فلما صرت فى غيره بكيت عليه!
تاريخ النشر: 18th, February 2024 GMT
ليس أقصر من لحظة انقلاب الضحية إلى جلاد، والمظلوم إلى ظالم، والسجين إلى سجان، وهى لحظة فارقة تحدث نادرا فى تاريخ الأمم والشعوب، لكنها تعكس بوضوح أثر السلطة فى كل إنسان. ولعل من أبرز ما يؤرخ لهذه اللحظات كتاب فارق، مشوق، جذاب صدر مؤخرا عن دار المحروسة للنشر يروى مذكرات صحافى إيرانى هو هوشنغ أسدى فى سجون الخومينى بعنوان «رسائل إلى مُعذبي» وقام بترجمته الكاتب المتميز ماجد عاطف.
مؤلف الكتاب صحفى ومترجم إيرانى عمل نائبا لرئيس تحرير صحيفة «كيهان» وهى أكبر صحيفة يومية فى إيران، وله عدد من الروايات وسيناريوهات الأفلام، وترجم إلى الفارسية معظم روايات ماركيز، وإليوت. ولما كان «أسدي» معارضا يساريا فقد قبض عليه سنة 1974 فى ظل حكم شاه إيران، وقبع فى السجن لتسعة أشهر، وكان رفيقه فى الزنزانة على خامنئى الذى صار مرشدا أعلى للجمهورية الإسلامية فيما بعد. المهم أن صداقة وطيدة ولدت بين الصحافى اليساري، والزعيم الإسلامي، وعندما أفرج عن هوشنج أسدى بعد اتهام سياسى ظالم، قال له «خامنئي» وهو يودعه: «فى ظل حكومة إسلامية لن تُظلم أبدا».
ومرت السنوات واشتعلت الثورة فى إيران وانقلب نظام الحكم واستولى الإسلاميون على السلطة، وفوجئ هوشنج باتهامه بالتجسس لصالح الاتحاد السوفيتى وبريطانيا فى الوقت نفسه، وتم القبض عليه وتعرض لتعذيب قاسٍ طال عامين، متنقلا من سجن إلى آخر حتى اعترف جبرا فى النهاية بعمالته للسوفييت وبريطانيا، وحكم عليه بالاعدام ثم خُفف الحكم إلى الأشغال الشاقة، وبعد ست سنوات أطلق سراحه وتمكن من الهرب إلى باريس عام 2003. وبعد فترة وهناك وجد جلاده حميد والذى كان يقوم بتعذيبه سفيرا لإيران فى إحدى دول أوروبا، فبعث إليه بمجموعة رسائل يذكره فيها بما فعله فيه حتى جعله يعترف كذبا بما يريد، وهو ما ضمنه هذا الكتاب.
المفارق هنا أن التعذيب ـأبشع جرائم الإنسانيةـ كان يتم شرعنته بالدين، حتى أن الجلاد كان يتوضأ ويُسمى الله قبل ضرب الضحية بسوطه، وكان يُعلقه بالساعات فى سقف الغرفة، وهو يستمتع بالاستماع لأغنية «يا كربلاء إننا قادمون».
كان جلاده، الذى صار سفيرا يجبره ألا يتكلم قبل أن ينبح، وكان يسأله عن رفاقه فيرد مجبرا: هو هو هو.. كذا وكذا. وهكذا حوله من شاب يافع مفعم بالحياة إلى شخص محطم لا رغبة له فى أى شىء.
وكتب هوشنغ أسدى أن جلاده حميد سأله يوما وهو يُعذبه: إذا تغيرت الأمور وأصبحنا معتقلين لديكم ما ستفعلون بنا؟ فجاوبه قائلا: سنهدم كل معتقلات التعذيب ونحكم على موظفيها بزراعة الزهور على أنقاضها، وسنعتبر القهر والتعذيب شيئا من الماضى.
يقول أسدى وقد اختبر السجن والمحاكمات فى زمنى الشاه والخومينى، أن سجون الشاه كانت نزهة بالمقارنة مع سجون الثورة الإسلامية. ويتذكر بأسى ودهشة على خامنئى رفيق زنزانته فى عهد الشاه، وكيف كانا يسخران معا من قسوة السُلطة وعدوانها على الإنسانية، وكيف كانا يمزحان ويتناقشان ويتقبلان خلافهما الفكري، ويحتفظ كل منهما للآخر بمساحة ود واحترام، ثُم كيف غيرت السُلطة خامنئى ورفاقه فصاروا فلتات فنية فى القهر والتعذيب.
تذكرنا الحكاية ببيت شعر جميل منسوب لعلى بن أبى طالب يقول: عجبا للزمان فى حالتيه... وبلاء ذهبت منه إليه. رُب يومٍ بكيت منه، فلما... صرت فى غيره بكيتُ عليه».
والله أعلم
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مصطفى عبيد
إقرأ أيضاً:
قصة صحابي اهتز لوفاته عرش الرحمن.. بكى عليه النبي حتى ابتلت لحيته
الصحابة رضي الله عنهم هم من أعظم الشخصيات في تاريخ الإسلام، فقد كانوا الأعمدة التي قامت عليها دعائم الدين بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، واختارهم الله ليكونوا مع النبي في أوقات السلم والحرب، وكانوا الرفقاء الذين حملوا الرسالة بعد وفاته، وشهدوا الغزوات الكبرى، مثل بدر وأحد والخندق، وأظهروا شجاعةً وإيمانًا لا يتزعزع، ولم يكونوا فقط جنودًا في المعارك، بل كانوا قدوة في العلم والدعوة، ويزخر التاريخ الإسلامي بمئات المواقف التي توضح مكانة الصحابة، لكن واحدًا منهم فقط هو من اهتز عرش الرحمن لموته؛ فمن هو؟
صحابي اهتز عرش الرحمن فرحا به وبقدوم روحهالصحابي الذي اهتز لوفاته عرش الرحمن هو سعد بن معاذ رضي الله عنه، فجاء في صحيح البخاري حيث ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ»؛ وكان ذلك بعد أن استشهد سعد في غزوة الخندق بسبب إصابته في معركة الأحزاب، وفقًا لما نشرته دار الإفتاء المصرية.
وعندما توفي سعد بن معاذ، اهتز عرش الرحمن تعبيرًا عن عظمة مكانته عند الله، وجاء ذلك في الحديث الشريف ليُبين مكانة هذا الصحابي الجليل في الإسلام، إذ كان سعد بن معاذ كان من أبرز القادة في معركة الخندق وواحدًا من أنصار النبي الأوفياء، وهو الذي أسلم في وقت مبكر وشهد العديد من الغزوات المهمة.
أسلم سعد بن معاذ رضي الله عنه في السنة 5 من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، أي بعد الهجرة بثلاث سنوات تقريبًا، وكان إسلامه في السنة التي شهد فيها بيعة العقبة الثانية، إذ أسلم مع مجموعة من قومه من الأوس وكانوا من الأنصار الذين دعموا النبي صلى الله عليه وسلم في مكة، وقد أسلم سعد بعد أن استمع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن، وكان إسلامه من أبرز الأحداث في تاريخ الدعوة، إذ كان أحد القادة البارزين في غزوة بدر وغزوة الخندق.
شهد غزوات بدر وأحد والخندق، وعندما استشار النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة يوم بدر، قال سعد بن معاذ رضي الله عنه: «قد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به حق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك، ما تخلف منا واحد، وما نكره أن نلقى عدونا غدا، إنا لصبر عند الحرب، صدق عند اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله»، فسار بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بكاء الرسول صلى الله عليه وسلم على سعد بن معاذرمي سعد بن معاذ رضي الله عنه بسهم يوم الخندق، عاش بعدها شهرا ثم انتفض جرحه فتوفي بذلك، ودفنه النبي صلى الله عليه وسلم وبكى عليه حتى جعلت دموعه تحادر على لحيته، فرضي الله عنه.