بقلم الصادق عبدالله أبوعياشة
كاتب، باحث، صحفي، مختص في الإدارة واستراتيجيات التنمية
مقدمة
موحي ذلكم المثل الذي يقول: زرع آباؤنا فأكلنا، ونزرع ليأكل ابناؤنا. هو مثال جيد لفكرة الإستدامة، التي صارت استراتيجية تدعو الناس للحياة بوعي ورشد، للحفاظ على موارد الحياة في كوكب الأرض. وأرجو أن يلتقط هذا النموذج البنائي (نموذج القرية الذكية) كل من يتصدى لقيادة بلاد كالسودان.
وأرجو أن ينظر للقرية (المستوطنة) بأنها أصغر وحدة بنائية في الدولة. وما بعدها له تصنيف ووصف. وإن وجد هذا المشروع (القرية الذكية) من يدعمه، فسيكون لهذه المذكرة ما بعدها. فالآن نحن بهذا في بداية التكوين الجنيني.
وصف ومواصفات القرية
والقرية (النواة) تحتاج أن توصف وتوضع لها مواصفات منها حد أدنى من السكان، وحد أعلى من النطاق الجغرافي. قر
ية نواة، وما حولها إن وجدت وحدات اقل من وصف القرية، كفرقان الرُّحل، أو المستوطنات الزراعية أو التعدينية أو العمّالية الصغيرة (المخيمات). وعلى ضوء عدد السكان والمساحة الجغرافية أن تنشاء المؤسسات التي تكون في خدمة سكان القرية. وفي هذه الحالة (حالة القرية الذكية) تكون القرية كمركز أتصال، تحمل إحداثيات ورقم وطني. ثم تخطط بقية المؤسسات منسوبة لها. ليس ذاك فحسب، فسيكون للكيان أكبر من القرية أسم وتصنيف ورقم.
شاهد على العصر
في صدد القرية الذكية، يحدثنا صديق لنا، شاهد عصر، مهتم بأمر تنمية إنسان الريف. كتب أنّ التنمية قد حدثت عبر حجر بطارية (الخلية الجافة لإنتاج الكهرباء). كان الذاهب منهم من البادية للسوق، أهم مبتغاه من السوق أن يشتري حجر بطارية (خلايا البطاريات الجافة dry cell batteries) )، لتزويد الراديو بالطاقة اللازمة للتشغيل. فالسماع للراديو قد حل محل المسامرات في البادية. وقد صار الناس يستمعون الأخبار، ويتابعون النشاط الرياضي، بصوت طه حمدتو عن جكسا وماجد وجقدول (مشاهير لعيبة كرة القدم في السودان، في حقبة الستينيات من القرن الماضي)، ويطربون لأغنيات الربوع (الأغنيات ذات الدلالة الشعبية)، وبرنامج ما يطلبه المستمعون من الاغنيات، والذي فكرته أشبه بنادي المشاهدة. فقد كان ذلك بداية الإختراق، إحتراق القرية من بعد. ويمكن لأفراد كثر من جيلنا أن يقصوا قصص الإختراقات التي شاهدوها في حياتهم. فالراديو كان إختراقاً منقطع النظير. وللأسف لم يستغل الراديو بشكل مثالي لتحقيق التنمية، ثم جاء من بعده التلفاز. الآن جدير أن يستفاد من إنتشار تكتولوجيا المعلومات في التنمية، التي لا زالت عزيزة.
فكرة القرية الذكية
في السودان، ربما تبدو فكرة القرية الذكية بعيدة المنال، أرجو أن تجد مكانها. إن فكرة مشروع القرية الذكية تحتاج أن تدخل بعمق وبفهم، بل واهتمام وعزيمة، لغرض بناء المجتمع ومن ثم بناء الدولة. وهذا هو المحور الذي تدور حوله هذه الورقة. ولمن يريد الاستزادة فليتواصل مع الكاتب ليذهب معه خطوة أو خطوات أُخَر.
تستند فكرة هذا المشروع على مشروع أكبر هو نظام إدارة القرية، وقد جمعت مادتها. أرجو أن أعدها في ورقة منفصلة، بإذن الله وفي العالم نماذج متقدمة.
وراء هذه الفكرة حياة ممتدة. فالكاتب فتح عينيه في البادية (مستوطنة مجتمعية صغيرة متحركة، عالية الكفاءة في إستثمار الموارد الطبيعية)، ثم عبر إلى مرحلة القرية وما بعدها. وآخر ما شارك فيه أن قاد مشروع لخطة البنى التحتية للمنطقة الاقليمية المسماة بالقرن الافريقي. وقد شارك خلال عشر سنوات في الخطة الافريقية عضواً في فرق العمل على مستوى كبار واضعي السياسة. وفي ذلك قد قاد فريقاً من مدراء البرامج والخبراء في شأن الخطط والسياسات. اللهم سخر لهذا المشروع من يأخذه بحقه إلى منتهاه.
دواعي المشروع:
الفكرة المحورية في هذا المشروع، أن البنيان يبدأ من القواعد. وفكرة البناء من القاعدة فكرة تنموية اصيلة معلومة لدى من عمل في حقل التنمية. ولعل مصدر هشاشة بناء الدولة سببه الرئيس أن ليس هناك قواعد ومرتكزات. فلا تزال القرى والمستوطنات في الوجدان العام أنها شيء من الماضي لا يعبأ له ولا يعبأ به. فالوحدة البنائية الآولى (الخلية) للدولة هي القرية.. المستوطنة. هذا بعد الوحدة البنائية للمجتمع وهي الأسرة. وبعدها تتوالى التشكيلات إلى وحدات بنائية أكبر، تُحدد مواصفاتها. وتُحدد علاقاتها الرأسية والأفقية.
عدم قيام هذا المشروع، حتى تاريخه، بسبب رئيس، هو عدم وجود الفكرة المركزية الداعمة للمشروع. وهذا من مناقص الصفوة. ففكرة الدولة، فكرة غائبة. هذا إذا قسناه على أقرب مثال، وهو بناء الدولة السودانية في الفترة 1900-1955. راجع السودان من الحكم البريطاني المباشر إلى فجر الاستقلال مذكرة جيمس روبرتسون،. وكتاب السودان، تقرير إنجاز، جي. إس. آر. دنكان. من الغريب أن زعيمين من زعماء السودان كتبا كتابين على الأقل للبناء ودعوا الناس بأن يتبنوا الأفكار الذهبية التي طرحاها. الأزهري الطريق إلى البرلمان، وصفة كاملة لأي عمل جماعي، من تأسيس الجمعيات التعاونية إلى تكويم وإدارة البرلمان. ومحمد أحمد المحجوب كتب كتابه الحكم المحلي. وقد كانت صرحة في واد سحيق.
فارجو أن أبعث الفكرة وليلتقطها من يريد، ويرغب ويعرف ويقدر أن يبني، بعد الدمار الشامل بسبب التناطح لدرجة الدمار. ولهذه الفكرة لابد من عزيمة. فقد توفرت الآن خلفية جيدة من الظروف الموضوعية التي من شأنها دعم تحقيق الفكرة (الحاجة للبناء). وارجو أن لا ينصرف الفكر والخاطر للطوب ومواد البناء. ما أعنيه من بناء هو النموذج الفكري الناعم أو المرن. للمتأمل أن ينظر إلى سيارة فخمة (وليسمها أي ماركة تعجبه) كنظام مكتمل، لكن فليتأمل كم عي الأفكار التي قادت لبناء السيارة الفخيمة.
وفكرة القرية الذكية هي تماماً مثل ذلك وأكثر. وهي ممكن أن تطبق، بتكامل الفكر والنظريات والوسائل. ونماذج بُنيت لآماد في بعض البلدان، بما في ذلك بلدان العالم الثالث. والعالم الثالث هو ما يسمى بالدول النامية. فالعالم الأول هو الدول عالية التقدم. والعالم الثاني هو الدول المتقدمة. والعالم الثالث هو الدول التي سميت نامية. أما العالم الرابع فهو الدول سميت بالأقل نمواً، تلطفاً من كلمة أخرى. وأرجو أن أضيف للأسف هناك بلدان هبطت من الدرجة الثالثة إلى الرابعة. وهي مضرب مثل.
النمو والتقدم الذي يحدث في الدول الأسيوية تحديداً، وراءه برامج تشمل القرى الذكية لحياة ذكية في الريف. وما أورده أرجو أن يتبناه المخططون من الأجيال التي في زهرة شبابها. هنا لا بد أن يُغيّر النظرة والمفهوم تجاه فكرة القرية الذكية. المطلوب هو الإمساك بزمام المبادرة، وليحدث فيها ما يشاء من تطوير في الاتجاه الصحيح. وذلك ممكن.
أهمية القرى
لغرض هذا الشرح، لنسمى القرية بالقرى، والقرى بالريف. عُرِف الريف (وفيه ومعه البادية، التي تتلاشي (يوماً بعد يوم) بأن الريف يأخذ أقل مما يعطي. ثراء وكفاءة الريف بكل المقاييس تعني وتؤدي إلى ثراء مجتمع الدولة القطر. وتنمية الريف بشكل متكامل هي السبيل إلى تحقيق ثراء وكفاءة الدولة القطر، بل ورفاهيتها. وقبل ذلك علينا أن نتفق أن تنمية الإنسان هي أصل التنمية. وأن الأمية الابجدية عاهة مقعدة للبشر. وأن الأمية لم تعد هي الأمية الأبجدية.
مؤخراً، عندما بدأ القتال في العاصمة الخرطوم، بحثنا عن الريف، فلم نجده، فعبرنا المعابر هرباً بحثاً عن حياة أخرى. تنطلق أهمية موضوع القرية الذكية من أهمية تطوير الريف في السودان، السودان الذي نبحث عنه الآن، ولعله يكون قريباً.
تتمثل أهمية الريف من إتساع نطاقه. في أي دراسة من طرف، ربما ستجد من يقول أن 80%-70% من السكان هم في الريف. هب أنّهم 40%. ألا يستدعي ذلك العمل الجاد المثابر للعمل على تقدمه. أكثر من تعدادهم، هم يجلسون على الموارد، موارد النماء.
الريف، خاصة في السودان، هو مصدر الثراء في المجتمع، لاتساع وتنوع موارده البشرية والطبيعية، النباتية منها والحيوانية والتعدينية والثروات المائية. بل هو مصدر السيادة للدولة. لنتخيل حديثنا عن ملايين الخراف الحية العابرة للموانئ. ونتخيل حديثنا عن الصمغ العربي الذي لا تنافس فيه دولة أخرى. بل عن أطنان الذهب الذي هو مورد ومصدر كبير للإقتتال. والذهب الأبيض، والمحاصيل، بما في ذلك البصل الأحمر، والرمل ، وكل ما يخطر بأنه مصدر للعملات الصعبة هو من موارد الريف.
أهداف الورقة:
تحاول هذه الورقة أن تبعث، فكرة التنمية من القاعدة. وفي هذا الصدد تناقش وتبعث فكرة القرية الذكية، إلى أفهام الخواص والعوام. خاصة من يقول يوماً أنّي أريد أن أخطط للبلاد. أو أني أريد أن أحكم بالحرية والديمقراطية أو حتى بالقوة الجبرية أوبغيرها. فالتنمية هي الحرية. ولا حرية بلا تنمية (راجع أمارتيا سن في عروضه عن التنمية حرية من جهة، وعن الديمقراطية من جهة أخرى).
منهج التنمية من القاعدة
هذا ومنذ عقود عديدة، يحفظ العاملون في حقل مشروعات التنمية عن (روبرت تشيمبرز)، نظرية منهج التنمية من القاعدة.Putting the last first ، حيث كانت سياسات التنمية وقتها تنادي بالتنمية القاعدية، وتنمية الناس أولاً، Putting Community in Charge ، الفكرة التي شأنها أن تدعم ثراء ورفاهية المجتمع من قاعدته العريضة. ومن ثم صناعة حياة الإنسان الكريمة.
والهدف هنا تحديداً، هو كشف بعض أبعاد وحث آمال وطموحات سكان الريف، عبر تبني نظم أكثر كفاءة تستخدم تقنية المعلومات وبنيتها التحتية. ومن أحدث أفكار التنمية، تلك فكرة فتح وتوسيه الفرص والخيارات للفئات المستهدفة. ومن الفئات المستهدفة في سبيل التنمية، ولا شك رفع مستوى الاستعداد، استعداد النخبة، والحكام أيّا كان وصفهم، استعداد السلطات المحلية والمركزية لتوظيف التقدم التكنولوجي الحادث نحو تقوية الخدمات، بما يمكن قوله (إنشاء وتعزيز الريف الذكي). وبالطبع استعداد المجتمعات المحلية، وفيها الطلائع الذكية، المعلمون والمعلمات، مزارعون ورعاة نالوا قدراً من التعليم. وبالطبع شباب طموح يتشابى للمستقبل. والمستقبل يبدأ من اللحظة التالية، اليوم، غد لناظره قريب.
الإيحاء بالفكرة:
موحيةٌ هي الفترة التي قضاها المؤلف في الريف، على قصرها في العام الماضي (2023). موحية بكثير من الأفكار. فالريف الذي نشأء فيه قبل عقود، لم يعد اليوم ذلك ريف الأمس. فقد تطور كثيراً. لكن يبدو أن كثير من التطور حدث فيه بغير هدىً ولا كتاب منير. لذلك بقيت جوانب كثيرة في الريف أقل تقدماً، بل ناقصة وشائهة. وهذه الورقة تدعو أن تنقل فكرة إمكانية تنفيذ جوانب حيوية في التقدم، محوره فكرة تبني تكنولوجيا المعلومات في الريف بشكل واع متكامل، سريع وحاسم بمنهج واضح.
من أوجه التقدم الذي حدث، ذلك مد خطوط الطاقة إلى الريف، بعد أن تأخرت لعقود طويلة. والآن تدخل خلايا الطاقة الشمسية بطرق شتى، كمصدر أمثر استدامة بديل للطاقة المتاحة. كذلك ما حدث من تتابع إنشاء المدارس بوجود عدد من المدارس الثانوية في الريف. زيادة عدد خريجي الجامعات في الريف. ثم انتشار بقدر ملحوظ لوحدات الخدمات الصحية. ولا نزال نذكر المساعد الطبي الوحيد في المنطقة الذي يتجول على المجتمعات على ظهر بعيره، مثل الطائي الذي كان يبحث عن جبل عرفات. والآن الاعتمادية العالية على خدمات تكنولوجيا المعلومات تفرض آفاق جديدة في التنمية.
وقد قضى المؤلف، بعض أشهر من العام الفائت (2023) في الريف، والتي كانت كانت موحية بهذه الفكرة. مصدر الإيحاء هو الإعتماد على واستخدام منتجات تقنية المعلومات في الريف. فكم مرة يا ترى خلال أربعة أشهر أحتاج المؤلف أن يتواصل مع آخرين. وكم مرة احتاج أن يستقبل أو يرسل مبالغ نقدية من وإلى الريف. وكم مرة جرت استشارة طبيب وأرسلت أو استلمت وصفة (روشتة) طبيب، أو اسم دواء أو طريقة استخدامه. وكم مرة طلب من أحد أن يحضر معه دواءً أرسلت صورة الدواء المطلوب من التلفون المحمول. وكم مرة طلبت خدمة من السوق بالتلفون ووصلت إلى نهايتها. وتواصل كثير تم خلال لغرض الزراعة وإدارة حيوانات المزرعة، بحثاً عن سماد أو دواء.
أكثر من ذلك أنّ المؤلف قد أكمل إجراءات سفره، ولم يحتاج الذهاب لأخذ الصورة في الاستديو في المدينة القريبة، ثم يستلم الفيزا وتذاكر السفر في الهاتف وهو لم يغادر القرية إلا للسفر. هذا غير التواصل المجتمعي في الأفراح والأتراح في القرية والقرى المجاورة، عبر مجموعات تواصل ذكية.
أكثر من ذلك كان المؤلف من خلال بعض التطبيقات الذكية يتابع قراءة المناخ، كل يوم يحدث الناس عن إحتمالية هطول أمطار اليوم أو غداّ، ويقرأ لهم التوقعات لمدى اسبوع، فتكون أقرب لما يحدث. ويتحدث معهم عن بداية الشهر القمري فلكياً باليوم والدقيقة وإمكانية رؤية الهلال اليوم أو عدم إمكانية ذلك. تذكرت قصص ألان كواترمين وكنوز الملك سليمان، من مؤلفات سير اتش جي رايدر هاقارد.
البحث عن إشارة
لكن بذات القدر، كم من مرة كان يبحث إشارة للشبكة، والتي كثيراً ما تختفي في الريف. أو ينتظرها أن تسجل خلال الليل. وفي كثير من الأحيان لا تدعم فتح مستند مرفق، أو مقطع منظور أو منطوق بطريقة سهلة. وأخطر من ذلك أنها أحياناً لا تدعم تحويلاً نقدياً، إلا أن تتحرك من مكانك وتذهب لأقرب مدينة، وتقضي سحابة يومك تراجع رسائلك الهامّة.
ودلالة أخرى لضعف الشبكة في الريف كان أحد الطلاب يدرس في الجامعة. ولما وقد أغلقت الجامعة بسبب بعض الإضطرابات، اختار أحد الأساتذة أن يكمل مادته عبر الوسائط. ولم تكن الشبكة في القرية ذات كفاءة. فاختار الطالب أن يذهب حسب جدول دراسته لأقرب مدينة. يحضر محاضراته حيث الشبكة اقوى، ثم يعود، مثل أليس في بلاد
تعزيزاً لشرح فكرة الإختراق الحادث في الريف، منذ سنوات، أن المؤلف احتاج يوماً أن يشتري مبرد (ثلاجة) لبعض أفراد الأسرة المنتقلين من المدينة إلى القرية. فطلب من أحد افراد الاسرة الموجود في القرية أن يتصل بصديق في المدينة القريبة بأن يساعده في شراء الثلاجة. على أن تحول له النقود من خارج البلاد. ذلك بحكم أن الصديق رجل أعمال وتتوفر لديه إمكانية استقبال التحويلات النقدية دون تعقيدات. كانت المفاجأة أن هناك شركة في العاصمة تنشر وتوصل خدماتها التسويقية إلى الريف، وأن سعر الثلاجة أفضل لديهم من سعرها في المدينة القريبة. هذا مع تسليمها في القرية التي هي على بعد 400 كيلومتر)؟ وقد كان له ما أراد. تذليل الصعاب وتوجيهها هو محور مشروع فكرة القرية الذكية.
التقدم قد حدث
الواقع الذي لا مراء فيه أن التطورات التكنولوجية قد اخترقت جميع جوانب الحياة بما في ذلك الحياة في الريف. وضمن صور التقدم يجدر ذكر خدمات الاتصال المباشر التي حققت الكثير من احتياجات السوق (الاسعار، المعروضات، الوفرة والندرة وغيرها)، والتواصل الإجتماعي. ثم نقل الصور والمستندات، بما في ذلك المعلومات الأساسية للصحة والتعليم وتحويل النقود. تداول المعلومات التعليمية والترفيهية، وعلى رأسها متابعة المناشط الرياضية الكبرى حول العالم. هذا بالطبع إلى جانب وفرة مقاطع الصوت والصورة.
كم من حلقات في الريف لمشاهدة ومتابعة الدوري الأوروبي، أو حتى عبر التلفون مباشرة. هذا خلاف نشرات الأخبار اليومية وعلى رأسها أخبار الحكومات والانقلابات والفتك والبتك. فالحكومات هي التي يفترض أن تكون هي المصصم والباعث للسياسات التي يتأثر بها مجتمع الريف وغير مجتمع الريف. ولقد أصبح الريف ذلك يوماً بيوم يدعم وفرة سبل الإتصال بخلايا الطاقة الشمسية عندما يخذلهم إمداد الطاقة. إذاً لنسمي الريف لدينا بالريف الذكي، والقرية بالقرية الذكية.
مجالات خدمة القرية الذكية
الحديث تعميماً، قد يحول دون إلتقاط ومسك فكرة القرية الذكية، خاصة وأن مجتمع المستهدفين بهذه الفكرة، مجتمع عريض، يتوزع بين أقصى المعنيين بأمر التنمية في ابراج ممردة من قوارير، بما في ذلك نفر من الغاوين. وبين شباب ذكي يتشابي في قرىً نائية، يريد أن تتحقق لديه غاية الآمال. فما هي إذاً المجالات التي يمكن أن تعززها خدمات القرية الذكية، وليُذكر مثالاً، لا حصراً:
1. تداول النقود إليكترونياً، وقد حدث بصورة تدعم الفكرة.
2. دفع الرسوم والاشتراكات والالتزامات النقدية المختلفة إليكترونياً.
3. الحصول على الأوراق الثبوتية من دوائر الحكومة، بدءا من شهادة الميلاد.
4. الإحصاء السكاني والزراعي وكافة احتياجات الإحصاء.
5. مسح وتسجيل الأراضي والأصول وتوثيقها.
6. تجارة السلع والمحاصيل من وإلى القرية، يحدث ويحتاج إلى تطوير.
7. التدريب والتعليم عن بعد، خاصة النساء..
8. التسجيل وحضور الإمتحانات عن بعد.
9. الإرشاد الزراعي والإنتاجي والقروض الريفية.
10. رصد المناخ والامطار والظواهر الطبيعية.
11. إدارة المزارع والقطيع ومتابعتها إليكترونياً.
12. خدمات الصحة، خاصة صحة الأمهات والأطفال وكبار السن.
13. رفع الوعي الخاص بالأمن الغذائي وقضايا التغذية.
14. الإستشارة الطبية عن بعد، خاصة متابعة الحالات بعد لقاء الطبيب.
15. التسجيل لأغراض الانتخابات النيابية الترشح والاقتراع.
16. توزيع الإعانات والزكوات والهبات لمستحقيها بموجب الإحصاء.
17. خدمات واستشارات قانونية يحتاجها الناس أفرادا ومجتمعات.
18. الإرشاد والتطوير المجتمعي بقضايا التغير المناخي والبيئة.
19. التوثيق لكافة شؤون القرية.
20. تعزيز ونشر خدمات الطاقة الشمسية لدعم المشروع.
21. تعزيز خدمة الشبكات لتقوية الإتصال، أو الحصول على شبكات منفصلة.
22. تحديد القرية في الخرائط الألكترونية، لكافة الأغراض الخدمية و التنموية كما هو معروف ومستخدم في المدن.
المطلوب استثمار قاعدة التقدم الحادث
لقد أثر التقدم التكنولوجي على العديد من قطاعات الحياة. إذ يمكن إجراء المعاملات من خلال استخدام التطبيقات المختلفة المثبتة على أجهزة الهواتف والحواسيب، والحواسيب اللوحية الذكية. ولقد تغلغل استخدام التكنولوجيا مؤخراً في الخدمات العامة باعتبارها أحد الابتكارات الخدمية للمجتمع. وقد قامت العديد من الجهات والمتخصصين في العلاقات الحكومية بتطوير واستخدام التطبيقات التي يتم تصميمها في كل يوم جديد. وكذلك القطاع الخاص، قد طّور وامتلك الكثير من التطبيقات، بما في ذلك، تلم التطبيقات التي يستخدمها القرويون.
مع هذا التقدم، تظهر الحاجة أن تتطور الخدمات الحكومية الموجهة، نحو المجتمعات القروية، وأن تستجيب وتتكيف مع احتياجات المجتمع. وهذا أحد مبادئ الحكم الرشيد. وتهدف التغييرات في الخدمات القروية إلى تحقيق الحكم الرشيد بدعم من خدمة مدنية محترفة، راشدة هي أيضاً، خالية من الفساد والتواطؤ والمحسوبية من أجل تحسين الخدمات المقدمة للمجتمع.
مطلوبات التقوية والتحديث
لذلك، فإن فكرة القرية الذكية، أن يكون التركيز بشكل رئيسي على البنيات التحتية لتكنولوجيا المعلومات وتقوية الشبكات في الريف. ثم بث تطبيقات ومنتجات تقنية المعلومات، لتشمل جوانب مختلفة من الحياة الريفية في العصر الرقمي الحديث. ستكون التطبيقات عديدة، ستفاجئ الناس، كما فاجأتهم ثورة تقنية المعلومات. ورغم أن تكنولوجيا المعلومات تحمل موجهاتها داخلها، وترشد مستخدمها، إلا أن هناك حد أدنى، على الأقل، من التدريب مطلوب لسرعة وكفاءة الإنجاز، لتبني المشروع. ثم التدريب لمواكية التطور.
فلنتفق أن خدمة القرى الذكية لم يسبق التفكير فيها، كما وجدته وتجده فكرة المدن الذكية والتنمية الرقمية على المناطق الحضرية. إذ تتمتع كثير من المناطق الحضرية بميزات واضحة في تطوير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، في الوقت الذي لا تتمتع المناطق الريفية، خاصة تلك الواقعة بعيدًا عن مراكز المدن أو خطوط النقل الرئيسية. ولقد تمتع سكان المدن بخدمات التاكسيات والخجز الفندقي وخدمات المطاعم وتوصيل الدواء وغيره. الأمر الذي يغيب في المناطق الريفية. ولا شك أن التنمية العادلة حلاً لتحسين الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، خاصة للمجتمعات الصغيرة. من حسن تجارب الريف أن لكل قرية بص أو أكثر لنقل المنافع بين المدينة والريف. ومن حسن الممارسات اتخاذ ايام للاسواق لتبادل المنافع.
تغيير نمط التخطيط التنموي:
يتمثل كل ما ذكر من جوانب تخدمها فكرة حكومة القرية الذكية، أن يكون التخطيط شاملاً لكل مناحي الخدمات العامة التي تقدمها الحكومات لمواطني الريف، بدءا من توفير الشبكة عالية السرعة والكفاءة في المناطق الريفية، مما سيؤدي إلى تحسين تقديم الخدمات والارتقاء الاقتصادي. ثم التطور الرقمي في التكنولوجيا الذكية بشكل رئيسي في قطاع الخدمات، لدعم التنمية. وتذليل العوائق أمام التطوير، بمفهوم تنمية المناطق الريفية عبر تكنولوجيا الإتصالات.
لاشك أن الموضوع يحتاج إلى تمويل وتأهيل من نوع خاص، محوره تعزيز البنية التحتية للمرافق والخدمات المدنية المجتمعية، بما في ذلك البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات. وأن عدم كفاية البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المناطق النائية والمحيطية يؤدي إلى تفاقم التحديات التي تواجهها المناطق ذات الكثافة السكانية المنخفضة، وفرص الأعمال المحدودة، وعدم كفاية الخدمات وفرص العمل. ومع ذلك، مع الاستمرار في تعزيز الاتصال الرقمي في المناطق الريفية، فإن توفير درجة معينة من كفاءة الوصول إلى الخدمات غير المتصلة بالإنترنت أمر مهم.
ومن الأخبار السارة، أن تكنولوجيا الإتصالات نفسها تصنع الحلول. وربما سنشهد عمّا قريب تصدع وتفتت شركات إحتكار خدمة الإتصال. فسيكون متاح الإتصال مباشرة بالانترنت، دون الاحتياج لتقوية الأبراج أو ارتهان الخدمة لشركة زيد أو أو غيره. ومن الجوانب السارة أيضاً أن خدمات التواصل تدفع تكاليفها من داخلها، وأنها تكون أرخص كلّما انتشرت أكثر.
الأن قد أصبح مفهوم القرية الذكية أو الريف الذكي أجندة تصاحب وتتمم مبادرات تخطيط مشروعات التنمية الريفية. بما يصل إلى ممارسة رقمنة المناطق الريفية. وتهدف برنامج التنمية الريفية الحديثة إلى إنشاء بنية تحتية للخدمات والأنشطة الريفية المبتكرة مع تحسين البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتقنيات الرقمية.
إذا كان التقديم والحصول على كافة الخدمات الحكومية، وغير الحكومية يمكن أن يتم عن بعد. ودفع تكاليف الخدمات المدفوعة التكلفة يمكن كذلك أن يكون عن بعد، فما الحاجة أن يذهب طالب الخدمة، مقتطعاً من زمنه المنتح، ليدفع تكاليف الانتقال والإنتظار، ويفقد وقت عزيز في العمل المنتج، فلا حاجة أن تظل مراكز الخدمات تقيم طوابير لطالبي الخدمة.
وجوب تجاوز العقبات المحلية
أذكر ذات مرة في أحد مشروعات التنمية، تقرر أن ينشأ مركز للتنمية في قرية ما، روعي فيها كثافة السكان وتوسطها، وإمكانية الوصول عبرها لأكبر قدر من المجتمع المستهدف بالتنمية. فأول من رفض قدوم المشروع إلى بلدته هو زعيم تلك البلدة. وقد كانت بلدة أخرى في المنطقة، قد تقدم زعيمها بطلب لاستضافة مركز تنمية للمشروع. فكانت هي البديل لاستقبال موارد وأصول المشروع، التي انتقلت إليه بدون كبير عناء.
من عوائق التقدم الماثلة، تلك هي العقلية التقليدية للنظر إلى جهود التنمية بشي من الريبة. ليس أفراد من المجتمعات المستهدفة فحسب، بل بين موظفي الحكومات أيضاً تقليديون للاحتفاظ بمكاتب الخدمة الحكومية تقليدية، يرون أن لا بد أن يأتي إليها الناس لتحقيق مطلوباتهم، والتي تحتاج بسبب البطء أو غياب المسؤولين المعتمدين، أو نقص المتطلبات، أو مشاكل فنية أخرى، مثل انقطاع التيار الكهربائي، تحتاج التردد إليها، والمكوث والتحليق المتطاول حولها. لذلك يجب الضغط على الحكومات بسرعة على الدخول في المستقبل الرقمي واستغلال الفرص لتعزيز النظم البيئية للمعرفة والابتكار من خلال التكنولوجيا والتعاون المشترك.
ولقد ثبت في كثير من البلدان أنه يمكن تحقيق تمكين المجتمع من الناحية الفنية باستخدام الكثير البرامج التطبيقية أو مواقع الشبكة لفتح الفرص لتوجيه المعلومات ودعم التنمية الريفية الشاملة. ومع ذلك، فإن التنفيذ الناجح للقرى الذكية يعتمد بشكل كبير على عناصر الشباب والمشاركة المجتمعية النشطة، وموارد القرية.
ثمة رسالة خاصة
إنّ الآثار المترتبة على التفكير في تنفيذ مشروع القرية الذكية بحاجة إلى التغلب الفوري على العقبات التي تعيق اعتماد الابتكارات في خدمات القرى الذكية. والرسالة الخاصة الموجهة لمخططي المشروعات ومنفذيها هي: أنه لم تعد قواعد البيانات والمسوحات الأساسية للمشروعات تقتصر على البيانات التقليدية القديمة، بل أن قاعدة بيانات تكنولوجيا المعلومات لا بد من أخذها كأولوية ذات أهمية قصوى في تخطيط المشروعات. وغني عن القول أن مكونات الاستدامة البيئية في أي مشروع هي أس جدوى أي مشروع. وأن المورد البشري لأي مشروع هو الهدف الأول وليس كم الوحدات المنتجة من المحاصيل والحيوانات والمساحات المزروعة. وأن تطوير نظم إدارة المجتمعات الريفية هي عامل مفتاحي للتنمية. وأن ورقة عن تطوير نظم الإدارة المجتمعية ستكون التالية لهذه الورقة.
اللهم افتح لي فتحاً يحار فيه الناس، إنك لطيف لما تشاء قدير.
اللهم أبدل بلادنا أمناً وسلاماً.. يا رؤوف يا رحيم.
الصادق عبدالله أبوعيّاشة
sadigabdala@gmail.com
https://www.facebook.com/elsadig.abdalla.503
7 فبراير 2024
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: تکنولوجیا المعلومات تقنیة المعلومات المناطق الریفیة البنیة التحتیة هذا المشروع هذه الفکرة هذه الورقة فی السودان فی المناطق من القاعدة بما فی ذلک فی القریة فی الریف هو الدول کثیر من وکم مرة أن یکون عن بعد
إقرأ أيضاً:
وزارة الخارجية تفوز بجائزة الإمارات للذكاء الاصطناعي عن مشروع "البعثة الذكية"
بتكريم من الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وبحضور الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس الدولة، نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس ديوان الرئاسة، فازت وزارة الخارجية بجائزة الإمارات للذكاء الاصطناعي عن فئة "تميز الخدمات المدعومة بالذكاء الاصطناعي"، وذلك عن مشروع "البعثة الذكية".
وتهدف الجائزة التي أطلقها مجلس الإمارات للذكاء الاصطناعي والتعاملات الرقمية، في مارس (آذار) الماضي، إلى تشجيع الجهات الحكومية الاتحادية والمحلية وشبه الحكومية على تبني أفضل استخدامات الذكاء الاصطناعي وخلق معيار وطني لهذه الاستخدامات على مستوى الدولة وتصميم حلول مبتكرة غير مسبوقة، لاستشراف مستقبل أفضل مبني على الحلول الرقمية والتعاون وتعزيز التنافسية الخلاقة. رؤية القيادة وجاء هذا التكريم على هامش الاجتماعات السنوية الحكومية لدولة الإمارات 2024، ويأتي إطلاق مشروع البعثة الذكية ترجمة لرؤية قيادة الدولة الرشيدة لمستقبل الدولة وصولاً إلى تحقيق مئوية الإمارات 2071، ولإحداث نقلة نوعية ومبادرة إبداعية مبتكرة مصممة لإحداث ثورة في الخدمات القنصلية باستخدام الذكاء الاصطناعي، تتماشى مع رؤية الإمارات 2031 التي تسعى لجعل دولة الإمارات نموذجاً رائداً عالمياً في مجال الحوكمة الذكية والابتكار المستدام.وبالتعاون مع وزارة الداخلية، تم إطلاق أول بعثة ذكية للدولة في سيؤول، بجمهورية كوريا، في مايو "أيار" 2024، كأول مبنى من نوعه عالمياً يعتمد على تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد ويشمل أنظمة طاقة ذكية وأجهزة إنترنت الأشياء، ويجمع بين الابتكار التكنولوجي والاستدامة، ما يجعله بيئة ذاتية التشغيل وصديقة للبيئة، في حين سيتم افتتاح 5 بعثات أخرى خلال الفترة المقبلة. خدمات متنوعة وتُمكن "البعثة الذكية" المتعاملين عبر خاصية التعرف على الوجه، من الاستفادة من خدمات قنصلية استباقية ومتنوعة، كما تتيح التفاعل المباشر مع المتعاملين وتقديم الخدمات اللازمة دون الحاجة إلى تدخل بشري بالاعتماد على التقنية ثلاثية الأبعاد و"الهولوجرام" مع خيار توفير موظف افتراضي والتفاعل معه بشكل مباشر وبعدة لغات إذا لزم الأمر، ما يتيح وصولاً سلساً إلى الخدمات ويعزز الدعم في حالات الطوارئ.
وتعمل السفارة الذكية على تحليل بيانات المتقدم، والذي يساعد في توقع احتياجات العملاء، ما يتيح تخصيص الموارد بكفاءة عالية.
ويتضمن مشروع البعثة الذكية حزمة من الخدمات تشمل إصدار وثائق العودة، وتصديق المستندات الفردية والتجارية، والحالات الطارئة، بالإضافة إلى إصدار شهادات لمن يهمه الأمر، وغيرها من الخدمات القنصلية المقدمة لمواطني الدولة والمقيمين والزوار.