عبد الله علي إبراهيم
لا يدري المرء من أين طرأ طارئ اتفاق جوبا للسلام (أكتوبر 2020) بين الحكومة الانتقالية وحركات دارفور المسلحة للقوى السياسة والمدنية السودانية (الحرية والتغيير-الكتلة الديمقراطية، الحراك الوطني، الحركة الشعبية لتحرير السودان، الجبهة الثورية، وتجمع قوى تحرير السودان، والطوائف الصوفية ورجالات الإدارة أهلية ومجلس الكنائس السوداني) التي اجتمعت في جوبا بتاريخ 11 الجاري وأصدرت بياناً بعنوان "رؤية تحقيق السلام والتحول الديمقراطي".

فجاء فنادى البيان إلى حوار شامل حول جذور الأزمة السودانية، كما يقال، لا يستثني أحداً ومن ذلك ""إيجاد حل عادل لقضية شرق السودان من خلال منبر تفاوضي خاص يشمل جميع الأطراف دون إقصاء".
وهو مطلب مزعج جداً. فكيف خص البيان هذا الإقليم من البلد دون غيره بالذكر في مجمع وطني شامل للحوار حول أزمة الحكم والبحث عن مخارج منها؟ وكيف لهذا الإقليم اعتزال هذه الأزمة ليقع على الحل السعيد لمتاعبه في بند مستقل في الحوار؟ لا يخفى على المتابع لاتفاق جوبا وانعكاساته العصيبة على شرق السودان منذ التوقيع عليه، أو حتى قبل ذلك، أن صفوة القوى السياسية والمدنية إنما تتعثر في حبائله، مما يطعن في ملكتها في إنتاج أفكار على قدر الكارثة التي تكتنف السودان.
ومشكلة شرق السودان التي بحثت القوى السياسية والمدنية عن حل لوحدها براء من أزمة الحكم في البلد، حكاية شقية تعود لبوادر نبأ اتفاق الشرق. وبلغ من شقائها أن أسهدت صفوة مسلحي اتفاق جوبا فتنتابهم أضغاثاً.
لم يكن ليكن فينا هذا التمييز لشرق السودان دون غيره من أقاليم السودان التي لم تنهج التكتيك المسلح مثل دارفور لولا اتفاق جوبا. فتداعى مسلحو دارفور لمائدة مفاوضاته للسلام، مستصحبين جماعات سياسية مدنية من أقاليم أخرى تحالفت معهم خلال نضالهم معاً لإسقاط نظام البشير. والأخيرون من سماهم أحدهم "صحبة مسلح" أي أنهم ما حصلوا على كرسيهم إلى مائدة المفاوضات أصالة، بل بفضل حليف مسلح. فجاءت "الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة" بقيادة الأمين داؤود، ممثلة لشرق السودان ضمن طاقم الجبهة الثورية الذي ضم حركات دارفور المسلحة وأشهرها "حركة العدل والمساواة" بقيادة جبريل إبراهيم، وزير المالية ليومنا، و"حركة تحرير السودان" بقيادة مني أركو مناوي حاكم دارفور الحالي. ونظر المؤتمر في مظالم كل إقليم جاء منه وفد مسلحاً كان أو صحبة مسلح، ورد له الحقوق ما وسعه، وفوق ما وسعه.
وسموا مصفوفة الحلول هذه "المسارات"، ومنها مسار الشرق الذي وقع عليه الأمين داؤود. ووقع الخلاف في الشرق من هنا. فالأمين داؤود ينتمي إلى شعب البني عامر وجاء المسار على صورتهم لما ينبغي لمركز الدولة عمله لرفع الظلامة عن الشرق. وأغضب ذلك الترتيب شعب الهدندوة التاريخي بقيادة ناظرهم محمد الأمين ترك وآخرين. وبين الجماعتين خصومة تفجرت في وقت قريب من التوقيع على اتفاق جوبا. فكانت ولاية كسلا اختارت أول أيام الحكومة الانتقالية بعد ثورة 2019 والياً عليها من البني عامر. فلم يهدأ للهدندوة بال حتى أزاحوه.
وساء الهدندوة من اتفاق الشرق أمران. أما الأمر الأول، فهو توظيف البني عامر لمسار الشرق لرفع مظلمة قديمة عنهم. فكانوا قد استبعدوا من اتفاق للشرق عام 2006 بين دولة الإنقاذ وحركات مسلحة غلب فيها الهدندوة. وما أثار حفيظة البني عامر بالذات، حرمانهم من حظ معلوم في صندوق الشرق ذي الموارد الثرية الذي اتهموا الهدندوة بالاستفراد به. فانتهزوا سانحة كتابتهم لمسار الشرق في جوبا ليطلبوا في مادة منه إخضاع الصندوق للمراجعة وهيكلته وتمثيل الموقعين على المسار في مجلس إدارته وحق الشورى فيمن يكون مديره.
أما الأمر الثاني، وهو أكثر جوانب مسار الشرق إهانة لمن لم يحضر قسمة جوبا، فهي مادة انعقاد المؤتمر التشاوري لأهل الشرق يتنادى له من لم يحضروا قسمة جوبا للشورى حول مسارهم. وهذا بالحق عتو غريب تستبيح به جهة ما كالجبهة الثورية إقليماً بحاله تفاوض عنه بمن انتخبته ممثلاً للشرق اعتباطاً بغير اعتبار لتضاريسه السياسية والديموغرافية.
وقاوم الهدندوة مسار الشرق بقوة. فشرارة الأزمة الأولى اندلعت في بورتسودان في نوفمبر 2019 لدى عودة الأمين داؤود ليعرض، كمفاوض عن الجبهة الثورية، ما توصلوا إليه في مسار الشرق حتى تاريخه. وأغضب ذلك شعب الهدندوة وآخرين. والتحم جمهور منهم مع حضور ندوة داؤود الذي لم يسمع التماس سلطات الأمن منه تأجيلها حقناً للدماء. وناصب ناظرهم ترك العداء للحكومة الانتقالية التي سقطت بانقلاب الـ25 من أكتوبر 2021 في سياق اعتصام للهدندوة قطع الطريق بين بورتسودان، الميناء، وبقية القطر.
واضح أن استذكار أزمة الشرق في بيان القوى السياسية والمدنية هو بمثابة اعتذار للناظر ترك بالذات الذي انضم إلى تحالفات مختلفة في الأعوام الماضية كانت الجبهة الثورية فيها بصورة أو أخرى. ولم يـتأخر هذا الاعتذار فحسب، بل من المؤكد أنه جاء في غير ما وقت. فالحرب أعادت شك الأوراق إن لم تحرقها جميعاً. ولا تزال صفوة منا ترفأ خرقاً قديماً لها اتسع على الراتق. فمن أين لها أن تنتج أفكاراً للنجاة بالوطن وهي تتعثر في أضغاثها؟

IbrahimA@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الجبهة الثوریة اتفاق جوبا مسار الشرق البنی عامر

إقرأ أيضاً:

السودان: استقرار نسبي في درجات الحرارة مع ارتفاع طفيف في الشرق والجنوب

بحسب نشرة الهيئة العامة للأرصاد الجوية سيكون الطقس حارًا نهارًا ومعتدلًا ليلًا في المناطق الشمالية والشمالية الغربية والغربية من البلاد، بينما يكون حارًا إلى شديد الحرارة نهارًا ومعتدلًا ليلًا في الشرق والوسط والجنوب.

الخرطوم: التغيير

توقعت الهيئة العامة للأرصاد الجوية في السودان استقرار درجات الحرارة العظمى اليوم في معظم أنحاء البلاد، باستثناء المناطق الشرقية والجنوبية، حيث يُتوقع ارتفاع طفيف.

أما درجات الحرارة الصغرى فمن المتوقع أن تسجل انخفاضًا طفيفًا صباح الغد في معظم المناطق، باستثناء جنوب البلاد حيث ستواصل ارتفاعها الطفيف.

ووفقًا لنشرة الهيئة الصادرة اليوم الإثنين، سيكون الطقس حارًا نهارًا ومعتدلًا ليلًا في المناطق الشمالية والشمالية الغربية والغربية من البلاد، بينما يكون حارًا إلى شديد الحرارة نهارًا ومعتدلًا ليلًا في الشرق والوسط والجنوب.

وتسود الرياح الشمالية الشرقية الخفيفة في أجزاء متفرقة من شمال وأواسط وغرب السودان، بينما تهب الرياح الشرقية على ساحل البحر الأحمر.

وعلى ساحل البحر الأحمر، يُتوقع ارتفاع طفيف في درجات الحرارة العظمى، يقابله انخفاض طفيف في درجات الحرارة الصغرى، مع طقس صافٍ.

وتشير التوقعات خلال الـ 24 ساعة المقبلة إلى وجود مرتفع جوي متمركز في شمال إفريقيا، يغطي شمال وشمال أواسط وجنوب وشمال غرب وغرب السودان، إلى جانب تأثير منخفض السودان الحراري الذي يمتد على شرق وجنوب شرق وجنوب البلاد.

وسجلت مدينة القضارف أمس أعلى درجة حرارة عند 43.5 درجة مئوية، في حين كانت أدنى درجة حرارة صباح اليوم 17.5 درجة مئوية في مدينة كسلا.

ومن المتوقع أن تصل أعلى درجة حرارة اليوم إلى 43.0 درجة مئوية في القضارف وأبي نعامة، بينما تسجل أدنى درجة حرارة صباح الغد عند 18.0 درجة مئوية في مدينة كسلا.

الوسومأحوال الطقس توقعات الطقس طقس السودان

مقالات مشابهة

  • نائب وزير الخارجية يبحث الأوضاع الدولية مع رئيس جنوب السودان
  • دارفور معزوفة أوتار أبناء النهر والبحر
  • حب الوطن الصادق والإخلاص هو الذي سيجمعنا ويوحدنا
  • الثالوث الذي دمر حميدتي
  • صحيفة إيست أفريكا: لماذا تنشر أوغندا قواتها في جوبا؟
  • اتفاقية سلام جوبا: التمادي في بذل العهود المستحيلة (6-7)
  • وزير خارجية السودان: القوى المدنية مسؤولة عن الحرب.. ومصر المستهدف الرئيس مما يجري حاليًا
  • جوبا تتراجع وتكشف عن دور القوات الأوغندية في جنوب السودان
  • الدويش للنصر: الفريق الذي صنّفوه على رأس كرة الشرق مهزوم بسبعة
  • السودان: استقرار نسبي في درجات الحرارة مع ارتفاع طفيف في الشرق والجنوب