السيد بدر بن حمد: التحدث مع الجميع لمصلحة الجميع
تاريخ النشر: 18th, February 2024 GMT
جاءت محاضرة معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية في مركز «أكسفورد» للدراسات الإسلامية بالمملكة المتحدة، يوم الجمعة السادس عشر من فبراير 2024، في وقتها تمامًا، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وهي القضية التي تشغل العالم الآن، فيما يتعرّض أهل غزة للإبادة الجماعية ومحاولة التهجير الأبدي بهدف تصفية القضية نهائيًّا.
كانت المحاضرة شاملة، تناولت نقاطًا عديدة، واستمرت لمدة ساعة ونصف، بعنوان «التحدث مع الجميع من أجل مصلحة الجميع: الدبلوماسية في عالم متعدد الأقطاب»، وأركّز في مقالي هذا على ما جاء فيها عن القضية الفلسطينية، التي تناولها باستفاضة، وركّز على التطورات التاريخية والعقبات التي تعترض طريق التوصل إلى تسوية شاملة تُبنى على حلِّ الدولتين، مع «ضرورة الإسراع في إيجاد حلٍّ دائم يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة، بهدف إنقاذ الشعب الفلسطيني من معاناة العوز والإبادة والمأساة الإنسانية التي يواجهها يوميًّا»، ولتحقيق ذلك شدَّد الوزير على أهمية عقد مؤتمر دولي عاجل، يجمع الأطراف الدولية للتوصل إلى اتفاقيات تنفيذية تضمن تحقيق حلٍّ سريع وفعال.
كان السيد بدر صريحًا عندما تحدث - دون مواربة - عن حركة حماس كأحد المكونات الفلسطينية الأصيلة، حيث قال: «لا يمكن القضاء على حركة حماس. لذلك، إذا كان للسلام أن يتحقق يومًّا ما، فسوف ينبغي على صانعيه إيجاد طريقة للتحدث معهم والاستماع إليهم أيضًا» وهو كلامٌ يُحسب للدبلوماسية العُمانية؛ ففي الوقت الذي يباد فيه أهل غزة، هناك من يتحدث عن مستقبل القطاع ما بعد الحرب، وأبدى أكثر من طرف استعداده لتحمل مسؤولية القطاع. ربما كان محمد دحلان المستشار السابق لرئيس السلطة الفلسطينية أكثر وضوحًا، عندما قدّم - خلال حوار مع صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية - رؤية عامة حول خطط ما بعد الحرب في غزة، والتي يجرى مناقشتها «سرًّا»؛ فحسب قوله: إنّ الخطوط العريضة للخطة «تقوم بموجبها إسرائيل وحماس بتسليم السلطة إلى زعيم فلسطيني جديد ومستقل، يمكنه إعادة بناء غزة تحت حماية قوة حفظ سلام عربية»، (ولعله يشير إلى نفسه كزعيم جديد محتمل)، والغريب أن يتم مناقشة مستقبل القطاع بعيدًا عن أهله، وألا يكون لهم رأيٌ؛ فقد ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أنّ مسؤولين من ست دول عربية اجتمعوا في السعودية، الأسبوع الماضي؛ لمناقشة مستقبل غزة والحاجة إلى وقف إطلاق النار، وفقًا لمسؤولَيْن فلسطينييْن تحدثَا بشرط عدم الكشف عن هويتهما.
وإذا كان السيد بدر بن حمد يرى أنه لا يمكن القضاء على حركة حماس، فإنّ ذلك ما تراه أيضًا شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية «أمان»، التي استبعدت القضاء على الحركة، معتبرةً «أنه حتى لو نجح الجيش بهزيمتها، كنظام حاكم في قطاع غزة، فإنها ستبقى كمنظمة مسلحة»، وهذا الرأي لا يتفق مع الأهداف الإسرائيلية المعلنة من الحرب على غزة، وهي إسقاط حكم حماس في القطاع، والقضاء على قدراتها العسكرية، وإعادة الأسرى الإسرائيليين من غزة، والتأكد من وجود «إدارة في غزة لا تشكّل تهديدًا لإسرائيل»، وحتى هذه اللحظة لم تحقق أيًّا من هذه الأهداف، رغم دخول الحرب شهرها الخامس، وإنما نجح الكيان فقط في إزهاق أرواح الأبرياء، معظمهم من الأطفال والنساء، فضلًا عن كارثة إنسانية غير مسبوقة، ودمار هائل بالبنية الأساسية.
ومن النقاط التي أراها مهمة في محاضرة وزير الخارجية، تأكيده أنّ «إنشاء دولة فلسطينية هو ضرورة وجودية. وبدون دولة، فإنه يُحكم على الفلسطينيين التهديد الدائم بالعوز والإبادة والموت»، ورؤيته أنّ هذه الدولة «ستسمح لنا برؤية أنفسنا إلى جانب دولة إسرائيلية، كأشخاص ذوي هويات اجتماعية وثقافية معقدة، بدلا من الهويات المحددة في الغالب على أساس الانتماءات الدينية. وبعبارة أخرى، يمكننا العودة إلى الطريق المفعم بالأمل للنهضة العربية، ويمكن أن تكون القدس أحد أوطانها». وكذلك أعجبني عدم اكتفائه باقتراح إقامة مؤتمر دولي عاجل، مهمته الاتفاق على الترتيبات اللازمة لإقامة دولة فلسطينية ووضع الآليات لتنفيذها، وإنما تشديده أيضًا أنّ حضور حماس لهذا المؤتمر سيكون من أسباب نجاحه، بل ليس حماس فقط، وإنما على المؤتمر أن يشمل حضور كافة مكونات المجتمع الفلسطيني، وأن يكون انعقاده «بحضور قادة مجموعة من البلدان التي تمثل الأغلبية العالمية بصورة صحيحة».
أما حديث الوزير عن أهمية إلغاء حق النقض (الفيتو) من مجلس الأمن، فهو - من وجهة نظري - أهم اقتراح في هذه المحاضرة، ذلك أنّ التصويت في الوقت الحالي - وكما أوضح معاليه - «يكون وفقًا للحسابات السياسية من خمسة أطراف، لديهم سلطة منع القرار حتى لو كان بالإجماع»، وهو محقٌّ فيما ذهب إليه عن أهمية إصلاح المؤسسات الدولية القائمة على إدارة العلاقات الدولية، بحيث تكون تلك المؤسسات مناسبة لأحداث اليوم، بدلًا من التركيز على إيجاد حلول لمشاكل الأمس. بل إنَّ اقتراحه بدء هذه العملية «الآن، من خلال اتخاذ إجراء جماعي عاجل لإقامة دولة فلسطينية، واتخاذ خطوات عملية لضمان تحقيق حقِّ الشعب الفلسطيني في تقرير المصير» هو عين الصواب.
لا غبار على الموقف العماني المشرِّف، سواء من القضية الفلسطينية أم من الوضع في اليمن؛ فهو موقف ثابت نابع من السياسة العمانية الثابتة، التي أبعدت البلد عن المهاترات السياسية الصبيانية، وجعلت عُمان على علاقة جيدة مع كلّ الأطراف في المنطقة، ممّا أهّلها أن تكون وسيطًا مقبولًا من الجميع.
وقد اعتدنا أنَّ ما تؤمن به عُمان تعلنه جهرًا، وهذا ما جسّده معالي وزير الخارجية في هذه المحاضرة؛ ففي الوقت الذي يتسابق فيه بعض العرب على اعتبار حركة حماس حركة إرهابية، كان معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي يعلن أمام الملأ - خلال لقائه عددا من الصحفيين الأوروبيين - أنّ حماس هي «حركة مقاومة» وليست منظمة إرهابية. وفي التصريح دعا الوزير إلى حل الدولتين - فلسطين وإسرائيل - لإنهاء الوضع الذي بدأ قبل خمسة وسبعين عامًا وليس في السابع من أكتوبر، وشدد على أننا «لا نؤمن ولا نؤيِّد الحل العسكري»، مؤكدًا أهمية أن تتوقف الحرب الآن؛ لأنّ الوضع كارثي، ولأنّ «الوضع المعقد» يمكن أن يصبح «أكثر تعقيدًا».
ولا يمكن أن نغفل بيان وزارة الخارجية العمانية في وقت سابق، الذي اعتبر أنّ «استمرار التصعيد الخطير، وسياسة العقاب الجماعي والانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، الذي تمارسه قوات الاحتلال الإسرائيلي في حربها الغاشمة على قطاع غزة، تعتبر جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية». كما أننا لا يمكن أن نغفل تأكيد سلطنة عُمان على إيمانها بأنّ الحوثيين في اليمن مُكوَّنٌ أساسيٌّ من مكونات الشعب اليمني، فلا يمكن أن يكون هناك أيّ حل دونهم.
لقد خاطب معالي الوزير الحضورَ باللغة التي يفهمونها، وكانت الرسالة العمانية واضحة لا لبس فيها، عن تأييد عُمان للأشقاء في فلسطين وحقهم في إقامة دولتهم المستقلة، وأنه لا يمكن بأيِّ حال من الأحوال، اعتبار أصحاب الحق الذين يدافعون عن أنفسهم وحقهم في الوجود إرهابيين.
زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم بالشأن العربي ومؤلّف كتاب «الطريق إلى القدس»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: السید بدر بن حمد دولة فلسطینیة حرکة حماس لا یمکن یمکن أن
إقرأ أيضاً:
وزير الخارجية يلتقي ممثل حركة المقاومة الإسلامية حماس بصنعاء
الثورة نت|
التقى وزير الخارجية والمغتربين جمال أحمد عامر، اليوم بممثل حركة المقاومة الإسلامية “حماس” بصنعاء معاذ أبو شمالة.
جرى خلال اللقاء استعراض حرب الإبادة التي يرتكبها الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
وفي اللقاء أشار الوزير عامر، إلى أن صمود المقاومة الفلسطينية في غزة أمام الغطرسة الصهيونية المدعومة أمريكيًا يؤكد صوابية خيار المواجهة.
وشدد على ثبات موقف صنعاء، المتعاضد قيادةً وحكومة وشعباً في مساندة خيار المقاومة المجاهدة في قطاع غزة.
وقال وزير الخارجية والمغتربين “إن الحرب أصبحت دينية وصراع وجود يقتضي من كافة الأنظمة العربية والإسلامية وشعوبها كافة وقفة جادة وعملية لوقف تجريف الشعب الفلسطيني من أرضه عبر إبادته ومحاولة تهجيره”.
بدوره استعرض ممثل حركة المقاومة الإسلامية “حماس” بصنعاء، مستجدات المحادثات الجارية بين حركتي حماس وفتح الهادفة إلى توحيد الجهود والصف الوطني في ظل استمرار العدوان الهمجي غير المسبوق الذي طال كلّ شيء في غزة.
وأعرب عن تقدير حماس وكل الشعب الفلسطيني للموقف النبيل والإنساني المبدئي لقائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، في دعم القضية الفلسطينية قولاً وعملا.
وأشار أبو شمالة إلى الموقف اليمني الفاعل والمتصدر في دعم غزة ومجاهديها ضد التوغل الإسرائيلي وهو الموقف الذي سيسجل ناصعا في تاريخ مواجهة العدو الصهيوني.