ترجمة: أحمد بن عبدالله الكلباني -

إن الطائرات الحربية التي تعمل عن بعد، والطائرات بدون طيار «الدرون» كانت محورية في الحرب الأوكرانية، ويؤكد عددٌ من المحللين أن تلك الطائرات قد غيَّرت من شكل الحروب، وهي ذات تأثير، ليس على المستوى التكتيكي فحسب، بل كذلك كان لها نتائج على المستوى العملياتي في تشكيل الحرب.

ولا بد من التفصيل بين مستويات الحروب، فـ «المستوى التكتيكي للحرب» هي تلك الإجراءات المتخذة في ساحة المعركة، ومثال ذلك الدوريات والغارات، أما «المستوى العملياتي للحرب» فهو مجموعة من الإجراءات العسكرية التكتيكية بهدف تحقيق غايات عسكرية بشكل أشمل كتدمير الخلايا العسكرية للخصوم، أما «المستوى الاستراتيجي للحرب» فهو طريقة اندماج الأهداف العسكرية المشتركة بهدف حماية الأهداف السياسية الرامية إلى إنهاء الحرب.

والسؤال، ما الذي حققته «الطائرات بدون طيار» في الحرب الأوكرانية الروسية على هذه المستويات الثلاثة؟

هناك أدلة تتزايد، ومنها دراستي التحليلية كوني باحثا عسكريا أدرس «حرب الطائرات بدون طيار»، تشير إلى أن هذه الطائرات قد حققت فعلا بعض النجاحات على المستويين «التكتيكي» و «العملياتي»، وهذا لكلا الجانبين الأوكراني والروسي.

ورغم هذه النجاحات إلى أن الطائرات بدون طيار لا تؤتي أهدافها على مستوى «الاستراتيجي»، فعلى الرغم من نجاحات تلك الطائرات من الجانب الأوكراني إلا أنها لم تتمكن من طرد روسيا من منطقة «دونباس»، وفي الجانب المقابل لم تستطع روسيا كسر إرادة المقاومة الأوكرانية.

الدرون بأوكرانيا

في أوكرنيا تحديدا تتطور حرب «الطائرات بدون طيار» المعروفة بـ «الدرون» بطريقة قد تختلف عن استخدامات أية دولة أخرى، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك من عدة نواحٍ.

أولا، في الغالب تستخدم الولايات المتحدة الطائرات بدون طيار في مناطق الصراع التي لا تعترف بها الأمم المتحدة، أو المناطق التي لا يوجد بها قواعد عسكرية أمريكية وقواتها على الأرض، وبشكل مختلف عما يحدث في حرب أوكرانيا وروسيا، فكلا البلدين يستخدمان الطائرات بدون طيار في حربٍ معترفٍ بها دوليا.

أما ثانيا، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تقوم بتشغيل الطائرات بدون طيار ذات أسلحة ومتصلة بشبكات الإنترنت، ومثال ذلك طائرات «ربير»، وهي الطائرة بدون طيار الأكثر تطورا على مستوى العالم، أما في أوكرانيا وروسيا فإن الطائرات المستخدمة متوسطة أو ضعيفة المستوى.

ويتكون أسطول «الدرون» في أوكرانيا من طائرات رخيصة الثمن ويمكن أن يُضاف عليها أسلحة، وهي صينية الصنع من شركة «دي جي آي»، كما تستخدم أوكرانيا طائرات تركية الصنع مثل «تي بي 2 بايراكتار»، وهي الأشبه بـ «تويوتا كورولا» مقارنة بعالم السيارات.

وبحسب «المعهد الملكي للخدمات المتحدة» التابع لأبحاث الدفاع والأمن في المملكة المتحدة، فإن أوكرانيا تخسر ما يصل إلى 10 آلاف طائرة بدون طيار بشكل شهري، وخلال عام سيكون لدى أوكرانيا طائرات درون أكثر من عدد جنودها، وذلك يعني أنه سيكون لديها أكثر من مليوني طائرة درون، ولإدارة هذا الكم الكبير من الدرون، قامت أوكرانيا بتأسيس قوة جديدة من القوات المسلحة أطلقت عليها «قوات الأنظمة غير المأهولة».

وبدورها قامت روسيا باستيراد طائرات بدون طيار إيرانية الصنع اسمها «شاهد – 136»، إضافة إلى زيادة انتاجها المحلي من الدرون، مثل طرازات «أوريون – 10» التي تستخدم لغرض المراقبة، وطرازات «لانسيت» المستخدمة في الهجوم.

وتقرر روسيا مع حلول عام 2025 أن تصنع ما لا يقل عن 6000 طائرة درون أشباه الطائرات الإيرانية «شاهد – 136»، من خلال مصنع جديد يبلغ اتساعه قرابة 14 ملعب كرة قدم، أم ما يقارب ميل مربع، إضافة إلى 100 ألف طائرة درون تشتريها روسيا شهريا من النوع منخفض التكلفة.

ونعود إلى الفروقات بين الولايات المتحدة من جانب ومن جانب آخر أوكرانيا وروسيا، ونستأنف المقارنة الثالثة، أن الولايات المتحدة تستخدم الدورن لضرب ما تراه «هدفا عالي القيمة»، بما في ذلك القيادات الكبيرة في ما تعتبره منظمات إرهابية، بينما تستخدمان أوكرانيا وروسيا الطائرات لمجموعة أهداف منها التكتيكية والعملياتية والاستراتيجية.

في الغالب يتعمد المحللون أن يخلطوا بين الأهداف الثلاثة «التكتيكية» و«العملياتية» و«الاستراتيجية»، لكي يبرروا الادعاءات بأن الطائرات بدون طيار تعيد رسم أشكال الحروب، وبمستويات مختلفة بين منطقة وأخرى.

تأثيرات تكتيكية

للطائرات بدون طيار تأثير كبير على «المستوى التكتيكي» للحرب، وشكل استخدامها ميزة عالمية للحرب الأوكرانية الروسية.

وعرف الكثير أن قسم الاستطلاع الجوي الأوكراني «أيروروزفيدكا» قد استخدمت طائرات الدورن لاعتراض ومنع قافلة روسية كبيرة كانت تنتقل من «تشرنوبيل» إلى «كييف» بعد حوالي شهر من الغزو الروسي وذلك في 24 فبراير 2022، لقد قامت بالفعل بتدمير الشاحنات البطيئة التي كانت تسير وراء بعضها لمسافة 50 ميلا، الأمر الذي أدى بروسيا للتراجع حينها.

كذلك اعتمد الجيشان الروسي والأوكراني على طائرات درون منخفضة المستوى بهدف نقل الرؤية المباشرة، منها طائرات «سويتش بليد» الأمريكية، وطائرات «لانسيت» الروسية، بهدف تسهيل الهجوم على الدبابات والمدرعات وناقلات الجنود، وكلا الجيشين يقومان باستخدام طائرات أرخص لأغراض عديدة أخرى.

إن القمع –بمعنى منع قوة معارضة من تنفيذ مهمتها مؤقتًا- هو دور أصيل تقوم به «المدفعية»، مثلا، يمكن للهجوم الناري القمعي أن يجبر قوة برية على التراجع أو الاحتماء في خنادق أو المخابئ، وهذا الهجوم القمعي يمنع القوة من التقدم في الأراضي المفتوحة.

وبناء على استخدام الدرون في كلا البلدين، فقد ابتكرت كل من روسيا وأوكرانيا طرقًا عديدة لمواجهة الطائرات بدون طيار، فروسيا استخدمت قدراتها في التشويش على الطائرات الأوكرانية بطريقة فعالة جدا تشتت المشغلين الأوكرانيين، كما تقوم روسيا بانتحال إشارات التوجيه وتبث أوامر كاذبة تُربك الطائرات الأوكرانية، وقد تتحطم، ويقوم المشتغلون الأوكرانيون على توجيه طائراتهم بدون طيار بمحاولات للتغلب على التشويش الروسي، وذلك من خلال توجيه الطائرات عن طريق البصمة التضاريسية، ولو كان ذلك تراجعا للوراء مقارنة بالتوجيه بالأقمار الاصطناعية.

قيود عملياتية

من الناحية العملياتية، كانت طائرات الدورن تحقق نجاحًا أقل مما تحققه في المستوى التكتيكي، والمستوى العملياتي هو دمج مجموعة العمليات العسكرية لتحقيق أهداف موسعة من الحرب كما أشرنا.

في عام 2022 بالربيع، قامت أوكرانيا باستخدام «تي بي 2 بايراكتار» إلى جانب معدات أخرى لإغراق السفينة الروسية «موسكفا» في البحر الأسود، ومنذ حينها وتتواصل الادعاءات الأوكرانية بأنهم دمروا 15 سفينة روسية والإضرار بـ 12 سفينة أخرى.

إلى جانب الطائرات فقد استخدمت أوكرانيا كذلك «سفينة الدرون» -السفن غير المأهولة- من أجل تدمير جسر «كيرتش» الذي يربط شبه جزيرة القرم بالأراضي الروسية، إلى جانب الهجوم على مستودعات الوقود في بحر البلطيق وقرب سانت بطرسبرج.

كان هذا الأمر مثيرًا، فقد كانت هذه الأدوات سببًا في تعطيل روسيا في استخدامها للبحر الأسود، حيث كانت تريد محاصرة شحنات الحبوب الأوكرانية، وإطلاق صواريخها على أوكرانيا، وكذلك إمداد جنودها بالمؤونة والسلاح.

ومشكلة أوكرانيا أنها متواضعة في المجال الجوي التقليدي، الأمر الذي أدى بها إلى استخدامها للدرون لتنفيذ مهامها العسكرية.

وما يدلل على أن أوكرانيا متراجعة في المجل الجوي، ما حدث من مبادرة الدنمارك وهولندا، حيث قررتا تزويد أوكرانيا بطائرات «إف 16» جديدة، لكن تلك الطائرات لم تصل، كما تشير دراستي التي أقوم بها إلى أن الولايات المتحدة لن تقوم ببيع طائراتها الحربية القديمة التي تعمل عن بعد لأوكرانيا؛ لأن تلك الطائرات معرضة للخطر الروسي بكل تأكيد.

إن ضعف الإمكانيات الجوية التقليدية يفاقم التحديات التكتيكية الأوكرانية، بالمقابل فإن الدرون نجحت في كبح حرية روسيا في المناورة.

الأسطورة الاستراتيجية

رغم التفوق التكتيكي للدرون، والنجاحات على المستوى العملياتي، إلا أن في المستوى الاستراتيجي لم تؤت الدرون ثمارها.

فالطائرات بدون طيار لم تشكل التقدم لأوكرنيا مطلقا، وليس ذلك أمرا مرجحا حتى، ولم تحرك الدرون عزيمة روسيا وإصرارها في مواصلة الحرب، والحرب لم تنته، أي لم تحقق النتائج الاستراتيجية.

إن من استخدامات الدرون في كل من روسيا وأوكرانيا هو ترويع مواطني كلا البلدين، إضافة إلى كونها عاملا مهم في الحرب الإعلامية لتقوية عزيمة المواطنين في كل بلد، ويرى قادة كلا البلدين أن الدورن توفر لهم ميزة، وهو ما يشجع الاستثمار فيما يمكن أن أُسميه «عبادة الدرون».

إن الدرس المستفاد بالنسبة من الجانب الأوكراني، أن الطائرات بدون طيار «الدرون» التي تستخدمها لها فوائد ونجاحات في المتسويين «التكتيكي» و«العملياتي»، إلا أنها غير فعالة من الناحية «الاستراتيجية»، فهي ليست كالرصاصة السحرية القادرة على تغيير مصير الأمم.

إن استخدام الدرون لا يعني القضاء على المناورات المسلحة المشتركة التي مورست عبر الزمن، لا بد من اندماج الأفراد والأسلحة والأنظمة في مكان محدد ووقت واحد لتحقيق الأهداف ضد الخصم.

عندما جمعنا الأدلة والمعطيات من الحرب الروسية الأوكرانية تم الكشف عن نقاط الضعف التي تستغلها الجيوش في حروبها، بالاستعانة بالحلفاء والشركاء.

فقط عندما يكون هناك دمج للأفراد والأسلحة والأنظمة في المكان والوقت المحددين بالتعاون مع الشركاء ستتحقق الأهداف العسكرية التي تؤمن النتائج السياسية «الاستراتيجية» مثل التوصل إلى تسوية وإنهاء الحرب بالمفاوضات.

بول لوشينكو أستاذ مساعد في الكلية الحربية للجيش الأمريكي

نقلا عن آسيا تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الطائرات بدون طیار الولایات المتحدة طائرات بدون طیار أوکرانیا وروسیا تلک الطائرات

إقرأ أيضاً:

لقطات لطائرة بدون طيار نشرها الجيش الأمريكي تظهر احتراق ناقلة النفط سونيون في البحر الأحمر

بث الجيش الأمريكي لقطات جديدة التقطتها طائرة بدون طيار تظهر ناقلة النفط التي تحمل العلم اليوناني "سونيون".

 

وتظهر اللقطات السفينة وهي تحترق في البحر الأحمر بعد هجوم شنه المتمردون الحوثيون في اليمن.

 

وتعرضت الناقلة "سونيون التي تحمل نحو 150 ألف طن من النفط الخام لأضرار خلال هجوم في 21 أغسطس.

 

 

وعقب الهجوم، نجحت عملية إنقاذ في إجلاء الطاقم إلى جيبوتي. ورغم أن جماعة الحوثي وافقت في البداية على السماح بإنقاذ الناقلة وسحبها، إلا أن المسؤول اليمني اتهمهم بتأخير وصول الفرق الفنية اللازمة لإدارة التسرب وسحب السفينة إلى بر الأمان.

 

والجمعة كشف مسؤول بحري يمني عن تسرب نفطي طفيف من الناقلة اليونانية "إم في سونيون" التي هاجمتها جماعة الحوثيين في البحر الأحمر قبل أسبوعين، مشيرا إلى أن التسرب تم رصده بالقرب من مؤخرة السفينة.

 

وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها البعثة البحرية التابعة للاتحاد الأوروبي "أسبايدس" لحماية القاطرات التي تساعد في عملية الإنقاذ، فقد اعتبرت الشركات الخاصة المشاركة في العملية أن الوضع خطير للغاية بحيث لا يمكن المضي قدمًا في عملية السحب.

 

والثلاثاء الماضي أعلنت "أسبايدس" أنها أوقفت جهود الإنقاذ وتعمل على حلول بديلة لمنع كارثة بيئية محتملة.

 


مقالات مشابهة

  • محلل سياسي: روسيا روّجت لمعلومات مغلوطة حول الحرب ضد أوكرانيا
  • أكاديميون وطلبة يؤكدون أهمية إقامة دورات مكثفة في برمجة الطائرات المسيرة
  • بعد رومانيا.. لاتفيا تعلن انتهاك طائرة روسية بدون طيار لمجالها الجوي
  • معدن منصر يسقط من السماء.. ماذا نعلم عن درون التنين بساحة المعركة بين روسيا وأوكرانيا؟
  • اعلام غربي:  أوكرانيا بدأت استخدام الطائرات المسيرة ذات المعدن المنصهر
  • لقطات لطائرة بدون طيار نشرها الجيش الأمريكي تظهر احتراق ناقلة النفط سونيون في البحر الأحمر
  • روسيا تنجح في السيطرة على قرية «كايلينوف» شرقي أوكرانيا
  • أوكرانيا تعلن إسقاط 58 طائرة دون طيار بعد هجوم روسي واسع
  • أمين عام للناتو يحث الصين على التوقف عن دعم حرب روسيا في أوكرانيا
  • الناتو يحث الصين على وقف دعم روسيا في حرب أوكرانيا