تقارير ووقائع كثيرة تشير إلى أن إنفتاح قوات كرري على المهندسين احدث صدمة فى اوساط المليشيا ، ليس على مستوى الأفراد ، وإنما على مستوى القيادات المناطقية الوسيطة ،
والصغيرة ، فقد أثار مغادرة القيادات العليا ولاية الخرطوم اسئلة كثيرة عن مصير ومستقبل بقايا المليشيا ، ولذلك بداوا التفكير فى حزم أمتعتهم ، مع زيادة الضربات وشدة وتيرتها.
* فى الساعات الأولى من صباح اليوم ، ألتحم متحرك الشهيد عرديب مع قوات المهندسين ، وأكمل حلقة متحرك أسود العرين ، وبالضغط من متحرك عزم الرجال ، وهكذا أتسع دائرة التأمين لمنطقة أمدرمان القديمة ، وتيسر حركة أكبر للقوات والآليات والعتاد ، هذه معركة كسر فيها عظم المليشيا..
* قيادات مجتمعية ودينية بدأت إتصالات لسحب ابناءها من المحرقة ومن المصير المجهول ، وخاصة مناطق شرق الجزيرة وشرق النيل ..
* إتصالات أخرى تواصلت فى مناطق سنار ، شخصيات مجتمعية ربطتها فى السابق مصالح مع المليشيا وابن المنطقة البيشي سحبت تأييدها وتبحث عن مصالحة مع المواطنين ومع الجيش ، فقد تسرب إجتماعهم الذي اقترحوا فيه الذهاب إلى قائد المنطقة في سنجة بعد أحداث مدني لتسليم سنار (دون دمار كما قالوا) ، أنهارت هذه التحالفات ..
* المجندين من اطراف الحاج يوسف وبعض مناطق الخرطوم وخاصة سوبا ومايو ، يبحثون عن النجاة بما نهبوا ، وخاصة أن درس الكدرو كان قاسيا ، قوة الفزع التى انطلقت لمساندة المليشيا هناك أبيدت تماما ، وبقية المجموعة التى اجتمعت جوار محطة الكهرباء تسربت.. القادة يبحثون فى البيوت والاسواق عن مجنديهم.. ولذلك من الضرورى تشديد الرقابة هذه الأيام للهاربين والمتسللين خارجا بما خف مما سرقوه..
– من الوارد قيام المليشيا بمغامرة على المهندسين وبعض الإرتكازات المتقدمة ، لرفع الروح المعنوية ، مع أن آخر مجموعة منيت بضربة قاصمة ، لكنهم جمعوا بعض العربات من جنوب الخرطوم ، وأخرى عن طريق الغرب ، وتمركزوا فى مناطق ابوسعد على محازاة النيل ، وهى المحاولة القاتلة ، والمؤكد أنهم بلا دافعية أو قيادة..
– أربع أسباب أساسية احدثت التأثير على مسار الميدان:
اولها: وصول قوات كرري إلى المهندسين ، فهما جسدا قدرات قتالية عالية وثبات ، صبرت قوات المهندسين على القصف والدانات والمحاصرة ، وتمكنت من التقدم الميداني ، بينما استطاعت قوات كرري بمختلف متحركاتها التفوق على واقع عملياتى معقد ، عمارات ومواقع حاكمة ، اجهزة حديثة ، خطوط إمداد مفتوح ، وبهذه الجسارة فإن القوات المسلحة قادرة على تحقيق انتصارات أكبر ، فهذه المعركة الأصعب ، وهزمت المليشيا بفضل الله..
وثانيها : إنسحاب القدرات القتالية الأجنبية ، وغنى عن القول ان مرتزقة أجانب كانوا يديرون المعارك فى أمدرمان وفى بحرى الكدرو وشريحة كبيرة من المقاتلين الجنوبيين المتخصصين فى المدفعية تم قنصهم فى مزارع بحرى وشمبات والخوجلاب ، ناهيك عن مجموعات روسية وسورية واثيوبية تم قنصهم فى أمدرمان القديمة ، وكذلك هلاك النخبة من المليشيا ، وما تبقى هم بقايا النفير والحشد القبلي ، وقدراتهم محدودة..
وثالثا: إنقطاع المدد والقيادة ، هناك شح كبير فى التعيينات وغياب للقادة ، غادر عبدالرحيم الخرطوم منذ ستة اشهر ، ومن غير الوارد ظهور حميدتي ، وبقية القيادات قتلت ، ووصول صالح الفوتي مع أثقال علاقات فاترة مع الرزيقات لا يحقق الانسجام.. ودبكة القادم من عد الفرسان قواته محاصرة بالإذاعة ، وقد هلك اغلبهم مع قلة الخبرة بحرب المدن..
ورابعا: فشل الروافع فى تحقيق إختراق:
* فشلت قحت وتقدم فى تشكيل حاضنة متماسكة ، بل بالعكس بدات فى التصدع ، وخاصة بعد افتضاح أمر وجود اعضاء وممثلين للمليشيا من بينهم ، وبسبب قضية التمويل ، ناهيك عن فقدانهم السند الشعبي..
* فشل إدارة المناطق ، فى دارفور أو الجزيرة ، وتدهور الحياة المعيشية وحالة الانفلات الأمني..
* فشل إقناع المواطن السودانى بترهاتهم ودعايتهم واكاذيبهم..
كل هذه شكل صدمة ، واسس لمرحلة جديدة ، تبدا من تباعد المواقف الدولية والإقليمية ، وتنتهى بالهزيمة والخسران..
د.ابراهيم الصديق على
19 فبراير 2024م
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
العلاج التقليدي الشعبي الذي حفظ الله به جنس السودانيين السمر : الكف الصاموتي.
زمان ، لما الصدمات تكون أكبر من قدرة الزول على التحمل ، أهلنا بلاحظو أعراض معينة . تلقى الزول طلع من طورو ، و بقى يردد في الكلام و يعيد في القصص بما يشعر السامع أن الصدمة أثرت على عقله و تكاد تفقده صوابه..
طوالي أهلنا بعالجوها بالكف الصاموتي..
الكف الصاموتي كان له دور كبير في بقاء الدولة السودانية ، كم أعاد جماعات من الناس الى صوابها و أفاقها من محاولات الهرب من تأثيرات الألم و صعوبة مواجهة الواقع . الكف عالج أفرادا من ضعف غريزة التكيف و العجز عن التأقلم مع الكوارث.
إختيار مسار الهروب عن المواجهة ، يلجيء البعض للبحث عن لحظة جنون مؤقت ، يبعث فيه الأمل أنه ربما تختفي المصيبة و تنزاح الغمة. أو يبعث الله رجلا خارقا يكفيه مؤنة الإفاقة.
في تقاليدنا ، هناك رفق بالمرأة التي يسمح لها ما لا يسمح للرجل. الرجل تنتظره الأسرة و القرية و الجماعة ليكون حامل الراية و صاحب الفكرة و المشروع : كيف التصرف ؟
سرعة الإفاقة من الصدمة و ليس الإنغماس في وحلها هو الذي يميز العناصر القوية و الكائنات السائدة في عملية الإنتخاب الطبيعي الجارية في محاولات الأجناس الغازية للسيطرة على أراضي غيرها و طرد أهلها الأصليين أو دفنهم تحت ترابها.
البعض يعرف عن نفسه الضعف ، و يعرف عنها ميلها الى الركون في وحل الصدمة و التلذذ بالبقاء خارج شبكة الإدراك خوفا من العودة للواقع المر الذي يتطلب منك التماسك أمام الناس و تمالك النفس لتقدم إجابات ينتظرها منك الناس ، و ماذا بعد ؟
اليوم حصلت كارثة كبيرة رأينا مثلها خلال هذه الحرب . هب أن قائد المنطقة أو المدينة أو الجيش طلب من مساعديه فترة للركون الى النفس و الحزن على ما فات . إذا سمحنا انفسنا بهذا الحق ، أظن أنه من العدل أن نسمح للجميع بهذا الغياب اللذيذ من الوعي و التهرب من إتخاذ القرار الذي يجب إتخاذه : الحرب أو الهرب . إذ أن كليهما يحتاج الى وعي قوي و إفاقة من صدمة الخسارة . و إلا فالعلاج التقليدي الشعبي الذي حفظ الله به جنس السودانيين السمر : الكف الصاموتي.
كائنا من كان .
عمار عباس
إنضم لقناة النيلين على واتساب