حمار الحكيم ولعنة «الصندوق»!
تاريخ النشر: 18th, February 2024 GMT
دفعتنى تراكيب ومتاهات المسارات الهيكلية لخبراء الاقتصاد والسياسة إلى استحضار«حمار الحكيم» ليحدثنى عن صندوق النقد الدولى، فهذا «الحمار» فيلسوف مخلص محايد، لا تعنيه مكاسب التأييد ولا يهتم بطموحات المعارضة، ويكفى ما كتبه «توفيق الحكيم» عنه، وما يتصف به من الحكمة والعلم.
وبعد نظرات الاستياء وحركات «الترفيس» التى انتابته من عملية الاستحضار، طلبت من باب تلطيف الأجواء أن نصبح أصدقاء، فرد بغضب لا يبشر بخير، وقال: من تكون كى أنزل تلك الدركات وأصاحبه؟!، تراجعت عن طلبى وأخبرته بأننى لم أقصد الإهانة بل.
سألته: أريد أن أفهم، بعد مفاوضات شاقة بين السادة المسئولين وأعضاء صندوق النقد الدولى، نرى مصافحات وابتسامات أشبه بفرح العمدة!، إذن فبرامج «الصندوق» فى صالحنا على عكس ما يروج له البعض.. أليس كذلك؟، أجابنى بلا تردد بأن الصندوق أشبه بالمصيدة، من يدخل فيها لا يخرج منها، ثم رد السؤال: لماذا تلجأ الدول إليه؟.. أجبته بلا تردد كما فعل: لأنه الملاذ الأخير لإنقاذ اقتصاد تلك الدول والتعافى من الأزمات التى تواجهه.
قال: وهل يفعل «الصندوق» ذلك؟!، سأشرح لك، عندما تكون هناك أزمة مثلًا فى النقد الأجنبى، تلجأ الدول إليه لتوفير السيولة المطلوبة من هذا النقد، وفى نفس اللحظة التى يُقرِضك فيها الصندوق، يقوم بوضع سياسات تعمل على إنقاص تلك السيولة التى سعيت إليها!، عن طريق إلغاء أو تخفيف ضوابط حركة النقد الأجنبى، وتحرير سوق رأس المال، وتيسير نقل أرباح الأجانب خارج البلاد، بالإضافة إلى أضرار «الأموال الساخنة» التى تهرب مع أول إحساس بالخطر، لتبدأ الدورة من جديد، وتظل حبيسًا فى تلك المصيدة.
بنفس الحدة التى بدأها قلت: بلاش كلام الكتب ده!، فالصندوق يضع الفقراء وحمايتهم ضمن أولوياته، ولا يختلف أحد على ذلك، ضحك «حمار الحكيم»، ثم هز رأسه وذيله فى استياء شديد، وقال: أنت لا تفهم، ولا أقصد الإهانة فهذه حقيقة، ألا تعرف أن شرط تخفيض قيمة العملة من برامج الصندوق؟، أجبته وأنا أكتم غضبى من صراحته وفجاجته: أعرف، ولكن تخفيض العملة ضرورة لزيادة الصادرات وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.
قال: أى صادرات أيها «المغفل»، ألا تعلم أن هذا التخفيض يعمل على تشجيع تصدير الموارد المحلية خاصة السلع والمنتجات الغذائية، فيقل المعروض منها وترتفع أسعارها، ألا تعلم أن هذا التخفيض يقابله انخفاض فى قيمة أجور العاملين، وارتفاع تكاليف الإنتاج على أصحاب رؤوس الأموال الوطنيين، ومع زيادة هذا الضغط الناتج عن ارتفاع تلك التكاليف سيكون شبح الإفلاس والإغلاق وتسريح العمال حاضراً بقوة، وتصبح هذه الأصول الوطنية فريسة سهلة للمال الأجنبى، تحت مرادفات جذابة مثل البيع والشراء والاستحواذ... وهكذا.
بصوت يتناسب مع ارتفاع حالة الغضب بداخلى: أنت لا فيلسوف ولا مخلص ولا «هباب»، وأنا أخطأت عندما استحضرتك إلى هنا، ما تلك النظرة السوداوية أيها «الحمار»، ماذا تريد أن تقول بالضبط؟!
أجابنى بهدوء رفقا بحالتى: يا عزيزى.. «الصندوق» ليس جمعية خيرية.. هذا «الصندوق» إحدى مؤسسات الهيمنة على الدول منذ إنشائه بعد الحرب العالمية الثانية، يا عزيزى هذا الصندوق يحارب الفقراء، ولا يقضى على الفقر، يا عزيزى الاستثمار فى «حمامات البخار» ومراكز «التدليك» والمضاربات لن تبنى اقتصاداً.
سكت «الحمار» قليلًا ثم تابع حديثه: اقرأ أولًا ماذا فعل هذا الصندوق بالدول التى وقعت فى شباكه وأصابتها لعنته، ستجد أن الدول التى لجأت إليه غرقت فى دوامة الديون، واتسعت فيها دائرة الفقر، ويمكن أن تفهم ذلك فقط من الإهداء الموجود فى صدر كتاب «صندوق النقد الدولى قوة عظمى فى الساحة العالمية» لـ«أرنست فولف» ترجمة د. عدنان عباس، الذى يقول إن هذا الكتاب هدية لبنى البشر فى أفريقيا وآسيا وجنوب أمريكا، الذين لا يستطيعون قراءته لأن سياسة صندوق النقد الدولى حرمتهم من الالتحاق بالمدارس.
التقطت أنفاسى ثم سألته: إذا كانت هناك تجارب ووقائع مؤكدة عن هذا «النكد الدولى»، فلماذا يؤيده البعض ويدافع عن سياساته ووصفاته باعتبارها الحل الأوحد للإنقاذ؟
بابتسامة خفيفة قال: هنا بدأت تفهم «شوية»، ابحث عن المستفيد من تطبيق سياسات الصندوق، وعن أولئك الذين شربوا علومه وثقافته، واستمر الحوار قليلًا بين قال وقلت، إلى أن وصلت إلى سؤالى الأخير.. كيف يمكن الخروج من تلك المصيدة؟ فضحك وهو يلملم أشياءه استعدادًا للرحيل وقال: أجب أنت يا صديقى؟ ثم اختفى.
فى النهاية.. الإجابة عن هذا السؤال ليست أمرًا سهلًا كما يعتقد البعض، فتبعاته الخارجية والداخلية كبيرة، وتحتاج إلى الإرادة والإيمان بقوة الاكتفاء الذاتى، والبحث عن تجارب جديدة للتعافى تتناسب معنا.. وتبقى الإجابة عن هذا السؤال لأهل العلم وأصحاب القرار، أما أنا و«حمار الحكيم» فلا حول لنا ولا قوة.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: أشرف عزب صندوق النقد الدولى
إقرأ أيضاً:
ضبط عملات أجنبية بقيمة 7 ملايين جنيه قبل بيعها بالسوق السوداء
أسفرت جهود قطاع الأمن العام بالاشتراك مع الإدارة العامة لمكافحة جرائم الأموال العامة ومديريات الأمن خلال 24 ساعة عن ضبط عدد من قضايا "الاتجار" فى العملات الأجنبية المختلفة بقيمة مالية قرابة (7 ملايين جنيه)، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية.
كشف مصدر قانوني بأن قانون البنك المركزى والجهاز المصرفى والنقد رقم 88 لسنة 2003 الخاص بتنظيم عمليات النقد الأجنبى، تم تعديله للحد من عمليات الاتجار فى العملة وتغليظ العقوبة على كل من تسول له نفسه ممارسة تلك النشاطات، التى تؤثر بالسلب على الاقتصاد الوطنى، حيث تضمن تعديل المادة 126 من القانون المشار إليه، أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تتجاوز ثلاث سنوات، وبغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تتجاوز خمسة ملايين جنيه، كل من خالف أىّ من أحكام المواد (111 و113 و114 و117) من القانون رقم 88 لسنة 2003 الخاص بتنظيم عمليات النقد الأجنبى.
كما تمت إضافة مادة جديدة برقم 126 مكرراً للعقوبات تختص بتغليظ العقوبة على نشاط العملات الأجنبية خارج القنوات الشرعية، وتنص على أن يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على عشر سنوات، وبغرامة تساوى المبلغ محل الجريمة، كل من يتعامل فى النقد الأجنبى خارج البنوك المعتمدة أو الجهات المرخص لها بذلك، كما تنص على أن يحكم فى جميع الأحوال بمصادرة المبالغ محل الجريمة.
مشاركة