صحيفة الاتحاد:
2025-02-24@13:24:35 GMT

شيخة الجابري تكتب: سيل بوحصا

تاريخ النشر: 19th, February 2024 GMT

كان الوقت فجراً قبيل قيام الصلاة بقليل عندما بدأت السماء تهدر، والمطر ينهمر، والأرض ترتعد، حين أبرقت السماء وأرعدت، وتناثرت الأشجار، وتطاير زجاج السيارات الأمامية والخلفية والعلوية، وامتلأت الأرض بالبَرد الذي يسمونه أهلنا الأوليين «حصا»، فهو «سيل بوحصا»، فما كانوا ينعتونه بالبَرد بل بالحصى لقوته وآثاره التي يخلفها بعد انتهاء موجة المطر.


خرجتُ لأطمئن على المنزل بعد نحو ساعة من الحالة التي شهدتها العين، حالة مطرية غير مسبوقة، فما وجدتُ منزلنا إلاّ سجادة بيضاء، والأشجار تقف عارية من أغصانها وأوراقها، وكذا النخل انشطر خوصه إلى نصفين، وإذا الثمار تملأ الأرض، وبعض حباتِ الليمون التي كنّا ننعم بقطفها كل يوم عند الغداء قد تساقطت هي الأخرى، وبقيت الأغصان بعضها مكسور والآخر مسجى على نتف الثلج التي ملأت حوش المنزل.
هكذا كان حال مدينة العين التي أفاق سكانها على الثلوج تملأ المنازل والطرقات، وإذا بهم يجدون أنفسهم محاصرين في المنازل بين سيارات بعضها مهشّمٌ وبعضها معطوب، وأثاث قد غمرته المياه في أماكن غير متوقعة في منازل تم تشييدها وفقَ أعلى المواصفات، وصار الصغير مندهشاً، والكبير مهللاً ومكبّراً، ومصلياً على رسول الله عليه السلام.
كان الوضع صعباً ومرعباً ومخيفاً لمن عايش تلك الساعات التي امتلأت فيها السدود بالمياه، وجرت وديانٌ لم يعرف سكان العين أن المياه قد تحرّكت فيها منذ سنوات عديدة، هو المطر إذن، لكنه ليس بالمطر العادي، كان منخفض المزر «ممزور» خيرات وتأثيرات وخسارات كبيرة، ما إن تأخذ جولة في شوارع المدينة المكتظةِ بالماء حتى تفاجئك السيارات التي تأثرت بشكل لافت بالحالة المطرية الهائلة التي شهدتها المدينة.
لقد كانت حالة من الفرح والسعادة ممزوجة بمشاعر من الرهبة والدهشة والدعاء العميق بأن لا يتضرر البشر، مما اجتاح المدينة من ماء أغرق الشوارع والمنازل وعطّل الحياة في بعض المواقع لعدة أيام، كما أغلق أسواقاً، وهشّم واجهات محلات كثيرة، وصار الوصول إليها صعباً جداً، إنه فعلا «سيل بوحصا» كما كان يطلقون عليه قديماً.
إن الظواهر الطبيعية والتحولات المناخية واردة بخاصة عند تحول الفصول، لكن المدهش في الأمر أن بعض تلك التغيرات في مناطقنا لم تكن تحدث سابقاً، فما شهدته مدينة العين من آثار كثيرة خلفتها الرياح والثلوج التي تساقطت على المدينة لم تكن متوقعة، لذا لم يستوعبها سكان المدينة، فقد كانوا يشاهدون هذه الكميات الكبيرة والضخمة من الثلوج في المدن الأوروبية وبعض المناطق العربية، لكنها المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك في مدينة مثل مدينة العين.

أخبار ذات صلة شيخة الجابري تكتب: بوحُ السماء ورقصات الماء شيخة الجابري تكتب: «خُذ كُركُم».. «لا تأخذ كُركُم»!

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: شيخة الجابري أحوال

إقرأ أيضاً:

يوم التأسيس

يحلو للبعض أن يصف الملك عبدالعزيز بالمؤسس لهذه الدولة، فيما يرى آخرون أنه الموحِّد لتأسيس بدأ قبل ثلاثة قرون.
فرمز هذه البلاد، وحَّدَ أطراف بلد مترامي الأطراف، جمعه على كلمة واحدة، وكيان واحد، ودولة واحدة.
إذا أردت أن ترى عِظَمَ الأنجاز الذي بدأ عام 1727، واكتمل عام 1932، فانظر إلى مساحته، وقارنها بمساحات مئات الدول.
مؤكد سوف تكتشف أن ما تم على معظم مساحة الجزيرة، معجزة أُنجزتْ في صحراء كانت قاحلة لا موارد للحياة فيها، ولا سُبُلاً للعيش، بل كانت صحارٍ طاردة للحياة، حوَّلها قوم من البشر، إلى واحدة هي اليوم من الجهات المفضَّلة لكثير من سكان العالم.
ولأنها كانت صحراء قاحلة، لا حياة فيها في ذلك الوقت، فلم يفكر فيها محتل، ولم يقترب منها طامع، ولم يحتمل العيش فيها سوى من ولدوا فيها، وعاشوا على ثراها على ندرة، بل انعدام مواردها في ذلك الزمان، إلى أن شاءت إرادة الله، أن يتغير كل شيء فيها، وأن تصبح أمنية العيش لكل إنسان، فالحمد لله والشكر له.
إن المتأملَ فيما حدث من تأسيس المملكة العربية السعودية على ثلاثِ مراحلَ، سوف يعتقد جازماً أن هناك إرادة إلهية اقتضت ما حدث.
فما إن ضعُفت الدولة السعودية الأولى التي نشأت في فبراير 1727، وسقطت في ديسمبر 1818، حتى نهضت الدولة الثانية لتستمر 75 عاماً، ثم تقتضي إرادة الله أن تنتهي عام 1891، لأسباب سجلها التاريخ، ثم تشاء إرادة الله، أن تعود الدولةُ من جديد، وتنهضَ لأسباب قد يكون من أبرزها حفظ الله لها، لأنها حفظت دين السماء، وديانة رب السماء، وقامت على سُنة من بُعِثَ بوحي من السماء.
دولة تشكَّلت بتآزر أبنائها مع بعضِهم، وتعاضُدِهم على رأي واحد وتوجه واحد وهدف واحد، ثم التفافهم حول قائدهم.
إن قيام الدولة السعودية بداية من عام 1727، وتوحيدها عام 1932، قصة ستظل تُروى، وحكايات تُحكى، لدولة ظلت ثلاثة قرون، تقف، ثم تتعثر، ثم تعود أقوى ممّا كانت.
إنها معجزة شُيدت في قلب صحراء جرداء لا حياة فيها ولا ماء، لكنها قامت بإرادة رب السماء، وصولاً إلى عهد الخير والنماء، عهد سلمان الحكمة والتاريخ وشيخُ القُراء، ومحمد العز والمنعةُ والإباء.
دولة سلمان ومحمد تقف اليوم في مقدمة العالم رسوخاً وتجذراً، تأثيراً وأثراً، كياناً وتكوناً، قوةً ومنعةً.
دولةٌ صمدت في وجه أعاصير عاتية، وجابهت مؤمرات قذرة، وما زالت على مواقفها باقية، ولصعودها مواصلة، ولنموها محققة.
يكفيك فخراً أنك في بلد تتجهُ إليها الأنظار، وتُنصتُ لها الأسماع في كل قضية تُلِمُ بالمنطقة، خاصةً وعالمها الإسلامي على وجه العموم، بل إن كلمة المملكة صارت تُنْتَظرْ في جُلِ قضايا العالم. وما يلفت النظر الاحتفالات العفوية التي يراها المرء في كل بيت وكل استراحة ولدى كل تجمع.
إنه حبٌ الوطن والأرض.

مقالات مشابهة

  • تركيا.. ماذا سيحدث إذا عاش كل مواطن بالولاية التي ولد فيها؟
  • يوم التأسيس
  • هند عصام تكتب: الملكة نبت تاوي
  • فوائد فاكهة التين اللذيذة وأهم الوصفات التي يمكنك استخدامها فيها
  • يوم توارى الشمس
  • إلهام أبو الفتح تكتب: رمضان كريم
  • ما الحالات التي يباح فيها الفطر في رمضان؟ .. مفتي الجمهورية السابق يجيب
  • بن شيخة يقود مودرن لتعادل مثير أمام فالكو في الدوري المصري
  • بن شيخة يقود مودرن للتعادل في أول خرجة له في الدوري المصري
  • أندرييفا تكتب التاريخ في «دبي للتنس»