لجريدة عمان:
2024-11-08@06:56:55 GMT

بولندا مهددة بالطغيان فلتنتبه أوروبا هذه المرة

تاريخ النشر: 18th, February 2024 GMT

يبدو أن في الحديث المذعور عن حرب عالمية ثالثة شيئا من المغالاة. غير أن الخطر المحدد الذي يمثله النظام الروسي الحاكم الساعي إلى تغيير النظام العالمي هو خطر حقيقي ومتزايد على شرق أوروبا. ومثلما حدث من قبل فإن بولندا على جبهة معركة من أجل أوكرانيا يمكن بسهولة أن يتسع نطاقها. وفي غمار السعي إلى تعزيز الدفاعات، يجب على المملكة المتحدة ودول حلف شمال الأطلنطي الأوروبية أن تقرر: أهذا هو عام 1920 أم عام 1939؟

لقد أنهت معركة وارسو ـ مثلما يعلم جميع البولنديين ـ قبل مائة وأربعة أعوام انتصار المارشال جوزيف بيوسودسكي الشهير على الجيش الأحمر الغازي فضمن ذلك للبلد استقلاله.

لقد أطلقوا عليها «معجزة فيستولا» نسبة إلى النهر الذي يربط بين مدن بولندا الكبرى. ورثى فلاديمير لينين لـ«الهزيمة الهائلة» التي منيت بها المطامح البلشفية في أوروبا.

يبقى سبتمبر من عام 1939 في الذاكرة لأسباب مناقضة. ففي هذه المرة كان وحش شمولي آخر هو ألمانيا النازية يطرق الباب. ظن البولنديون أن فرنسا وبريطانيا سوف تهبان لإنقاذهم في حال تعرضهم للهجوم، لكن لما غزا هتلر، لم يتجسد رد عسسكري متحالف فعال. وسقطت بولندا أمام الفاشية. وترتبت على ذلك أهوال يقصر دونها الكلام. وبولندا تتذكر ذلك التاريخ المزدوج وإن نسيه الكثيرون في أوروبا، ووعت دروسه. فضاعفت من قواتها المسلحة في العقد الماضي. وسوف يكون أكبر جيش بري أوروبي في حلف شمال الأطلنطي مجهزا بأحدث الدبابات المقاتلة والصواريخ أمريكية الصنع. ومنذ غزو روسيا الذي يمر عليه عامان هذا الشهر، تقدم بولندا لأوكرانيا دعما كبيرا.

تتألف استراتيجية وارسو الأساسية من شقين: إقناع فلاديمير بوتين ـ رئيس روسيا العدواني ـ بأن المزيد من العدوان على جناح حلف شمال الأطلنطي الشرقي بما في ذلك العدوان على فنلندا، وإستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا لن يفلح، وإقناع شركاء أوروبا الغربية بأنهم أيضا لا بد أن يعجلوا بتحسين أدائهم.

ولئن لم يصادفها النجاح في غاياتها هذه، فسوف يحيق الخطر بثبات بولندا المثير للإعجاب بوصفها أمة واثقة في فترة ما بعد الحرب الباردة وبثبات «المعجزة» الاقتصادية التي شهدتها منذ الانضمام إلى حلف شمال الأطلنطي سنة 1999 وإلى الاتحاد الأوروبي سنة 2004. والتحدي الذي يواجهه الشعب البولندي قد يكون تحديا وجوديا. فثمة خوف من أن يتجدد عام 1939 مرة أخرى. وليست فكرة قيام بولندا بالمبادرة في أوروبا بالفكرة المألوفة، برغم أن ذلك كان العرف في القرنين السادس عشر والسابع عشر. فطاقة بولندا وأفكارها ـ التي كثيرا ما أسيء توجيهها في ظل حكم يميني متشدد سابق ـ قد كللت بالعار الساسة في برلين وباريس ولندن. وفي زيارة له إلى كييف الشهر الماضي، أصدر رئيس الوزراء البولندي المنتخب حديثا دونالد تاسك صيحة حشد جهيرة جريئة إذ قال: «ها هنا، في أوكرانيا، جبهة العالم بين الخير والشر».

وفي حين يقيم تاسك ـ رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي السابق ـ جسورا إلى بروكسل دمرها أسلافه المتشككون في أوروبا، فإن أوروبا تتلقى الرسالة. وفي اجتماعات عقدت الأسبوع الماضي، أحيا هو وقادة فرنسا وألمانيا ما يعرف بمثلث فيمار، وهو منصة للتعاون السياسي الدفاعي الأمني ذات تطبيقات أوروبية النزعة.

قال تاسك: «إنه ما من سبب يجعلنا أضعف من روسيا عسكريا على هذا النحو الواضح...وإن زيادة إنتاج السلاح وزيادة التعاون أولويتان لا غنى بأي حال عنهما». وأصر أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يكون «قوة عسكرية» قائمة بذاتها. ولا تخفى دلالة أن وارسو لم تعد تنبذ الأفكار الفرنسية بشأن الاستقلال الذاتي الاستراتيجي الأوروبي التي كانت تعد من قبل مضرة بحلف شمال الأطلنطي.

ويأتي الاندفاع البولندي إلى الوحدة والمزيد من التكامل وسط تعمق الخوف لدى أعضاء حلف شمال الأطلنطي الأوروبيين من انفكاك الولايات المتحدة في حال إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيسًا لها. ذلك أن ترامب كثيرا ما ينتقد حلف شمال الأطلنطي والاتحاد الأوروبي. ويهدد بـ«تشجيع» روسيا على مهاجمة دول أعضاء لا تروق له. فهو فيل الغرفة في مؤتمر ميونخ للأمن هذا الأسبوع.

تبقى التزامات واشنطن عبر الأطلنطية ثابتة في الوقت الراهن. وسوف تشارك بولندا في استضافة مناورات حلف شمال الأطلنطي في ربيع هذا العام، تحت عنوان «المدافع الصامد 2024» وهي كبرى المناورات منذ انهيار الاتحاد السوفييتي. فمن المقرر أن يشارك نحو تسعين ألف جندي في التدرب على تعزيزات أمريكية للجناح الشرقي لحلف شمال الأطلنطي في حالة وقوع هجوم روسي افتراضي. وتساعد مشاركة بولندا المبادرة أيضا في تحويل مركز ثقل الأمن الأوروبي نحو الشرق، مثلما اتضح من زيارتي وزير خارجية المملكة المتحدة ديفيد كاميرون الأسبوع الماضي إلى بولندا وبلغاريا. لكن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أدى إلى إضعاف النفوذ البريطاني بشكل خطير على خيارات أوروبا المقبلة.

في المقابل، فإن أصوات جيران بولندا المقربين مسموعة على نطاق أوسع. فقد أثارت إستونيا ضجة عندما توقعت نشوب صراع بين روسيا وحلف شمال الأطلنطي «في غضون السنوات العشر المقبلة» يتركز في جمهوريات البلطيق وفنلندا. والرئيس المنتخب الجديد في فنلندا، وهو ألكسندر ستاب، متشدد وحذر فيما يتعلق بروسيا.

فهل ستستجيب أوروبا لهذه التحذيرات القادمة من الحدود الشرقية بما فيها من صدى تاريخي؟ لا سبيل بعد إلى حل التوترات الهيكلية بين حلف شمال الأطلنطي ومفهوم الاتحاد الأوروبي الذي يعمل بالتوازي كتحالف عسكري منفصل ومكتمل. وتوسيع الاعتماد على الذات في مجال الأمن الأوروبي أمر مرغوب ومراوغ. ولكن الفضل يرجع إلى بوتين وترامب، ويا لهما من توأم رهيب، في أن الإنفاق الدفاعي على مستوى الاتحاد الأوروبي آخذ في الارتفاع بسرعة. وقد قال ينس ستولتنبرج، الأمين العام لحلف شمال الأطلنطي: إن ثماني عشرة دولة من أصل إحدى وثلاثين في حلف شمال الأطلنطي سوف تنفق 2% أو أكثر من إجمالي ناتجها المحلي على الدفاع هذا العام، وهي زيادة بمقدار ستة أمثال عن عام 2014 عندما قامت روسيا بضم شبه جزيرة القرم بشكل غير شرعي. أما الإنفاق في بولندا فيقترب من 4%.

تمثل القيادة السياسية نقطة الضعف في أوروبا، أكثر حتى من الموارد أو من ترامب نفسه. فـ«محرك» الاتحاد الأوروبي الفرنسي الألماني مختل. ويواجه الائتلاف قليل الشعبية في ألمانيا، بقيادة أولاف شولتز، تمردا من اليمين المتشدد مع اقتراب موعد الانتخابات الفيدرالية في العام المقبل. وفي فرنسا، تضاءلت كثيرا مكانة الرئيس إيمانويل ماكرون. وبريطانيا غائبة. والوقت ينفد. وقد لا يكون أمام أوروبا إلا أقل من عام «لتجميع جهودها»، مثلما قال مسؤول بولندي. وقد يؤدي وجود ترامب في البيت الأبيض من يناير 2025 إلى توجيه طعنة القرن الحادي والعشرين القاتلة في ظهر أوكرانيا، ويحطم التحالف العابر للأطلنطي، ويقدم للصديق بوتين فرصة لثأر تاريخي ملحمي من الانهيار السوفييتي عام 1991 الذي يلوم بوتين فيه الغرب.

وللنجاة من سيناريو مثل هذا، قد تحتاج أوروبا إلى «معجزة فيرتسولا» الخاصة بها على المستوى السياسي ـ على أن يكون النهر هذه المرة أنهار سبري والسين والتيبر والتيمز. ومن يدري؟ ربما يبرز تاسك البولندي، الذي ذبح ببطولة تنانين الرجعية في الداخل، بوصفه بيوسودسكي الجديد في أوروبا.

سيمون تيسدال معلق الشؤون الخارجية في صحيفة الأوبزيرفر

عن الجارديان البريطانية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی فی أوروبا

إقرأ أيضاً:

سلطنة عُمان تبحث تعزيز الصادرات السمكية إلى الاتحاد الأوروبي

العُمانية: بحث وفد من المختصين من وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه مع نظرائهم من المفوضية الأوروبية في اجتماع عُقد اليوم بالعاصمة البلجيكية بروكسل، إجراءات تسجيل شركات الاستزراع السمكي بين الجانبين. وناقش الجانبان استيفاء المنتجات السمكية المستزرعة العمانية لمتطلبات التصدير إلى دول الاتحاد الأوروبي، إلى جانب التعرفة الجمركية على المنتجات السمكية العمانية.

تطرق الاجتماع إلى الحديث حول آلية استخدام منصة «Traces» الأوروبية، التي تُسهّل إصدار الشهادات الصحية البيطرية الإلكترونية لدول الاتحاد.

تأتي هذه الاجتماعات ضمن سلسلة من الخطوات التي تتخذها الوزارة لتسهيل تصدير منتجات المصانع والمزارع السمكية، ورفع مستوى مكانتها في الأسواق العالمية.

مقالات مشابهة

  • ما الذي يمكن أن تقدمه القوات المصرية في الصومال؟
  • مكتب الاتحاد الأوروبي يثني على انتخابات كوردستان: كانت ناجحة ومنظمة
  • الاتحاد الأوروبي: انتخاب ترامب سيكون له تأثير كبير على أوضاع الشرق الأوسط
  • سلطنة عُمان تبحث تعزيز الصادرات السمكية إلى الاتحاد الأوروبي
  • الاتحاد الأوروبي يؤكد تطلعه إلى العمل مع ترامب
  • أوربان: سياسة الاتحاد الأوروبي تعتمد على نتائج الانتخابات الأمريكية
  • ترامب يحب أوروبا لكن لا أحد يحب الاتحاد الأوروبي.. فاراج يساند "صديقه" ويظهر وسط الحضور في بنسلفانيا
  • اللواء عثمان استقبل سفيرة الاتحاد الأوروبي مع وفد
  • «المنفي» يستقبل سفير الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا
  • الاتحاد الأوروبي يؤشر ثغرة بقانون التقاعد والضمان الاجتماعي العراقي يقصي مستفيدين