عندما شاهد مارك ويزندانجر قارباً بطول يقارب 8 أمتار وبوزن يتجاوز 2000 كيلوغرام تم بناؤه بواسطة طابعة ثلاثية الأبعاد في جامعة مين الأمريكية، أثار ذلك لديه فكرة: "إذا كان بالإمكان طباعة قارب، فهل من الممكن أيضاً طباعة منزل؟"

باعتباره مدير التطوير في "مين هاوسنيغ"، وهي مؤسسة غير ربحية لتمويل الإسكان، يساعد ويزندانجر في تمويل المنازل متوسطة التكلفة في هذه الولاية الأمريكية، ويقول إن الولاية كانت تعاني سابقاً من نقص حاد في المساكن، حيث كانت الولاية تحتاج إلى حوالي 20,000 شقة بنية التأجير للأسر ذات الدخل المنخفض — ويرجع ذلك جزئياً إلى بطء حركة البناء الذي تبع الركود الكبير في أواخر العقد الأول من الألفية.



لذا قرر ويزندانجر التواصل مع الشخص المسؤول وراء مشروع بناء القارب بشأن إمكانية إنشاء منازل مستدامة بتكلفة منخفضة باستخدام طابعة ثلاثية الأبعاد.

في البداية، كان المهندس حبيب دغر، الشخصية وراء القارب، قلقاً بشأن قيود التكنولوجيا لطباعة المنازل ثلاثية الأبعاد. دغر، الذي يشغل منصب المدير التنفيذي لمركز الهياكل والمركبات المتقدمة في جامعة مين، كان يعلم أن إنتاج منزل "أكثر استفادة من الموارد المتجددة، وأكثر قابلية لإعادة التدوير، وأكثر مرونة" سيتطلب نهجًا جديدًا.

طباعة منزل من نشارة الخشب

استغرق الأمر بضع سنوات لمعرفة طبيعة هذا النهج. كان عامل رئيسي في الوصول إلى ما يسميه دغر بلحظة الإلهام هو إغلاق سبعة مطاحن لصناعة الورق واللب في مين. وهذا يعني وجود وفرة من نفايات الخشب المحلية التي كانت موجودة وتنتظر استخدامها مجددا.

رأى هو وفريقه فرصة لتحويل النفايات إلى مادة بناء قابلة للطباعة ثلاثية الأبعاد، وذلك بإضافة مادة من اللدائن الحيوية مصنوعة من الذرة إلى المزيج لتماسك نشارة الخشب مع بعضها البعض.

كان التحدي التالي أن مقياس المشروع تطلب بناء أكبر طابعة بوليمر ثلاثية الأبعاد في العالم. وهي بطول 60 قدماً (18.3 مترًا)، وعرض 22 قدماً وارتفاع 10 أقدام. أي تخيّل مسارين يسيران بشكل موازٍ لبعضهما البعض بطول يعادل طول أربع سيارات متوسطة الحجم.

في نوفمبر 2022، كان النموذج الأولي لمنزل صغير مطبوع ثلاثي الأبعاد ومكون من غرفة معيشة، غرفة نوم، مطبخ وحمام، جاهزاً.

صُنعت الأسطح طبقة تلو الأخرى من نشارة الخشب التي تعطي انطباعًا بالخشب الصلب، ما يتناقض مع المنازل المطبوعة حاليًا من الخرسانة - التي يميل لونها إلى أن يكون رمادياً. استغرق الأمر حوالي ثلاثة أسابيع لإنهاء العمل، حيث تم طباعة بيت "بيوهوم" (Biohome) في أربعة وحدات وإعادة تجميعها في الموقع خلال نصف يوم تقريبًا.



نموذج واعد

نجا هذا النموذج الأولي من عام من الطقس الشديد في شمال الولايات المتحدة والذي شمل البرد بدرجات تصل إلى ناقص 42 درجة، والثلوج القوية والعواصف الرياح والأمطار الغزيرة.

وبالموازاة، زادت جائحة كوفيد -19 المستمرة من أزمة الإسكان التي يهدف المنزل المطبوع ثلاثي الأبعاد إلى مواجهتها. وأضحت شقق الإيجار الإضافية غير كافية الآن حيث بدأ السكان من المدن الكبرى مثل نيويورك ينتقلون إلى مناطق أرخص وأكثر ريفية مثل مين، ما فاقم أزمة السكن في الولاية.

ارتفع  سكان الولاية، التي تبلغ حوالي 1.3 مليون نسمة، بأكثر من 25،000 خلال عامين، مما أدى إلى زيادة الضغط على مخزون المساكن. وزادت أسعار العقارات بنسبة لا تقل عن 30٪ في العديد من المناطق.

قام ويزندانجر قريبًا بتعديل احتياجات الإقامة في الولاية، إذ تصوّر أنه سيكون من الضروري توفير حوالي 84،000 وحدة سكنية لجميع مستويات الدخل بحلول نهاية هذا العقد، ما يعني أن فريق "بيوهوم" (Biohome) ملزم برفع الإنتاج بسرعة.

زيادة القدرة الإنتاجية

تتمتع قدرة بناء "بيوهوم" بالفعل بميزة على المنازل المطبوعة ثلاثي الأبعاد بالخرسانة لأن الطقس في مين بارد جدًا حتى يضمن بالخرسانة لمدة تبلغ ستة أشهر. وفي حين أن النموذج الأولي لهذه المنازل استغرق حوالي ثلاثة أسابيع للطباعة الثلاثية الأبعاد عند وضع 20 رطل من المواد في الساعة، فإن بحلول خريف 2023، ارتفع هذا الرقم إلى 500 رطل في الساعة.

بهذا السرعة، ومع العمل برأسي طباعة في الوقت ذاته، يمكن لمركز المركبات نظريًا طباعة البيوهوم خلال حوالي 48 ساعة.

تُقدر التكلفة التجارية المتوقعة لـ "بيوهوم"  بحوالي 40،000 دولار (37،000 يورو) نظراً لأن دقيق الخشب والبيوبلاستيك رخيصان نسبيًا. وعلى عكس البناء المنزلي العادي، تلغي الطباعة ثلاثية الأبعاد الكثير من تكاليف العمل ، وهي ميزة في ظل نقص العمالة في قطاع البناء الذي يجعل من الصعب أيضًا إنشاء مساكن بأسعار معقولة.

صديقة للبيئة

كما أن بصمة الكربون للبيوهوم أقل بنحو 30 في المئة من منزل مبني تقليديًا، حسب دغر. كان هذا الجانب مهمًا في المشروع حيث شكّل قطاع البناء ما يقرب من 40 في المئة من جميع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المتعلقة بالطاقة في عام 2021، وفقًا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP).

لكن المشروع يواجه بعض العقبات قبل أن يمكن أن يدخل في الإنتاج الضخم، بما في ذلك اختبار كيفية استجابة المواد للمناخات المختلفة.

وعلى الرغم من التحديات، يؤمن مارك ويزندانجر بالمشروع، وتلهمه الإمكانات المحتملة لتطوير هذه المنازل الجديدة، قائلاً لـDW "أحب حقيقة أنها قابلة للتدوير بالكامل ولا تؤثر بشكل كبير على البيئة، أكيد ستكون معزولة ورخيصة، لكن في النهاية، ستكون رائعة."

المصدر: أخبارنا

كلمات دلالية: ثلاثیة الأبعاد

إقرأ أيضاً:

خبير اقتصادي يشخص 7 أخطاء "جوهرية" أصابت قطاع السكن في العراق

الاقتصاد نيوز - بغداد

شخص الخبير الاقتصادي مخلد حسن، الثلاثاء، الأخطاء التي يعاني منها قطاع السكن في العراق، مبيناً أن فوضى المشاريع السكنية خنقت العاصمة بغداد.

وقال حسن، في حديث لـ"الاقتصاد نيوز"، إن "أكثر القطاعات نشاطا وحيوية في العراق هو قطاع السكن، لكن هذا القطاع سيتضائل نشاطه لأنه قطاع مرحلي وقع بأخطاء جوهرية لا يقع فيها أي صاحب مشروع ذكي"، مشيراً إلى أن "القطاع استهدف ذوي الدخل المرتفع أو فئة الباحثين عن عقار بديل لعقارهم المباع، بينما أهمل باقي الشرائح التي هي بحاجة أكبر لخيارات عقارية تنسجم مع الحاجة".

وأضاف أن "المشاريع تركزت في أماكن معينة من العاصمة، هذا التركز سيجعل هذه الأماكن والطرق المؤدية لها تشهد زخم سكاني وزحام طرق وتشكل ضغط هائل على البنية التحتية الضعيفة أصلاً، كذلك فإن كل هذه المشاريع بنيت على اطلال بنى تحتية عمرها 30 عام وأكثر، خصوصا البنى التحتية عالية الكلفة التي تتمثل بشبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء".

وتابع أن "كل هذه المشاريع بنيت كنماذج قائمة بحد ذاتها، وهذا شكل عبء على الكلف وعلى البيئة فكل مجمع سكني أنشأ لنفسه محطة تنقية مياه ومحطة كهرباء ثانوية ومحطة غاز، وهذه مشكلة كبيرة تنعكس على مختلف المستويات" لافتاً إلى أن "كل المجمعات السكنية تنبت سياسة سعرية مرتفعة، جداول دفعات عالية ما جعل معظم عمليات البيع تتجه نحو المتداولين بالعقار؛ عند وصول المشاريع لمراحل إنجاز متقدمة ستجد معظم المتداولين راغبين ببيع وحداتهم السكنية ما سيؤثر على عمليات السداد ويخفض من قيمة الاستثمار العقاري".

وأكد حسن، أن "معظم هذه المجمعات اعتمدت سياسة مشاريع متشابهة، فتجد حجم العمل وفترة التسليم متشابه بين مشروع وآخر وهذا يؤدي لموجة طلب وموجة عرض متناسقة من شأنها ارباك السوق عند اكتمال او تسليم المشاريع لاحقا"، موضحاً أن "أغلب المشاريع أهملت التخطيط العمراني للمجمع السكني (بنايات متقاربة، فضاءات قليلة، المساحات الخضراء شبه معدومة، غياب واضح للمساجد وساحات كرة القدم وما شابهها من نشاطات) وهي تؤثر بشكل مباشر على بيئة المشروع وبشكل يعلمه المختصين جيدا ولا يقبل النقاش".

ويرى أنه "كان أجدر بالحكومة أن تذهب نحو إنشاء مدن نموذجية خارج العاصمة وفق معايير عالمية، تبيع فيها قطع الأراضي بأسعار قيمة وتجعلها غير قابلة للتداول العقاري، وأن تمنح رخص محددة للشركات كي تتولى بناء المساكن وفق المخططات الغير قابلة للتعديل".

وعبر عن أستياءه من "فوضى المشاريع السكنية التي خنقت العاصمة وغيرت معالمها وهي ماضية بتجريف آخر مساحاتها الخضراء المتوفرة وتحطيم ما تبقى من البنية التحتية للمدينة"

واختتم بالقول: "بغداد تتحول من مدينة خضراء بنسائم عليلة تلامس دجلة وتداعب النخيل الى مدينة الدخان والغبار والكاربون والكبريت والهواء المسرطن، مدينة الزحام والفوضى والصخب المزعج"

مقالات مشابهة

  • الصحة: حجم الإنفاق على المنظومة الطبية حوالي تريليون جنيه منذ 2014
  • وزير السكن: هذا هو الجديد لتغطية طلبات السكن بمختلف الصيغ
  • جوائز صُنّاع المحتوى: شراكة ثلاثية لتمكين صناعة المحتوى الرقمي
  • “التخصصي” يتوج بجائزة التميز العالمي في إدارة المشاريع بمجال التقنية
  • تركيا تقرر مساعدة سوريا في طباعة عملة جديدة
  • ثورة في الهولوغرام..عرض ثلاثي الأبعاد بحجم قياسي
  • حصيلة: 656 قضية غسل للأموال هذا العام أفضت إلى الحجز عن حوالي 10 مليارات
  • خبير اقتصادي يشخص 7 أخطاء "جوهرية" أصابت قطاع السكن في العراق
  • مفتي الجمهورية: الفقر والجهل والمرض ثلاثية خطيرة تُغذي الفكر المتطرف
  • حوار مع صديقي ال ChatGPT الحلقة (73)