"منتدى ICEF الشرق الأوسط للمنح الدراسية" يناقش آليات توأمة الجامعات العمانية مع نظيراتها العالمية
تاريخ النشر: 18th, February 2024 GMT
◄ المحروقية: المنتدى يستهدف التعرف على البيئات التعليمية المختلفة والتقنيات المتقدمة في الجامعات الدولية
◄ الرئيس التنفيذي للمنتدى: نعمل على تبادل الأفكار واستكشاف الفرص المتاحة لتطوير التعليم الدولي
الرؤية- ريم الحامدية
انطلقت أمس الأحد أعمال منتدى ICEF الشرق الأوسط للمنح الدراسية 2024، والذي تستضيفه سلطنة عُمان ممثلة بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار بالتعاون مع مؤسسة ICEF ومؤسسة مؤتمرات الخليج، ورعى حفل الافتتاح معالي الدكتور خميس بن سيف الجابري رئيس وحدة متابعة تنفيذ رؤية "عُمان 2040"؛ بحضور عدد من أصحاب المعالي والسعادة وممثلين عن أكثر من 100 مؤسسة تعليمية دولية، و150 هيئة حكومية خليجية وممثلين من الجهات المعنية المانحة للمنح الدراسية من جامعات وكليات خاصة.
ويقام المنتدى على مدى يومين، بهدف بناء علاقات وعقد شراكات مستدامة بين الجهات الحكومية والمؤسسات الأكاديمية في المنطقة، وتبادل أفضل الممارسات الدولية في الاعتراف والاعتماد الأكاديمي والمنح الدراسية.
وأعربت معالي الأستاذة الدكتورة رحمة بنت إبراهيم المحروقية وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار في كلمة افتتاح المنتدى، عن خالص امتنانها للمنظمات الدولية والمندوبين الرسميين ورؤساء أقسام المنح الدراسية في دول الخليج العربي، وممثلي الجامعات العالمية وكافة المتحدثين والمشاركين في المنتدى، والذي من المؤمل أن يوسع أفق المعرفة المشتركة وأفضل الممارسات في مجالات التبادل الطلابي والأكاديمي، ودعم التعاون الرسمي بين الجامعات والكليات في سلطنة عُمان والعالم، لتعزيز جودة التعليم والبحث العلمي والابتكار في المنطقة.
وقالت المحروقية إن المنتدى يهدف إلى تسليط الضوء على أبرز ما حققته مؤسسات التعليم العالي الخاصة في تصنيف QSللجامعات العالمية، إلى جانب زيادة عدد الأكاديميين الباحثين المدرجين في قائمة ستانفورد لعام 2023 ضمن أفضل 2% من العلماء في العالم، مشيرة إلى أن هذه الإنجازات تعكس جودة ممارسات التدريس والبحث في الجامعات الخاصة في سلطنة عُمان، وقدرتها على المساهمة بشكل كبير في أهداف التنمية الاستراتيجية لرؤية "عُمان 2040"، والإسهام في إيجاد آفاق جديدة لدعم تحول الاقتصاد الوطني إلى اقتصاد قائم على المعرفة.
وأشارت المحروقية إلى أنَّ هذا التجمع الدولي يعد فرصة لتوأمة مؤسسات التعليم العالي في سلطنة عُمان مع جامعات عالمية رفيعة المستوى، وذلك عبر التعرف على البيئات التعليمية المختلفة والتقنيات المتقدمة في الجامعات الدولية، الأمر الذي يسهم في استقطاب الطلبة الدوليين المسجلين في الجامعات العُمانية، لتعزيز تصنيف المؤسسات التعليمية في التصنيف العالمي QS العالمي. وأكدت المحروقية اهتمام الحكومة بالتعليم؛ باعتباره أحد أهم ركائز التنمية البيئية والاقتصادية والاجتماعية المستدامة، موضحة أن الوزارة بذلت كافة الجهود لضمان التعليم الجيد والعادل والشامل، وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع؛ حيث يتم منح حوالي 70% من خريجي دبلوم التعليم الوطني منحًا دراسية كاملة أو جزئية، لدراسة مؤهلاتهم التعليمية داخل سلطنة عُمان أو في الخارج، كما تقوم الوزارة أيضًا بتخصيص منح دراسية للطلبة ذوي الاحتياجات الخاصة وفئات ذوي الدخل المحدود.
وأضافت المحروقية أن الحكومة استثمرت في بناء القدرات والإمكانات، بما يتماشى مع احتياجات تنمية المعرفة والمهارات، وبلغ عدد الطلبة العُمانيين الملتحقين بالجامعات المرموقة حول العالم في العام الدراسي 2023/2024 حوالي 28951 طالبًا عُمانيًا، منهم حوالي 57% من الإناث، و137 مصنفًا كمتعلمين من ذوي الاحتياجات الخاصة.
مناقشات هادفة
وتناولت الجلسة النقاشية الأولى عددًا من الرؤى الإقليمية في سياق عالمي ودور المنح والبعثات الدراسية في تحقيقها، حيث شارك في الجلسة عدد من المسؤولين في سلطنة عُمان وقطر والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، استعرض فيها المسؤولين استراتيجيات ورؤى التعليم والبحث العلمي والابتعاث في بلدانهم، وأبرز الممارسات الناجحة في مجال الابتعاث والمنح الدراسية. بينما استعرضت الجلسة الثانية سبل تعظيم الاستفادة من المنح والبعثات الدراسية وطرق استدامتها، اشتملت على دراسة حالات وقصص نجاح في مجال الابتعاث. وانعقدت الطاولة الوزارية المستديرة لدول مجلس التعاون الخليجي وممثلين من الجهات المقدمة للمنح الدراسية، والتي ناقش فيها عشرة مسؤولين من مختلف دول العالم، فرص الابتعاث في المنطقة وأبرز التحديات المتعلقة بالابتعاث في المنطقة.
وتضمن المنتدى معرضا لعدد من المؤسسات والهيئات الحكومية والخاصة من مقدمي خدمات التعليم للتعريف بالخدمات والمزايا والحوافز التي توفرها؛ إيمانا بدورها في تزويد المهتمين والمشاركين بأحدث مستجدات الابتعاث والتدريب والتأهيل والتعليم في المنطقة.
من جهته، أعرب ماركوس باد الرئيس التنفيذي لمنظمة ICEFعن سعادته في إقامة هذه النسخة من المنتدى في سلطنة عُمان بمشاركة 330 مشاركًا من 27 دولة، وقال: "يركز هذا اللقاء الدولي على تبادل الأفكار والمشاركة في مناقشات هادفة واستكشاف الفرص المتاحة لنمو وتطوير التعليم الدولي لطلبة المنح الدراسية في الشرق الأوسط".
فيما قال عبدالخالق عثمان المؤسس والرئيس التنفيذي لمؤسسة الخليج للمؤتمرات إن المؤسسة وضعت نصب عينها توطيد التعاون بين جهات الابتعاث والطلبة المبتعثين والإدارات المعنية ببرامج الابتعاث، عبر بناء جسور تواصل بين هذه الجهات لتحسين الاستثمار المادي والبشري، وزيادة فرص الابتعاث داخليًا وخارجيًا، وإيجاد شراكات بين المؤسسات التعليمية ما من شأنه تطوير المؤسسات ورفع تصنيفها بحثيًا وأكاديميًا.
وعلى هامش أعمال المنتدى التقت معالي أ.د. رحمة المحروقية بالرئيسة التنفيذية لمنظمة المعلمين الدوليين، وناقش اللقاء عدة جوانب تتعلق بأوجه التعاون المحتملة بشأن التبادل الطلابي بين الطرفين، وآلية استقطاب الطلبة الدوليين، وتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، ورفع جودة التعليم في مؤسسات التعليم العالي العُمانية، عبر توأمتها مع الجامعات العالمية.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الغرب وكأس الشرق الأوسط المقدسة
يرغب الأميركان في شرق أوسط مستقر، وفي سبيل ذلك يتخذون أفضل السياسات الكفيلة بزعزعة استقراره. منذ وقت طويل يراودهم حلم الوصول إلى "الكأس المقدسة"، تلك التي ستأتي بالسلام والاستقرار الأبديين. والكأس المقدسة هي السلام مع السعودية وفقًا للوصف الذي نحته زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد في مقال له على صحيفة هآرتس.
استعصت الكأس المقدسة حتى الآن، وستصبح بعيدة المنال مستقبلًا في ظل ازدهار اليهودية الراديكالية، كما يتوقع لبيد. تدرك السعودية أمرين هامين حين يتعلق الأمر بالتطبيع مع إسرائيل: مكانتها الرمزية في العالم الإسلامي، والأصول التوراتية التي تختبئ وراء النفاق الغربي. كما تدرك أيضًا أن سلامًا مفتوحًا مع إسرائيل، دون حل جذري للمشكلة الفلسطينية، لن يسهم في استقرار الشرق الأوسط.
بعد أربعة عقود من السلام مع مصر يتساءل المثقفون الإسرائيليون عن قيمة ذلك النوع من "السلام البارد". الحال بين مصر وإسرائيل بات أكثر خطرًا من سلام بارد. فقد اعترضت إسرائيل مؤخرًا على الإنشاءات العسكرية التي يقوم بها الجيش المصري في سيناء، وسبق لها أن وصفت ثورة 25 يناير/ تشرين الأول بالطاعون المصري.
داخل النقاش الجاري هناك – حول النشاط العسكري المصري في جزيرة سيناء – علّق تامير موراج، المراسل الدبلوماسي للقناة 14 الإسرائيلية، مطلع هذا الشهر قائلًا: ".. على قيادتنا العليا أن تبقى مستيقظة في الليل. مباشرة أمام أعيننا، وتحت ستار اتفاقية السلام، قامت مصر ببناء جيش هائل يعتمد على الأسلحة الأميركية، وجميع تدريباته تحاكي سيناريوهات غزو إسرائيل [..]. قوات بحرية قوية، وقوة جوية قادرة على تحدي وتعقيد الأمور بالنسبة لسلاح الجو الإسرائيلي. هذه القوة العسكرية برمتها، التي تنتهك وتقوض اتفاقات كامب ديفيد بشكل متكرر، تتدرب من أجل هدف واحد: الحرب مع إسرائيل".
إعلانشيء واحد في حكم المؤكد، وهو أن إسرائيل – الحصن الغربي- كيان تأسس على عجلة استعمارية، وأن الزمن يعقد عليه الأمور من كل جانب. ما من كأس مقدسة في الشرق الأوسط، وحتى السلام البارد مع القوة العربية الكبرى في طريقه لأن يصبح سلامًا خطرًا، سلامًا يتدرب على غزو الجار، كما تخبرنا القناة 14 المعروفة بتطرفها وقربها من المنظومة اليمينية.
الخفة في التعاطي مع الشرق الأوسط صارت إلى علامة فارقة في السياسة الغربية التي نحَت، مؤخرًا، منحى توراتيًّا وباتت ترى الدولة الإسرائيلية شأنًا إلهيًّا، بعد أن كانت "حصنًا غربيًا" كما في تصوّر كونراد أديناور، مؤسس ألمانيا الحديثة.
القول إن المقاربة الغربية لمسألة الصراع العربي- الفلسطيني أخذت بعدًا توراتيًا ليس رجمًا بالغيب، ولا هو حديث مرسل. في يونيو/ حزيران 2001 دُعي بيل كلينتون للاحتفال بكتاب "كيف تخوض حربًا حديثة"، للجنرال ويسلي كلارك، القائد السابق للناتو. كان قد مرّ نصف عام على مغادرة كلينتون للبيت الأبيض، وعام كامل على انهيار مفاوضات كامب ديفيد.
لساعة كاملة تحدث كلينتون – لأوّل مرّة- عمّا دار في المفاوضات. تسبب عرفات، يقول كلينتون، في انهيار المفاوضات حين أقدم على الخطأ الذي لا يغتفر. إذ شكّك في "الحقيقة التاريخية" التي تقول إن الهيكل اليهودي يوجد هناك، أسفل المجمَع الإسلامي المكوّن من المسجد الأقصى، قبة الصخرة، وحائط البراق.
بالنسبة لكلينتون فإن هذا التشكيك أمر لا يحتمل. قال للحاضرين "أخبرت عرفات، قلتُ له أنا أعرف أن الهيكل هناك في الأسفل". في الواقع فقد سمع عرفات ما هو أكثر خطورة من هذه الجملة. في الرواية التي دوّنها إيهود باراك، قائد الوفد الإسرائيلي، عن الساعات الأخيرة من المفاوضات نقرأ أن كلينتون انتفض ونهر عرفات صارخًا في وجهه "أخبرني القس سولومو وأنا طفل في نيويورك أن الهيكل هناك تحت المسجد". قبل أن يغادر الحفلة قال كلينتون للحاضرين "أعتذر، لقد أفسدتُ ذلك الشيء في الشرق الأوسط"، كما نقلت مجلة نيوزويك في حينه (يونيو/ حزيران، 2001 ).
إعلانيعمل كل الغرب، لقناعات توراتية – كولونيالية، على إفساد "ذلك الشيء" في الشرق الأوسط، ولم يكن كلينتون استثناء. الإبادة الجارية في غزة كشفت عن رؤية غربية للصراع تقع القصة التوراتية في مركزها. حتى الغرب الثقافي انخرط في ذلك الخيال التوراتي. ولم يعد مستغربًا أن يرى المرء مفكرًا سياسيًا مرموقًا مثل نيال فيرغسون، الذي يقدّم نفسه بوصفه ملحدًا يرسل أولاده إلى الكنيسة، وهو يتحدث عن "المهمة الإسرائيلية فائقة النجاح" في غزة. فـ "تلك الأرض"، يقول فيرغسون، هي مكان وهبه الإله – الذي لا يؤمن بوجوده- لليهود.
الشرق الأوسط حقيقة جيوسياسية بالغة التعقيد، تتصارع حوله ثلاث رؤى، كما يذهب الباحث الإسرائيلي عاموس يلدين في مقاله الأحدث على فورين أفيرز: رؤية المقاومة الفلسطينية (حماس)، الرؤية الإيرانية، والرؤية الأميركية.
لا يمكن العثور على تصور عربي متجانس لمسألة الشرق الأوسط، لا لماضيه ولا لمستقبله. ثمّة خيالات وأحلام متناقضة ومتصارعة. غير أن مشروعًا عربيًا مكتملًا، بما يوازي ويماثل المشاريع المتجانسة التي تنظر إلى المنطقة من خارجها، لا يزال بعيد المنال.
تقوم الرؤية الأميركية، في تقدير يلدين، على تحقيق استقرار في الشرق الأوسط عبر إستراتيجيات متعددة: إنتاج فرص سياسية للإسرائيليين والفلسطينيين معًا، التطبيع بين إسرائيل والسعودية، ومن خلال اتفاقية دفاع بين واشنطن والرياض.
السؤال الإسرائيلي كان دائمًا هو سؤال الاستقرار، وهذا ما تدركه كل المقاربات الأميركية للصراع. فالمجتمع الإسرائيلي سيتعين عليه، في آخر الأمر، أن يتجاوز سؤال البقاء إلى أسئلة أخرى لا تقل أهمية، منها سؤال الاندماج مع الجوار.
فما من مثيل واحد في العالم لحالة النبذ والقطيعة التي تعيشها "الدولة" الإسرائيلية مع كل الجيران. لا تتجاوب إسرائيل كثيرًا مع تكتيكات الاستقرار التي تبتكرها السياسة الأميركية، ومع اتجاهها يمينًا فإن استجابة إسرائيل للرؤى والتقديرات القادمة من خارج المنطقة ستصبح أكثر ندرة.
إعلانفي مذكراته قال كيسنجر إن المسؤولين الإسرائيليين شكروه في وقت متأخر جدًّا على تكتيكاته التي حمَت دولتهم إبّان الصدام العسكري العربي- الإسرائيلي في سبعينيات القرن الماضي.
لم تكن المصلحة الإستراتيجية التي تنطوي عليها "حلول" كيسنجر واضحةً في العقل الإسرائيلي أوّل الأمر. كان كيسنجر بالنسبة لهم أميركيًا أكثر من حقيقته اليهودية، ولم تكن الحميمية الإسرائيلية- الأميركية قد بلغت الحد الذي نراه الآن، بأن تعمل دولة عضو في مجلس الأمن على رعاية إبادة بشرية على الهواء. وحتى الآن، في أوج الحميمية التوراتية بين البلدين، فثمة هامش مناورة واسع تستطيع إسرائيل من خلاله تمرير مشاريعها العدوانية بما فيها تلك التي تأخذ شكلًا إجراميًا مروّعًا.
الرؤيتان الأخريان؛ رؤية حماس ورؤية المحور الإيراني، تختلفان وتتفقان. وجه اتفاقهما هو في استنزاف إسرائيل وحشرها في زاوية الدخيل والغريب على المنطقة. يواصل يلدين تقديره لما يراه قائلًا: فشلت المقاربات الثلاث ونجحت إسرائيل في فرض رؤيتها الواقعية. إذ أدت العمليات العسكرية لجيش الدفاع الإسرائيلي إلى سلسلة من النجاحات انتهت بسقوط النظام السوري من جهة، وإلى تقويض "الكوريدور الممتد من غرب إيران وحتى الحدود الإسرائيلية، ذلك الطريق الذي عكفت إيران على بنائه لأربعة عقود"، بحسب يلدين.
نجحت إسرائيل من خلال أعمالها العسكرية على جبهات عدة في تغيير "الشكل" الأوسط على نحو لم تكن تتوقعه ولا يبدو أنها تأنس له. لقد تخلّق شكل جديد غامض للشرق الأوسط، لم يستقر بعد، ولا يمكن التنبؤ بما سيؤول إليه في قابل الأيام.
وإن كانت إسرائيل قد نجحت في إبعاد إيران عن حدودها، فإن الحدود التركية باتت الآن، ولأوّل مرّة، على مشارف الدولة العبرية. يتداول الكُتّاب الإسرائيليون النقاش حول المفاجأة السورية التي جعلت تركيا، ذات الثأر التاريخي، محاددة لدولتهم. كل حركة في الشرق الأوسط تخلق نقائضها، وكل إجابة عن سؤال هي في الحقيقة تعقيد للسؤال نفسه.
إعلانإلى ما قبل ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، 2024، كانت الثورة السورية قد آلت إلى قصة من الماضي البعيد. أما الثوار وهم يتحضرون للعملية العسكرية فإن طموحاتهم لم تأخذهم إلى ما هو أبعد من ريف حلب، كما دوّن كمال أوزتورك، الصحفي التركي القريب من المعارضة السورية، في مقالة له على الجزيرة نت.
تدحرجت الكرة كما هي عادة الأحداث في المنطقة وبتنا نشاهد شرقًا أوسطَ جديدًا وغامضًا يختلف جذريًّا عن ذلك الذي تخيله شمعون بيريز مخترع مصطلح "الشرق الأوسط الجديد" في تسعينيات القرن الماضي.
بينما المسألتان؛ الفلسطينية واللبنانية ذاهبتان إلى الهدوء، برز الحدث السوري إلى العلن على شكل "هزة أرضية لم تحدث في المنطقة منذ اتفاقية سايكس-بيكو عام 2016" وفقًا لكلمات نتنياهو أمام المحكمة المركزية. ما من شيء، ولا أحد، بمقدوره أن يمنع الرياح والعواصف في الشرق الأوسط، ولا حتى أن يخبرنا من أين ستهبّ ولا أين ستسكن.
يقف الشرق الأوسط، برمّته، على كثبان من الرمال المتحرّكة. سكونه المريب باعث على الشك، وحركته المفاجِئة لا تخضع للقواعد. داخل هذا الغموض الوجودي، "الهيولى المحيّرة"، يُراد لإسرائيل أن تغدو كيانًا مستقرًّا. وليس لتلك الأمنية من معنى سوى أنها صادرة عن خيال عاجز وفقير، وعن أوهام خطرة حول شرقنا الأوسط اللعوب والعنيد.
كما لو أن الحديث عن الشرق الأوسط الجديد، دائمًا، يتعلق بالبحث عن مكان آمن لإسرائيل في تلك البقعة من الأرض، لا عن فهم جذري لحقيقته الجيوسياسية في سياقها التاريخي.
الشرق الأوسط الذي يُراد له أن يتسع لإسرائيل يضيق بنفسه وبشعوبه، وهو واحد من أكثر الأماكن الطاردة للسكّان الأصليين. جدران الشرق الأوسط السياسية والاجتماعية ضيقة، وقد أدّت التفاعلات السياسية التي حدثت في العقد الماضي إلى حروب أهلية مدمّرة.
إعلانتريد إسرائيل مكانًا آمنًا في الشرق الأوسط، وفي سبيل ذلك فقد بنت إستراتيجيتها على ثلاثة مبادئ: "الردع، الإنذار المبكر، والنصر الحاسم" كما يرى الباحث الإسرائيلي أسّاف أوريون في مقال له على فورين بوليسي. لطالما استخدمت إسرائيل سجلها من الانتصارات الحاسمة في ردع خصومها، وكانت تضرب الصغير ضربة يخرّ لها قلب الكبير، كما هو قانون "عنترة" في الصراع.
من خلال آلتها العسكرية المتقدمة حرصت على تحقيق انتصارات حاسمة داخل أراضي العدو، بعيدًا عن الحدود. ذلك ما جعلها تبدو وكأنها حقيقة جيوسياسية نهائية في الشرق الأدنى، وليست كيانًا استيطانيًّا في منطقة غير مستقرة في المجمل.
غير أنها مع نهاية معاركها تقف على حقائق جديدة، غالبًا أكثر تعقيدًا. كلما تعقدت المسائل أمام إسرائيل وعدتها أميركا بالكأس المقدسة، وتلك الكأس تأخذ في كل مرّة شكلًا واسمًا. كانت "مصر"- التي يتدرب جيشها على غزو إسرائيل كما يقول مراسل القناة 14- هي تلك الكأس الغالية قبل أربعة عقود.
من الحقائق الجديدة التي وقفت عليها إسرائيل بُعيد انهيار نظام الأسد أن إيران المحشورة في الزاوية، كما حذرت جيروزاليم بوست، قد تلجأ إلى تسريع برنامجها النووي بوصفه الحصن الأخير بعد انهيار كل الحصون. إن نجحت إيران في ذلك المسعى فعلى الإسرائيليين أن يهاجروا، كما يذهب تقريرٌ متشائم لصحيفة يديعوت أحرنوت.
يشبه الحال – بالنسبة لإستراتيجية الأمن الإسرائيلية- لعبة الدمى الروسية، الماتريوشكا، كلما نزع اللاعب مجسمًا وجد تحته آخر. في الواقع ثمّة كأس مقدسة، سهلة ويمكن تخيّلها: الدولة الفلسطينية. غير أن إسرائيل، ومن ورائها العلمانية الغربية التوراتية، اختارت طريق النيران.
الأمم لا تذهب إلى الاستقرار عبر المذابح. جربت أميركا ذلك الطريق مرارًا وفشلت فيه. وكان عليها، وهي تلعب دور الأم، أن تنقل إلى إسرائيل ما تحتاجه الأخيرة من العظة والعبرة. أو على الأقل أن تكشف لها عن نوع من "الحب القاسي"، وفقًا للنصيحة التي قدمها توماس فريدمان عبر صحيفة نيويورك تايمز في العام الماضي.
إعلانالآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية