتى سلطة الفقيه مما يحققه من مبادئ الدين ويحاجج لضمان بقائها وانتشارها والركون إليها. وهذا ما يجعل الحاكم ينظر إليه بعين الريبة فيرى فيه منافسا ويعمل على الحد من جموحه ورغباته. ولذلك كثيرا ما يصطدم به في حال لم يشرّع له ما يريده في شكل فتاوى وآراء ومواقف دينية تدعّم سلطانه.يعود الباحث إلى بعثة الفقهاء العشرة الذين أرسلهم الخليفة عمر بن عبد العزيز لنشر الإسلام بإفريقية ليقاربها من زاوية مغايرة. فيذكر أنّ من أهدافها التصدي إلى الحملة التي كان الخوارج يشنونها ضدّ النظام الأموي في الأطراف بعيدا عن نفوذ السلطة في المركز. وعامة حاول الباحث تتبع العلاقة بين السلطة السياسية والسلطة الرمزية سلطة الفقيه ـ العالم ـ القاضي. فيجد أنها لا تختلف عما كان سائدا في نطاق المجال الإسلامي، مشرقا ومغربا، فالعلاقة بينهما تراوحت بين التكامل حينا والتناقض حينا آخر لقد كانت النخبة السياسية تحتاج المشروعية التي تؤطرها الشريعة في ظل منظومة حكم تستند إلى فلسفة الحق الإلهي، كما هو شأن كل مجتمعات العصر الوسيط والحديث قبل انتشار القيم التي تقوم على حقوق الإنسان، ومنها برزت نظرية الحق الطبيعي في الحكم.

بخصوص الوضع في إفريقية". فالحاكم كان يحتاج إلى الفقيه لتسيير أجهزة الدولة وملحقاتها. ومن ثَمّ  بدت له الاستقلالية مخادعة، خاصة في خطة القضاء. فالأمر يبقى دائما بيد السلطة التنفيذية، فهي التي تعين وتعزل، وهي التي تجازي وتعاقب وتصادر، وتقتل إن لزم الأمر. وعلى خلاف أغلب مؤلفي هذا الأثر، يميل محمد سعيد إلى تبخيس دور الفقيه والعالم. فقد كان الأمير يحتاج إليه.  فيستجيب عبر الانخراط في السلطة وموافقتها بحثا عن الاستفادة من المغانم. فإن لم يستجب أجبر على ذلك. وقد يبرز للعيان أن الفقيه العالم في وضع متفوق الأمير، وهي الصورة التي تحاول إيصالها لنا المصادر المالكية خاصة، لكن الوقائع تؤكد خلاف ذلك، "فالعلاقة تحددها الظرفية التاريخية. فحتى ما يبدو من تنازل السلطة السياسية لصالح العلماء فإن ذلك يكون مؤقتا، وسرعان ما تتدارك الموقف وتستعيد زمام الأمور بكل الوسائل". ويكون ذلك بالعزل وتعيين منافسيه كما حصل مع الإمام سحنون. ومن أساليب التخلّص من الفقهاء المشاكسين إرسالهم إلى الجهاد، كما حصل مع أسد بن الفرات.

ـ 6 ـ

يبحث د. العيد غزالة في "الفقيه والوساطة بين المجتمع والسلطان" في العهد الحفصي تحديدا. وعلى خلاف محمد سعيد، يجد في هذه العلاقة تفاعلا بين رهانين، رهان السلطة السياسي الذي يمثله الأمير ومصلحة الأهالي (القبيلة أو المدينة) التي يمثلها غالبا هذا الفقيه. وهذا ما يفتح على مجالات للتداخل بين الدّيني والسياسي في الحياة العامة.

ويفصّل القول في دور الوساطة التي يتولاّها الفقيه بين الحاكم والرعية، من وجهة نظره. فيتطرّق إلى إشكالية الرّاعي والرّعية من منظور فقهي ينزّلها عامة في قول الغزالي ضمن أثره"التبر المسبوك في نصيحة الملوك"باختيار الله لـطائفتين"وهم الأنبياء ليبينوا للعباد على عبادته الدليل، ويوضحوا لهم إلى معرفته السبيل" و"الملوك لحفظ العباد من اعتداء بعضهم على بعض".

وينتهي إلى أنّ العلاقة بين الفقيه والسلطان علاقة جدلية. فمأتى سلطة الفقيه مما يحققه من مبادئ الدين ويحاجج لضمان بقائها وانتشارها والركون إليها. وهذا ما يجعل الحاكم ينظر إليه بعين الريبة فيرى فيه منافسا ويعمل على الحد من جموحه ورغباته. ولذلك كثيرا ما يصطدم به في حال لم يشرّع له ما يريده في شكل فتاوى وآراء ومواقف دينية تدعّم سلطانه.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب الديني السياسة عرض العلاقات علاقات كتاب سياسة دين عرض كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی المجتمعات الإسلامیة السمع والطاعة العلاقة بین السیاسی فی الله الذی محمد سعید من جهة إلى أن

إقرأ أيضاً:

الكيان الصهيوني واغتيالاته الجبانة: بداية مرحلة جديدة من التصعيد العسكري والسياسي

يمانيون – متابعات
اختار مجرم الحرب بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرفة سياسة الاغتيالات المتأصلة في جذور الكيان الصهيوني هروباً من هزيمته الإستراتيجية المُنكرة في قطاع غزة، ليبدأ بإغتيال القائد في حزب الله فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية وقائد حركة حماس إسماعيل هنية في طهران خلال أقل من 24 ساعة، وتدرج نتنياهو وعصابته في اغتيالاته من الصف الأول إلى الثاني إلى الثالث الى إغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.

ويتبع الكيان الغاصب على مر فترات حكوماته المتعاقبة سياسة الاغتيالات فقد اغتال العدو الصهيوني شخصيات كبرى في حركة حماس كالشيخ أحمد ياسين، والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، وصلاح شحادة، وإبراهيم المقادمة، ويحيى عيّاش، وأحمد الجعبري، وآخرين.

لكن اغتيال الشهيد إسماعيل هنية رئيس حركة حماس، والمسؤول العسكري في حزب الله الشهيد فؤاد شُكر في طهران وبيروت، كان له وقعُ خاص وأهداف مهمة في سياق المعركة المستمرة منذ السابع من أكتوبر.

ويبدو للمراقب أن غاية نتنياهو من عمليات الاغتيالات هي شطب القضية الفلسطينية بالتعاون مع الإدارة الأمريكية القادمة بأساطيلها الحربية، كما يبدو أن لدى نتنياهو رؤية إستراتيجية ليست جديدة تتمثل في تصفية القضية الفلسطينية عبر التطبيع مع الكيانات العربية الرخوة واندماج الكيان الصهيوني في المنطقة العربية بالإضافة الى منع إيران أو أي دولة عربية أو إسلامية من امتلاك السلاح النووي، لتكون المهيمنة في المنطقة ومحتكرة للردع الإستراتيجي في الشرق الأوسط.

وباغتيال السيد نصرالله أمين حزب الله، تدخل المنطقة مرحلة جديدة من التصعيد السياسي والعسكري، مما قد يترك تداعيات عميقة على السياسات الداخلية للدول وتحالفاتها، وسينذر هذا الحدث المفصلي بتحولات جذرية في المشهد السياسي والعسكري والأمني للمنطقة، وقد تعُيد تشكيل خريطة التحالفات والصراعات الإقليمية.

ومع هذا الحدث الجلل اغتيال سيد الشهداء نصر الله، فإن المنطقة دخلت منعطفًا جديدًا وخطيراً يُنذر باحتمالات اندلاع حرب إقليمية شاملة، فمحور المقاومة لن يقف مكتوف الأيدي واحتمالات الرد القوي والقاسي متوقع بشكل كبير ولن تسمح إيران بتصفية حزب الله أو إخراجه من توازن القوى في المنطقة.

وعملية اغتيال السيد نصرالله لم تكن الأولى من نوعها، فقد سبقتها عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية في طهران، والتي جاءت هي الأخرى في وقت كان السعي الدبلوماسي الأمريكي يهدف لوقف إطلاق النار.

ويفسر الهدف المزدوج الذي أراد تحقيقه نتنياهو عبر اغتيال هنية في طهران، واستهداف حركة حماس وقياداتها، هو دفع إيران لتكون طرفًا مباشرًا في حربه ضد الفلسطينيين، تمهيدًا لحرب موسّعة تُجبر فيها الولايات المتحدة على التدخل للدفاع عن الكيان الصهيوني في مواجهة إيران، ومحور المقاومة.

ويحاول نتنياهو جاهدا لإطالة أمد الحرب لحماية مستقبله السياسي، وحكومته من السقوط، وذلك عبر البحث عن صورة انتصار تكتيكي، مثل اغتيال قادة المقاومة الفلسطينية واللبنانية، مادام حسم المعركة مُستبعداً، وهو الأمر الذي يحقق له إطالة المعركة حتى الانتخابات الأمريكية، أملاً في أن تشكل له عنواناً جديداً لإدارة مشهد العلاقة مع الفلسطينيين، لا سيّما إذا كان المرشح دونالد ترامب الذي تماهى في فترته السابقة مع أهداف نتنياهو في نقل السفارة الأمريكية من “تل أبيب” إلى القدس، وقام بإعداد صفقة القرن، هو القادم الجديد إلى البيت الأبيض.

وسبق أن حاول نتنياهو منع الرئيس باراك أوباما من توقيع الاتفاق النووي مع إيران وفشل، لكنه نجح في دفع الرئيس السابق دونالد ترامب للانسحاب من الاتفاق من طرف واحد، لدفع واشنطن للصدام مع طهران.

في المقابل، نجحت إيران في تدوير الزوايا الحادة مع واشنطن والاتحاد الأوروبي، لكن اغتيال هنية في طهران، بعد أشهر من قصف الكيان الصهيوني للقنصلية الإيرانية في أبريل الماضي، وضع طهران في زاوية ضيقة لا خيارات فيها سوى الرد بقوة، مع الحرص على عدم الذهاب إلى حرب إقليمية، إلا إذا فرضها الكيان الغاصب.

ونشأ خلال السنوات الماضية “ميزان الرعب” بين محور المقاومة والكيان الصهيوني وهو نتاج تطور “قواعد الاشتباك” لكن مع فرط الكيان الغاصب عقد قواعد الاشتباك باتباعه سياسة الاغتيالات الجبانة يبدو أن محور المقاومة بصدد اتباع شكل جديد من المواجهة مع هذا الكيان وعصاباته الصهيونية، وسيعيش الكيان وعصاباته الصهيونية حالة رعب حقيقية من قبل المحور، وهو واقع لا محالة، مع عجز الكيان عن حجمه وتوقيته ومداه.

ويبدو أن محور المقاومة بعد اغتيال قيادات من الصف الأول كـ”إسماعيل هنية والسيد حسن نصرالله” عازم بإصرار على إجبار العدو دفع أثمان كبيرة وغالية ردا على اعتداءاته الغادرة.
———————————————————-
السياسية – عبدالعزيز الحزي

مقالات مشابهة

  • الكيان الصهيوني واغتيالاته الجبانة: بداية مرحلة جديدة من التصعيد العسكري والسياسي
  • الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية: الأزهر هو المكون الفكري الذي يسير على منهاج الوسطية
  • كيف يؤدي التطرف الديني إلى الإلحاد؟.. يحسبون أنهم يحسنون صنعا
  • الجماعة الإسلامية في لبنان تنعى قائدها دحروج الذي استهدفه الاحتلال (شاهد)
  • ما هي معضلات التشكُّل المتأخِّر للدولة العربية؟ قراءة في كتاب
  • قراءة موازية في كتاب (الجهاد الأمريكي من كابول إلى إسطنبول) للكاتب والباحث عبدالله علي صبري
  • «الدبيبة» يبحث تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي مع فرنسا
  • بدء جلسة الكابنيت الأمني والسياسي بإسرائيل بعد قليل
  • كيف تم تحويل الطائفة ‏في لبنان من حالة دينية إلى كيان سياسي؟ قراءة في كتاب
  • عن الذي يبسط كفيه إلى السيسي ليبلغ رضاه وما هو ببالغه