الرؤية- ريم الحامدية- العُمانية

 

احتفلت وزارة الإعلام بإطلاق العرض الأول للفيلم الوثائقي بيت العجائب، المُكوّن من 3 أجزاء، ويتحدث عن الوجود العُماني في زنجبار وشرق أفريقيا، ودشّنت كذلك كتاب الوجود العُماني في زنجبار وشرق أفريقيا"، والذي يُوثِّق الدور الحضاري العُماني في هذه المنطقة.

وخلال حفل احتضنته دار الفنون الموسيقية بدار الأوبرا السُّلطانية، قال عبد الرحمن بن سعيد المسكري في كلمة "مجلة نزوى" إن أهمية هذا المشروع الثقافيّ الوثائقي الكبير، الذي نحتفي بإنجازه، تكمن في التركيز على الوجود العُماني في زنجبار وشرق أفريقيا، ونقدم من خلاله قصصًا إنسانيّة الطَابع تعظيمًا للقيم الرّفيعة التي أسّسها الأسلاف، وترسيخًا لدورها في بناء الهويّة الوطنية العُمانيّة الحديثة.

مع أهمية نقله للأجيال القادمة في وسائط فنيّة وبصريّة تتلاءم مع روح العصر، وتستثمر تحوّلاته التكنولوجيّةَ والثقافيّةَ في طرائق الإنتاج وأنماط التلقي. وأوضح أنَّ إنجاز هذا المشروع التوثيقي هو احتفاء بالفعل الحضاري للإنسان العُماني، حيث يشكّل البعد الحضاري قيمةً جوهريّة في هُوية عُمان التاريخيّة؛ هويّة تشكّلت عبر بناءٍ فكريٍّ عميقٍ وعريق، أخصبه تاريخٌ طويلٌ من التّواصل والانتقال للسفر. وأضاف أن "أسلافنا ارتادوا البحار، وجازوا المفازات والصحاري والقفار، تدفعهم غواية المجهول لاكتشاف الآفاق البعيدة، فابتدعوا مجالاتٍ تواصليّةً وثيقةً مع مختلف الشعوب والأمم. فكما أن تاريخ الإنسان العُماني متجذّرٌ في أرضه، ارتبط كذلك بانتقاله وتحرّكه في بيئاتٍ ومناطق شتى في أنحاء العالم. كلّ ذلك أسهم في بناء شخصية الإنسان العُماني، الذي اكتسب روحًا وثّابة، وعزيمة صُلبة، وإرادة حرّة، واتسمت ذهنيّتُه بالاتساع والاستيعاب والانفتاح على الآخر".

وتطرق المسكري إلى الوجود العُماني في أفريقيا، وقال إن العُمانيين في زنجبار وشرق إفريقيا أقاموا دولةً واسعةَ الأرجاء، ممتدَّة التأثير، أدوا فيها أدوارًا طليعيّة مُتقدّمة، بما اكتسبوه من مقوّمات ثقافيّة وإرثٍ إنسانيٍّ بالغ الثراء عبر تاريخهم الطويل، فنقلوا إليها كثيرا من قيمهم الرفيعة، وأثّروا تأثيرا واضحًا في نسيجها الاجتماعي والثقافيّ، فنشروا الثقافة العربية والإسلاميّة، وأسهموا في إيجاد بيئة تمازجت فيها الثقافات والأعراق المختلفة، في سياق مواطنةٍ قائمة على التآلف والتعايش؛ فأسّسوا بذلك مجتمعًا متماسكًا متسامحًا في إطارٍ من الألفة والتفاهم، والعيش في ظل القواسم الإنسانية المشتركة.

كما تحدث فريدريش كلوتشه مخرج فيلم بيت العجائب قائلا إن تاريخ الوجود العُماني في شرق أفريقيا تاريخ طويل بدأ على سواحل المحيط الهندي وامتد لسنوات طويلة، وكلما بدأنا البحث أكثر وجدنا المزيد والمزيد من المعلومات. وأضاف: "قررنا أن نركز في كل جزء من هذا الفيلم على شخصية محورية واحدة وما سنشهده اليوم في هذا الفيلم هو قصة السُّلطان السّيد سعيد بن سُلطان مؤسّس سلطنة زنجبار ومؤسس الوجود العُماني في شرق أفريقيا، وهذا الفيلم يغطي الجزء الأول من القرن الـ20. أما الجزء الثاني فسيتحدث عن شخصية تيبوتيب .. من القرن التاسع عشر...تليها شخصية مبارك الهناوي الذي كان محافظا في ممباسا وكان يشجع على التعليم كوسيلة للانتقال للحقبة المعاصرة".

واختتم كلوتشه كلمته بالقول إنَّ هذا العمل ليس موجّها فقط للجمهور العُماني وإنما ينظر إليه كتراث مشترك مع إفريقيا ويطلع عليه العالم أجمع ولذلك يتوافر هذا الفيلم بثلاث لغات.

ويعدُّ بيت العجائب الثيمة الأساسية للأفلام الثلاثة، ويستغرق كل جزء من هذه الأفلام 50 دقيقة وقد تم إنتاجها بثلاث لغات، هي: العربية والإنجليزية والسواحيلية.

وتركز هذه الأفلام على الإسهام الحضاري الطليعي للعُمانيين في المجالات السياسية والتجارية والاجتماعية والثقافية، ويتمثل في انتشار الإسلام والثقافة والحضارة العربية في شرق أفريقيا. وقد تم تصويرها بتقنية تبرز تفاصيل المشهد الداخلية والخارجية ومنها تنطلق أحداثها وحكاياتها.

كما تم إنتاجها بتقنيات فائقة الجودة وبصيغة قابلة للبث تلفزيونيًّا وسينمائيًّا؛ حيث تحوي أجزاؤها الحقائق العلمية والدراما التاريخية وشهادات للخبراء والمختصين وتعرض الوثائق ومواد أرشيفية بالإضافة إلى تصاميم الجرافيك والرسومات ثلاثية الأبعاد وغيرها من التقنيات الحديثة التي حرصت شركة ديماكس الألمانية المنفذة لهذا العمل الفني على استخدامها.

ويقدم كل جزء من هذه الأفلام شخصية رئيسة ضمن أحداث سياسية واجتماعية وثقافية متصلة، وقد تم تصوير الأفلام في مواقع مختلفة حول العالم كزنجبار وعدد من الدول الأفريقية والآسيوية ومواقع في أوروبا وأمريكا وسلطنة عُمان. فالجزء الأول من هذه السلسلة يتمحور حول شخصية السّيد سعيد بن سُلطان البوسعيدي بالإضافة إلى شخصيات أخرى ويتناول الجزء الثاني شخصية (تيبو تيب) أو حامد بن محمد بن جمعة بن رجب المرجبي إضافة إلى شخصيات أخرى. فيما تناول الجزء الثالث شخصية مبارك الهناوي مع شخصيات أخرى أيضا.

وعلى هامش هذا الإنجاز تم تدشين كتاب الوجود العُماني في زنجبار وشرق أفريقيا من تأليف الألماني جورج بوب وهو توثيق مدون لعمليات البحث والتقصي قام به فريق شركة ديماكس لإنجاز مشروع الوجود العُماني في زنجبار وشرق أفريقيا بثلاث لغات مستقلة (العربية والإنجليزية والسواحيلية).

وتحدث جورج بوب خلال الحفل عن بدايات اهتمامه بسلطنة عُمان وتتبعه خيوط علاقاتها مع شرق أفريقيا والتأثيرات المتبادلة وأشار إلى أن الكتاب يلخص المعرفة التي تم جمعها على مدار 6 أعوام لأكثر من 30 خبيرًا من سلطنة عُمان وافريقيا إضافة إلى الخبراء الغربيين، كما تطرق إلى بيت العجائب الذي كان أيقونة للتبادل الثقافي، كما أشار إلى أن هناك الكثير من العناصر التي تعبر عن التبادل الثقافي ولم تكن مضمنة في الفيلم ولكنها وضعت في الكتاب إضافة إلى احتواء الكتاب على مصادر أكاديمية ومعلومات مفصلة.

وتم خلال الحفل عرض الجزء الأول من الأفلام الثلاثة والعروض الترويجية لجميع الأجزاء.

يُشار إلى أن الكوادر العُمانية كان لها نصيب الأسد في إنجاز هذا المشروع في مختلف مراحله من الباحثين والمؤلفين المعدين والفنانين والكُتّاب والمترجمين والمُصمّمين وغيرهم من المختصين في المجالات الفنية.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: شرق أفریقیا بیت العجائب هذا الفیلم

إقرأ أيضاً:

المُعلِّم العُماني.. صانع الأجيال وركيزة النهضة

 

 

د. حامد بن عبدالله البلوشي

shinas2020@yahoo.com

 

منذ فجر التاريخ، كان المُعلِّم شُعلة مُتقدة تنير دروب الإنسانية، وحاملًا لمشاعل الحكمة والمعرفة في أروقة الحياة. لم يكن المُعلِّم مجرد ناقل للعلوم، أو شارحًا للدروس، بل كان بانيًا للعقول، وصانعًا للأجيال، ومرشدًا للإنسان في رحلة البحث عن الحقيقة.

وعلى مر العصور، تواترت الثقافات والحضارات على تعظيم شأن المُعلِّم؛ إذ أدركت الأمم المتعاقبة أن التقدُّم لا يبنى إلّا على أساس متين من العلم والمعرفة، وركائز راسخة من الثقافة والفكر، وأن المُعلِّم هو الأساس الذي تستند إليه دعائم التقدم والرقي.

في مختلف بقاع الأرض، وعلى مدار التاريخ، كان المُعلِّم موضع إجلال وتقدير، فاليونانيون القدماء رأوا فيه فيلسوفًا يُنير العقول، والصينيون وضعوه في مصاف الحكماء، أما العرب، فقد جعلوه حامل راية العلم، وسفير الفضيلة، ولا تزال الدول المُتقدِّمة تكرم المُعلِّم، وتقيم له أيامًا تُخلِّد فيها إنجازاته، وترفع مكانته بين أفراد المجتمع.

لقد أتى الإسلام مُعليًا شأن العلم، ومُجلًّا لمكانة المُعلِّم؛ إذ كان أول ما نزل من الوحي قول الله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ (العلق: 1)، إعلانًا صريحًا بأن المعرفة هي المدخل الأول لنور الهداية. وقال سبحانه وتعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ (المجادلة: 11). وقد كان الرسول ﷺ نفسه مُعلِّما للبشرية، هاديا ودليلا، يخرج الناس من الظلمات إلى النور؛ حيث قال ﷺ: "إن الله لم يبعثني معنتًا ولا متعنتًا ولكن بعثني مُعلِّما وميسرًا". وهو القائل: "إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على مُعلِّم الناس الخير".

لقد حفلت صفحات التاريخ بأعلام كانوا منارات علم تهدي الحائرين، ومُعلِّمين صنعوا أجيالًا من العلماء، وأصحاب فكر بنوا عقولًا وشيدوا حضارات، ومن أمثال هؤلاء ابن سينا الذي مزج الطب بالحكمة، ولم يكتف بأن يكون طبيبًا حاذقًا، وعالمًا نابغًا، بل أضاف إلى ذلك كونه مُعلِّمًا رائدًا، ينقل علمه لطلابه ومريديه، ويترك بصمات خالدة ظلَّ أثرها على مدار التاريخ، والخليل بن أحمد الفراهيدي المولود في أرض عُمان المباركة، والذي وضع أُسس علم العَروض. كما وضع أسس التفكير المنهجي لطلابه الذين كان على رأسهم سِيبَوِيه إمام النحو، وباني أصوله، وأحد أعظم النُحاة المسلمين. كما لا ننسى العديد من الأئمة العُمانيين الذين حملوا لواء التعليم، وأثروا الحضارة الإسلامية بفكرهم النير، ونقلوا العلم إلى أجيال متتابعة، فكانوا مثالًا للمُعلِّم الذي يُسخِّر علمه لخدمة البشرية؛ كالإمام الفقيه جابر بن زيد، والإمام العلّامة والشاعر والمؤرخ الموسوعي نور الدين السالمي، والأصولي المحقق الإمام سعيد بن خلفان بن أحمد الخليلي، وغيرهم الكثير.

ولقد أدركت سلطنة عُمان، منذ انطلاقة نهضتها الحديثة، أن بناء الإنسان هو اللبنة الأساسية في بناء الوطن، وكان التعليم هو المحور الأول لهذا البناء، والمُعلِّم هو حجر الأساس. ولذا، لم تبخل السلطنة في دعم المُعلِّم، تأهيلا، وتدريبا، وتمكينا، ليكون على قدر المسؤولية في صناعة الأجيال الواعدة.

وكان السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- قائدًا مُستنيرًا، أدرك أن نهضة عُمان لن تتحقق إلا بالعِلم، فوجَّه جهوده لبناء منظومة تعليمية متكاملة، وأولى المُعلِّم اهتمامًا خاصًا. ومن أقواله التي خلدها التاريخ: "إننا نعيش عصر العلم ونشهد تقدمه المتلاحق في جميع المجالات، وإن ذلك ليزيدنا يقينا بأنَّ العلم والعمل الجادَ هما معا وسيلتنا لمواجهة تحديات هذا العصر وبناء نهضة قوية ومزدهرة على أساس من قيمنا الإسلامية والحضارية"، وهذا تأكيد على أن العلم هو أساس النهضة، والمُعلِّم هو الركن المتين لها.

وعلى خطى السلطان قابوس -رحمه الله- جاء حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- ليؤكد أن التعليم سيظل الركيزة الأولى للنهوض بالوطن. وقد أولى جلالته -أبقاه الله- التعليم اهتمامًا كبيرًا، إيمانًا منه بأن الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الحقيقي. ومن أقواله: "وإن الاهتمام بقطاع التعليم بمختلف أنواعه ومستوياته وتوفير البيئة الداعمة والمحفزة للبحث العلمي والابتكار سوف يكون في سلم أولوياتنا الوطنية، وسنمده بكافة أسباب التمكين باعتباره الأساس الذي من خلاله سيتمكن أبناؤنا من الإسهام في بناء متطلبات المرحلة المقبلة".

إنَّ المُعلِّم ليس مجرد ناقل للمعرفة؛ بل هو مهندس العقول، ومؤسس القيم، وصانع الحضارات. فبكلماته تتفتح الأذهان، وبحكمته تتغير المسارات، وبصبره يبني جيلا قادرا على النهوض بالمجتمع، وهو الذي يزرع بذور الطموح في نفوس طلابه، ويرويها بحب العلم، ويصقلها بالتجربة، حتى تثمر علماء ومفكرين يرفعون راية أوطانهم عاليا.

وأقل ما يمكن أن نقدمه للمُعلِّم هو الاحترام والتقدير، وأن نُوَفِّر له بيئة تمكنه من أداء رسالته السامية. ومن الواجب علينا أن نكرم المُعلِّم معنويا وماديّا، وأن نمنحه المكانة التي يستحقها في المجتمع، حتى يؤدي رسالته النبيلة بكل حب وإخلاص.

وعلى الرغم من مكانته الرفيعة، إلّا أن المُعلِّم يواجه العديد من التحديات، منها التطور السريع في أساليب التعليم، وضغوط العمل، ومتطلبات العصر الرقمي. والتي تحاول وزارة التربية والتعليم جاهدة وفق إمكانياتها المتاحة، وعبر مؤسساتها التعليمية، إلى دعمه بالتدريب والتطوير المستمر، واللحاق بركب التقدم، وتوفير بيئة تعليمية تحفّزه على الإبداع، وتضمن له حياة كريمة.

إنَّ المُعلِّم هو النبراس الذي يُضيء لنا دروب المعرفة، وهو الباني الذي يُشيّد صروح الأمل، وهو الجسر الذي نعبُر عليه إلى المستقبل.

وفي يوم المُعلِّم العُماني، نقف جميعًا إجلالًا وتقديرًا له، شاكرين جهوده، سائلين الله -عز وجل- له التوفيق والسداد ليواصل رسالته السامية في بناء الأجيال والمساهمة في بناء نهضة عُمان المتجددة نحو غدٍ أكثر إشراقًا.

** مدير عام شبكة الباحثين العرب في مجال المسؤولية المجتمعية

مقالات مشابهة

  • يوم المعلم العُماني.. استثمار مُستدام
  • المُعلِّم العُماني.. صانع الأجيال وركيزة النهضة
  • مصر تحصد المركز الأول في بطولة أفريقيا لرابطة أبوظبي لمحترفي الجوجيتسو
  • خبير شؤون إسرائيلية: «الاحتلال» يرغب في إنهاء الوجود العسكري لحماس داخل غزة
  • قريـنة رئيـس إقلـيم زنجـبار تطلـع عـلى برامـج مؤسـسات الشـارقـة
  • وزير الخارجية يشارك في الجلسة الافتتاحية للاجتماع الوزاري الأول لمجموعة العشرين في جنوب أفريقيا
  • وزير الخارجية يشارك في الجلسة الافتتاحية للاجتماع الوزاري الأول لمجموعة الـ 20 في جنوب أفريقيا
  • الأهلي يصطدم بالهلال في ربع نهائي دوري أبطال أفريقيا
  • أ ف ب: فرنسا تسلم قاعدتها العسكرية في أبيدجان إلى كوت ديفوار
  • القطن عوض الثلج في أرض العجائب الشتوية الصينية.. والقيمون يعتذرون