ستغيب عنا أشياء ذات خطر إذا اقتصر تحليلنا للحرب القائمة في السودان على نزاع “جنرالين” سكرى بالسلطان، وأن نعلق نهايتها على جمعهما في حلال التفاوض والسلام. بدا لي أننا، بهذا التركيز الشديد على العسكريين، لربما فوتنا علماً أفضل بالحرب وسبل إنهائها. وهو علم سنحصل على أقباسه لو أخذنا صفوة السياسة والرأي أخذاً وبيلاً أيضاً.

فلا أعرف صفوة مثلها أشهرت إفلاسها على رؤوس الأشهاد بعبارة شائعة لمنصور خالد “فشلنا وأدمنا الفشل”. وبدا أن الوزير الأسبق للإعلام والثقافة إسماعيل حاج موسي ضاق ذرعاً بهذا الاعتراف المجاني، فتساءل أي نفع نجني من تكرارنا تحميل الصفوة وزر محنة البلاد؟ وبس. ما هي الإجراءات السياسية والقانونية التي ستترتب على مثل هذه الإدانة؟ وحتّامَ؟

وهذه كلمة عن أخذ هذه الصفوة أخذاً شديداً لما نراه من ارتباكها في تاريخ فشلها وتعثرها في أضابيره، في حين تظن أنها تحسن صنيعاً لإيقاف الحرب.

لا يدري المرء من أين طرأ طارئ اتفاق جوبا للسلام (أكتوبر 2020) بين الحكومة الانتقالية وحركات دارفور المسلحة للقوى السياسة والمدنية السودانية (الحرية والتغيير- الكتلة الديمقراطية، الحراك الوطني، الحركة الشعبية لتحرير السودان، الجبهة الثورية، وتجمع قوى تحرير السودان، والطوائف الصوفية ورجالات الإدارة الأهلية ومجلس الكنائس السوداني) التي اجتمعت في جوبا الأحد الماضي وأصدرت بياناً بعنوان “رؤية تحقيق السلام والتحول الديمقراطي”. فجاء ذكر الاتفاق في موضعين منه. ففي الموضع الأول دعا البيان إلى وقف القتال وإنهاء الأعمال العدائية إنهاءً يقوم على “قواعد عسكرية فنية وفقاً لقانون الحرب والحياد الدولي (؟)، وإعلان جدة في الـ11 من مايو 2023، مع تضمين البروتوكولات الأمنية والإنسانية في اتفاق جوبا لسلام السودان”. ونادى البيان من جهة ثانية إلى حوار شامل حول جذور الأزمة السودانية، كما يقال، لا يستثني أحداً ومن ذلك “إيجاد حل عادل لقضية شرق السودان من خلال منبر تفاوضي خاص يشمل جميع الأطراف من دون إقصاء”.

فلم يأتِ البيان باتفاق جوبا في أول ذكره في غير ما مناسبة فحسب، بل جاء في ذكره الثاني بعاهة فيه ضرجت الساحة السياسية بالضجيج والدم. فمع أن “اتفاق جوبا” عرض للقضايا الأمنية والإنسانية في فصله السابع بإسراف (48 صفحة من 148)، إلا أنه رتب للسلام من حرب غير القائمة ليومنا. فجاءت حركات دارفور للسلام مع الحكومة الانتقالية في جوبا راضية مرضية بعد توقف العدائيات، ولم يبقَ من وقف إطلاق النار الدائم سوى آليات رقابة نفاذه. وخلص الاتفاق في جوبا إلى فقه تسريح بعض مسلحي الحركات ودمج غيرهم وحصر سلاح المحاربين وإيداعه الدولة. ودعا الاتفاق في جانب الإصلاح العسكري والأمني إلى دمج المسلحين و”الدعم السريع” في القوات المسلحة لتكون هذه القوات “بعقيدتها العسكرية الجديدة الموحدة التي تحمي الوطن والدستور، الجيش الوطني المهني الوحيد، ودمج كافة القوات الأخرى الموجودة في الأراضي السودانية في جيش وطني مهني واحد”.

ولا بد للمرء من أن يسأل هنا إن كان فقه “اتفاق جوبا”، الذي زكى بيان القوى السياسية والمدنية استصحابه في وقف الحرب القائمة، ذا بال. فالحرب بين القوات المسلحة و”الدعم السريع” لا تزال سجالاً ولم يعُد مطلب الدعم هو الدمج في القوات المسلحة بل نادى صريحاً بحلها هي نفسها في جيش مبتكر يراعي التنوع الاجتماعي السكاني.

أما طلب بيان القوى السياسية والمدنية أن يشمل الحوار الوطني الشامل حلاً لمشكلة شرق السودان، فمزعج جداً. فكيف خص البيان هذا الإقليم من البلد دون غيره بالذكر في مجمع وطني شامل للحوار حول أزمة الحكم والبحث عن مخارج منها؟ وكيف لهذا الإقليم اعتزال هذه الأزمة ليقع على الحل السعيد لمتاعبه في بند مستقل في الحوار؟ لا يخفى على المتابع لاتفاق جوبا وانعكاساته العصيبة على شرق السودان منذ التوقيع عليه، أو حتى قبل ذلك، أن صفوة القوى السياسية والمدنية إنما تتعثر في حبائله، مما يطعن في ملكتها في إنتاج أفكار على قدر الكارثة التي تكتنف السودان.

ومشكلة شرق السودان التي بحثت القوى السياسية والمدنية عن حل لوحدها براء من أزمة الحكم في البلد، حكاية شقية تعود لبوادر نبأ اتفاق الشرق. وبلغ من شقائها أن أسهدت صفوة مسلحي اتفاق جوبا فتنتابهم أضغاثاً.

عبد الله علي إبراهيم

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: شرق السودان اتفاق جوبا

إقرأ أيضاً:

رابطة المقاتلين المحترفين تعلن عن اكتمال بطاقة نزالات “معركة العمالقة” التي ستقام بالرياض في 19 أكتوبر

الرياض- هاني البشر

أعلنت رابطة المقاتلين المحترفين (PFL) عن اكتمال بطاقة النزالات للحدث الكبير المنتظر “معركة العمالقة” الذي سيُقام بالرياض في 19 أكتوبر بنظام عرض الدفع مقابل المشاهدة (PPV) وأكدت أن النزال الرئيس لفئة وزن الريشة سيجمع بين السويسري حسين قادماجوماييف والألماني زافر محسن.

الحدث الرئيس سيشهد مواجهة بين نجم الفنون القتالية المختلطة (MMA) وأسطورة الوزن الثقيل، فرانسيس نغانو، الذي سيعود إلى للقفص لمواجهة بطل الوزن الثقيل في PFL لعام 2023، البرازيلي رينان “بروبيليما” فيريرا، وذلك للمنافسة على لقب بطولة السوبر الجديد للرابطة.

كما سيشهد العرض نزالاً مشتركاً للمنافسة على لقب بطلة العالم لمنافسات السيدات، حيث ستواجه البطلة الأسطورية كريس “سايبورغ” منافستها القوية لاريسا باتشيكو، بطلة رابطة PFL لفئتين من الوزن، في نزال مرتقب يحدد من هي أعظم مقاتلة في تاريخ الفنون القتالية المختلطة.

وفي نزال آخر على اللقب العالمي، سيلتقي بطل العالم للوزن المتوسط في “بيلا تور” جوني إبلن مع البريطاني فابيان إدواردز في نزال إعادة بعد مواجهتهما في 2023، والتي انتهت بفوز إبلن بالضربة القاضية الفنية.

كما ستشهد بطاقة النزال أيضاً مواجهة بين الأمريكي آي جي مكاي، بطل العالم السابق لوزن الريشة، مع المقاتل الأيرلندي الشاب بول هيوز، في نزال سيكون اختباراً حقيقياً لهيوز.

بالإضافة إلى نزال البطاقة الرئيسية الذي سيجمع حسين قادماجوماييف ضد زافر محسن في وزن الريشة ويحمل السويسري حسين قادماجوماييف سجلًا احترافيًا يبلغ 11 فوزًا وخسارة واحدة، مع سجل هواة رائع بلغ 12-0، مما جعله من أبرز المواهب الصاعدة في فئة وزن الريشة ويتميز في مسيرته الاحترافية بتحقيقه 6 انتصارات بالضربة القاضية و4 أخرى بالاستسلام، مما يجعله منافسًا خطيرًا. وقد شارك في التدريب مع المقاتل الشهير والمخيف حمزة شيماييف خلال فترة تدريبه في مركز Allstars Training Center في ستوكهولم. من جهته، يمتلك زافر محسن، المولود في أفغانستان والمقيم في ألمانيا، مسيرة مميزة في جميع أنحاء أوروبا. انتصاراته الثلاثة الأخيرة جاءت عن طريق الإخضاع (خنق)، إيقاف الطبيب، وضربة قاضية فنية، مما يُظهر تنوعه وقوته عند دخوله الحلبة، مما يعني أن الجماهير الحاضرة في 19 أكتوبر ستكون على موعد مع نزال كهربائي في البطاقة الرئيسية.

تقام البطولة في “ميدان” بالرياض، الذي يُعد أحد أبرز المعالم الثقافية في المملكة العربية السعودية، ويستضيف أبرز الفعاليات الوطنية والدولية.

القائمة الرئيسية لنزالات “معركة العمالقة”: استعدوا للصدام:
– الحدث الرئيسي (وزن ثقيل): فرانسيس نغانو (17-3) ضد رينان فيريرا (13-3، 3 NC)
– النزال المشترك (وزن الريشة للسيدات): كريس “سايبورغ (27-2) ضد لاريسا باتشيكو (23-4)
– لقب الوزن المتوسط العالمي: جوني إبلن (15-0) ضد فابيان إدواردز (13-3)
– نزال في وزن الريشة:حسين قادماجوماييف (11-1-0، 1 NC) ضد زافر محسن (13-4)
– نزال في الوزن الخفيف: آي جي مكاي (22-1) ضد بول هيوز (12-1)

البطاقة التمهيدية لنزالات “معركة العمالقة”: استعدوا للصدام:
– نزال وزن البانتام: راوفيون ستوتس (20-2) ضد ماركوس برينو (15-3)
– نزال الوزن الخفيف:مكاشاريب زاينوكوف (15-4) ضد ديدريك ساندرز (9-4)
– نزال وزن الريشة: إبراهيم إبراهيموف (7-0) ضد ناتشو كامبوس (5-0)
– نزال الوزن المتوسط:مصطفى ندى (9-3) ضد أحمد سامي (11-4-0، 1 NC)
– نزال وزن الريشة: يوسف الحوسني (4-1) ضد طه بنداود (3-0)

سيتم بث الحدث مباشرة عبر ESPN+ PPV في الولايات المتحدة وDAZN حول العالم.

مقالات مشابهة

  • لا للحرب- شعار انقضى عهده وتجاوزته القوى المدنية والفصائل، وحتمية السلام هي الأبقى
  • إنهاء تدريجي للمهمة.. القوات الأمريكية تغادر بعض قواعدها في العراق بمقتضى اتفاق جديد
  • محمد وداعة: ام .. المعارك
  • البرهان: لا شروط مسبقة للحوار ونطالب بتنفيذ «اتفاق جدة» .. السعودية قدمت 3 مليارات دولار والولايات المتحدة تطالب بـ«هدن إنسانية» في الفاشر
  • مسؤول إسرائيلي ينتقد التحقيقات في فشل 7 أكتوبر.. بعيدة عن الحقيقة بسنوات ضوئية
  • اتفاق بين السلطة الفلسطـ.ـينية والاحتلال لتفكيك العبوات التي يزرعها المقاومون في الضفة الغربية
  • إعلام المواجهة بين الإسلاميين والقوى المدنية في السودان و أدوات التواصل ومضامين الخطاب
  • رابطة المقاتلين المحترفين تعلن عن اكتمال بطاقة نزالات “معركة العمالقة” التي ستقام بالرياض في 19 أكتوبر
  • لا لتسلط القوات والحركات والمليشيات
  • الشاوش: نناشد أعضاء مجلسي النواب والدولة وكافة الأطراف السياسية بعدم عرقلة اتفاق حل أزمة المركزي