توريط الأموات والقضاء في التدافع السياسي.. قضية حامي الدين
تاريخ النشر: 21st, July 2023 GMT
بينما كنا في اجتماع تحضيري قبل التوجه لاجتماع وزراء العدل العرب مع رئيسة المحكمة العليا الأمريكية آنئذ بالمنامة بالبحرين، سبتمبر 2003، وكنت حينئذ رئيسا لبعثتنا الدبلوماسية بالنيابة، أخبر كاتب عام وزارة العدل وزير العدل الاتحادي، الراحل محمد بوزوبع بأن قاضي محكمة بالمحمدية اتصل به بشأن قضية اعتقال مرشح أحد أحزاب التحالف الحكومي للانتخابات الجماعية، سبتمبر 2003، ضبط في حالة تلبس وهو يقدم رشاوى لبعض المواطنين، ويريد توجيها من الوزير لأن الموضوع يكتسي طابعا سياسيا، والأمر يتعلق بمرشح حزب غريم، فقال له بوزوبع: “لا نريد مشاكل مع الحزب المعني، أخبر القاضي بأن يحفظ القضية ويفرج اليوم عن المرشح المعني”.
انطلاقا من هذه الواقعة الطاعنة في قواعد المحاكمة العادلة وتعطيل متابعة جنائية في حق مرتش، ومخلة بمبدأ استقلالية القضاء عن أي سلطة أخرى، تنفيذية أو موازية، نسائل الرأي العام الوطني ونخبه الفكرية والسياسية والمدنية والحقوقية اليوم: ماذا جرى في محاكمة أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية والقيادي في حزب العدالة والتنمية، الدكتور عبد العلي حامي الدين؟ من اتصل بمن ومن وجه من؟ ومن هي الأطراف الخفية التي تغامر بمصداقية وسمعة القضاء ببلادنا على الصعيد الدولي؟
وقبل سبر أطوار وتفاصيل هذه القضية الغريبة الممتدة على مدى ثلاثة عقود، نؤكد في هذا المقال بأن الغرض منه هو الدفاع عن شخص بريء صدر في حقه حكم قضائي حائز لقوة الشيء المقضي به، ونالت قضيته سبقية البت القضائي انتهت بالحكم النافذ بسنتين سجنا عام 1994، وحاز الدكتور حامي الدين على مقرر تحكيمي من هيئة الإنصاف والمصالحة، وهي الهيئة التي شكلها الملك محمد السادس وقدمت تقريرها الختامي له من أجل طي سنوات الجمر، 1961-1999، وكانت قضية الدكتور حامي الدين قد وقعت ضمن هذا الزمن السياسي والأمني الأسود، زمن الانتهاكات الجسيمة والخطيرة لحقوق الإنسان، بل لحياة الإنسان المغربي، كما أن الغرض من هذا المقال أيضا هو الدعوة لتحصين القضاء من أي توظيف في التدافع السياسي، وذلك لضمان استقرار أحكام العدالة واستتباب الأمن القضائي أمام أي “تدخل” من جهات موازية ليس لها الحق الدستوري والقانوني بأن تكون طرفا في التدافع السياسي أو التأثير في تنافس الأحزاب داخل المؤسسات المنتخبة.
هناك ملاحظة جوهرية يجب بيانها هنا لفهم خلفيات ودوافع الجهات الموازية التي تستهدف القيادي والسياسي حامي الدين منذ أزيد من عقد، منذ رئاسة الحزب الذي ينتمي إليه حكومة 2012-2016، والمواقف التي عبر عنها باعتباره أحد القيادات السياسية التي ساندت حراك 20 فبراير، وعبرت عن مواقف معروفة لها صلة بالتأويل الديموقراطي للدستور بغرض حماية المكتسبات الدستورية والسياسية والحقوقية التي كان وراءها الحراك الشعبي متمثلا في حركة 20 فبراير، والدفاع عن مبادئ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتعزيز المسؤولية السياسية لرئيس الحكومة، مع الاحتفاظ بالاختصاصات التحكيمية والاستراتيجية والدينية للمؤسسة الملكية.
في كتاب أصدره عام 2007، “الحرية للفكر الذي نكره”، استمد الصحفي الأمريكي أنتوني لويس عنوانه من الرأي المعارض للقاضي المعاون في المحكمة العليا، أوليفر وندل هولمز الإبن في قضية الولايات المتحدة ضد روزيكا شويمر عام 1929، كاتبة هنغارية، ذات نزعة يسارية، ومناضلة من أجل حق المرأة في التصويت والحرية في التعبير وقضايا السلام بين الأمم، حيث كتب هولمز أنه “إذا كان هناك أي مبدأ في الدستور يدعو بشكل حتمي لمادة مكملة فهو مبدأ حرية الفكر، وحرية الفكر ليست لمن يتفقون معنا فحسب بل إنها حرية للفكر الذي نكره”، كما حذر لويس في كتابه من محاولة الحكومة الأمريكية قمع حرية المواطنين في التعبير والنقد عن طريق استغلال فترات الخوف والاضطراب في المجتمع بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.
هناك ملاحظة جوهرية في قضية الدكتور عبد العلي حامي الدين، هي عندما نتتبع مساره السياسي، حركيا وحزبيا، ومسلكه الحقوقي والأكاديمي خلال ربع قرن الأخير خاصة، نجد أنه كلما أصبح وجها بارزا في المشهد السياسي ورأيا فقهيا متميزا في الحركة الدستورية وقياديا في مختلف الهيئات التقريرية في حزب العدالة والتنمية ومنتخبا في مجلس المستشارين ورئيسا للجنة التعليم ونائبا لرئيس جهة الرباط، سلا- القنيطرة، وأكاديميا مبرزا في الحقل المعرفي والجامعي، إلا واستعرت الحملات ضده، ليس فقط في صحافة الطابور الخامس، بل كذلك في الوقفات والمسيرات الاحتجاجية المشبوهة ، كان أبرزها ما يسمى بـ “مسيرة ولد زروال” البئيسة والمفضوحة، التي شارك فيها من ينصبون أنفسهم اليوم مطالبين بالحق المدني، وهذه المشاركة وحدها كافية لفهم الخلفيات السياسية لهذه المتابعة.
من يحرك هذه الحملات والوقفات الاحتجاجات ضد الدكتور حامي الدين؟ من أعاد إحياء ملف الطالب الراحل بنعيسى آيت الجيد من رماد بعد عقدين من الزمن، أي بعد بروز الدور السياسي والحزبي للقيادي الدكتور حامي الدين، ووضع القضاء في موقف لا يحسد عليه محليا ودوليا؟ أين كان من يستغلون اليوم جثة طالب قضى قبل 30 سنة؟ أين كانوا قبل أن يتقدموا بأول شكاية ضد حامي الدين سنة 2012؟ أي بعد حوالي عقدين على أحداث العنف الجامعي التي سقط فيها عدد من الطلبة من اتجاهات مختلفة، يراد اليوم التركيز على واحد فقط لأغراض سياسية مكشوفة، لا علاقة لها بخدمة العدالة والحقيقة كما يزعمون.
لقد تولى كبر الدعاية في هذه القضية بعض الوجوه المتكررة المليئة بالحقد الإيديولوجي والانتهازية المادية، من بينهم محامون كومبارس، وهي وجوه معروفة بانخراطها في أجندات معادية للحقوق والحريات، لكن الغريب هو الموقف المفاجئ لرئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان عزيز غالي، الذي يبدو أنه لازال غارقا في أتون الصراع الإيديولوجي اليساري المتطرف مع كل ما هو إسلامي دون اعتبار للبديهيات القانونية الواضحة، ومنها الأحكام النهائية للقضاء، ومقررات هيئة الإنصاف والمصالحة. والأغرب من ذلك، هو أن غالي، ويا لمكر السياسة، اعتبر تعويض القضاء لجمعيته بدرهم رمزي انتصارا، واعتبر ذلك عدالة، وهو الذي لم يفوت أي فرصة إلا وهاجم القضاء المغربي وأحكامه ووصمه بعدم الاستقلالية!
إن هناك خطأ منهجيا كبيرا يقع فيه الكثير ممن يرافعون لصالح قضايا حرية الرأي والتعبير، على الأقل منذ حراك الريف عام 2017 ومتابعات الصحفيين والحقوقيين والمؤثرين والسياسيين بعد ذلك حتى اليوم، هو تغليب المحاججة القانونية والإجرائية في مرافعاتهم لفائدة موكليهم، في حين أن هذه القضايا برمتها سياسية بامتياز، وهو التكتيك الذي تستعمله الجهات الموازية المناهضة لحرية الرأي والتعبير وللتدافع السياسي وللعمل الصحفي والحقوقي المستقل.
إن قضية القيادي والسياسي في حزب العدالة والتنمية الدكتور حامي الدين هي قضية سياسية بامتياز وخصومه لا تخطئهم العين الحصيفة والخبيرة بالمشهد السياسي ببلادنا وأطرافه، بعض القوى الحزبية من جهة، وأركان المخزن العميق من جهة أخرى، وكما هو الشأن دائما، والشواهد في تاريخنا السياسي المعاصر كثيرة، على سبيل المثال لا الحصر، أمثال باحماد والمنبهي وأوفقير والدليمي والبصري وآخرين. للأسف، هذه الجهات الموازية، المخزن العميق وأدواته، التي تعتبر طرفا جوهريا ومباشرا وخصما سياسيا للدكتور حامي الدين، ترفض حتى الآن أن تخرج للعلن للمناظرة الفكرية والتدافع السياسي بوجه مكشوف بدل استعمال أطراف أخرى وقضايا بالوكالة.
ومما يؤسف له أيضا، أن ينخرط في الاعتداء على شرف العدالة واستقلال القضاء وفي هذا التسييس المغرض والزج بالدكتور حامي الدين فيه تعسفا واستهدافا، تعسفا حينما كان طالبا جامعيا شابا ينتمي لتيار إسلامي مطلع تسعينيات القرن الماضي، واستهدافا رخيصا حينما أصبح قياديا سياسيا في حزب سياسي حافظ على استقلاليته النسبية تجاه السلطة بالرغم من دفاعه المبدئي عن أهمية المؤسسة الملكية في الحياة السياسية المغربية، ووجها فكريا مرموقا وأكاديميا مبرزا، مما يؤسف له أن ينخرط القضاء في هذه الحملة المغرضة ليضفي عليها المشروعية القانونية وليتحول إلى أداة بيد الجهات الموازية تسلطها ضد مخالفيها بشكل مكشوف.
وبالرغم من وضوح الأخطاء المسطرية والاختلالات القانونية التي شابت قضية القيادي السياسي الدكتور حامي الدين، إلا أنه لا نريد أن نقع في نفس المنزلق المنهجي الذي وقع فيه كثيرون في هذه القضية وفي قضايا أخرى مماثلة، حيث أظهرت الجهات الموازية المتخفية وراء قضية آيت الجيد من أجل تصفية حسابات سياسية مع الدكتور حامي الدين ومن ورائه الحزب والمرجعية التي ينتمي إليها، وفي قضايا أخرى سبق ذكرها آنفا، بأنها لا تكترث لمطالبات المنظمات والهيئات الحقوقية الوطنية والدولية والأممية، ولا لأحكام القضاء النهائية، كما لا يزعجها وصف حججها بالواهية وأدلتها بالمصطنعة وشهودها بالزور، بل لا يقلقها حتى الحرج الذي تضع فيه القضاء والقضاة الشرفاء، وهو ما تجلى للعيان في قضية الدكتور حامي الدين.
لقد ظلت محكمة الجنايات بفاس تراوح مكانها لأزيد من خمس سنوات لعلمها يقينا بأنه ليس هناك جديدا في الملف بما فيها ما سمي بشهادة المدعو الخمار الحديوي، الشاهد/الجوكير، الذي كان متهما في محاكمة 1994 في نفس القضية وقضى سنتين سجنا، ثم تحول، بقدرة الجهات الموازية، الخصوم السياسيين للقيادي السياسي الدكتور حامي الدين، إلى شاهد منذ هذه المحاكمة الاستثنائية عام 2017، رغم إقراره عام 2012 وقبل ذلك في محاكمة 1994، بأنه لم يسبق له أن التقى أو شاهد حامي الدين من قبل أو خلال أحداث مقتل الطالب آيت الجيد عام 1993، لتتكشف للرأي العام الوطني والدولي وللنخب السياسية والحقوقية أن الهدف من المحاكمة هو رأس القيادي والسياسي الدكتور حامي الدين، أبرز الوجوه القيادية في حزب العدالة والتنمية من الصف القيادي الثاني، بل أزعم بأن الهدف الاستراتيجي هو تصفية مستقبله السياسي كواحد من القيادات السياسية والإسلامية الوطنية المؤهلة والمرشحة لشغل مكانة بارزة مستحقة في مشهدنا السياسي القادم. لقد وجدت محكمة الجنايات الابتدائية بفاس، بعد مسلسل من المراوحة، مخرجا للمأزق الذي أوجدت فيه، وهو الهروب للأمام ورمي الملف في حجر محكمة الاستئناف بفاس، لعلها تجد الخلاص في عامل الوقت في المرحلة الاستئنافية..
انطلاقا من قضية القيادي والسياسي في حزب العدالة والتنمية، الدكتور حامي الدين، ينبغي القطع مع أساليب ومنهج اتبعته الجهات الموازية في كل القضايا يتجلى في تحريف النقاش الفكري والسياسي حول السياسات العمومية والتدافع السياسي بين مختلف القوى من الفضاء السياسي العام، حيث المحاججة تقوم على أساس الفكر والبرامج السياسية، إلى ساحة القضاء واتهام المخالفين لها في الرأي والموقف والانتماء بتهم سريالية، الهدف منها تدمير شخصيتهم وسمعتهم وإقصائهم عمدا من هذا النقاش العمومي، حتى وصلنا لحالة من الفقر الفكري والبؤس الإعلامي والنفاق الاجتماعي والفراغ الحزبي والأزمة حول الهوية والمرجعية، حالة تهدد وحدة المجتمع واستقرار الدولة في عالم عاصف ومضطرب لا تخفي فيه القوى الاستعمارية، من الغرب الشرق، نواياها وأهدافها تجاه بلادنا والمنطقة المغاربية والعالمي العربي والإسلامي.
لا يقل الحكم الصادر في حق القيادي والسياسي الدكتور حامي الدين من محكمة الجنايات بفاس في درجته على سلم يختر، في واقعة استثنائية فريدة هي الأغرب في تاريخ أحكام القضاء ومبادئ العدالة في جميع دول العالم، لا يقل عن زلزال الثامن من سبتمبر 2021، الذي رسمت معالمه وهندست خريطته الجهات الموازية، والهدف منه إخراس واحد من القيادات البارزة في حزب العدالة والتنمية، وربما الأبرز فكريا وأكاديميا وثقافيا وقياديا، والذي لعب دورا رياديا في محطات الحزب المفصلية خلال الربع القرن الماضي، خاصة انطلاقا من سياقات الربيع العربي وحركة 20 فبراير 2011، مرورا بهندسة دستور 2011 وخلال الولاية الأولى لحكومة حزب العدالة والتنمية، 2012-2016، وما تلاها من نقاشات سياسية ودستورية غداة واقعة ما يسمى بـ “حكومة البلوكاج”، بل حتى قبل الربيع العربي والحراك المغربي، حينما تصدى بفكره الدستوري العميق وموقفه السياسي الحصيف والثابت أمام ما سمي وقتئذ بـ “الحزب الأغلبي” الذي أعلن على لسان أمينه العام الأسبق بأن هدف حزبه، الأصالة والمعاصرة، هو “مواجهة حزب العدالة والتنمية الإسلامي”، ففشل في ذلك في انتخابات 2016، فكانت المتابعة الانتقامية لواحد من أبرز من خاضوا هذه المعركة الانتخابية وألحقوا الهزيمة بحزب “البام” برئاسة إلياس العماري الذي لا يستبعد، حسب مصادر عدة، أن يكون أحد مهندسي هذه المتابعة الظالمة.
إن التدافع السياسي يجب أن يكون بين الأحياء، لا بين الأموات والأشباح من جهة، والأحياء والفاعلين السياسيين من جهة أخرى، يكون على أساس البرامج السياسية لا على أساس صكوك الاتهام المصطنعة، يكون في الساحة السياسية لا في ردهات المحاكم، تدافع ومنافسة شريفة تحسمه إرادة الناخبين النزيهة في صناديق الاقتراع وليس جهات موازية متخفية تهندس، بالوكالة، المشهد السياسي في الغرف المغلقة والفناء الخلفي للعملية السياسية وتستعمل كل الأدوات التي بيدها، مثل قضية الطالب الراحل آيت الجيد، لتحقيق أهدافها الأنانية.
كتب الروائي العالمي الروسي، دوستويفسكي في أحد مؤلفاته بأنه “انتهى الزمن الذي كان فيه أهلنا يخافون علينا من الغربة، فلقد أصبحنا نخاف في غربتنا عليهم في الوطن”، وإننا لا نريد اليوم أن يخاف المناضلون السياسيون والحقوقيون والصحفيون والمؤثرون والمثقفون من وطنهم ودولتهم وقضائهم، لأن “الملك يدوم مع الكفر، ولا يدوم مع الظلم”، كما كتب الصدر الأعظم في الدولة السلجوقية، نظام الملك الطوسي في كتابه “سير الملوك”، مضيفا بأنه “عندما ينتهي القانون يبدأ الطغيان”. وفي نفس السياق، قال وزير الخارجية الأمريكي الراحل، كولن بأول، للرئيس الأمريكي الأسبق، جورج بوش الإبن، خلال اجتماع في البيت الأبيض حول قرار احتلال العراق عام 2003، قال له: “إن المسألة ليست في احتلال العراق وتدمير الدولة ومؤسساتها، خاصة مؤسسة الجيش، وإنما في إعادة بناء ما تم تدميره”.
إن السعي للنيل من الخصم السياسي بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، كما هو الشأن اليوم في قضية القيادي والسياسي الدكتور حامي الدين، وتوريط المؤسسات الدستورية في هذه العملية الخطيرة، أمر يهدد الجميع، كما يجب أن تحصن الحياة السياسية والحزبية ضد أي تدخل من أي جهة لا يخول لها الدستور والقانون ذلك، ولا تتمتع بشرعية إرادة الناخبين وصناديق الاقتراع، ويبقى صوت العقل والمصلحة هو الضمان الوحيد في وجه أي ممارسات غير دستورية وغير قانونية، لأن “السلطة المطلقة مفسدة مطلقة”.
نتمنى أن يتغلب العقل الراشد والحكيم على أي اعتبارات ضيقة أخرى في قضية القيادي والسياسي الدكتور حامي الدين في مرحلة الاستئناف، بل في كل القضايا التي طالت معتقلي الرأي وحرية التعبير كما سبق ذكره، كما يجب على الحزب الذي ينتمي إليه الدكتور حامي الدين، حزب العدالة والتنمية، أن يقوم بدوره كاملا في مقبل الأيام وبكل مسؤولية وشجاعة، وعلى الهيئات الحقوقية والسياسية الوطنية أن تتخذ الموقف الأخلاقي والمبدئي الذي يفرضه الضمير الحقوقي والأخلاق السياسية بعيدا عن أي تعصب فكري وانحياز إيديولوجي أعمى حتى لا تكون حليفا موضوعيا لهذه الجهات الموازية وشريكا في الانتهاكات الحقوقية. كتب نظام الملك الطوسي في مؤلفه “سير الملوك” بإن “المصيبة ليست في ظلم الأشرار، وإنما في صمت الأخيار”.
المصدر: اليوم 24
كلمات دلالية: آیت الجید فی قضیة من جهة فی هذه
إقرأ أيضاً:
تسجيل ضعيف في الانتخابات البلدية الليبية يعكس أزمة ثقة في العمل السياسي
أُغلقت أبواب التسجيل للمرحلة الثانية من انتخابات المجالس البلدية في ليبيا في 16 أبريل/نيسان الجاري، بأرقام خجولة تنم عن حالة عزوف طالت الشارع الليبي إزاء العملية الانتخابية.
ورغم تمديد المفوضية الوطنية العليا للانتخابات فترة التسجيل 3 مرات متتالية لتشجيع أكبر عدد ممكن على تسجيل أنفسهم في السجل الانتخابي، إلا أن الأعداد ظلت دون المستوى المتوقع، بحسب ما أفاد به رئيس المفوضية عماد السايح.
وفي آخر إحصائية نشرتها المفوضية، بلغ عدد المسجلين نحو 5608 آلاف ناخب وناخبة في 62 بلدية، مقارنة بتعداد سكاني يتجاوز 7.4 ملايين نسمة، وفق موقع "وورلد ميتر".
شملت هذه المرحلة من التسجيل لانتخابات بلديات رئيسية مثل طرابلس، وبنغازي، وطبرق، والكفرة، وسبها، وأوباري، وسرت، وقد أتت عقب نسبة مشاركة عالية نسبيا في المرحلة الأولى بنوفمبر/تشرين الثاني الماضي، التي وصلت إلى 74%.
في حديثه للجزيرة نت، اعتبر الناشط المدني والمتطوع في مفوضية الانتخابات محمد القويري، أن تجربة الانتخابات البلدية كشفت الستار عن تراجع ثقة الليبيين في صناديق الاقتراع نظرا لفشل تجارب انتخابية سابقة، أفرزت أجساما دون المستوى ما أدى إلى إحجام مَن يرى أن العزوف هو الرد الأنسب على فشل هذه الأجسام، "غير مدركين أن الامتناع يفسح المجال لخيارات لا تمثلهم".
إعلانبدورها، تُرجع الناشطة المدنية رتاج خليفة -وهي أيضا متطوعة لدى مفوضية الانتخابات- ضعف الإقبال على التسجيل للانتخابات البلدية إلى غياب الوعي بأهمية هذا الاستحقاق.
من جانبه، قال المرشح لانتخابات المجلس البلدي بمدينة بنغازي الزبير البركي للجزيرة نت، "طالبنا كمترشحين ومهتمين بالشأن العام المفوضية بأن يكون سجل الناخبين منفصلا عن العملية الانتخابية، ومتاحا دائما، حتى يمكن للناس التسجيل في أي وقت، خصوصا بعد أن يطلعوا على برامج المترشحين ورؤاهم".
وتابع "لكن المفوضية لم تستجب وفتحت التسجيل فترة قصيرة جدا، ما جعل كثيرا من المواطنين يعزفون عن التسجيل لأنهم لا يعرفون المترشحين، ولا برامجهم".
أما المترشحة عن بلدية طرابلس المركز، انشراح بن طابون، فقد أكدت للجزيرة نت، أن أسباب العزوف عن الاستحقاقات الانتخابية هي نتيجة تراكمات سنوات من الفشل السياسي، مشيرة إلى أن الحكومات المتعاقبة كرّست واقعا مأزوما اتسم بالفساد والإقصاء وفرض سلطة الأمر الواقع.
وبالنسبة للناشط المدني سالم الحريك، الذي يقود مبادرة توعية المواطنين في سرت على المشاركة الانتخابية، فقد قارن حجم التسجيل بين مدن طرابلس وبنغازي وسرت كالتالي:
سجلت العاصمة طرابلس غربي ليبيا، والتي يتجاوز عدد سكانها 1.2 مليون نسمة، 14 ألف ناخب وناخبة في دائرة طرابلس المركز فقط. بلغ عدد المسجلين في مدينة بنغازي شرقي ليبيا، والتي يبلغ عدد سكانها نحو 845 ألف نسمة، 31 ألف مسجل في دائرة بنغازي المركز فقط. حققت مدينة سرت الواقعة شمالي ليبيا، وتبعد عن العاصمة طرابلس 450 كيلومترا ولا يتجاوز عدد سكانها 126 ألف نسمة، إقبالا ملحوظا على التسجيل بنحو 19.3 ألف ناخب وناخبة.وعن دور الأحزاب في العملية السياسية ودعم الانتخابات البلدية، أوضح رئيس حزب الاستحقاق والعضو المؤسس لتكتل الوطن للجميع، عبد اللطيف سحيب للجزيرة نت، أن أسباب العزوف تعود إلى الانقسام التنفيذي بين الحكومتين شرقا وغربا والذي يحول دون الوصول إلى الاستحقاق بمفهومه الأشمل، فبعض البلديات تتبع الحكومة الليبية بينما تتبع أخرى حكومة الوحدة.
إعلانتُحدق بالعملية الانتخابية عقبات كثيرة أبرزها ضمور الثقة وغياب الوعي. وأشار عضو المفوضية عبد الحكيم الشعاب بالخير إلى وجود تحديات تواجه عملهم أهمها:
غياب الدعم الحكومي الفعلي. نقص التمويل، إذ لم تُمنح مفوضية الانتخابات سوى نصف الميزانية مع وعود بصرف الجزء المتبقي عند انطلاق العملية الانتخابية. "تقاعس" وزارات الإعلام والثقافة والحكم المحلي عن التوعية بأهمية الانتخابات.وأكد أن العملية الانتخابية ليست مسؤولية المفوضية وحدها، بل تتطلب شراكة وطنية متكاملة.
تآكل الثقةمن جانبها، أوضحت أستاذة العلوم السياسية بجامعة بنغازي عبير أمنينة للجزيرة نت، أن العزوف عن التسجيل في الانتخابات البلدية ناجم عن السياق السياسي الذي أفرز أوضاعا معيشية متأزمة، واجتماعية رثة أدت إلى انعدام الثقة.
كما أن الاختصاصات الممنوحة للمجالس البلدية لم تُرفق بصلاحيات مالية أو موارد فعلية، ناهيك عن الوضع الاقتصادي المتردي الذي دفع المواطنين إلى إعادة ترتيب أولوياتهم؛ إذ بات تأمين لقمة العيش ومحاولة مجاراة الارتفاع المتسارع في الأسعار يحتل الصدارة، بينما غدا الانخراط في العملية السياسية يُنظر إليه باعتباره ترفا لا يتسق مع ضرورات الحياة اليومية للمواطنين.
في حين قالت الباحثة المتخصصة في السياسات العامة والحوكمة حنين بوشوشة، للجزيرة نت، إن العزوف الانتخابي ينذر بوجود أزمة ثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، ويمكن اعتباره تعبيرا صامتا عن انعدام الثقة في جدوى المشاركة السياسية إزاء التجارب الانتخابية السابقة التي لم تؤت وعودها، وهو ما يستدعي دراسة هذه الحالة والوقوف على مسبباتها.
وإزاء هذا الإحجام، يستنهض نشطاء ومرشحون الهمم لإعلاء صوت المشاركة، إذ أكد الناشط المدني محمد القويري، أن استعادة الثقة بالمسار الانتخابي تتطلب خطابا توعويا صادقا يُبين أن الصوت أداة تغيير، والمراقبة المجتمعية ضمان للتحول الديمقراطي.