الخليج الجديد:
2024-12-18@02:11:33 GMT

مؤامرة إخوانية غربية أم ثورة شعب؟

تاريخ النشر: 19th, February 2024 GMT

مؤامرة إخوانية غربية أم ثورة شعب؟

مؤامرة إخوانية غربية أم ثورة شعب؟

ولّد القمع نقمة عارمة لدى السوريين على اختلاف توجهاتهم السياسية، لذلك حاولوا بمختلف الوسائل تنظيم الاحتجاجات المطالبة بالتغيير.

لم يستسلم السوريون لحكم الأسد الأب الشمولي بل ظلوا ينتقدون، ويدعون إلى التغيير الذي يضمن الحرية والكرامة لجميع السوريين، ويحقق العدالة بينهم.

الحقيقة المؤكدة أن السوريين الأحرار لن يعودوا بأي شكل إلى حظيرة العبودية تحت سلطة آل الأسد الفاسدة المفسدة المستبدة، ولن تقنعهم أي قوة بهذه العودة.

مع انطلاقة الثورة السورية في 15 مارس 2011، لم يكن للإخوان المسلمين في بداية الأمر ثقل كبير في الحراك الشعبي. لكن لاحقاً انقسمت القوى الأخرى في المعارضة السورية على ذاتها.

هناك من يصور الموضوع كمؤامرة إخوانية غربية لإضعاف الأنظمة العسكرية في دول عربية جمهورية، اعتمدت غالبيتها أيديولوجية قومية لإسباغ مشروعية على انقلاباتها، وتفردها بالسلطة عقودًا بالحديد والنار.

* * *

ما نقرأه ونسمعه هنا وهناك حول دور الإخوان المسلمين في انتفاضات وثورات الربيع العربي، يندرج معظمه ضمن خانة تبرئة الذات وإراحة الضمير بخصوص التقصير الذي كان في ميدان دعم الشعوب العربية في البلدان التي شهدت الموجة الأولى من موجات الربيع العربي، وهي الانتفاضات التي لم تهدأ رغم كل التضحيات التي كانت وما زالت.

فهناك من يحاول أن يصور الموضوع وكأنه مؤامرة إخوانية غربية الغاية منها إضعاف الأنظمة العسكرية في الدول العربية الجمهورية، وهي الأنظمة التي اعتمدت غالبيتها الأيديولوجية القومية لإسباغ قسط من المشروعية على انقلاباتها، وتفردها بالسلطة على مدى عقود بالحديد والنار.

ولكن ما يهمنا هنا هو الوضع السوري باعتباره يمس مصير شعبنا وبلدنا، ومصير أجيالنا المقبلة.

فقبل الثورة لم يكن لتنظيم الإخوان السوري وجود فعلي في اللوحة السياسية السورية الداخلية. ربما كان هناك أفراد من أعضاء التنظيم، أو أوساط شعبية متعاطفة مع التنظيم، ولكن القيادات السياسية بكل مستوياتها كانت خارج البلاد.

ولم يكن هناك تنظيم إخواني فاعل له دور وازن في العمل السياسي المعارض داخل الوطن، وذلك بعد الضربة القاصمة التي وجهها حافظ الأسد التي التنظيم في بداية ثمانينات القرن المنصرم، وتمكنه في الوقت ذاته من تدجين معظم الأحزاب الأخرى الشيوعية منها والقومية ضمن “الجبهة الوطنية التقدمية” التي كان قد شكلها عام 1972.

هذا إلى جانب تمكن الأجهزة الأمنية من زرع العديد من العناصر المرتبطين معها ضمن قيادات الأحزاب الكردية التي كانت أصلاً أحزاباً مطلبية، لا تستهدف تغيير النظام، ولم تكن لديها خططاً واضحة حول المشاركة في الحكم؛ ولكن مع ذلك، من عادة الأنظمة الشمولية التحسّب لكل الاحتمالات.

ورغم كل القمع والتعسف لم يستسلم السوريون للحكم الشمولي الذي فرضه الأسد الأب عليهم، بل ظلوا ينتقدون، ويدعون إلى التغيير الذي يضمن الحرية والكرامة لجميع السوريين، ويحقق العدالة بينهم؛ ودفعوا ضريبة ذلك سنوات طويلة من السجن والنفي والتشرد، والأمثلة كثير جداً في هذا المجال تستعصي على الحصر.

كان ذلك في الوقت الذي كانت فيه معظم الدولة العربية والإسلامية منفتحة على نظام حافظ الأسد الذي كان قد نسج في الوقت ذاته الخيوط الوثيقة مع النظام الإيراني، ووضع حجر الأساس لاحتواء لبنان، وتهديد دول الجوار، وأحاط نفسه بشبكة حماية واسعة من العلاقات مع الدول الغربية والشرقية، ومع إسرائيل نفسها.

كل هذا كان يتم تحت غطاء من الشعارات التمويهية التضليلية التي كان يرفعها بنبرة عالية الغرض منها التغطية على الواقع الرث الذي تمثّل لاحقا في سلطة بشار الأسد، وهي السلطة التي ترسخت بفعل التزام الحرس القديم بتعليمات ولي نعمتهم، وتحت وطأة تهديدات الحرس الجديد الذي كان مستعداً لفعل أي شيء من أجل تأمين عملية توريث الجمهورية.

كل ذلك ولّد نقمة عارمة لدى السوريين على اختلاف توجهاتهم السياسية، لذلك حاولوا بمختلف الوسائل تنظيم الاحتجاجات المطالبة بالتغيير، كما عقدوا المنتديات. ولأول مرة حدث انفتاح داخلي لافت بين القوى السورية العامة، لا سيما العربية والكردية منها.

وكان التواصل بين معارضي الداخل والخارج، بمن فيهم قيادات الإخوان المسلمين في الخارج، وذلك بغية بناء جبهة وطنية شعبية واسعة، تضم مختلف التيارات السياسية السورية، ومن سائر المكونات المجتمعية السورية.

وذلك بهدف دفع السلطة نحو القبول بإجراء الإصلاحات، والقطع مع أحكام الطوارئ، وإلغاء المادة الثامنة من الدستور الذي فرضه حافظ الأسد على السوريين عام 1973، وهي المادة التي كانت تلزم السوريين بالقبول بحزب البعث قائداً للدولة والمجتمع بصورة لا علاقة لها بالانتخابات.

كانت القوى السورية المعارضة على قناعة بإمكانية بناء تحالف وطني عريض يكون الإخوان مجرد طيف من أطيافه السياسية لا أكثر؛ وكانوا يستلهمون في ذلك التجارب الناجحة التي شهدتها سوريا نفسها بعد الاستقلال. أو يستندون إلى واقع التدين السوري المعتدل، وعدم انسجامه مع شعارات الإسلام السياسي المتطرف.

ومع انطلاقة الثورة السورية أواسط 15 مارس 2011، لم يكن للإخوان المسلمين في بداية الأمر الثقل الكبير في الحراك الشعبي. ولكن الذي حدث لاحقاً هو أن القوى الأخرى في المعارضة السورية كانت منقسمة على ذاتها (إعلان دمشق وهيئة التنسيق مثالاً) وغير قادرة بطروحاتها وحجمها وترهلها على أن تكون في مستوى التحديات، لذلك كان التعويل على الحراك الشبابي غير المنظم.

ورغم المساعي التي كانت من أجل إيجاد الصيغة المناسبة للنشاطات والفعاليات الشبابية المطالبة بالتغيير في التنسيقيات، إلا أن الأخيرة ظلت خاضعة بهذا الشكل أو ذاك لتأثيرات المعارضة التقليدية التي كانت عاجزة كما أسلفنا عن اتخاذ المبادرة، وطرح نفسها بوصفها القيادة الجامعة المعترف بها من قبل السوريين.

واستمر الوضع هكذا في الأشهر الأولى من الثورة السورية (مرحلة السلمية)؛ وكانت الضغوط المتزايدة من قبل المؤيدين للثورة والمشاركين فيها لتشكيل جسم وطني سوري يكون بمثابة قيادة الثورة السورية، وعنوانها، والمدافع عن أهدافها في المحافل الدولية، فكان تشكيل المجلس الوطني السوري في 12 أيلول/سبتمبر 2011.

وكان الحرص من قبل مؤسسي المجلس على الجمع بين ممثلي مختلف الانتماءات المجتمعية التوجهات السياسية السورية. وكان التعامل مع الإخوان ضمن إطار هذا التوجه الوطني الجامع الذي كان المجلس ينطلق منه.

إلا أن الذي حصل هو أن قوى إقليمية ودولية دخلت على الخط، وزودت قوى سلفية جهادية بالأموال والعتاد والسلاح والتقنيات الإعلامية، فكانت ظاهرة العرعور التي برزت واختفت فجأة، كما كانت ظاهرة جيش الإسلام وأحرار الشام وجبهة النصرة وغيرها من التنظيمات الجهادية الإسلاموية التي كانت تتكاثر كالفطر من دون معرفة المجلس الوطني وخارج نطاق إرادته، وبعيداً عن سياساته وتوجهاته، وإنما كان كل فريق أو فصيل يتبع تعليمات وأوامر الممولين.

هذا في حين أن المجلس كان يحاول ضبط الأمور الميدانية عبر توحيد المنشقين العسكريين من الضباط وضباط الصف والجنود ضمن تشكيل وطني، غير أن تلك المحاولات باءت بالفشل نتيجة عناد بعض الضباط المنشقين من جهة، وتدخلات بعض القوى الإقليمية والدولية.

وفي مرحلة العسكرة بدأت أخطاء الإخوان المسلمين تظهر إلى العلن، حينما شكلوا القوى العسكرية الخاصة بهم ومن دون إعلام المجلس أو أخذ توجهاته بعين الاعتبار.

كنا نسمع بهذه التشكيلات والدروع كغيرنا. وقد كرّس هذا الأمر مناخ التوجس وعدم الثقة بين الإخوان وإعلان دمشق بالدرجة الأولى، ثم تبلور الموقف ليصبح الموضوع موضع خلاف عبثي بين "العلمانيين" و "الإسلاميين" وهو الخلاف الذي كان يستثمر فيه بعضهم.

ولكنه كلّف الثورة السورية المغدورة الكثير، وما زال السوريون يدفعون التكاليف الباهظة لتلك الخلافات ومآلاتها؛ التي تفاقمت نتيجة القراءة الخاطئة للواقع السوري ودوره في سياق المعادلات الإقليمية والدولية.

وتكاملت الأخطاء بصورة مباشرة أو غير مباشرة مع جهود السلطة التي اعتمدت، بالتشاور مع الراعي الإيراني، استراتيجية إبعاد سائر المكونات المجتمعية السورية ما عدا المكون العربي السني عن الثورة، وإغراق هذه الأخيرة بالقوى المتطرفة أو المتظاهرة بالتطرف، وذلك لإلصاق تهمة التشدد والإرهاب بالثورة.

وبالتناغم مع هذه التوجهات السلطوية تم إطلاق سراح مجموعة من الإسلاميين؛ كما تم تصنيع الكثير من المتشددين بجهود مخابراتية، وظهرت جبهة النصرة، واكتملت اللعبة بظهور "داعش" الكوكتيل المخابراتي الذي استثمرت فيها الأجهزة المخابراتية الإقليمية والدولية، المعنية بالموضوع السوري.

وكان كل ذلك لعرقلة الثورة السورية، وتسويد صفحتها. هذا في حين أن الفصائل المعنية كانت وبالا على الثورة وعلى السوريين.

ومن منا لا يتذكر الجهود التنسيقية التي كانت بين تلك الفصائل الإرهابية وقوات “حزب الله” والسلطة في أكثر من موقع، حين أن قوى عسكرية إسلاموية محسوبة على الثورة كانت تمتلك كل الامكانيات المطلوبة لدخول دمشق القريبة منها جغرافياً، ولكنها لم تفعل لأسباب خاصة ما زال السوريون في انتظار بيانها.

الوضع السوري الراهن معقد للغاية، وقد كان أكثر تعقيداً خلال السنوات الأولى من الثورة، لذلك لا يمكن اختزاله بجرة قلم، والقول بأن الإخوان كانوا السبب، بقصد تبرئة ساحة من كانوا السبب في إضعاف السوريين الباحثين عن الحرية والكرامة والعدالة. واليوم، ها هم السوريون، وبعد مرور 13 عاماً على انطلاقة ثورتهم، أكثر إصراراً على تحقيق أهدافهم.

بقي أن نؤكد مجدداً حقيقة لم، ولن، نشكك فيها في أي يوم، وهي أن السوريين الأحرار لن يعودوا ثانية، وبأي شكل من الأشكال إلى حظيرة العبودية في ظل سلطة آل الأسد الفاسدة المفسدة المستبدة، ولن تتمكن أي قوة من إقناعهم بضرورة أو واقعية مثل هذه العودة.

*د. عبد الباسط سيدا كاتب وأكاديمي سوري

المصدر | القدس العربي

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الثورة السورية الأنظمة العسكرية الدول العربية ثورة شعب الإخوان المسلمين ثورات الربيع العربي الثورة السوریة المسلمین فی التی کانت الذی کان التی کان لم یکن

إقرأ أيضاً:

هل تحافظ الثورة السورية على مكتسباتها؟

لا شك أن نجاح الثوّار في سوريا في إسقاط الطاغية بشّار الأسد وإنهاء حكمه هو انتصار كبير للسوريين وللربيع العربي، الذي تعثّر لسنوات؛ بسبب الثورات المضادة ووكلائها في الإقليم وخارجه.

وإذ نحيّي الشعب السوري على نجاح ثورته في إسقاط الطاغية وتحرير البلاد من نير الظلم والظالمين، فإننا في ذات الوقت ندرك حجم التحديات التي على الثوّار والثورة مواجهتها في الفترة القادمة.

وقد التزمت منذ بدء عملية "ردع العدوان" الصمت دون تعقيب على الأحداث، حتى أفهم وأستوعب ما يحدث في العملية الأخيرة، رغم أنني أستطيع الادعاء أنني متابع جيّد للثورة السورية، إلا أن تعقّد الوضع الحالي – ولا يزال- دافعًا للصمت المشوب بالقلق، والاكتفاء بالدعاء بتمام النصر.

لكن بعد سقوط بشّار وسيطرة الثوّار على دمشق، أصبح من الواجب الحديث عن مآلات ومستقبل الثورة، وما ينبغي فعله للسير على جمر تعقيدات المشهد الداخلي والخارجي.

قراءة في المشهد الراهن

يمكن للمتابع أن يشعر بالفرحة العارمة لسقوط بشّار، أو لتحرير أسير، أو عند تحرير مدينة، أو عودة لاجئ إلى بيته. ولكن ينبغي أن نتذكر هنا – من باب الاستفادة من دروس الماضي- أن نجاح أي ثورة لا يُقاس بالإطاحة برأس النظام الحاكم، بل بمدى قدرتها على بسط السيطرة على الأرض، وتحييد الأعداء والخصوم، وبناء بديل سياسي واجتماعي قادر على تحقيق أهداف الثورة والحفاظ على مكتسباتها.

إعلان أسئلة المآلات الحاسمة

الحديث عن المستقبل السوري لا يمكن أن يغفل تساؤلات جوهرية تتعلق بالمستقبل، وهي أسئلة مزعجة بطبيعتها، ولكن لا بد أن تُطرح، ومنها:

كيف نضمن أن تختلف نتائج الحراك الحالي عن نتائجه في دول الربيع العربي الأخرى أو حتى فلسطين، والعدو واحد، سواء كان إقليميًا أو دوليًا؟ هل سيعلن الثوّار السوريون دولة ديمقراطية علمانية ليس لها صلة بفلسطين، ويثبتون ذلك بكل طريقة ووسيلة، حتى لا يتم استهدافهم كغزة؟ هل سيحافظ الثوّار على نهج إسلامي معتدل ومنفتح تقبل به إسرائيل وأميركا والغرب؟ هل هناك تصوّر واضح لمن سيحل محل بشّار الأسد لقيادة المرحلة القادمة؟ وهل يتوقعون أن يسلم هذا القائد الجديد – أيًا كان- من عداوة الإيرانيين والروس وتنظيم الدولة وقسد وإسرائيل وأميركا؟ لو افترضنا أن المعارضة اجتمعت على قلب رجل واحد وتناغمت فكريًا وحركيًا كفصائل غزة، فهل لديهم السلاح الكافي والنوعي لمواجهة كل هؤلاء الفرقاء الذين تتباين مصالحهم؟ هل ستقوم القيادة الجديدة بإسناد غزة بدلًا من حزب الله؟ أو هل ستمنع أحدًا من القيام بذلك أم لا؟ هل ستنسق مع إسرائيل أو واشنطن لضمان سلامة الحدود، ومنع دخول السلاح إلى لبنان عبر سوريا؟ هل إذا رفضت التنسيق سيتركهم الكيان وواشنطن والغرب في حالهم؟ هل ستتخلى إيران عن مليشياتها أو الأراضي التي تسيطر عليها في سوريا، أم أنها ستمتص الضربة وتعود مجددًا كما حدث مع ثورات أخرى؟

هذه التساؤلات لا تنبع فقط من مخاوف داخلية، بل من التعقيدات الإقليمية كذلك. فروسيا ترى سوريا أحد مفاتيح أمنها القومي، إذ تحافظ بها على وجود متقدّم على البحر المتوسط لمواجهة الناتو، وإيران تعتبر خسارة سوريا أسوأ من خسارة أجزاء من أراضيها، كما يجمع على ذلك خبراؤها، وإسرائيل وأميركا تنظران إلى الحراك السوري من زاوية مصالحهما ومخاوفهما الإستراتيجية، وهما تعتبران سوريا حديقة خلفية ودولة حاجزة لخصوم إقليميين ودوليين.

إعلان تشابهات ومفارقات مع تجارب الربيع العربي

يقدم ما جرى في دول الربيع العربي الأخرى دروسًا وعبرًا للثوار في سوريا. في مصر مثلًا، كان واضحًا غياب الرؤية الإستراتيجية للمستقبل بعد سقوط النظام.

وفي تونس، قدمت حركة النهضة تنازلات كبيرة لضمان القبول الدولي والمحلي، فحالفت أعداء الأمس، لكن الأمر انتهى بهم أيضًا إلى انقلاب دستوري نفذه الرئيس وزج بأغلبهم في السجون.

أولئك الذين لم يتحملوا حركة إسلامية قدمت كل التنازلات في دولة لا تحظى بأهمية سوريا الإستراتيجية، هل يتوقع أن يتقبلوا بسهولة جهاديين إسلاميين، مهما قدموا من تنازلات؟ وهل يطمئنون بوجودهم على مرمى حجر منهم؟ إنّ فهم سلوك اللاعبين الإقليميين والدوليين مهم جدًا لفهم المآلات المتوقعة.

مركزية الخطر الإسرائيلي

يجب أن يعي ثوّار سوريا أنه لا استقرار ولا رخاء ما دام الجولان محتلًا، والصراع في غزة وفلسطين مشتعلًا، فالاحتلال الإسرائيلي هو السبب الرئيسي لكل تخلّف ومشاكل المنطقة من فساد واستبداد. ونتنياهو صرّح أكثر من مرة قبل ذلك، بأن إسرائيل لن تقبل في محيطها الإقليمي إلا بدول صديقة.

حتى هذه اللحظة، كان هناك التقاء مصالح غير متفق عليه بين ثوار سوريا من ناحية، وبين أميركا وإسرائيل من ناحية أخرى، فسيطرة الثوار على المدن والبلدات التي كانت تمثل المنفذ البري للأسلحة التي تصل إلى حزب الله، هو من صميم الأهداف الأميركية والإسرائيلية، وإيران وحزب الله تمثل عدوًا مشتركًا.

وليس مستغربًا في هذه الحالة، أن إسرائيل التي كانت تضرب عشرات الأهداف يوميًا داخل سوريا في الأشهر الأخيرة، وقصفت مليشيات إيرانية تحركت من العراق لدعم النظام، لم تقم في المقابل بأي استهداف لقوات "ردع العدوان" أو الثوّار!

ولكن ها هي بعد يوم من دخول الثوار إلى دمشق تتحرك سريعًا لتحتل مناطق سورية جديدة لتكون منطقة عازلة تحمي بها وجودها في الجولان السورية المحتلة.

إعلان تحدّي "قسد"

تسيطر المليشيات الكردية "قسد" على نحو ربع مساحة سوريا، وتحديدًا على الأجزاء الغنية بالنفط والغاز قرب الحدود العراقية والتركية، أو ما يسمّونه "سوريا المفيدة"، وهي تحظى برضا إسرائيلي ودعم أميركي بالسلاح والغطاء الجوي، وخططها التي أعلنت مؤخرًا بالتوغل في الأراضي السورية لتشكيل حزام أمنيّ أوسع لا يمسّ تلك المليشيات على الإطلاق. فما الذي يمكن فهمه؟

جلي أن واشنطن وتل أبيب تسعيان إلى إقامة دولة كردية في الشرق السوري، مهمتها أن تناكف وتستنزف تركيا، وتكون دولة حاجزة لإيران ونفوذها في العراق، وتمثل جنبًا إلى جنب مع إسرائيل والولايات المتحدة طوقًا يحيط بالنظام السوري الجديد، وتواصل حرمانه من الأسلحة المتقدمة، وتتركه نهشًا لصراع الفصائل، فيما تعربد إسرائيل في سمائه وأرضه.

ولا ننسى أن سجون قوات "قسد" تحوي نحو 10 آلاف مقاتل من تنظيم الدولة، ويمكن وقت الحاجة إطلاق سراح هؤلاء ليشكلوا مصدر خطر مسلح على النظام السوري الوليد الذي تؤسسه المعارضة، كما أنهم سيمنحون مبررًا دوليًا لاستدعاء التحالف الدولي للواجهة من جديد، لينقض – بحجة وجودهم – على الثورة ومكتسباتها.

ما الحل؟

الحفاظ على مكتسبات الثورة السورية يتطلب إستراتيجية متعددة الجوانب، تراعي تعقيدات المشهد المحلي والإقليمي، وهي تضم النقاط التالية:

الحفاظ على الفوضى المنظمة: والمقصود بها ألا يتم التعجل في إنهاء الحالة الثورية بحثًا عن الاستقرار والنظام.. وهذا خطأ وقعت فيه معظم ثورات الربيع العربي، فقد ظنت أن سقوط الطاغية هو نهاية العهد بنظامه، وأن الساعة لن ترجع للوراء، فسعت بسرعة إلى العودة للأوضاع الطبيعية، وكبلت نفسها بقيود الالتزام بقوانين لا يلتزم بها الخصوم.الفوضى المنظمة تتيح للثوار مساحة حركة يحتاجونها للتعامل مع فلول النظام السابق، والمخاطر التي تحيط بالنظام الوليد. وهي مساحة لا يوفرها التطبيع السريع للأوضاع، فالأخير يقيد حرية الحركة، ويضع الثوار قيد المساءلة.. وهكذا، فلو بادر الثوار إلى حل الفصائل أو دمجها في الجيش أو وزارة الداخلية سعيًا وراء الاستقرار والتنمية، لما أمكن لهم التحرك بذات السرعة والكفاءة لو داهمهم خطر من مخاطر المرحلة الأولى. التصدي لتغول إسرائيل: الضربات الجوية العديدة التي تنفذها إسرائيل بشكل متكرر على أهداف في سوريا، هي اختبار حقيقي للثوار. إذ عليهم أن يجعلوا من سماء سوريا خطًا أحمر، فيوقفوا التمادي الذي يهدف إلى تدمير أسلحة سوريا الثقيلة، واحتلال مساحات جديدة من أراضيها. التقارب مع روسيا: علاقة روسيا ببشار الأسد لا تعني أن الطريق بينها وبين الثوار السوريين مقطوع، فروسيا دولة براغماتية إلى أقصى درجة. ففي السودان مثلًا عملت مع حميدتي، ثم انقلبت عليه بعد أن عقدت صفقة مع الجيش السوداني، واستقبلت قادة حماس نكاية في واشنطن، وطبعت علاقاتها مع طالبان عدوها التاريخ اللدود ورفعتها من قائمة الإرهاب، وبدأت بالمشاركة في جهود إعادة الإعمار. صحيح أن لروسيا خطاياها الكبيرة في سوريا، ولكن تحييدها أو كسبها إلى صف الثورة ضروري في ظل الخطر الأميركي الإسرائيلي المحدق على الحدود. وبراغماتية الروس تجعل التفاهم معهم ممكنًا. شراكة إستراتيجية مع تركيا: للحفاظ على مكتسبات الثورة، لا بد من دولة وازنة. تركيا تريد إعادة السوريين إلى بلدهم، وهي ورقة يراهن عليها الرئيس وحزبه في الانتخابات القادمة. كما تحتاج إلى بيئة تضمن عدم انطلاق موجات هجرة جديدة إليها. وهي كذلك تريد نظامًا يساعدها في تحقيق أهدافها لمنع قيام دولة كردية برعاية أميركية على حدودها.ثوار سوريا في المقابل، سيحتاجون إلى صديق يملك الخبرة والمصلحة، ليشارك في مهام إعادة الإعمار، وتدريب الجيش والشرطة وإنشاء القواعد العسكرية، وتأهيل الحكومة، إضافة إلى اتفاقات دفاع مشتركة، فمن شأن هذا أن يمنح غطاء سياسيًا وعسكريًا للنظام الناشئ الذي تحيط به المخاطر. عدم استعداء إيران وحزب الله: مهما بلغت العداوة مع هذين الطرفين، فإن الانشغال بالصراع معهما سيكون خطرًا. وإذا كانت قيادة "ردع العدوان" قد أمّنت قيادات النظام وجنوده الذين قتلوا وعذّبوا وأفسدوا في سوريا طيلة خمسين عامًا على أنفسهم، فما المانع من معاملة إيران وحزب الله على نفس القاعدة؟! أبدى الثوار فهمًا لفقه الأولويات عندما أدركوا أن الوقت ليس مناسبًا للانشغال بتصفية الحسابات الداخلية ونكْء جراح الماضي البعيد والقريب. وأبدوه وهم يتحاشون التورط في معارك كلامية أو عسكرية مع إسرائيل قبل أن تستقر أقدامهم على الأرض، وهم من ذات المدخل قد يجدون في إيران وحزب الله خطرًا أقل من الخطر الإسرائيلي والأميركي، بل وربما يجدون أشكالًا من التعاون معهم في وجه عدوهما المشترك الذي يجسد الخطر الأكبر. حكومة توافقية مشروع وطني جامع: يجب أن تكون هناك رؤية سياسية واضحة تجمع مختلف الفصائل والتيارات تحت مظلة واحدة. تحقيق ذلك يتطلب تنازلات متبادلة، ولكنها ضرورية لضمان وحدة الصف. إعلان

إذن، وكما أسلفنا، فإن أخطر ما يمكن أن تقع فيه الثورة السورية، هو الظن أن سقوط النظام يعني نهاية الثورة. تجارب الربيع العربي أظهرت أن ذلك يجعلها هدفًا سهلًا للقوى المضادة.

الثورة السورية تحتاج إلى رؤية بعيدة المدى تأخذ بعين الاعتبار تعقيدات الداخل والخارج، وتضع مصلحة الوطن أولًا. وتحتاج لتحقيق تلك الرؤية، إلى إبقاء آليات الثورة وأدواتها، كإطار سياسي واجتماعي قادر على تحقيق تطلعات الشعب السوري في الحرية والكرامة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • البيت الأبيض: المسيرات التي شوهدت بسماء نيوجيرسي كانت تطير بشكل قانوني
  • «البيت الأبيض»: المسيرات التي شوهدت في سماء نيوجيرسي كانت تطير بشكل قانوني
  • محللون: خسارة الإمارات بعد سقوط نظام الأسد لا تقل عن خسارة إيران
  • قُتل ولدها الثاني بسجن صيدنايا.. تعرّف على أسرة الخطيب أيقونة الثورة السورية
  • اعلان غير سار من اليونيسيف للأسر اليمنية التي كانت تحصل على مساعدات نقدية
  • الشرع يطالب برفع العقوبات ووفود غربية تزور دمشق
  • أسوأ الأفرع الأمنية التي قهرت وعذبت السوريين (إنفوغراف)
  • جذوة ثورة ديسمبر لن يطفئها رماد الحرب
  • مراسلة الجزيرة بموسكو تكشف عن الفندق الذي نزل به الأسد والأموال التي بحوزته
  • هل تحافظ الثورة السورية على مكتسباتها؟