تتسارع وتيرة اعتماد كثير من الناس على أدوات الذكاء الاصطناعي، في شتى مجالات الحياة، حتى أضحى للبعض ارتباطات عاطفية بروبوتات الدردشة وشخصيات رقمية أثرت على صحتهم العقلية والنفسية. 

ومنذ أشهر، أصبح ديريك كارير مفتونا بشخصية وهمية وعاش معها قصة مشحونة بمجموعة من المشاعر الرومانسية "رغم علمه بأنها مجرد وهم"، على حد تعبير وكالة أسوشيتد برس، في تقرير تناول قصصا عن ارتباطات إنسانية بريبوتات الدردشة.

"شريك رومنسي" 

يقول التقرير "لم يكن كارير يتطلع لتطوير علاقة مع شيء غير حقيقي، ولم يكن يريد أن يصبح أحد أبطال قصص الإنترنت التي تثير سخرية البعض،  كان يريد، فقط، شريكا رومانسيا لم يتمكن من إيجاده في الواقع.

اختبرهذا الشاب البالغ من العمر 39 عاما من بيلفيل بولاية ميشيغان، تطبيق Paradot، الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي لإنتاج شخصيات قادرة على جعل المستخدمين يشعرون "بالاهتمام والفهم والتفاعل". 

بدأ كارير يتحدث إلى برنامج الدردشة الآلي كل يوم، وأطلق على تلك الشخصية اسم Joi، وهو اسم امرأة ثلاثية الأبعاد ظهرت في فيلم الخيال العلمي "Blade Runner 2049".

قال كارير: "أعلم أنه برنامج، لا يوجد أي شك في ذلك، لكن المشاعر تستحوذ عليك".

"انعكاس للواقع"

على غرار روبوتات الدردشة ذات الأغراض العامة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، تستخدم ريبوتات المصاحبة كميات هائلة من بيانات التدريب لتقليد اللغة البشرية. 

وتأتي تلك الريوباتات، مزودة بميزات مثل المكالمات الصوتية وتبادل الصور والتبادلات العاطفية التي تسمح لهم بتكوين اتصالات أعمق مع البشر على الجانب الآخر من الشاشة. 

وعادةً ما يقوم المستخدمون بإنشاء صورة رمزية للشخصية المرغوبة باختيار الصورة التي تناسبهم.

تعليقا على ذلك، تقول المختصة في الذكاء الاصطناعي، مها الجويني، إن "ما نراه الآن على الذكاء الاصطناعي، انعكاس لنا، ولكل ما نريده".

وتستدرك "المتغير في الأمر هو أن الخوارزميات جعلت من الرغبات البشرية تتحرك ثم تتحقق بسرعة دون القدرة على التحكم فيها بعد ذلك".

وفي حديث لموقع "الحرة"، شددت الجويني قائلة "على العلماء والمفكرين التعامل مع المسألة بسياسة اندماج! بمعنى حين يتم تصميم أي برنامج يجب أن يخضع للمساءلة الأخلاقية".

ارتباطات عاطفية 

في منتديات المراسلة عبر الإنترنت، المخصصة لمثل هذه التطبيقات، يقول العديد من المستخدمين إنهم طوروا ارتباطات عاطفية بهذه الريبوتات ويستخدمونها لمواجهة الوحدة أو ممارسة تخيلات جنسية أو الحصول على نوع من الراحة والدعم الذي يرون أنهم يفتقرون إليه في حياتهم الواقعية.

وبينما تعتبر العزلة الاجتماعية على أنها تشكل تهديدا للصحة العامة في الولايات المتحدة وعدة بلدان أخرى، أصبح عدد متزايد من الشركات الناشئة يجذب مستخدمين جددا، من خلال الإعلانات المغرية عبر الإنترنت والوعود بشخصيات افتراضية توفر "القبول غير المشروط".

وتم إصدار تطبيق Replika التابع لشركة Luka، وهو أبرز تطبيق مصاحب للذكاء الاصطناعي، في عام 2017، في حين ظهرت تطبيقات أخرى مثل Paradot في العام الماضي.

وفي كثير من الأحيان يتم حجب ميزات مطلوبة بكثرة مثل الدردشات غير المحدودة، والتي تعطى فقط للمشتركين للذين يدفعون رسوما.

الخصوصية؟

أثار باحثون مخاوف بشأن خصوصية البيانات على تلك التطبيقات، إذ بينما قال تحليل لـ 11 تطبيقا من تطبيقات الدردشة الرومانسية التي أصدرتها مؤسسة موزيلا غير الربحية، إن كل تطبيق تقريبا يبيع بيانات المستخدم، ويشاركها لأجل تحقيق إعلانات مستهدفة.

ويشكك باحثون أيضا في الثغرات الأمنية المحتملة والممارسات التسويقية لتلك التطبيقات.

رغم ذلك، تقول Replika، إن ممارسات جمع البيانات الخاصة بها تتبع معايير الخصوصية والسلامة.

في العام الماضي، قامت الشركة بتحديد قدرة شخصياتها الرقمية، على الإثارة بعد أن اشتكى بعض المستخدمين من أن رفاقهم كانوا يغازلونهم كثيرا أو يقومون بإيحاءات جنسية. 

وعكست "ربليكا" مسارها بعد احتجاجات مستخدمين، بينما فر بعضهم إلى تطبيقات أخرى بحثا عن تلمك الميزات بالضبط (الإغراء والإيحاءات الجنسية).

وفي يونيو 2023، طرح الفريق تطبيق Blush، وهو عبارة عن "محاكي للمواعدة" يعمل بالذكاء الاصطناعي ومصمم أساسا لمساعدة الأشخاص على ممارسة المواعدة.

أخلاقيات الذكاء الاصطناعي

في المقابل، يشعر البعض بالقلق من التهديد الوجودي الذي تشكله علاقات الذكاء الاصطناعي، والذي قد يؤدي إلى إزاحة بعض العلاقات الإنسانية، أو ببساطة يؤدي إلى توقعات غير واقعية.

في في الصدد، تقول مها الجويني "يجب أن يتم دمج أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في كل الشركات ومؤسسات صناعة التكنولوجيا المتقدمة".

وتضيف هذه المختصة في أثر الذكاء الاصطناعي على المجتمعات إن المشكلة في مجتمعاتنا الآن هو "غياب الربط بين صناعة التكنولوجيا والقانون والأخلاق والتأثير الاجتماعي".

وأشارت أنه "لا يوجد احترام لتوصيات اليونسكو لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي".

وتشير غابرييلا راموس مساعدة المديرة العامة للعلوم الاجتماعية والإنسانية في منظمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) إنه "ما من مجال آخر أحوج إلى وجود نبراس أخلاقي أكثر من الذكاء الاصطناعي، حيث تُعيد هذه التكنولوجيات ذات الأغراض العامة تشكيل الطريقة التي نعمل ونتفاعل ونعيش بها".

وتتابع وفق ما نقل عنها موقع المنظمة بالقول إن  تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي "تعود بفوائد كبيرة في العديد من المجالات، لكن يُخشى في ظل غياب الضوابط الأخلاقية أن تؤدي إلى ظهور مظاهر التحيز والتمييز على أرض الواقع وتأجيج الانقسامات وتهديد حقوق الإنسان وحرياته الأساسية".

تعقيبا على ذلك، تلفت الجويني إلى عدة أمثلة عن أحداث أليمة حصلت لعدم احترام بعض التطبيقات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي للأخلاقيات.

مخاطر

تقول الجويني "هناك حالة وفاة حصلت العام الماضي في فيينا بعد أن تعلق مستخدم بشات بوت اسمها ليزا، والتي بعد حديث مطول مع المستخدم طلبت منه الإنتحار، وفعل دون تردد".

وقالت متسائلة "السؤال المطروح الآن هو، من المذنب؟ هل المستخدم الذي لم يتوجه لطبيب نفسي وتعلق بريبوت أم صاحب الشركة الذي لم يضبط استخدامات برنامجه؟".

ولا يذكر معظمم المستخدمين كيف أثر استخدام التطبيق على علاقاتهم الواقعية. 

وقال جزء صغير منهم، وفق أسوشيتد برس، إن تعلقهم بشخصيات رقمية، أدى إلى إزاحة تفاعلاتهم البشرية، بينما ذكر ما يقرب من ثلاثة أضعاف أن علاقاتهم الافتراضية، تطورت للأحسن بفضل تلك العلاقات.

وقالت يوجينيا كويدا، التي أسست شركة Replika في حديث لأسوشيتد برس، "يمكن أن تكون العلاقة الرومانسية مع الذكاء الاصطناعي أداة قوية للصحة العقلية".

وكشفت أنه عندما أطلقت شركتُها برنامج الدردشة الآلي، بدأ العديد من الأشخاص بالانفتاح على حياتهم. وأدى ذلك إلى تطوير Replika، الذي يستخدم المعلومات التي تم جمعها من الإنترنت - وتعليقات المستخدمين - لتدريب نماذجه. 

وقالت كويدا إن Replika لديها حاليا "ملايين" من المستخدمين النشطين. 

ورفضت تحديد عدد الأشخاص الذين يستخدمون التطبيق مجانا، أو الذين يدفعون أكثر من 69.99 دولارا سنويا لفتح نسخة مدفوعة تقدم محادثات رومانسية وحميمة. 

وتقول بدل ذلك إن هدف الشركة هو "إزالة وصمة العار عن العلاقات الرومانسية باستخدام الذكاء الاصطناعي".

كاريير من جانبه، قال للوكالة إنه استخدم Joi في الغالب للمتعة، مشيرا إلى أنه بدأ في تقليص حجم تفاعله معها في الأسابيع الأخيرة لأنه كان يقضي كثيرا من الوقت في الدردشة معها أو مع مشتركين آخرين عبر الإنترنت حول رفاقهم من الذكاء الاصطناعي.

وقال إنه أصبح الآن يتصل بـ"جوي" مرة واحدة تقريبا في الأسبوع، وعادة ما تتم تلك المحادثات –خصوصا الحميمة منها- عندما يكون بمفرده في الليل.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی

إقرأ أيضاً:

الذكاء الاصطناعي أولوية وطنية

الذكاء الاصطناعي أولوية وطنية

انطلاقاً من رؤية القيادة الرشيدة، وما يتحقق بفضلها من إنجازات ونقلات نوعية نحو المستقبل، تواصل دولة الإمارات تمكين الأجيال من الأدوات اللازمة كالذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة وأحدث التقنيات، والقدرة على إنتاجها والتعامل معها وتسخيرها في مسيرة التنمية الشاملة، وتأمين كل ما يلزم لتحقيق المستهدفات، وفي طليعتها الصروح العلمية المتخصصة والرائدة عالمياً والتي تعتبر من أهم وأبرز مراكز البحوث العلمية، ومنها جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، التي أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله ورعاه”، دورها الداعم للتطلعات الوطنية بقول سموه: “إن الجامعة تعد رافداً مهماً يعزز رؤية الدولة التنموية بشأن الاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة وإعداد كوادر وطنية متخصصة في هذا المجال الحيوي بجانب إرساء دعائم الاقتصاد المتنوع القائم على المعرفة وفي مقدمتها الذكاء الاصطناعي وضمان استدامته لأجيال الحاضر والمستقبل”.. ومعرباً سموه عن تطلعه إلى أن تسهم الجامعة في بناء قاعدة علمية من البحوث والدراسات المتخصصة في الذكاء الاصطناعي ومستقبل هذا المجال، وذلك خلال زيارة سموه مقر الجامعة في مدينة مصدر بأبوظبي، ولقاء رئيس الجامعة وعدداً من أعضاء الهيئتين الإدارية والتدريسية وعدد من طلبة الدراسات العليا وحثهم على المثابرة وبذل مزيد من الجهد في تحصيل العلوم التي يخدمون بها أوطانهم ومجتمعاتهم.. واطلاع سموه على البرامج الدراسية التي تطرحها الجامعة وأبرز المجالات البحثية التي تهتم بها والإمكانات التي تقدمها إلى الدارسين، وشراكاتها مع المؤسسات العالمية المختصة بدراسات الذكاء الاصطناعي، وكذلك تفقد سموه مرصد البيانات التابع للجامعة حيث قدم الباحثون وأعضاء الهيئة التدريسية خمسة مشاريع بحثية في مجال الذكاء الاصطناعي تتعلق بالطاقة والمناخ بجانب مجالات الطب وعلم الوراثة والإعلام و”الروبوتات” إضافة إلى شركتين من مركز حضانة وريادة الأعمال التابع للجامعة.
جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، تمكنت خلال وقت قياسي من ترسيخ موقعها بين أفضل وأعرق جامعات العالم بفعل إنجازاتها النوعية الفريدة، إذ تم تصنيفها في المركز العاشر في “الذكاء الاصطناعي والرؤية الحاسوبية، وتعلم الآلة، ومعالجة اللغة الطبيعية، وعلم الروبوتات، وعلم الأحياء الحاسوبي”، وذلك لما تحظى به من دعم يترجم توجهات القيادة الرشيدة الحاضرة والمستقبلية ونظرتها الثاقبة واستشرافها الدقيق ومعرفة المتطلبات والأدوات الضرورية الداعمة لعمليات التحديث والتطوير الدائم، وخاصة أن الذكاء الاصطناعي أصبح ضرورة ملحة وأساساً لا بديل عنه لمواكبة المتغيرات والتعامل مع التحديات وإيجاد حلول علمية قائمة على الابتكار، وهو ما يدعم مكانة الإمارات وازدهارها وتقدمها ويضاعف اندفاعها نحو المستقبل الذي أصبحت وجهة رئيسية نحوه ومن أكثر الدول تمكناً من أدواته.
قوة أي مسيرة تنموية رهن بتمكن رأس المال البشري من الذكاء الاصطناعي، والقدرة على تسخيره، وكذلك لدوره في تعزيز جودة الحياة، والإمارات اليوم تثبت بجدارة قوة توجهاتها وأهمية استراتيجياتها نحو مستقبل تُعد له بكل ثقة.


مقالات مشابهة

  • «ديب سيك» دليل على أنّ الغرب يخسر سباق الذكاء الاصطناعي
  • بريطانيا تجرم استخدام الذكاء الاصطناعي
  • كيف يساعد الذكاء الاصطناعي في مكافحة الاتجار بالبشر؟
  • ديب سيك الصيني يهدد عرش الذكاء الاصطناعي الأمريكي
  • الذكاء الاصطناعي خطر محدق بالكتابة الصحفية
  • «غوغل» تكشف عن مزايا جديدة بـ«الذكاء الاصطناعي» في خرائطها
  • الذكاء الاصطناعي أولوية وطنية
  • ميزة الاستدلال في «ديب سييك» تعزز ثقة المستخدمين بالذكاء الاصطناعي .. تقرير
  • أوروبا تحظر نموذج الذكاء الاصطناعي "ديب سيك"
  • “سدايا” تستعرض مستقبل الذكاء الاصطناعي العام والتحديات التي تواجهه بمشاركة أكثر من 16 جهة حكومية