لماذا زار أردوغان القاهرة؟
تاريخ النشر: 19th, February 2024 GMT
لماذا زار أردوغان القاهرة؟
هل انقلب أردوغان على نفسه وشعاراته ومبادئه؟ لا لكنه منسجمٌ مع نفسه كثيراً، وهو ثعلبٌ سياسي يجيد فن اللعبة السياسية والمصالح.
مرحلة جديدة بعيداً عن الرهانات التركية في لحظة الربيع العربي، وترميم العلاقات مع الأنظمة العربية الرسمية المحافظة، مثل مصر والسعودية والإمارات.
لماذا زار أردوغان القاهرة وأنهى عقداً من الخصومة، والتقاء السيسي آخر حلقة من حلقات الانتقال التركي، بعد تحسين العلاقات مع كل من السعودية والإمارات؟
الأنظمة العربية الرسمية المحافظة كانت تعتبر تركيا مصدر تهديد، كحاضنة وداعمة للإسلام السياسي، بل عرّابة لهذا التيار الذي اعتبرته تلك الأنظمة تحدّياً رئيسياً لها.
تراجع كبير في شعبية تركيا والقناعة بمواقفها لدى الشارع العربي، بعد أن كانت استطلاعات الرأي تظهر سابقا شعبية جارفة لها ولأردوغان في شوارع عربية عديدة.
يمارس أردوغان التوازن بين ما يؤمن به من مبادئ ومقتضيات الواقع، بين ما يحلم به وما يمكنه تحقيقه، بين ما يضمر من مواقف وما يتطلبه الواقع وتقلباته من فقه سياسي مختلف.
بدأت الاستدارات التركية قبل أعوام باستقبال أردوغان رئيس الكيان الصهيوني وأحدثت صدمة كبيرة لدى الجماهير خاصة بعد انتقادات لاذعة كان يوجهها أردوغان لإسرائيل وجرائمها بفلسطين.
* * *
بعد ممانعة كبيرة وعناد متواصل، استجاب أخيراً الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لنصائح مستشاريه السياسيين والأمنيين، وقبل بزيارة القاهرة ولقاء الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ليتوّج التحوّلات الكبيرة في السياسات والمواقف التركية تجاه المنطقة العربية.
ويمضي في مرحلة جديدة بعيداً عن الرهانات التركية في لحظة الربيع العربي، وترميم العلاقات مع الأنظمة العربية الرسمية المحافظة، مثل مصر والسعودية والإمارات، التي كانت تعتبر تركيا بمثابة مصدر من مصادر التهديد، بوصفها حاضنة وداعمة للإسلام السياسي، بل عرّابة لهذا التيار الذي اعتبرته تلك الأنظمة تحدّياً رئيسياً لها.
بدأت الاستدارات التركية قبل أعوام، وقد نشر كاتب هذه السطور مقالاً قبل عامين بعنوان "الفقة السياسي الأردوغاني" تعليقاً على استقبال أردوغان رئيس الكيان الصهيوني، إسحق هرتسوغ، وما أحدثه ذلك من صدمة كبيرة لدى الجماهير، بخاصة بعد الانتقادات اللاذعة التي كان يوجهها أردوغان لإسرائيل وجرائمها في فلسطين.
وكانت الحكومة التركية قد طلبت قبل ذلك من إعلاميين مصريين مشهورين معارضين وقنوات فضائية بخفض سقف النقد ضد الرئيس السيسي، ما دفع عديدين منهم إلى الهجرة ومغادرة تركيا أو التخلّي عن برامجهم النقدية.
تراجعت، في الحرب الإسرائيلية على غزّة، مواقف أردوغان أكثر وأكثر، ولم يظهر كالعادة بصورة القائد الإسلامي الذي ينفجر غضباً في وجه إسرائيل ويرفع سقف الخطاب والنقد ويهاجم الكيان في العالم.
بل توارى كثيراً عن الأنظار، باستثناء بعض خطابات شعبوية داخلية لم تقدّم ولم تؤخّر كثيراً (رغم أنها أزعجت إسرائيل واحتجّت عليها)، وهو ما انعكس على استطلاع الرأي الذي أجراه أخيراً المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، إذ أظهر تراجعاً كبيراً في شعبية تركيا والقناعة بمواقفها لدى الشارع العربي، في حين كانت استطلاعات الرأي تظهر خلال السنوات السابقة شعبية جارفة لها ولأردوغان في شوارع عربية عديدة.
كل ما سبق خلفية مهمة في الإجابة عن السؤال الرئيس: لماذا زار أردوغان القاهرة، وأنهى عقداً من القطيعة والخصومة، وربما التقاء السيسي آخر حلقة من حلقات الانتقال التركي، بعد تحسين العلاقات مع كل من السعودية والإمارات.
فالعقل السياسي في حزب العدالة والتنمية، الحاكم منذ أكثر من 20 عاماً في تركيا، وصل إلى قناعة، منذ أعوام، بانتهاء مرحلة الرهان على الربيع العربي، وبعدم جدوى الاستمرار في حلقات الصراع التي أوجدتها الاصطفافات التركية، وبضرورة ترجيح مصالح تركيا الواقعية على تلك الدفعة الروحية الأيديولوجية التي ولّدتها لحظة الربيع العربي.
خاصة أنّ أردوغان وجد نفسه مُحاصراً ومعزولاً من أطراف دولية وإقليمية عديدة، وهو بحاجة إلى تصفير مشكلاتٍ عديدة، وإنعاش الأوضاع المالية في تركيا والدخول في شراكات استراتيجية وتوافقات إقليمية بما يخدم مصالح تركيا الإقليمية.
باختصار، انتصر أردوغان السياسي البراغماتي على أردوغان الأيديولوجي، أو رجب طيب الذي تخلى عن هويته الأيديولوجية الإسلامية، وترك حزب الرفاه قبل 22 عاماً ليؤسّس حزب العدالة والتنمية البراغماتي، ويعلن الاعتراف بالعلمانية، ويعيد تعريف نفسه وحزبه في المشهد التركي على رئيس بلدية إسطنبول، أردوغان، الشاب الذي اعتُقل وسجن لأنّه ألقى قصيدة ضد الكمالية الأتاتوركية وتدافع عن الهوية التركية، ورجّحت حسابات تركيا الاستراتيجية والمصالح الحيوية والاقتصادية على مفهوم "الخلافة العثمانية الجديدة"، واستعادة الدور التركي في العالم الإسلامي.
هل يعني ذلك أنّ أردوغان انقلب على نفسه وشعاراته ومبادئه؟ ليس تبريراً، بل تفسير، أقول: لا، بل هو منسجمٌ مع نفسه كثيراً، وهو ثعلبٌ سياسي يجيد فن اللعبة السياسية والمصالح، بل والتوازن بين ما يؤمن به من مبادئ ومقتضيات الواقع، بين ما يحلم به وما يمكنه تحقيقه، بين ما يضمره من مواقف وما يتطلبه الواقع وتقلباته من فقه سياسي مختلف.
*د. محمد أبورمان باحث في الفكر الإسلامي والإصلاح السياسي، وزير أردني سابق
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: تركيا مصر إسرائيل العلمانية الربيع العربي زيارة القاهرة حزب العدالة والتنمية الربیع العربی العلاقات مع بین ما
إقرأ أيضاً:
عبر شراكة مع إيلون ماسك كيف تعزز تركيا قدراتها التنافسية؟
إسطنبول– أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استعداد بلاده لاتخاذ خطوات مشتركة مع الملياردير الأميركي إيلون ماسك في مجال التكنولوجيا، إذا توفرت الفرص المناسبة.
وقال أردوغان أثناء حديث مع الصحفيين: "ماسك رجل أعمال يعمل في مجال الفضاء والتكنولوجيا، والتكنولوجيا ليست مجالا يمكن أن تتقدم فيه بمفردك، بل ستكون بحاجة إلى التعاون بالتأكيد. إذا أتيحت فرص للتعاون في هذا المجال، فإن تركيا مستعدة للعمل مع ماسك".
يأتي هذا الإعلان في وقت يشهد فيه ماسك صعودا متسارعا في المشهد العالمي، لا سيما بعد اختياره من قبل الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب لقيادة وزارة كفاءة الحكومة الجديدة، مما يعكس النفوذ المتزايد لأثرى رجل في العالم، الذي باتت ثروته تزيد على 320 مليار دولار.
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تعزز فرص التعاون بين تركيا وماسك، خاصة في مجالات مثل السيارات الكهربائية، واستكشاف الفضاء، والطاقة النظيفة، وهي قطاعات تتماشى مع رؤية تركيا لبناء اقتصاد رقمي قائم على الابتكار والتكنولوجيا المتقدمة.
ويعكس تأكيد أردوغان الطموح التركي لإقامة شراكات إستراتيجية تدعم تطور الصناعات التكنولوجية في البلاد، وتفتح الباب لجذب استثمارات أجنبية تُسهم في تسريع التحول الاقتصادي وتعزيز القدرة التنافسية لتركيا على الساحة العالمية.
وفي لقاء جمعهما في مبنى (البيت التركي) بمدينة نيويورك، في سبتمبر/أيلول من العام الماضي، دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الملياردير الأميركي إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة تسلا، إلى إنشاء مصنع جديد للشركة في تركيا.
من جانبه، أشار ماسك إلى أن العديد من الموردين الأتراك يعملون بالفعل مع تسلا، مؤكدا أن تركيا تُعد واحدة من أبرز الدول المرشحة لاستضافة المصنع القادم للشركة.
وناقش الجانبان فرص التعاون في مشاريع أخرى، حيث عبّر ماسك عن رغبة شركته "سبيس إكس" في الحصول على التراخيص اللازمة لتقديم خدمات الإنترنت عبر الأقمار الصناعية "ستارلينك" في تركيا.
مكاسب اقتصاديةتتطلع تركيا لتحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة من الشراكة المحتملة مع ماسك، خاصة عبر استثمارات في قطاعات التكنولوجيا والطاقة المتجددة.
وأظهرت بيانات هيئة الإحصاء التركية أن صادرات تركيا من المنتجات ذات التكنولوجيا المتوسطة والعالية في القطاع الصناعي اقتربت من حاجز 100 مليار دولار خلال السنوات العشر الماضية، مما يعكس النمو المستمر في هذا القطاع الحيوي.
ووفقا للبيانات، بلغت قيمة الصادرات 53.1 مليار دولار في عام 2013، وارتفعت إلى 60.1 مليار دولار في عام 2017، واستمر هذا الزخم ليصل إلى 77.4 مليار دولار في عام 2021، وحقق قفزة ملحوظة في عام 2022 مسجلا 88.7 مليار دولار.
وفي العام الماضي، وصلت صادرات المنتجات ذات التكنولوجيا المتوسطة والعالية إلى مستوى قياسي بلغ 97.3 مليار دولار، أما خلال الأشهر التسعة الأولى من هذا العام، فقد سجلت صادرات التكنولوجيا 73.4 مليار دولار، مما يشير إلى استمرار الأداء القوي لهذا القطاع.
وعلى صعيد الاستثمار الأجنبي، ارتفع تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى تركيا بنسبة 31.5% في الربع الثاني من العام الجاري مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي لتصل إلى 3 مليارات و59 مليون دولار، بحسب تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وقد يؤدي تعاونها مع تسلا وسبيس إكس إلى رفع هذا الرقم، مع جذب شركات كبرى للاستثمار في السوق التركية.
أردوغان أثناء حديثه مع الصحافيين في رحلة عودته من باكو (الأناضول) شراكة إستراتيجيةترى الباحثة الاقتصادية شكرية أوزدمير أن الشراكة المحتملة بين تركيا وماسك تمثل خطوة إستراتيجية يمكن أن تعزز مكانة تركيا كوجهة استثمارية إقليمية وعالمية.
وتشير أوزدمير، في حديثها لـ"الجزيرة نت"، إلى أن استقطاب مصنع تسلا السابع إلى تركيا قد يُحدث نقلة نوعية في الاقتصاد الوطني، ليس فقط من خلال توفير آلاف الوظائف المباشرة في قطاع التصنيع، بل سيعمل على نقل الخبرات والتكنولوجيا المتطورة إلى الداخل التركي، مما يمنح المشاريع المحلية، مثل "توغ" لصناعة السيارات الكهربائية، دفعة قوية لتسريع إنتاجها وتوسيع حضورها في الأسواق الإقليمية والدولية.
وعلى صعيد آخر، ترى أوزدمير أن إدخال خدمات ستارلينك في تركيا يمثل نقلة نوعية في البنية التحتية الرقمية، إذ يمكن أن يُحدث طفرة في تحسين الاتصال في المناطق النائية، مما ينعكس على تحسين كفاءة الأعمال ودعم الاقتصاد الرقمي.
وتشير إلى أن ذلك سيساهم في تحقيق رؤية تركيا الرقمية، التي تستهدف التحول إلى مركز إقليمي لتكنولوجيا المستقبل.
وتؤكد أوزدمير أن التعاون مع تسلا وسبيس إكس يعزز من قدرة تركيا على المنافسة إقليميا في مجالات السيارات الكهربائية والطاقة النظيفة، لا سيما أن هذه القطاعات تمثل المستقبل في الصناعة العالمية.
وتشدد على أن مشاريع مثل توغ للسيارات الكهربائية ستستفيد بشكل كبير من نقل التكنولوجيا والخبرات، مما يمكن تركيا من زيادة صادراتها وتعزيز مكانتها في الأسواق العالمية.
أردوغان أثناء زيارة سابقة لمصنع توغ لصناعة السيارات الكهربائية (الصحافة التركية) الابتكار التقنيوأطلقت الحكومة التركية منتصف العام الجاري برنامجا شاملا لدعم استثمارات التكنولوجيا المتقدمة بقيمة 30 مليار دولار، بهدف تعزيز الابتكار وتشجيع التكنولوجيا الفائقة بحلول عام 2030.
وصرح الرئيس التركي أردوغان بأن هذه الخطوة تمثل نقلة نوعية في رؤية البلاد لجذب الاستثمارات ودعم الصناعات التكنولوجية الحيوية.
ويشمل البرنامج حوافز مالية وضريبية تغطي قطاعات إستراتيجية، إذ تم تخصيص 5 مليارات دولار لرفع إنتاج السيارات الكهربائية إلى مليون سيارة سنويا، إلى جانب 4.5 مليارات دولار لدعم صناعة بطاريات السيارات الكهربائية.
وقال أردوغان: "يهدف مسعانا في مجال البطاريات إلى أن نصبح قاعدة إنتاج إقليمية، ببناء قدرة تبلغ 80 غيغاوات ساعة بحلول عام 2030".
وفي قطاع الطاقة المتجددة، خصصت تركيا 1.7 مليار دولار لتصنيع المكونات الضرورية لتوليد الطاقة من الرياح، بالإضافة إلى 2.5 مليار دولار لدعم منشآت خلايا شمسية بقدرة تصل إلى 15 غيغاوات، بهدف تعزيز دور الطاقة الخضراء في مزيج الطاقة الوطني.
كما يشمل البرنامج تقديم منح بقيمة 5 مليارات دولار لإنشاء مصنع للرقائق الإلكترونية، مع حوافز تصل إلى 40% من رأس المال المستثمر.
وأشار أردوغان إلى أن البرنامج يهدف إلى جذب استثمارات من القطاع الخاص بما لا يقل عن 20 مليار دولار، مع التركيز على مجالات التنقل الذكي، والطاقة الخضراء، والذكاء الاصطناعي، والفضاء، والحياة الصحية، مما يضع تركيا على خارطة الدول الرائدة في التكنولوجيا المستقبلية.