بولندا مهددة بالطغيان فلتنتبه أوروبا هذه المرة
تاريخ النشر: 18th, February 2024 GMT
يبدو أن في الحديث المذعور عن حرب عالمية ثالثة شيئا من المغالاة. غير أن الخطر المحدد الذي يمثله النظام الروسي الحاكم الساعي إلى تغيير النظام العالمي هو خطر حقيقي ومتزايد على شرق أوروبا. ومثلما حدث من قبل فإن بولندا على جبهة معركة من أجل أوكرانيا يمكن بسهولة أن يتسع نطاقها. وفي غمار السعي إلى تعزيز الدفاعات، يجب على المملكة المتحدة ودول حلف شمال الأطلنطي الأوروبية أن تقرر: أهذا هو عام 1920 أم عام 1939؟
لقد أنهت معركة وارسو ـ مثلما يعلم جميع البولنديين ـ قبل مائة وأربعة أعوام انتصار المارشال جوزيف بيوسودسكي الشهير على الجيش الأحمر الغازي فضمن ذلك للبلد استقلاله.
يبقى سبتمبر من عام 1939 في الذاكرة لأسباب مناقضة. ففي هذه المرة كان وحش شمولي آخر هو ألمانيا النازية يطرق الباب. ظن البولنديون أن فرنسا وبريطانيا سوف تهبان لإنقاذهم في حال تعرضهم للهجوم، لكن لما غزا هتلر، لم يتجسد رد عسسكري متحالف فعال. وسقطت بولندا أمام الفاشية. وترتبت على ذلك أهوال يقصر دونها الكلام. وبولندا تتذكر ذلك التاريخ المزدوج وإن نسيه الكثيرون في أوروبا، ووعت دروسه. فضاعفت من قواتها المسلحة في العقد الماضي. وسوف يكون أكبر جيش بري أوروبي في حلف شمال الأطلنطي مجهزا بأحدث الدبابات المقاتلة والصواريخ أمريكية الصنع. ومنذ غزو روسيا الذي يمر عليه عامان هذا الشهر، تقدم بولندا لأوكرانيا دعما كبيرا.
تتألف استراتيجية وارسو الأساسية من شقين: إقناع فلاديمير بوتين ـ رئيس روسيا العدواني ـ بأن المزيد من العدوان على جناح حلف شمال الأطلنطي الشرقي بما في ذلك العدوان على فنلندا، وإستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا لن يفلح، وإقناع شركاء أوروبا الغربية بأنهم أيضا لا بد أن يعجلوا بتحسين أدائهم.
ولئن لم يصادفها النجاح في غاياتها هذه، فسوف يحيق الخطر بثبات بولندا المثير للإعجاب بوصفها أمة واثقة في فترة ما بعد الحرب الباردة وبثبات «المعجزة» الاقتصادية التي شهدتها منذ الانضمام إلى حلف شمال الأطلنطي سنة 1999 وإلى الاتحاد الأوروبي سنة 2004. والتحدي الذي يواجهه الشعب البولندي قد يكون تحديا وجوديا. فثمة خوف من أن يتجدد عام 1939 مرة أخرى. وليست فكرة قيام بولندا بالمبادرة في أوروبا بالفكرة المألوفة، برغم أن ذلك كان العرف في القرنين السادس عشر والسابع عشر. فطاقة بولندا وأفكارها ـ التي كثيرا ما أسيء توجيهها في ظل حكم يميني متشدد سابق ـ قد كللت بالعار الساسة في برلين وباريس ولندن. وفي زيارة له إلى كييف الشهر الماضي، أصدر رئيس الوزراء البولندي المنتخب حديثا دونالد تاسك صيحة حشد جهيرة جريئة إذ قال: «ها هنا، في أوكرانيا، جبهة العالم بين الخير والشر».
وفي حين يقيم تاسك ـ رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي السابق ـ جسورا إلى بروكسل دمرها أسلافه المتشككون في أوروبا، فإن أوروبا تتلقى الرسالة. وفي اجتماعات عقدت الأسبوع الماضي، أحيا هو وقادة فرنسا وألمانيا ما يعرف بمثلث فيمار، وهو منصة للتعاون السياسي الدفاعي الأمني ذات تطبيقات أوروبية النزعة.
قال تاسك: «إنه ما من سبب يجعلنا أضعف من روسيا عسكريا على هذا النحو الواضح...وإن زيادة إنتاج السلاح وزيادة التعاون أولويتان لا غنى بأي حال عنهما». وأصر أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يكون «قوة عسكرية» قائمة بذاتها. ولا تخفى دلالة أن وارسو لم تعد تنبذ الأفكار الفرنسية بشأن الاستقلال الذاتي الاستراتيجي الأوروبي التي كانت تعد من قبل مضرة بحلف شمال الأطلنطي.
ويأتي الاندفاع البولندي إلى الوحدة والمزيد من التكامل وسط تعمق الخوف لدى أعضاء حلف شمال الأطلنطي الأوروبيين من انفكاك الولايات المتحدة في حال إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيسًا لها. ذلك أن ترامب كثيرا ما ينتقد حلف شمال الأطلنطي والاتحاد الأوروبي. ويهدد بـ«تشجيع» روسيا على مهاجمة دول أعضاء لا تروق له. فهو فيل الغرفة في مؤتمر ميونخ للأمن هذا الأسبوع.
تبقى التزامات واشنطن عبر الأطلنطية ثابتة في الوقت الراهن. وسوف تشارك بولندا في استضافة مناورات حلف شمال الأطلنطي في ربيع هذا العام، تحت عنوان «المدافع الصامد 2024» وهي كبرى المناورات منذ انهيار الاتحاد السوفييتي. فمن المقرر أن يشارك نحو تسعين ألف جندي في التدرب على تعزيزات أمريكية للجناح الشرقي لحلف شمال الأطلنطي في حالة وقوع هجوم روسي افتراضي. وتساعد مشاركة بولندا المبادرة أيضا في تحويل مركز ثقل الأمن الأوروبي نحو الشرق، مثلما اتضح من زيارتي وزير خارجية المملكة المتحدة ديفيد كاميرون الأسبوع الماضي إلى بولندا وبلغاريا. لكن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أدى إلى إضعاف النفوذ البريطاني بشكل خطير على خيارات أوروبا المقبلة.
في المقابل، فإن أصوات جيران بولندا المقربين مسموعة على نطاق أوسع. فقد أثارت إستونيا ضجة عندما توقعت نشوب صراع بين روسيا وحلف شمال الأطلنطي «في غضون السنوات العشر المقبلة» يتركز في جمهوريات البلطيق وفنلندا. والرئيس المنتخب الجديد في فنلندا، وهو ألكسندر ستاب، متشدد وحذر فيما يتعلق بروسيا.
فهل ستستجيب أوروبا لهذه التحذيرات القادمة من الحدود الشرقية بما فيها من صدى تاريخي؟ لا سبيل بعد إلى حل التوترات الهيكلية بين حلف شمال الأطلنطي ومفهوم الاتحاد الأوروبي الذي يعمل بالتوازي كتحالف عسكري منفصل ومكتمل. وتوسيع الاعتماد على الذات في مجال الأمن الأوروبي أمر مرغوب ومراوغ. ولكن الفضل يرجع إلى بوتين وترامب، ويا لهما من توأم رهيب، في أن الإنفاق الدفاعي على مستوى الاتحاد الأوروبي آخذ في الارتفاع بسرعة. وقد قال ينس ستولتنبرج، الأمين العام لحلف شمال الأطلنطي: إن ثماني عشرة دولة من أصل إحدى وثلاثين في حلف شمال الأطلنطي سوف تنفق 2% أو أكثر من إجمالي ناتجها المحلي على الدفاع هذا العام، وهي زيادة بمقدار ستة أمثال عن عام 2014 عندما قامت روسيا بضم شبه جزيرة القرم بشكل غير شرعي. أما الإنفاق في بولندا فيقترب من 4%.
تمثل القيادة السياسية نقطة الضعف في أوروبا، أكثر حتى من الموارد أو من ترامب نفسه. فـ«محرك» الاتحاد الأوروبي الفرنسي الألماني مختل. ويواجه الائتلاف قليل الشعبية في ألمانيا، بقيادة أولاف شولتز، تمردا من اليمين المتشدد مع اقتراب موعد الانتخابات الفيدرالية في العام المقبل. وفي فرنسا، تضاءلت كثيرا مكانة الرئيس إيمانويل ماكرون. وبريطانيا غائبة. والوقت ينفد. وقد لا يكون أمام أوروبا إلا أقل من عام «لتجميع جهودها»، مثلما قال مسؤول بولندي. وقد يؤدي وجود ترامب في البيت الأبيض من يناير 2025 إلى توجيه طعنة القرن الحادي والعشرين القاتلة في ظهر أوكرانيا، ويحطم التحالف العابر للأطلنطي، ويقدم للصديق بوتين فرصة لثأر تاريخي ملحمي من الانهيار السوفييتي عام 1991 الذي يلوم بوتين فيه الغرب.
وللنجاة من سيناريو مثل هذا، قد تحتاج أوروبا إلى «معجزة فيرتسولا» الخاصة بها على المستوى السياسي ـ على أن يكون النهر هذه المرة أنهار سبري والسين والتيبر والتيمز. ومن يدري؟ ربما يبرز تاسك البولندي، الذي ذبح ببطولة تنانين الرجعية في الداخل، بوصفه بيوسودسكي الجديد في أوروبا.
سيمون تيسدال معلق الشؤون الخارجية في صحيفة الأوبزيرفر
عن الجارديان البريطانية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی فی أوروبا
إقرأ أيضاً:
قطر تهدد بوقف صادرات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي بسبب قانون العمل والبيئة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أكد وزير الطاقة القطري، سعد الكعبي، في مقابلة مع صحيفة فاينانشال تايمز، أن بلاده قد تتوقف عن شحن الغاز إلى الاتحاد الأوروبي إذا فرضت الدول الأعضاء في الاتحاد قانونًا جديدًا يتعلق بالعمالة القسرية والأضرار البيئية.
ويأتي هذا التحذير في سياق قانون جديد تمت الموافقة عليه هذا العام في الاتحاد الأوروبي، والذي يفرض على الشركات الكبرى التأكد من أن سلاسل الإمداد الخاصة بها لا تستخدم العمالة القسرية أو تتسبب في أضرار بيئية.
وفي تعليقه على هذا القانون، أشار الكعبي إلى أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يعيد النظر في هذا التشريع بشكل شامل، مؤكدًا أن قطر لن تقبل بفرض غرامات كبيرة تصل إلى خمسة بالمئة من إجمالي الإيرادات العالمية للشركات إذا تبين أن سلاسل الإمداد تتعارض مع المعايير البيئية أو القانونية للاتحاد الأوروبي. وقال الكعبي: "إذا كان الأمر ينطوي على خسارة خمسة بالمئة من الإيرادات الناتجة عن البيع لأوروبا، فلن أبيع لأوروبا. أنا جاد في ذلك... هذه أموال الشعب القطري، ولا يمكنني أن أخسر مثل هذه الأموال".
وأوضح وزير الطاقة القطري، الذي يشغل أيضًا منصب الرئيس التنفيذي لشركة قطر للطاقة، أن هذا التشريع الجديد يشكل تهديدًا اقتصاديًا لدولة قطر، ويمثل خسارة غير مقبولة، مما يستدعي من الاتحاد الأوروبي إعادة النظر في تطبيقه.
يذكر أن قطر تعد من أكبر مصدري الغاز الطبيعي المسال في العالم، وتسعى لتعزيز دورها في أسواق الغاز الآسيوية والأوروبية، في وقت تتزايد فيه المنافسة من جانب الولايات المتحدة. وفي هذا الصدد، تخطط قطر لزيادة طاقتها الإنتاجية من الغاز المسال إلى 142 مليون طن سنويًا بحلول عام 2027، مقارنة بـ77 مليون طن حاليًا.