بانشاسيلا.. خمسة مبادئ تحكم النظام السياسي في إندونيسيا
تاريخ النشر: 19th, February 2024 GMT
على الرغم من أن إندونيسيا أكبر دولة في منظمة التعاون الإسلامي، ويشكّل المسلمون 87.2% من سكانها البالغ عددهم 270 مليون نسمة، وعلى الرغم من أن للمبادئ الإسلامية دورا مهما في تشكيل النظام السياسي، وفي حركة المجتمع، فإن البلاد دستوريا لا تُعرَّف بأنها دولة مسلمة أو إسلامية، ولا يعدّ الإسلام دين الدولة؛ لأنها تأسست على ما يعرف محليا بـ "بانشاسيلا".
عندما حصلت البلاد على استقلالها في 1945 عن الاستعمار الهولندي، وأُعلن قيام جمهورية إندونيسيا، توافق المؤسسون على 5 مبادئ تحكم النظام السياسي في البلاد، وهي التي أعلنها الرئيس المؤسس أحمد سوكارنو في خطاب عرف بخطاب "بانشاسيلا" وتعني باللغة السنسكريتية: "المبادئ الخمسة".
وتم التوافق على هذه المبادئ مراعاة للتنوع العرقي والديني الواسع في الأرخبيل، الذي يتكون من 13 ألف جزيرة، 7000 منها مأهولة، وينتشر فيها طيف من الأديان.
وتعترف الحكومة بالعقائد التالية: (مسلمون 87.2%، بروتستانت 7%، رومان كاثوليك 2.9%، الهندوسية 1.7%، أخرى 0.9% (تشمل البوذية والكونفوشيوسية). في حين لا يُعترف بالإلحاد معتقدا.
ويمكن تلخيص هذه المبادئ الخمسة كالتالي:
الإيمان بإله واحد. إنسانية عادلة ومتحضرة. وحدة أراضي الدولة في إندونيسيا. الديمقراطية في إدارة الدولة. العدالة الاجتماعية لجميع أفراد الشعب الإندونيسي.اعتمد دستور إندونيسيا في 1945 وظل ساري المفعول منذ ذلك الحين، باستثناء الفترة بين 1949 و1959. وقد عُدل 4 مرات بين 1998 و2002 كونه جزءا من الإصلاحات الديمقراطية بعد إسقاط نظام سوهارتو في 1998.
وقد ورثت إندونيسيا نظامها القانوني من حقبة الاستعمار الهولندي، ولا تزال العديد من مواده -مثل قانون العقوبات- سارية حتى اليوم. وللشريعة الإسلامية حضور في القانون الإندونيسي، خاصة في الأحوال الشخصية والميراث والزواج والطلاق وغيرها.
ومع ذلك لا تطبق إندونيسيا الحدود الشرعية، باستثناء إقليم آتشيه، الذي حصل على حكم ذاتي يسمح له بتطبيق الشريعة الإسلامية، بعد توقيع اتفاق سلام أنهى عقودا من الصراع المسلح مع الحكومة المركزية.
التحول الديمقراطيكان إسقاط نظام سوهارتو في 1998 بعد ثورة الطلبة على خلفية الأزمة المالية التي ضربت دول جنوب شرق آسيا في 1997، هو نهاية نظام حكم البلاد منذ استقلالها في 1945، وبداية عملية التحول الديمقراطي.
وكان يوسف حبيبي، الذي خلف سوهارتو، قد دشن مرحلة التحول الديمقراطي خلال توليه منصب الرئيس لمدة 517 يوما فقط،. فقد أصدر قانون الصحافة لضمان حرية التعبير عبر وسائل الإعلام، التي كانت مقيدة حتى ذلك الحين، ورفع القيود المفروضة على الحق في تشكيل الأحزاب السياسية، كما دعم بشكل مثير للجدل تقرير المصير لشعب مقاطعة تيمور الشرقية، مما أدى إلى استقلال ذلك الإقليم عن إندونيسيا في 2002.
السلطة التنفيذية
نظام الحكم في إندونيسيا رئاسي، فالسلطات الواسعة بيد الرئيس الذي يُنتخب مباشرة من الشعب، فهو رئيس الدولة والحكومة، وهو الذي يعين الوزراء، ويوافق على التشريعات التي يعتمدها البرلمان، وله حق نقضها.
يتمتع الرئيس -أيضا- بسلطة إصدار مراسيم رئاسية لها تأثيرات سياسية، وهو المسؤول عن العلاقات الخارجية لإندونيسيا، على الرغم من أن المعاهدات تتطلب موافقة تشريعية، وهو كذلك القائد الأعلى للقوات المسلحة.
تتكون السلطة التنفيذية من الرئيس ونائب الرئيس ومجلس الوزراء. وتكون عملية اختيار الرئيس ونائبه بالانتخاب المباشر من الشعب، وتستمر ولايتهما 5 سنوات، يمكن تجديدها بالانتخاب لدورة ثانية فقط، لضمان التداول السلمي للسلطة. وأجريت أول انتخابات رئاسية مباشرة في 2004.
وبحكم أن 60% من سكان إندونيسيا يتركزون في جزيرة جاوا، وغالبيتهم العظمى من المسلمين؛ فإن منصب الرئيس ونائبه يكون حصرا من المسلمين، أما في المناصب السياسية الأدنى وفي الأقاليم الأخرى، فمن الممكن تولي تلك المناصب من غير المسلمين.
شروط الترشح للرئاسة يشترط في المرشح للرئاسة أن يحظى بتأييد رسمي من حزب سياسي، أو ائتلاف حزبي يشكل إما 20% من البرلمان المركزي، وإما 25% من الأصوات في الانتخابات السابقة. يشترط أن يكون عمره 40 عاما على الأقل (جرى تجاوزه من المحكمة الدستورية في انتخابات 2024 بسبب المرشح لمنصب نائب الرئيس غيبرين نجل الرئيس جوكو ويدودو)، وأن يكون مقيما في إندونيسيا لمدة 5 سنوات على الأقل، وألا تكون لديه جنسية أجنبية، سواء في وقت الانتخابات أو في أي وقت سابق. لا يشترط في المرشح الرئاسي أن يكون رئيسا لحزب سياسي، لكن جرت العادة أن يكون مدعوما من تحالف من الأحزاب السياسية. يحتاج المرشح الرئاسي إلى (50% + واحد) من الأصوات المدلى بها، وما لا يقل عن 20% من الأصوات في أكثر من نصف المحافظات الـ38 للفوز بالرئاسة. إذا لم يتمكن أي من المرشحين من تحقيق النسبة المطلوبة، تجري جولة إعادة للانتخابات الرئاسية في يونيو/حزيران بين المرشحين اللذين حصلا على أكبر عدد من الأصوات.السلطة التشريعية في إندونيسيا هي "مجلس الشعب الاستشاري"، وهو مكون من مجلسين، مجلس نواب الشعب (الغرفة الدنيا)، ومجلس الشيوخ، أو ممثلي الأقاليم (الغرفة العليا).
ويعدّ مجلس الشعب المسؤول عن تعديل أو حذف بعض المواد، أو أحكام الدستور بأغلبية ثلثي الأعضاء. ويتولى تنصيب الرئيس ونائب الرئيس، ويتمتع بسلطة عزل أي منهما إذا ارتكب انتهاكات محتملة لدستور في 1945 وقوانين الجمهورية أثناء ولايتهم.
يتكون مجلس نواب الشعب من 580 عضوا، ويتولى وضع القوانين وإقرارها، وإعداد الميزانية السنوية بالتعاون مع الرئيس، ويشرف على الأداء العام للشؤون السياسية، وينتخَب لمدة 5 سنوات من خلال الانتخاب الشعبي المباشر على قاعدة التمثيل النسبي.
ولا يسمح النظام الانتخابي وتقسيم الدوائر والتنوع العرقي والديني عمليا لأي من الأحزاب بالحصول على الأغلبية في مقاعد البرلمان، وفي الغالب لا تزيد نسبة الحزب الأول في الانتخابات عن 25%، فتبقى الحاجة قائمة للتحالف مع أحزاب أخرى لتشكيل الائتلاف الحكومي.
الانتخابات التشريعية يشترط على الأحزاب السياسية للمشاركة في الانتخابات، أن تكون لها فروع في كل محافظة في إندونيسيا، وفي 75% من المدن في تلك المحافظات. يجب على الأحزاب المشاركة في الانتخابات أن يكون 30٪ على الأقل من قائمة مرشحيها من الإناث. يحتاج أي حزب سياسي إلى تأمين 4% من أصوات الناخبين (عتبة الانتخابات) لدخول البرلمان المركزي (580 مقعدا). ولا ينطبق هذا الشرط على برلمانات الأقاليم والمحافظات، فيكفي تأمين الأصوات اللازمة للفوز بالمعقد البرلماني فيها. يشترط في مرشحي مجلس الشيوخ ألا يكونوا أعضاء في أي حزب سياسي. وينتخب 4 أعضاء في مجلس الشيوخ عن كل إقليم (العدد الإجمالي للأقاليم 38). منذ انتخابات 2019 تجري الانتخابات الرئاسية والتشريعية بالتزامن، فيقترع كل ناخب في 5 أوراق مختلفة يضعها في 5 صناديق اقتراع، بالترتيب التالي: الأولى للرئيس ونائبه، والثانية للبرلمان المركزي، والثالثة لبرلمان الإقليم، والرابعة لبرلمان المحافظة، والخامسة لمجلس الشيوخ. تجري الانتخابات في 38 إقليما، و514 محافظة، و7277 بلدية، لانتخاب 20 ألف نائب في مختلف البرلمانات. كان أحد إنجازات إصلاحات ما بعد 1998 هو الحد من النفوذ السياسي للجيش، وإلغاء المقاعد البرلمانية المخصصة لممثلي الجيش، ومنع أفراد قوات الأمن العاملين من التصويت، أو الترشح للانتخابات.أعلى محكمة في النظام القضائي بإندونيسيا هي المحكمة العليا، ويعدّ حكمها نهائيا وغير قابل للاستئناف، وتنظر في الأحكام التي تصدرها المحاكم الأدنى. بينما تتولى المحكمة الدستورية، التي تأسست في 2003، البتّ في النزاعات حول تفسير الدستور، وما إذا كانت قرارات مجلس الوزراء والبرلمان تتماشى مع نصوصه. في حين تُحال القضايا القانونية العامة إلى المحاكم العامة، والمحاكم الإدارية، والمحاكم الدينية، والمحاكم العسكرية.
وتشرف لجنة قضائية على الحفاظ على سلوك الشرف ونزاهة القضاة الإندونيسيين؛ بسبب انتشار الفساد الذي يشمل في أحيان كثيرة قاعات القضاء.
الحكومات المحلية والإقليميةتضم إندونيسيا 34 مقاطعة، مقسمة إلى 416 منطقة و98 مدينة. ولكل مقاطعة حاكم منتخب بشكل مباشر ومجلس إقليمي، كما ينتخب الحكام ورؤساء بلديات المدن بشكل مباشر.
في سنة 2000، انتقلت إندونيسيا من كونها نظاما مركزيا للغاية إلى نظام تتمتع فيه السلطات المحلية، على مستوى المقاطعات والمدن باستقلالية كبيرة وميزانيات في مجالات مثل الرعاية الصحية والتعليم والبيئة.
مؤسسات أخرى مهمة في الدولةمن مؤسسات الدولة المهمة، مجلس تدقيق حسابات الدولة والمجلس الاستشاري الأعلى، إذ يتولى مجلس تدقيق حسابات الدولة مراجعة وفحص الإجراءات المالية للحكومة، ويرفع تقريره إلى مجلس الشعب الاستشاري (البرلمان)، وهو الهيئة التي توافق على الإيرادات والنفقات المقدرة للدولة.
بينما يقدم المجلس الاستشاري الأعلى المشورة للرئيس عند الطلب، في المسائل المتعلقة بالقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية.
ويُرشَح أعضاء المجلس الاستشاري الأعلى من مجلس الشعب الاستشاري، ويعيّنهم رئيس الجمهورية لمدة 5 سنوات، ويبلغ عدد أعضاء المجلس الاستشاري الأعلى 45.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
تشكيك في دوافع ترامب من تعديل النظام الانتخابي الأمريكي.. كيف ذلك؟
أثار الرئيس الأمريكي غضب خصومه بعد أن أصدر أمرا تنفيذيا لإصلاح النظام الانتخابي وفق رؤيته، ويهدف منه لفرض ضوابط أكثر صرامة على تسجيل الناخبين وقيودا عدّة على التصويت عبر البريد.
علما أن هذه الإصلاحات يطالب فيها الجمهوريين منذ سنوات، والتي من ضمنها أيضا، وفقا للأمر التنفيذي، وجوب تقديم الناخب دليلا على حيازته الجنسية الأمريكية، مثل جواز سفر أو رخصة قيادة، عند تسجيل اسمه للتصويت على قوائم الناخبين في الولايات.
حرمان الملايين من التصويت
واتهم معارضو ترامب بأنه يسعى لحرمان ملايين الأمريكيين من المشاركة في الانتخابات، وأن قراره هذا غير قانوني، وأنه يسعى لزيادة سلطة وتأثير الرئيس على الانتخابات.
من جانبه قال ريك هاسن، مدير مشروع حماية الديمقراطية وصاحب الخبرة الطويلة في القانون الانتخابي: "إذا نجح هذا الأمر التنفيذي في تجاوز التحدي القضائي، فسيُحوّل سلطة الانتخابات الفيدرالية بشكل كبير إلى يد الرئاسة".
وقال هاسن في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن "من شأن هذا الأمر التنفيذي في حال تم إقراره رسميا أن يحرم ملايين الناخبين من حقهم في التصويت، حاليًا، بموجب قانون NVRA، يُمكن لأي ناخب مؤهل التسجيل للتصويت في أي ولاية باستخدام (نموذج فيدرالي)، يُسمى أحيانًا نموذج البطاقة البريدية".
وأوضح أن "هذا النموذج يتطلب المعلومات التي يراها الكونغرس كافية لإثبات الأهلية، بما في ذلك الجنسية، للتصويت"، مؤكدا أن الأمر التنفيذي سيوجه لجنة الانتخابات الرئاسية لتغيير النموذج الفيدرالي لتشترط إثباتا وثائقيا للجنسية للتصويت".
وتابع: "سيمنع هذا تسجيل عدد ضئيل من الناخبين غير المواطنين، ولكنه سيمنع ملايين الناخبين المؤهلين، الذين لا يستطيعون الوصول بسهولة إلى وثائق مثل جوازات السفر، من التسجيل للتصويت".
"قرار غير قانوني"
صحيفة "نيويورك تايمز" قالت في تقرير للصحفي نيك كوراسانيتي إن "الرئيس ترامب يدفع لمنح السلطة التنفيذية نفوذا غير مسبوق على كيفية إدارة الانتخابات الفيدرالية، بتوقيعه أمرا واسع النطاق ومشكوكا فيه قانونيا لتغيير قواعد التصويت الأمريكية".
ووفقا للتقرير الذي ترجمته "عربي21"، فإن "الأمر التنفيذي الذي يسعى إلى اشتراط إثبات الجنسية للتسجيل للتصويت، بالإضافة إلى إعادة جميع بطاقات الاقتراع البريدية بحلول يوم الانتخابات، ما هو إلا محاولة لقلب قرون من قوانين الانتخابات المستقرة والعلاقات الفيدرالية-الولائية رأسًا على عقب".
ونقلت الصحيفة عن خبراء قانونيون قولهم "إن الأمر ليس قانونيا بالكامل على الأرجح، وقد أشارت جماعات حقوق التصويت والمدعون العامون للولايات بالفعل إلى أنهم سيقدمون طعونا".
و"توقع العديد من الخبراء أن أحكام الأمر التنفيذي قد تُعتبر غير قانونية، مع أنهم قالوا إن أحكاما أخرى، مثل التوجيهات الموجهة إلى المدعي العام لترامب وأعضاء آخرين في حكومته، تقع ضمن الحدود القانونية".
ولفت التقرير إلى أن الأمر التنفيذي سيُجبر لجنة المساعدة الانتخابية على تغيير تلك العملية لتشترط جواز سفر، أو بطاقة هوية رسمية تتضمن معلومات الجنسية، أو بطاقة هوية عسكرية.
ويُشكك خبراء قانونيون في امتلاك السيد ترامب سلطة إجبار الهيئة، التي صنفها الكونغرس "مستقلة" وتضم مفوضين من كل حزب، على اتخاذ أي إجراء.
قال جاستن ليفيت، أستاذ القانون الدستوري بجامعة لويولا ماريماونت، والذي خدم في إدارة بايدن: "بإمكانه أن يطلب ذلك بلطف. لكنه يعتقد أنه يتمتع بسلطة لا يملكها، على الأقل حتى الآن. سيتطلب الأمر تغييرًا في القانون وموافقة المحكمة العليا بالإجماع على توسيع جذري لصلاحيات السلطة التنفيذية".
ووفقا للصحيفة يقول خبراء قانونيون إن البند الذي يشترط وصول جميع بطاقات الاقتراع بحلول يوم الانتخابات يتجاوز على الأرجح السلطة القانونية للرئيس، لا سيما التهديد بحجب التمويل الفيدرالي عن الولايات التي لا تلتزم. (تسمح 17 ولاية حاليًا باحتساب بطاقات الاقتراع البريدية المختومة بختم البريد قبل يوم الانتخابات إذا وصلت بعده بوقت قصير).
"استهداف للأقليات"
وكان ترامب قد شكك في نتائج الانتخابات الرئاسية التي أجريت عام 2020، واعتبرها مزورة، حيث يرى أن كثيرا من غير الأمريكيين من المهاجرين قد صوت في الانتخابات.
ويثير هذا الأمر، وكذلك شكاوي ترامب من تزوير انتخابات 2020 تساؤلا حول ما إذا كان الحزب الجمهوري هو المستفيد فعلا كما يقول معارضو ترامب؟ كذلك من هي الفئة المتضررة أكثر من هذا القرار لو تم تطبيقه رسميا.
وفقا لخبراء تحدثت معهم "عربي21"، فإن الأمر التنفيذي يستهدف الأقليات والفقراء، وهؤلاء غالبيتهم ديمقراطيون، ما يعني أنه في النهاية سيصب في مصلحة الحزب الجمهوري.
أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جون هوبكنز، البروفيسور دانيال سيروار، قال، إن "الأمر التنفيذي يستند إلى افتراض خاطئ مفاده أن أعدادًا كبيرة من غير المواطنين يصوتون في الانتخابات الأمريكية، وهذا غير صحيح".
وتابع سيروار في تصريحات لـ"عربي21": "لكن هذا الأمر التنفيذي سيجعل التسجيل أكثر صعوبة، لا سيما للأمريكيين الذين لا يملكون شهادة ميلاد أو جواز سفر، وكذلك لمن يفضلون التصويت عبر البريد، وهذا هو الهدف الحقيقي منه، لأن هؤلاء الأشخاص في الغالب من الفقراء والأقليات".
وأوضح: "ترامب يعتقد أن الجمهوريين سيستفيدون، لذلك هو يحاول إلغاء العديد من حقوق التصويت المُكرَّسة منذ ستينيات القرن الماضي، علما أن الانتخابات الأمريكية تُدار من قِبل الولايات، وأتوقع أن بعضها سيتحدى أحكام الأمر التنفيذي".
هل يمر القرار؟
لكن يبقى السؤال الأهم؛ هل يستطيع الرئيس ترامب تمرير هذا الأمر التنفيذي وتحويله لقرار رسمي، خاصة أن معارضيه أكدوا أنهم سيطعنون به أمام المحكمة، أيضا هل يصبح القرار ساريا فور صدوره؟
روبرت شابيرو، أستاذ الحكومة والشؤون الدولية والعامة في جامعة كولومبيا الأمريكية قال إن "الرئيس لا يملك هذه الصلاحية، كما أن الدستور يترك قواعد الانتخابات هذه للمجالس التشريعية/الحكومات الولائية، مع أن الكونغرس يستطيع إقرار التشريعات المتعلقة بذلك".
وحول تأثيرات هذا الأمر التنفيذي لو طُبق رسميا، قال شابيرو لـ"عربي21": "سيُصعّب هذا الأمر على الناس التصويت، وخاصة الأقليات، والفئات الأقل دخلاً، وكبار السن، في الماضي كان هذا يعني الناخبين الديمقراطيين".
وأشار إلى أنه "قد يُقلّل من إقبال الناخبين، كما كان الحال مع الناخبين الديمقراطيين في الماضي، لكن ترامب لا يملك الصلاحية للقيام بذلك، وسيتطلب تشريعا من الكونغرس أو تشريعا في كل ولاية".
حماية قدسية الانتخابات
بالمقابل أشاد داعمو ترامب بقراره الأخير، حيث رحب الناشطون المحافظون به واعتبروه خطوة ضرورية لضمان قدسية الانتخابات الأمريكية، على الرغم من أن الدراسات أظهرت باستمرار أن عددا قليلا جدا من المهاجرين غير حاملي الجنسية الأمريكية أدلوا بأصواتهم بشكل غير قانوني وفقا لموقع "يو أس توداي".
سكرتير ولاية جورجيا، براد رافينسبيرغر، وهو من الحزب الجمهوري، شكر ترامب على هذا الأمر التنفيذي وقال في تغريدة له على منصة "إكس": "هذا الأمر يضمن أن المواطنين الأمريكيين فقط هم من يقررون الانتخابات الأمريكية، وهذه خطوة أولى عظيمة نحو إصلاح نزاهة الانتخابات".
Thank you @realDonaldTrump for this executive order to ensure only American citizens decide American elections.
This is a great first step for election integrity reforms.https://t.co/AR7jYyKDs2
كما أصدرت مؤسسة "هيريتيج" (التراث) للأبحاث بيانا قالت فيه إن "هذا الأمر يُقرّ بأن الولايات هي المسؤولة الرئيسية عن إدارة العملية الانتخابية، وبأن الحكومة الفيدرالية قادرة على مساعدتها، كما تتحمل الحكومة الفيدرالية مسؤولية التحقيق مع ومقاضاة كل من يتدخل في النظام الديمقراطي الأمريكي الذي يصون الجمهورية".
وقال جون مالكولم، نائب رئيس معهد الحكومة الدستورية والعضو في المؤسسة في ذات البيان الذي ترجمته "عربي21": "لطالما كانت حماية وتعزيز نزاهة العملية الانتخابية من أهم أولويات مؤسسة هيريتيج".
وتابع مالكولم: "لقد ركزنا على هذه القضية الجوهرية لسنوات عديدة. نهنئ الرئيس ترامب على سعيه لحماية أثمن حق للأمريكيين: الحق في المشاركة في العملية الديمقراطية التي تُشكل جوهر حكومتنا التمثيلية".
وقال هانز فون سباكوفسكي، الزميل القانوني الأول ومدير مبادرة إصلاح قانون الانتخابات في "هيريتيج": "أخيرا، اتخذ الرئيس ترامب الإجراء الذي طال انتظاره لتسخير موارد الوكالات الفيدرالية، مثل وزارتي الأمن الداخلي والعدل، لمساعدة الولايات، بدلا من محاولة عرقلة جهودها لإصلاح عملية الانتخابات، وهو ما كان سمة مؤسفة لإدارة بايدن".
هل يُلغى المجمع الانتخابي؟
تعتمد نتائج الانتخابات الرئاسية في أمريكا على تصويت أعضاء المجمع الانتخابي، والذين يتم اختيارهم كل أربع سنوات من قبل الولايات، ويتم تمثيل كل ولاية بعدد معين من الأعضاء يعتمد على عدد السكان.
ووفقا للقانون الأمريكي حتى لو فاز المرشح بالأصوات الشعبية لكنه خسر أصوات المجمع الانتخابي يصبح خصمه هو الرئيس الأمريكي كونه هو من حاز على أعلى نسبة أصوات في المجمع الانتخابي.
وأثار الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس ترامب لإصلاح الانتخابات تساؤلات حول إمكانية تغير هذا النظام، خاصة أن معارضيه يعتبرونه أقل ديمقراطية، كما أن استطلاعات الرأي أظهرت أن الأمريكيين يُفضلون اعتماد التصويت الشعبي فقط.
روبرت شابيرو يرى أنه "لا علاقة لمقترح ترامب بتغيير أصوات المجمع الانتخابي، فهذا يتطلب تعديلا دستوريا، كما أن ترامب والجمهوريون مُعجبون بالنظام الحالي".
وتابع: "لكن ما يقترحه ترامب يُؤثر على سهولة التصويت، لكن بشكل عام إذا أقرّ مجلس النواب الذي يُسيطر عليه الجمهوريون تشريعًا يُناسب ترامب، فسيُعطّله الديمقراطيون في مجلس الشيوخ، وبالتالي لن يُمرّر هذا التشريع".
من جهته قال دانيال سيروار إن "حصة الولايات في المجمع الانتخابي تُحدد بناءً على التعداد السكاني، ولن يُجرى تعداد جديد قبل عام ٢٠٣٠".
وأضاف: "لا أعلم إلى أي مدى سيحاولون تشريع هذا الأمر التنفيذي، لكنني متأكد من أن الجمهوريين لا يريدون انتخابًا مباشرًا، رغم فوز ترامب بالتصويت الشعبي العام الماضي".