في سباق أسلحة الفضاء.. طلقة تحذير من روسيا
تاريخ النشر: 18th, February 2024 GMT
ترجمة: قاسم مكي -
بيَّنت حرب أوكرانيا في جلاء الأثر العسكري لشبكة الأقمار الصناعية «ستارْلِنْك» وشبكات الاتصالات والاستخبارات الأخرى المرتكزة على الفضاء. ويبدو أن روسيا تعكف الآن على تصنيع أسلحة تهدف إلى تعطيل مثل هذه الأنظمة باستخدام تقنيات جديدة لحرب الفضاء.
تطوير روسيا تقنية أسلحة الفضاء يتموضع في قلب «التهديد الخطير للأمن القومي» الذي أشار إليه بطريقة غامضة يوم الأربعاء الماضي مايكل تيرنر النائب الجمهوري عن ولاية أوهايو ورئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب، وفقا لمصادر الكونجرس.
على الرغم من تنويه مسؤولي الأمن القومي بأن القدرة الروسية لا تشكل خطرًا وشيكًا على الولايات المتحدة فإن تسليط تيرنر الضوء على خطط روسيا «العدائية» قد يكون له أثر في الأجل القصير على موافقة الكونجرس على تقديم مساعدات عسكرية إضافية لأوكرانيا. وللمفارقة فإن حرب أوكرانيا (ودور الشبكات الفضائية في معاونة كييف على الصمود أمام الهجوم الروسي الأوَّلي عام 2022) هما في الغالب ما دفعـا روسيا الى المسارعة بتطوير تكتيكاتها الفضائية الجديدة.
سمحت ستارلِنك والأنظمة الفضائية الأخرى لأوكرانيا بإيجاد نظام إلكتروني لإدارة المعركة. فمجموعات الأقمار الصناعية المستخدمة لأغراض تجارية يمكنها جمع المعلومات باستخدام مستشعرات بصرية وحرارية وغير ذلك. هذه المعلومات يمكن تحليلها بواسطة الذكاء الاصطناعي لتحديد الأهداف المحتملة ثم إرسال معلومات الاستهداف إلى القوات الأوكرانية في الجبهة عبر ستارلنك واتصالات النطاق العريض الأخرى.
حذرت موسكو قبل أكثر من عام من أنها قد تتخذ إجراء ضد هذه الهجمات التي تقدم خدمات الأقمار التجارية. ففي خطاب أمام الأمم المتحدة في أكتوبر 2022 قال كونستانتين فورونتسوف وهو أحد كبار الدبلوماسيين الروس: «توظيف مجموعة الأقمار الصناعية الخاصة يشكل توجهًا بالغ الخطورة يتجاوز الاستخدام الحميد لتقنيات الفضاء الخارجي. لقد أصبح ذلك واضحا خلال آخر التطورات في أوكرانيا». وأضاف قائلا: «هذه البنية التحتية (الفضائية) شبه المدنية قد تصبح هدفًا مشروعًا للرد».
لم يقدم المسؤولون الأمريكيون معلومات تفصيلية عن القدرة الروسية الجديدة. لكن ربما يخطط الروس لاستخدام الأسلحة الموجهة بالطاقة أو النبضات الإلكترومغناطيسية في الفضاء والتي يمكن أن تعطل الشبكات التجارية والعسكرية. مثل هذه الأنظمة يمكنها على سبيل المثال مهاجمة «الشبكات الغرائبية» التي تسمح لستارلنك والشركات الأخرى بنقل الإشارات بين أقمارها الصناعية قبل إرسال البيانات إلى الأرض.
في عام 2021 اختبرت روسيا سلاحا مضادا للأقمار الصناعية يمكن أن يدمر القمر في مداره (ويخلِّف في أثناء ذلك حقلا مرعبا من الحطام.) ويمكن لروسيا نظريا إطلاق سلسلة من الأسلحة النووية المضادة للأقمار الصناعية لكي تجعل الفضاء منطقة محظورة. لكن مثل هذه المقاربة ستكون طائشة ومؤذية لها إضافة إلى انتهاكها معاهدة تحظر استخدام الأسلحة النووية في الفضاء. ويبدو أن التقنية الروسية الجديدة شيء أكثر تعقيدا.
الولايات المتحدة لديها مصفوفة من الأنظمة الاستخبارية والعسكرية في الفضاء بقدرات كثيرا ما يصفها المسؤولون بأنها «مذهلة.»
لكن هذه المستشعرات المدهشة والتقنيات الأخرى تحملها شبكة صغيرة من الأقمار الصناعية التي تقدم حفنة «أهداف كبيرة يسهل رصدها» كما ذكر الجنرال جون هايتن النائب السابق لرئيس هيئة الأركان المشتركة في عام 2017.
وفي عام 2021 قال لي الجنرال جون ريموند قائد القوة الفضائية وقتها: «يلزمنا بناء شبكة أكثر مرونة بالمزيد من الأقمار الصناعية.» لقد كانت الشركات التجارية مثل ستارلِنك والتي لديها أكثر من 5000 قمر صناعي هي التي قامت بتطوير شبكة يصعب استهدافها. وربما ذلك ما يقلق روسيا.
كانت «ستارلنك» التي تملكها شركة ايلون ماسك «سبيس اكس» مغيِّرة لِلَّعبة في الأسابيع الأولى للحرب في أوكرانيا. فالأقمار الصناعية التي قدمت إشارات إنترنت النطاق العريض ساعدت أوكرانيا إلى جانب أقمار التصوير التجارية على تحديد واستهداف الهجمات الروسية. وفي الساعات الأولى للحرب عطل هجوم إلكتروني روسي شبكة نطاق عريض أمريكية أصغر تتولى تشغيلها شركة اسمها «فيَاسات» لفترة وجيزة. لكن الشبكة عادت إلى العمل وانضمت إليها مجموعة من الشبكات الفضائية الأخرى.
قدمت أطباق ستارلنك لأوكرانيا الربط اللازم لخوض «حرب لوغاريثمات» القرن الحادي والعشرين. حاولت روسيا التشويش على البيانات القادمة من الفضاء وتزييفها لكن مهندسي ستارلنك وجدوا طرقا بارعة للحفاظ على تدفق البيانات. وفي 26 فبراير 2022 بعد يومين من اندلاع الحرب كتب ماسك على منصة إكس التغريدة التالية « خدمة ستارلنك الآن نشطة في أوكرانيا. المزيد من الأطباق (أجهزة المستخدمين) في الطريق».
أكَّد ماسك على تعهده هذا في مايو حيث كتب «ستارلنك قاومت حتى الآن محاولات التشويش وتزييف البيانات في الحرب الإلكترونية الروسية.» لكنه شعر بالقلق من دور ستارلنك وهدد بوقف الخدمة الحيوية التي تقدمها لأوكرانيا ما لم يُسدَّد له ثمنها قبل أن يقرر في أكتوبر 2022 الاستمرار في تزويدها بخدمة الاتصالات عبر ستارلنك دون مقابل.
في كتابه عن السيرة الذاتية لإيلون ماسك تطرق والتر ايزاكسون إلى تزايد قلق ماسك من دور ستارلنك في الحرب. (صدر الكتاب تحت عنوان «إيلون ماسك بقلم والتر ايزاكسون» في 12 سبتمبر الماضي - المترجم). فهو لم يكن راغبا في الاستجابة لطلب أوكرانيا بتقديم تغطية لعملياتها ضد القوات الروسية في القرم. أوضح ماسك ذلك لايزاكسون بقوله «لم يكن الهدف من ستارلنك المشاركة في الحروب. بل كان تمكين الناس من مشاهدة أفلام وبرامج نيتفليكس والترفيه وتلقي الدروس التعليمية عبر منصات الإنترنت وعمل أشياء سلمية وليس شن ضربات بالمسيرات».
ويبدو أن روسيا تبحث عن طرق جديدة تتحدى بها التفوق الفضائي للولايات المتحدة. لكن بالنظر إلى براعة المهندسين الأمريكيين في مساعدة الأصدقاء وتجنب الأعداء يمكن المراهنة بكل اطمئنان على أن دورة الضربات والضربات المضادة في الفضاء قد بدأت لتوِّها.
ديفيد اجنيشس روائي وصحفي يكتب عن الشؤون الخارجية لصحيفة واشنطن بوست
عن واشنطن بوست
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الأقمار الصناعیة فی الفضاء
إقرأ أيضاً:
سي إن إن تزعم وجود مكونات أمريكية في صواريخ كورية شمالية ضربت أوكرانيا
زعم تحقيق صحفي أجرته شبكة "سي إن إن" الأمريكية وجود مكونات أمريكية في الصواريخ الكورية الشمالية التي استخدمتها موسكو في ضرب أهداف في أوكرانيا هذا العام.
وقالت الشبكة إن المسؤولين الأوكرانيين سمحوا لها بالوصول إلى شظايا من حطام الأسلحة والصواريخ، والتي تظهر المدى الواضح للمكونات الأمريكية والأوروبية الصنع أو المصممة في أنظمة التوجيه الخاصة بهم في الصواريخ الكورية الشمالية.
وقامت "سي إن إن" بجولة حول أحد المستودعات حيث يقوم محققو الحكومة الأوكرانية بفحص الحطام بحثًا عن تفاصيل صغيرة تقدم أدلة حول إنتاج هذه الأسلحة.
وبحسب الشبكة الأمريكية فقد كان المستودع مليئا بالطائرات بدون طيار التالفة وأجزاء من الصواريخ المحترقة، وفي مبان مختلفة، تم فصل مئات الرقائق الدقيقة بعناية في مجلدات تحمل أسماء أسلحة مختلفة تستخدمها روسيا مثل "شاهد" و"إسكندر"، و"KN-23" الكوري الشمالي.
ونقلت الشبكة عن مسؤول في الاستخبارات الأوكرانية، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، قوله إن ما يصعّب تحقيقاتهم هو الأضرار التي لحقت بشظايا الصاروخ، لكن لا يزال من الممكن تحديد أن "الغالبية العظمى من المكونات هي مكونات غربية، ربما 70% منها أمريكي، من شركات معروفة ويستخدمون أيضًا مكونات مصنوعة في ألمانيا وسويسرا".
وخلص تقرير صدر في وقت سابق من هذا العام من قبل منظمة التحقيق في أسلحة الصراعات (CAR)، ومقرها المملكة المتحدة، إلى أن 75% من المكونات في أحد الصواريخ الكورية الشمالية الأولى المستخدمة لمهاجمة أوكرانيا كانت من شركات مقرها الولايات المتحدة.
وأطلقت روسيا حوالي 60 صاروخًا كوريًا شماليًا من طراز "KN-23" على أوكرانيا هذا العام، وفقًا لمسؤول دفاعي أوكراني.
وتعد هذه الصواريخ الأقل تطورا جزءا من الدعم المتزايد الذي تقدمه كوريا الشمالية لموسكو، والذي يشمل أيضا حوالي 11 ألف جندي كوري شمالي منتشرين في منطقة كورسك الروسية.