لجريدة عمان:
2024-11-19@00:36:55 GMT

من أي جسد أو وجه ستأكل؟

تاريخ النشر: 18th, February 2024 GMT

تصور أن تهوي بك الطائرة في فسحة يتسيدها البياض وتتدنى فيها درجات الحرار إلى ٣٥ تحت الصفر، في جبال الأنديز التي يصل ارتفاعها إلى ٣٥٠٠ متر تقريبا، تصور أن يمتد بك العمر لأن تبصر مكانا تنعدم فيه الحياة، فلا نباتات تنمو ولا حيوانات تجري ولا بشر يعبرون، بياض شاسع وغير محدود! ثمّ تعبر ذهنك هذه الفكرة: من الذي نجا حقا؟ أنا أم ركاب الطائرة الذين ماتوا مباشرة إثر الاصطدام؟ إذ ستكون آنذاك وحدك في مواجهة وحوش غير مرئية يتبدى أعظمها في فكرة الجوع! فبعد أن كنت تُحصي أوقات البهجة التي ستقتنصها من السفر، ستبدأ في إحصاء الأيام والليالي التي ستمر ببطء هائل ريثما يجدوك، ثمّ ستنمو الفاجعة عندما يأتيك الخبر في الراديو، بأنّهم أوقفوا البحث عن طائرتك المفقودة، لتتأكد وقتها أنّ بقاءك على قيد الحياة محفوف بالمشقة الجامحة!

تصور أنّ الحماية الصغيرة التي تبقت لك هي سقف الطائرة الذي لم يتهشم فتراكمت أسفله الأجساد الحية والميتة ترص بعضها إلى بعض بحثا عن الدفء.

تُراقب يوميا إخراج الجثث، فتح حقائب المسافرين رغبة في الحصول على الطعام والثياب، عداد الوقت المتثاقل والمؤونة التي تنفد، الأجساد التي تنحف، حصص الطعام التي تنعدم، والوجوه المكفهرة.. إلى أن ينبثق السؤال المتوحش فيك، الهوس الجنوني بالبقاء، السؤال الذي سيكلفك أن تُغادر كل ما تألفه عن نفسك؟

لم يكن مجرد سقوط طائرة من علوها الشاهق لتقذف بحياة ركابها إلى مصير غامض، كان اصطداما حادا بين الإنسان وقيمه تلك التي يمكن أن تتزعزع عندما يصبحُ قاب قوسين أو أدنى من حتفه!

رافقتني هذه الفكرة وأنا أشاهد الفيلم الإسباني «Society of the Snow»، المرشح للأوسكار، الفيلم الذي دفعني للالتحام بنسيج قصّته وأسئلته الجامحة، منذُ لحظة السقوط المروع -لطائرة تقل على متنها 45 راكبا، مصطدمة بجبال الأنديز المثلجة في أمريكا الجنوبية ١٩٧٢، في الرحلة المشؤومة من الأوروجواي إلى تشيلي- وحتى آخر الفيلم، متشبثة بالسؤال ذاته: كيف يتصرف العقل البشري في انعدام الخيارات؟ استقى مخرج الفيلم الإسباني خوان أنطونيو بايونا قصته من شهادات الناجين الحقيقيين ومن كتابات الصحفي الأوروجوياني بابلو فييرشي، ليُعمقُ بداخلنا الإحساس المأساوي، فقد ترك الشخصيات تتحدث باللغة الإسبانية وبالأسماء الحقيقية ليبقى التصاقنا بالحقيقة أكثر متانة.

تصاعدت وتيرة الآراء المحتدة حول تناول لحوم جثث الموتى كخيار أخير للنجاة، هنالك من كان خائفا من عقاب الله، أو من القانون، أو خائفا على أخلاقه، لكن الأجساد كانت تتهاوى كما كانت انهيارات الثلج تتبارى لتدفنهم برفقة من سبقوهم.

ذكرتني تلك الرغبة في العيش - والتي كانت تشع من مكان غامض فيهم- بعالم النفس النمساوي فرانكل الذي يقول: «المعاناة تدفعنا لصياغة معنى جديد للحياة».

هنالك من أخذ المهمة على عاتقه، فكانت قطع اللحم الصغيرة تصلهم دون أن يعرفوا لأي صديق كانت أو لأي غريب تعود! وكنتُ أدركُ آنذاك أنّ هذا الشخص كان يريد أن يجنبهم معرفة الجسد أو الوجه؛ لأنّ المعرفة ستشكل حاجزًا نفسيًا هائلًا، فالقطع الصغيرة مجهولة الهوية يمكن أن تبتلع دون مضغ، دون متعة، رغم ما سيتولد في دواخلهم من شعور عميق بالعار!

تضاعفت سوداوية الأيام وكآبتها فتعاهدوا وسمحوا لبعضهم باتفاق ضمني أن الذي سيموت يمنح الموافقة للآخرين أن يتغذوا عليه. تلك الفكرة بأن تُحول جسدك لمادة تهب الآخرين الحياة المؤقتة، بدت لي في غاية الغرابة والتأثير. في مقال للكاتبة كريستين حبيب تشير إلى أنّ المخرج تحدث مع أحد الناجين حول قرار تناول لحم الموتى فقال: «في اليوم الأول كان الأمر مروّعًا، شعرنا بالتعاسة، أمّا في اليوم الثاني فوقفنا في الصف، منتظرين حصّتنا من الطعام»!

في انعدام الجدوى اندفع اثنان منهم بجسدين منهكين لتسلق الجبال، فأحدهما كان يؤمن بأنّ «تشيلي» تقع خلف الجبل مباشرة، حملا لحوم أصدقائهم على ظهورهم ليأكلوا منها متى جاعوا، وهكذا أنقذوا ١٦ راكبًا.

في تلك الليلة فكرت: ماذا لو لم تؤكل تلك اللحوم؟ ماذا لو ماتوا جميعا؟ لو ماتت قصتهم؟ وتساءلتُ أكثر: عندما نوضع في اختبارات شديدة القسوة، هل سنرى حقا نسخة أخرى من ذواتنا؟

هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

أباظة: مصر كانت وستكون ملجا أمن لكل طالب الاستجارة

أكد النائب هاني أباظة عضو مجلس النواب، بانه لايزايد احد علي الدولة المصريه ام الدنيا، فان ابوابنا مفتوحه منذ الانبياء وحتي اليوم في عهد الرئيس السيسي، موكدا بان اللاجئين هم ضيوف مصر، واكد عليه دستور مصر بحق اللجوء السياسي اذا كان يدافع عن حقوق الانسان اوالسلام وغيرها.

هاني أباظة: نوافق على مشروع إنشاء المجلس الوطني للبحث العلمي أباظة: الدورة الـ 40 لمهرجان الإسكندرية السينمائي مميزة جهدا ورقميا

وأضاف اباظه في كلمته في الجلسه العامه اليوم المخصصة لمناقشة قانون لجوء الاجانب، مؤكدا بان مصر لم ولن تتخلي عن هذه الحقوق للاجانب ومن يستجير بها حتي و ان هناك التردي شديد في الاوضاع الاقليمية فان واجبنا السياسي والانساني يحتم علينا ذلك ، ولفت اباظه الي ان حجم الانفاق علي اللاجئين كبير جدا وكان لابد من هذه القانون حتي نقيم الاعداد لتحدي عدد اللاجئين وغيره ، مشددا بان هذه الدولة كانت وستكون ملجا ءامن لكل طالب الاستجاره .

وأعلن اباظه موافقته وموافقة الهيئةالبرلمانيه لحزب الوفد نعلن الموافقه علي مشروع القانون من حيث المبدأ.

 

مقالات مشابهة

  • سعد سمير يكشف عن موقف مؤثر لـ صلاح معه
  • ما تفسير حلم الهدية في المنام؟
  • عندما يتحول العمل إلى إدمان
  • مغردة مشهورة تزوجت من كويتي عمره 100 عاما وهكذا كانت النهاية!
  • أباظة: مصر كانت وستكون ملجا أمن لكل طالب الاستجارة
  • ” عندما يكون الفن القوة التي تتحكم في التعايش السلمي ونبذ الاعراف البالية “فصلية “
  • ما تفسير حلم العطر في المنام؟
  • البلاء في حياة المسلم: اختبار للثبات ومغفرة من الله
  • رونالدو: " أتمنى لـ مانشستر يونايتد وأموريم النجاح"
  • فرنسا تسعى للثأر من إيطاليا في سان سيرو